ورشة عمل

الشفافية ضمانة الأمن والسلام
إعداد: ندين البلعة خيرالله

يحتلّ لبنان المرتبة ١٣٨ من أصل ١٨٠ دولة على صعيد مكافحة الفساد بحسب تقرير مدركات الفساد للعام ٢٠١٩ الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. ومع ذلك، لطالما احتلّ الجيش اللبناني المراكز الأولى بين جيوش المنطقة في مكافحة الفساد.

 

تُعتبر الشفافية ومكافحة الفساد من القضايا المركزية في استراتيجيات الدول ومؤسساتها، فللفساد دور كبير في تبديد الثروات والإمكانات واستنزاف الموارد والطاقات وإعاقة التقدم والتنمية. في لبنان، لا يمر يوم من دون الحديث عن ضرورة مكافحة الفساد وإيقاف الهدر وإقرار التشريعات المرتبطة بذلك. من ناحيته، لا يوفّر الجيش في هذا المجال أي فرصة للتعاون مع الجمعيات والمؤسسات المحلية والدولية ذات الصلة. ويشمل هذا التعاون التوعية وتطوير المناهج وتحقيق الاستراتيجيات والأدوات اللازمة لتحقيق الشفافية ومكافحة الهدر والفساد.
 

ورشة عمل
تعريف الفساد وأسسه ومكافحته، وتطبيق مبادئ الشفافية والنزاهة وتطوير الأداء الإداري، كان موضوع ورشة عمل أُقيمت في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان تحـت عنوان Anti - Corruption Training نظّمها فريق Building Integrity UK التابع لكلية الدفاع البريطانية، وذلك بالتنسيق مع ملحق الدفاع لدى السفارة البريطانية المقدم Alex Hilton.
شارك في هذه الورشة، إلى ضباط دورة الأركان وملاك الكلية، آخرون من مختلف الوحدات في الجيش، ومن قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك.
قائد الكلّية العميد الركن حسن جوني شدّد على أهمية ورشة العمل هذه، خصوصًا أنّها تضمّنت أمثلة صارخة ومثيرة عن الفساد في مؤسسات الدفاع حول العالم. وأوضح أنّ المعلومات التي اطّلع عليها المشاركون تعزّز البعد الرقابي لديهم وتزوّدهم الإمكانات والقدرات اللازمة في هذا المجال.
تأتي إتاحة فرصة الاطلاع على هذه المقاربة الأوروبية لمكافحة الفساد في إطار سعي كلية القيادة والأركان الدائم إلى توفير فرص التفاعل مع محاضرين أجانب في مختلف المجالات، لإغناء الثقافة العسكرية والاستراتيجية لدى الضباط.
 

تعريف الفساد
يُعرَّف الفساد بأنّه «إساءة استخدام السلطة لتحقيق المنفعة الشخصية»، وهو يطال مختلف المؤسسات، وإذا ما تفشّى لن ينعكس على الفرد أو المؤسسة فحسب، بل تتعدّد نتائجه وتتفرّع من الأقل خطرًا إلى الأخطر والأوسع ضررًا وتأثيرًا، وقد تمسّ بأمن الدولة وسلامة المواطنين، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ألقت مديرة برنامج بناء النزاهة البريطاني Dr. Jacqueline Davies، يرافقها مدير مشروع كشف عمليات الاحتيال في قطاع الدفاع البريطاني Dylan Murkin، سلسلة محاضرات خلال الورشة تناولت فيها تعريف الفساد والنزاهة، ومكامن الفساد وكيفية مكافحته في مختلف الميادين ضمن مؤسسات الدفاع والدولة.
 

