باختصار

الشعب
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

الأرض والشعب عنصران رئيسان في بناء الأوطان إلى جانب عناصر أخرى توثق العلاقة، وتؤسّس للغد الموعود. الأمور تخضع للنقاش في ما يتعلق بتلك العناصر، وتحتاج إلى تفاصيل مختلفة يحضر فيها الأخذ والردّ باستمرار، لكنّ عنصرَي الأرض والشعب لا يغيبان في ذلك كله، ولا يسري عليهما خلاف. فكيف للأرض أن تؤكد مواطنيتها من دون مواطن، وكيف للشعب أن يعلن وجوده من دون تراب يزرعه ويحميه، ويستريح عليه ويرقد فيه؟ هل في منطق الدنيا أن تستقدم أرض ما شعبها من مكان آخر، أو يشتري شعب من الشعوب أرضَه بأكياس من فضة وذهب؟ لو حصل ذلك، كم سيكون عمر الشعب في يوم الشراء، واعتبارًا من أي فترة سيؤرّخ هذا الشعب لتراثه وعاداته وتقاليده؟
صحيح أن مجتمعنا، لفرط وفائه لماضيه، واعتزازه بإنجازات أجداده، يغالي في إطلاق الأرقام على تاريخه، ويعيد بداية علاقته مع الدنيا إلى محطة موغلة في الزمن البعيد، إلاّ أن الشعب الذي يتكون منه هذا المجتمع عريق بالقول والفعل، متنوّع متضامن، نشأ على حب الحرية واستمرّ ساعيًا إليها، عاملًا في أرضها، صارفًا الأعمار في النضال والمقاومة دفاعًا عنها، وكانت علاقته مع الجيش راسخة قوية منذ البداية وما زالت. فالجيش عمل هو الآخر في هذه الأرض وحماها، تمامًا كما فعل الشعب، من هنا فإنّ أحدهما لم ينفصل عن الآخر، فاستمرّ الأول داعيًا الثاني لضمّ شبابه إليه، كما استمرّ الثاني في التوجه إلى صروح الأول بهدف إعلائها والانضواء تحت رايتها طوعًا واختيارًا. إذًا، كيف لهذه العروة أن تنفصم، وكيف لأحد الركنين أن ينفصل عن الآخر، أو أن يقاطعه ويبتعد عنه؟ كيف للجندي أن ينتصر في معركته من دون أن يرى خلفه مواطنًا يسانده ويدعم خطواته، وكيف للمواطن أن يمشي إلى حقله ومصنعه، آمنًا مطمئنًا، من دون أن يستقرّ نظره على رؤية جنديّ عند جانب الطريق، يحميه ويطمئنه الى مصيره والى سلامة عائلته، ويفهمه بالسيرة والممارسة أنه يعمل في سبيل البلاد بأسرها، وإنّ مصلحة أحد مكوّنات الوطن قد تختلف بشكل أو بآخر عن مصلحة غيره من المكوّنات، وهو لا يستطيع التمسك بهذه والابتعاد عن تلك.
صحيح أنّ الوطن، في مجموعه، واحد موحّد، لكنّه غير محكوم بالشمولية ولا بالرأي الواحد، والمصلحة العليا تشمل الخطوط العامة للمصالح بأسرها، وإذا خرجت أي مجموعة عن حدود التفسير الصحيح للأمور، وافترضت وجود غربة ما عن الجيش في بعض الحالات، فإنّ الصورة لا بد أن تعود إلى صفائها، خصوصًا حين يرى الحذرون والخائفون أنّ العمل لمصلحة المجموعة لن يكون على قياس الأفراد ولا على حسابهم، وأنّه، كما تنتهي حريّة الفرد عند حدود حريّة الآخرين، فإنّ مصلحته لا تصح إلاّ في حدود تطابقها مع مصالحه، من هنا ما نسمّيه المصلحة المشتركة التي هي المصلحة العليا، والتي وإن لم تنفع الناس فردًا فردًا، فإنها ستفيدهم جماعة كبيرة متكاملة.