- En
- Fr
- عربي
علاقات دولية
الصين إحدى أهم البلدان الشديدة الاعتزاز والافتخار بحضارتها التي تمتد لنحو 5000 عام تقريبًا، تاريخها حافلٌ بالجوانب المضيئة والمشرقة، كما بالتقاليد والعادات التي تؤدي دورًا محوريًا في حياة أبنائها. اليوم ينهض العملاق الصيني من جديد ويبرز دوره بوضوح في الساحتين الإقليمية والدولية.
المستقبل كفيل بالإجابة عن كل الأسئلة...
الصين والشرق الأوسط
على الرغم من العلاقات التاريخية بين بلدان منطقة الشرق الأوسط والصين، إلا أن الأخيرة لم تكن يومًا لاعبًا دوليًا فاعلًا في تلك المنطقة التي لم تكن محور اهتمام الساسة الصينيين ولم تدخل ضمن الاستراتيجية الصينية، فالعلاقات بين الطرفين اقتصرت على المبادلات التجارية والثقافية.
كانت الصين في الماضي تتجنَب منطقة الشرق الأوسط كونها منطقة صراعات وحروب، على الرغم من أنّها مصدر مهم وأساسي للنفط. فالصين كانت تشتري معظم وارداتها النفطية من أميركا الجنوبية (فنزويلا) وأفريقيا السوداء (أنغولا والسودان) التي ما تزال المورد الأول لاحتياجات الصين النفطية.
لكن مع بروز قوّتها سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا، بدأت الصين تبحث عن مصادر أخرى، كمنطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
مرّت الصين بمرحلة طويلة من الانكفاء على الذات لم تتخذ فيها مواقف حازمة وقوية إزاء الصراع العربي - الاسرائيلي وغيره من القضايا الشرق أوسطية. ولكن منذ عقدين تقريبًا رأينا الدور الصيني ينشط مجددًا لتبرز الصين كقوة إقليمية آسيوية كبرى صاعدة. ومنذ سنوات قليلة بدأ اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط يكبر، لسببين: الأول كونها منطقة قريبة نسبيًا أكثر من غيرها منها، والثاني كونها المنبع الأساسي للنفط والغاز.
مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية
يمكننا تقسيم المصالح الصينية في منطقة الشرق الأوسط إلى ثلاث فئات: إقتصادية، سياسية وأمنية. والمصالح الاقتصادية صاحبة الأولوية من وجهة النظر الصينية، إذ إنّ الصين باتت تستورد جزءًا ضخمًا من احتياجاتها من النفط الخام من منطقة الشرق الأوسط عمومًا ودول الخليج خصوصًا. وسجّلت التبادلات التجارية بين الصين والدول العربية نسبة مرتفعة جدًا، مما جعل البلدان العربية سادس
أكبر شريك تجاري معها، وذلك من خلال توقيع 21 اتفاقية في مجالات مختلفة.
وفي السنوات القادمة سوف نشهد تضاربًا للمصالح بين العملاق الأميركي والمارد الصيني، لا سيّما في منطقتي الخليج وآسيا الوسطى. فقد استطاعت الولايات المتّحدة بفضل شعار «الحرب على الإرهاب» أن تبسط نفوذها في بعض جمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان الغنيّة بالنفط والمعادن. واستطاعت من خلال احتلال العراق أيضًا السيطرة على «حنفيّة» النفط في منطقة الخليج العربي تحت عدّة شعارات.
بدأ الصينيون يسيرون على خطى الأميركيين في منطقتي آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وذلك عبر تحريك دبلوماسيتهم واتّخاذ مواقف جريئة وقوية. وقد شهدنا تعاون الصين في قطاع الطاقة مع كازخستان وأوزبكستان، بالإضافة إلى تعزيز علاقتها مع المملكة العربية السعودية، ودول عربية أخرى (قام وزير الخارجية الصيني بجولات عديدة شملت السعودية، مصر، سلطنة عُمان، واليمن)، وهذا ما أثار قلق الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على حدّ سواء.
الملجأ الآمن
جذبت الثورات العربية وما يحدث في البلدان العربية انتباه صنّاع القرار في بكين، وهؤلاء يعتبرون أنّ للأوضاع في سوريا تأثير على المصالح الأمنية والاقتصادية الصينية. كذلك فإنّ وجود 23 مليون مسلم صيني جعل الحكومة الصينية تنظر بعين القلق إلى ما شهدته بكين في الآونة الاخيرة من اضطرابات وأحداث شبيهة بما حدث في العالم العربي. كما أنّ أي اضطراب أو إرهاب في منطقة الشرق الأوسط سيؤثر على الصين التي يهمها الاستقرار والسلام في المنطقة، لتتمكن من إقامة علاقات إقتصادية وسياسية مع دولها.
إلى ذلك، بات الموقف الصيني أكثر حضورًا ووضوحًا حيال الأزمة السورية، فاستخدام الفيتو (الصيني والروسي)، أدّى إلى إسقاط ثلاثة قرارات في مجلس الأمن سعت إلى إدانة النظام السوري ومعاقبته. أمّا الدافع الحقيقي لذلك فهو معارضة الانفراد الأميركي - الأوروبي بتقرير مصير بعض الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي زيادة الضغط الأوروبي والأميركي على ايران، مما يهدد إمدادات النفط للصين.
أما من ناحية المصالح السياسية فقد بدأت بكين تقدم نفسها كصديق للدول العربية وكذلك لإسرائيل، وتعتبر أن ذلك يمكّنها من أداء دور استراتيجي وسياسي أكثر مصداقية وحيادية من الدور الذي تؤديه الولايات المتحدة الأميركية والمتحيزّ دائمًا لإسرائيل.
وتنظر الصين اليوم للدول العربية كسوق حالي ومستقبلي لمنتجاتها المتعددة، وكملجأ آمن لرؤوس أموالها واستثماراتها.
ماذا يحمل المستقبل؟
ثمّة العديد من التحليلات حول النتائج المستقبلية للدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، ويعتقد البعض أن للصين طموحات سياسية وعسكرية على المدى البعيد تتمثّل بالحلول مكان الولايات المتحدة الأميركية في الخليج. ولكن ما يمكن تأكيده أنها تريد حماية مصالحها الحيوية من خلال تأمين إمدادات النفط إليها عبر الطرق البحرية. ويرى محلّلون في الدور الصيني المتنامي في المنطقة العريبة فرصة لتنافس قطبين: غربي تمثّله الولايات المتحدة الأميركية، وآخر شرقي صاعد تمثّله الصين، وهذا يعني انتهاء الأحادية القطبية وبزوغ نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
فهل ستسمح الولايات المتحدة للمارد الصيني بالدخول إلى بلاد العرب؟
سؤال برسم المستقبل.
على أيّ حال فإنّ الصراع الصيني - الأميركي على النفط في منطقة الشرق الأوسط قد بدأ بالفعل، والمشهد ما زال في بدايته، والمستقبل كفيل بالرد على الأسئلة كلّها.