مكامن الخطر ومجالاته
يقول الكاتب البولندي برونو جاسينسكي «لا تخافوا من منفّذي التفجيرات، أسوأ ما يمكن أن يقوموا به هو قتلكم. لا تخافوا من الجماعات الإرهابية، في أسوأ الأحوال يمكنهم التخطيط لهجوم. خافوا من المسؤولين الفاسدين، فإنّهم لا يقتلونكم ولا يتآمرون عليكم، بل إنّ الإرهاب والقتل يستشريان بسبب موافقتهم الصامتة».
يؤثّر الفساد على استقرار الدول ويشكّل أحد أسباب النزاعات، وهو يفتح الطريق أمام الإرهاب والجرائم المنظمة، وينعكس على ثقة الشعب بالقوات المسلحة، ويجعل ميزانية الدفاع هدفًا سهلًا للسياسيين.
انطلاقًا من تأثيرات الفساد هذه، تظهر أهمية المحاسبة لبناء الثقة السياسية والاجتماعية في قدرة الدفاع والأمن على استخدام الموارد بحكمة، والثقة الأخلاقية والمهنية بالكفاءة. ويتطلّب بناء النزاهة عدة عوامل، هي: فهم المشكلة، تطبيق التغيير، والقيادة المستمرة.
يكمن الفساد في مختلف المجالات في المؤسسات الدفاعية، حيث يمكن تحديد مثلّث الفساد كالآتي:
- الفرصة Opportunity: من خلال ضعف الرقابة الداخلية، أو الثقة، أو عدم الوضوح، أو الممارسات الإدارية الضعيفة.
- الدافع Pressure: الطمع، الإدمان، أو تحقيق الأهداف والمكاسب.
- التبرير Rationalization: «أنا أستحق ذلك»، «الكل يفعل ذلك»، «إنها هفوة»، «الوزارة كبيرة لن يلاحظ أحد ذلك»....


يمكن للفساد أن يتفشّى في مختلف القطاعات والميادين، أمّا آثاره في المؤسسات الدفاعية والأمنية فتظهر على عدّة أصعدة:
- الواجهة السياسية والقيادة: إنّ الروابط العسكرية - السياسية عامل أساسي في بناء النزاهة. وهذه الروابط يجب أن تُبنى على التفاهم ما بين السياسيين والعسكريين من خلال الأنماط السلوكية والثقافية، وفهم الاختلافات في جداول الأعمال والمعلومات التي يحتاجها كل منهم. وتتطلب مكافحة الفساد في هذا المجال مهارات قيادية مميزة.
- الإدارة المالية العامة والحكم: هناك عدة مؤشرات للفساد في عمليات الشراء واستدراج العروض في المؤسسات الدفاعية. فهذه العملية تحتّم: أقصى درجات الشفافية، تنويع المصادر، التنافسية، عدم التذرّع بالسرّية واعتماد المواصفات التي تسمح بالحصول على الجودة بأقل سعر ممكن.
- قواعد السلوك وإدارة الموارد البشرية: النزاهة ليست معطًى وراثيًا بل إنّها تُكتسب من المجتمع والعائلة، ومن المحاسبة التي تقيّم المسؤولية وتضع الشخص تحت المساءلة، وهي مهمة لبناء الثقة بالأداء والقدرة على إدارة الموارد. ولضمان النزاهة في الخدمة العامة، يجب اعتماد عدة معايير، أهمها: فصل السياسة عن الإدارة، التوظيف والترقية حسب الجدارة، المحاسبة والتقييم العادل للأداء...
- عمليات الشراء واللوجستية: في هذا المجال، يتنوّع الفساد وتختلف أوجهه، ولكنّه في بعض الأحيان يكلّف أرواحًا. لذلك على المعنيين إدراك طبيعة المشتريات، وكيفية شرائها وصولًا إلى مساعفتها وتنفيتها والاستفادة من أفضل الأسعار.
- العمليات والبيئات الأمنية المعقدة: تشمل البيئات الأمنية المعقّدة العوامل المستمرة كالإرهاب والمخدرات والتهريب والإتجار والشبكات الإجرامية الدولية، أو الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية والحروب والنزاعات المفتوحة. وقد بيّنت الإحصاءات والدراسات وجود رابط كبير بين السلام والفساد، فكلّما تضاءل الفساد زادت آفاق السلام.
 

استراتيجية للمستقبل
بعد شرح مكامن الفساد في المؤسسات الدفاعية والأمنية، قدّم المحاضران إرشادات عملية لمكافحة مخاطر الفساد في هذه المؤسسات Integrity Action Plan، ومن ضمنها خطة عمل لبناء النزاهة. ترتكز هذه الخطة على التحليل وتحديد الاستراتيجية والهيكليات والأولويات، بالإضافة إلى بناء القدرات وتحديد الجداول الزمنية، ونشر الوعي وتطبيق قوانين مكافحة الفساد.
لكل بلد خصوصيته التي يجب مراعاتها في بناء أنموذج نزاهة ومكافحة فساد خاص به بحسب الظروف والمقاربات والدعم، ولكن يبقى نشر التوعية، وتحديد مكامن الفساد والمخاطر الأساسية في طليعة الأولويات.
 

ماذا بعد؟
على هامش ورشة العمل في الكلية، كان لنا لقاء مع كل من الملحق العسكري البريطاني المقدم Alex Hilton ومديرة برنامج بناء النزاهة البريطاني السيدة Jacqueline Davies.
Hilton الذي طرح في إحدى مداخلاته سؤالًا حول الخطوة التالية بعد هذه الورشة، رأى أنّ تعزيز النزاهة لخفض مخاطر الفساد يمكن أن يكون جزءًا من المناهج التعليمية في الجيش، وهذه ستكون خطوة جيدة. وأضاف: لا نعلم إن كنّا سنناقش إمكان إنشاء مديرية تابعة للمفتشية العامة تكون مسؤولة عن تعزيز النزاهة، ولكن الأهم هو كيفية تطبيق مضمون هذه الندوة بالتعليم والممارسة داخل الأقسام لمكافحة الفساد.
من جهتها، قالت Davies: نحن ندير «برنامج تعزيز النزاهة» منذ عدة سنوات، وقد درّبنا أكثر من ٢٥٠٠ مسؤول من حوالى مئة بلد، وأحد الأمور التي نوليها أهمية، هو عدم التركيز على الدراسات المحلية أو استخدامها كأمثلة، لأنّنا نعرف مدى حساسية هذه المسألة، لذا نعرض أمثلة وقضايا من العالم قد تكون مشابهة للقضايا المحلية.
وردًّا على سؤال حول أهمية هذه الورشة في تعزيز الشفافية وآليات النزاهة في القوات المسلحة اللبنانية، قالت:
القطاع الأمني الجيد، المسؤول والموثوق والنزيه هو أحد أسس الاستقرار، فهو يدعم الحكومات في مسعاها للاهتمام بمصالح مواطنيها، وبالتالي فإنّ إدخال برنامج تعزيز النزاهة ضمن القوات المسلحة ووزارة الدفاع وقطاع الأمن يعزّز هذه الرسالة.
وأوضحت: تشير الإحصاءات إلى أنّ نسبة ٢٠ إلى ٢٥٪ من الخسائر والهدر تحصل في قطاع الأمن وقد يسبّبها مسؤولون فاسدون. وهو يشمل أشياء كثيرة، من البزات العسكرية والهويات وصولًا إلى الأسلحة، إذ نلاحظ حصول عمليات سرقة لأسلحة وانتقالها إلى شبكات إجرامية وإرهابية تستخدمها ضد الأطراف التي باعتها. لذلك من الضروري أن يكون لدينا قطاع أمني قوي خالٍ من الفساد، وهذا هو هدف البرنامج. وأضافت: للأسف الفساد موجود في كل البلدان التي زرتها، بدءًا من المملكة المتحدة حيث ما زالت لدينا مشكلاتنا الخاصة في هذا المجال. ولكن من خلال جهودنا عبر التدقيق في الحسابات والتشريعات والسياسات، وعبر التنسيق مع نظرائنا في النروج وفي حلف الناتو، استطعنا تطوير برنامج خاص بالمملكة وآمل أن يفيد بلدانًا أخرى.
أخيرًا، أودّ أن أذكر أنّنا شعرنا بالترحيب من قبل الجيش اللبناني وكان تلقّي الضباط لرسالتنا مميزًا وكثيرون أرادوا معرفة المزيد عن هذا الموضوع.
 

الفساد في الواجهة السياسية والقيادة
تُعتبر الروابط بين السياسيين والعسكريين والموظفين المدنيين، وأداء كل منهم وتفكيره ونمط عمله على حدة، عوامل أساسية لضمان الاستقرار والشفافية واكتساب الثقة.
فللسياسيين علاقاتهم وحيلهم وأساليبهم المتغيرة، وللموظفين المدنيين أهدافهم في البقاء في وظيفتهم لوقتٍ أطول، وأداؤهم الذي قد يؤثر سلبًا أو إيجابًا على استقرار المؤسسة والحكومة. في المقابل للعسكريين قناعاتهم وتراتبيتهم وميلهم إلى الوضوح، وبالتالي أداؤهم الذي يختلف عن أداء المدنيين.
وهنا تأتي أهمية بناء النزاهة والشفافية من خلال الصدق والواقعية بين الطرفَين العسكري والسياسي، وبناء الخطط والاستراتيجيات في زمن السلم، الأمر الذي يتطلب فهم المشكلة، وتطبيق التغيير والقيادة المتواصلة.
في هذا الإطار، يجب تحديد المشكلات من الأقل أهمية إلى الأخطر، ووضع الاستراتيجية المناسبة لحلّها، وهذا الأمر يتطلّب مهارات قيادية مميزة.
يقول ألبرت أينشتاين: «لو أُعطيت ساعة لإنقاذ الكوكب، لقضيت ٥٩ دقيقة للتفكير في المشكلة وتحديدها، ودقيقة واحدة لحلّها». لذا، فإنّ الوقت هو أكثر الموارد محدودية بالنسبة للقادة الاستراتيجيين، والقائد الأجدر هو ذلك القادر على إدارة وقته بشكلٍ فاعل والاستفادة منه لفهم المشكلة، وبالتالي استنباط الحلول المناسبة لها.
تتنوّع المشاكل التي تواجهها السلطة السياسية والعسكرية من الأقل أهميةً، إلى الأكثر خطورةً وتعقيدًا، فالكوارث والمشاكل الحرجة والخطيرة. وفي ما يلي مثلث ردود الفعل على مشكلة معينة، والذي يبدأ بالقاعدة الذهبية وهي تحديد المشكلة ووضع استراتيجية لحلّها (ما الذي ننوي فعله)، ثم تحديد التكتيك المناسب لتنفيذ الاستراتيجية (كيف ننوي فعله)، وأخيرًا الانتقال إلى التنفيذ والعمليات (فعل ذلك).
أما المهارات القيادية اللازمة لمكافحة الفساد والتصرف بحكمة ونزاهة فهي الآتية:

 

خطر الفساد في الإدارة المالية العامة والحكم
إنّ المبادئ السبعة للحياة العامة هي: البعد عن الأنانية، النزاهة، الموضوعيّة، المساءلة، الانفتاح، الصدق والقيادة. فماذا يحصل حين تغيب الرقابة أو يتمّ التساهل مع المخالفات؟
- تُستخدم الموارد لغير هدفها الأساسي.
- تكون المنتجات المُحققة على الأرجح أقل جودة.
- لن تتحقق القيمة مقابل المال.
- تتقلّص الفعالية العسكرية فيكون العتاد مغشوشًا ولا يؤدّي وظيفته كما يجب.
- لا ينصاع العسكريون لأوامر القيادة كون المعدات التي زُوِّدوا بها تعكس رؤية هذه القيادة وأوامرها.
- قد تؤدّي النتيجة إلى إصابات وقتلى.
هناك عدة مؤشرات للفساد في عمليات الشراء واستدراج العروض في المؤسسات الدفاعية. لذلك يجب أن تراعي هذه العمليات توافر أقصى درجات الشفافية، وتنويع المصادر، والتنافسية، وعدم التذرّع بالسرية واعتماد المواصفات التي تسمح بالحصول على الجودة بأقل سعر ممكن.
يؤثّر الفساد في الإدارة المالية العامة والأمن على عدّة مستويات، أهمها أنّه يحدّ من الفعالية العملية ومن ثقة الشعب بالقوات المسلحة، كما يجعل ميزانية الدفاع هدفًا سهلًا للسياسيين، ويسهّــل الجريمــة المنظمــة والإرهــاب.
ومن خلال مقارنة المواصفات والمؤشرات والدلالات، قد نكتشف عملية غش يقوم بها أحد الموظفين المسؤولين عن عملية الشراء عبر التواطؤ مع متعهّد أو مزوّد. من هنا أهمية مكافحة الفساد باعتماد المقارنة الاستباقية والتدقيق الداخلي لتقليص الخسائر، واعتماد استراتيجية لإدارة المخاطر.
 

قواعد السلوك وإدارة الموارد البشرية
إنّ السلوك الفردي للعناصر الأمنية أساسي في مستوى النزاهة العام في مؤسّسات الدفاع، وهو يؤثّر على ثقة الأمة بالقوى الأمنية. وتشير الوقائع حول الفساد أو المزاعم حول تورّط كبار مسؤولي الدفاع فيه، إلى أمر من اثنين: إمّا أنّه هناك نقص كبير في الإرشادات حول كيفية تصرف الأفراد أو أنّ الإرشادات المعمول بها في بلدٍ معين ليست كافية أو لا يتم تنفيذها.
لبناء نظام نزاهة دفاعي، يجب المواءمة بين الإرشادات الأخلاقية والإطار القانوني، ومكافحة نقاط الضعف كالهدايا والضيافة والرشوة وتضارب المصالح... ولضمان النزاهة في الخدمة العامة، يجب اعتماد عدة معايير أهمها:
- فصل السياسة عن الإدارة.
- التوظيف والترقية بحسب الكفاءة.
- المحاسبة.
- التزام الواجبات والحقوق.
- نظام رواتب يحدّده القانون.
- نظام عادل لتقييم الأداء.
- تدابير إدارية لتحديد معايير موحدة.
 

دور إدارة الموارد البشرية في بناء النزاهة
- مكافأة السلوك الجيد والمعاقبة على السلوك السيئ.
- وجود نظام واضح لرفع التقارير وتحديد المسؤوليات.
- تجنُّب تشكيل فريق عمل «لا بديل له».
- مراقبة تناوب موظفي المراكز الحساسة، خصوصًا في الوظائف التي يملك فيها الموظف صلاحيات مالية أو تعاقدية.
- تحديد الموظفين المعرضين للفساد: الفرصة، الضغط، المرض، الغياب، والثراء غير المبرر.
- وضع نظام عملي للتبليغ عن المخالفات (داخلي وخارجي).
 

هل يؤدّي الفساد إلى انعدام الاستقرار؟
خلُصت قمة مكافحة الفساد في لندن في العام ٢٠١٦ إلى أنّ ضعف قوات الأمن بسبب الفساد، يقوّض قدرتها على حماية المواطنين، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، أو حتى الدفاع عن السيادة الوطنية. كما أنّ الفساد في القوى الأمنية يضعضع ثقة الجمهور بالسلطة الشرعية ويخلق فراغًا يستغلّه الإرهابيون وتجار المخدرات والبشر وغيرهم من المجرمين.
 

العمليات والبيئات الأمنية المعقّدة
يزيد خطر الفساد في البيئات الأمنية المعقّدة لعدة أسباب منها ما توضحه هذه الأمثلة:
دفع عناصر المال للأعداء في قطاع معيّن لعدم مهاجمتهم، ولكن لم تُبلَّغ الوحدة البديلة التي تمركزت في القطاع بالأمر، وخُدعت بظنها أنّ القطاع آمن، ما أدّى إلى مقتل عدد من العناصر وإصابة آخرين في هجوم واحد نتيجة عدم اتّخاذ الاحتياطات الكافية بسبب الثقة بالأمن في القطاع.
كذلك قد تُدفع الأموال والرشاوى لمتعاقدي أمن محليين لتسهيل مرور شاحنات وبضائع تكون مرتبطة بمجموعات إرهابية.
هناك أيضًا أمثلة على «الفساد النبيل»، كابتزاز موظفي إحدى المؤسسات الخيرية للمحتاجين في عددٍ من الدول وتشغيلهم في الدعارة، لتأمين المساعدات لهم، وذلك بتغطيةٍ من قياديّين في المؤسسة.
ويمكن للفساد في العمليات أيضًا أن يهدّد نجاح المهمة ويكلّف القوى الأمنية المهمة نفسها، كما حصل في حادثة احتجاز رهائن من قبل إرهابيين، أدّت إلى مقتل المئات، تبيّن في ما بعد أنّه سُمح بمرور قافلة المسلحين عبر العديد من نقاط التفتيش، وكان لديهم مركبات حكومية تابعة للشرطة والجيش حصلوا عليها من عصابات إجرامية منظمة في البلد نفسه.
وفي دولة أخرى تمّ اتهام ضباط بقبول الرشاوى مقابل حماية مهرّبي المخدرات، وتوفير السلاح لهم، والضلوع بأعمال خطف.
في السياق نفسه، تبيّن في بعض الدول التي فُقدت فيها قطع أسلحة استخدمها الإرهابيون في العديد من الهجومات، أنّ السبب كان الرقابة غير الكافية على الوصولات في مسرح الأحداث، والرقابة الضعيفة على تناوب الوحدات.
لذلك، يجب مضاعفة تدابير كشف الفساد والتدقيق، بدءًا بالحدّ من الفرص من خلال التدريب والتدقيق الداخلي والتفعيل في مسارح الأحداث، مضاعفة خطر انكشاف الجرم والمحاسبة من خلال وحدة مكافحة الفساد والتدقيق، والتخفيف من الحاجة عبر العدل وعدم التحيُّز.
بذلت بعض الدول جهودًا كبيرة في هذا المجال، ففي أفغانستان مثلًا، تمّ تأسيس وحدة «شفافيات» في العام ٢٠١٠ لمكافحة الفساد. وفي جورجيا طُرد ١٦ ألف عنصر شرطة وتمّ تدريب عناصر جديدة ومضاعفة الرواتب، وذلك في إطار عملية واسعة لمكافحة الفساد.
 

عقب إقرار المملكة المتحدة استراتيجيتها لمكافحة الفساد في العام ٢٠١٧، قال وزير الداخلية البريطاني: «لا يمكن وقف التأثير المدمّر للفساد بين ليلة وضحاها، ولكن المجهود المشترك والمستدام - وفق ما نصّت عليه هذه الاستراتيجية- سيساعد في بناء مجتمع أكثر عدلًا وأمانًا، وسيحمي ازدهارنا على المدى الطويل». وهذا بالتحديد ما نحتاجه في لبنان، خصوصًا في ظل التحركات المطلبية التي من أبرز عناوينها «مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة»، علّنا نحرّك العجلة الاقتصادية ونؤسّس مستقبلًا لأولادنا أكثر عدلًا وأمانًا وازدهارًا.

عمليات الشراء واللوجستية
شرح المحاضران دورة عمليات الشراء في وزارة الدفاع البريطانية CADMID، أو دورة حياة المنتج من تحديد المفهوم، إلى التقدير، والعرض، والإنتاج، والوضع في الخدمة، والتلف. وقد يقع الفساد والهدر في كلٍّ من هذه المراحل.
يتنوّع الفساد وتختلف أوجهه، ولكنّه في بعض الأحيان يكلّف أرواحًا. وأحد الأمثلة الصارخة على ذلك حادثة تحقيق أجهزة كشف مزيّفة غير فاعلة في إحدى الدول، التي تمّ على أثرها توقيف جنرال بتهم فساد وتقاضي الرشاوى. فقد كان لذلك مفاعيل كارثية أدّت إلى قتل مئات المواطنين إثر تفجيرات فشلت هذه الأجهزة بكشفها.

ماذا يمكنك أن تفعل؟
- تحديد نظام الشراء والحرص على أن يتوافق النظامان «الحقيقي» و«النظري».
- الحرص على تحقيق عملية الشراء بحسب الحاجة.
- تحديد نقاط الضعف في مختلف المراحل، من وضع المواصفات، إلى إعادة الشحن، فالإيصالات والإصدارات، والتنفيات، نقاط إعادة الطلب، ومعدّلات المخزون.
- تحديد أولويّة الموارد حسب نقاط الضعف، من خلال: التدقيق والمراقبة، مواثيق النزاهة والوسطاء أو العملاء.
إنّ لاتخاذ التدابير اللازمة للحد من فرصة الانحراف والفساد أهمية قصوى، فعمليات الشراء والتموين مجالات تتزايد فيها مخاطر الفساد بسبب الفرص والمحفّزات، وتأتي السرية غير الضرورية لتقلّل من إمكان الكشف عن مخاطر الفسـاد، في حيـن تساعـد الشفافيـة في الحـد من المخاطـر.