- En
- Fr
- عربي
اسرار الكون
الطاقة التي تنتجها كل ثانية تعادل قوة قنبلة هيروشيما مضروبة بخمسة ملايين مرة
منبع الضوء والدفء والحياة. هي شمسنا، التي تخفي كمّاً من المعلومات بقدر حجمها ربما. والشمس نجمٌ كان ولا يزال يثير في النفس البشرية رغبة لا تقاوم، في الكشف عن ألغازٍ تحيّرها. واليوم أكثر من أي وقت مضى، يسعى العلماء إلى فهم نجمنا المتألق في السماء، حتى يتمكنوا من فهم عالمنا على الأرض، الذي يدين لهذا النجم، باستمراريته أولاً، وبتنوعه ثانياً. في ما يأتي سوف نحاول، أن نختصر الشمس، من خلال تفسير علمي مبسط لنتعرف على شعلة الحياة هذه، عسانا نتذكر من حين لآخر، كيف ولدت شمسنا يوماً، فنهضنا مع شروقها، وكيف تحترق كل يوم، فنحيا في ظلها، وكيف ستبدأ بالغروب في أحد الأيام، فننام إلى الأبد قبل المغيب.
* نجمٌ تلاحقه عدسات... الراصدين:
من الآن وحتى نهاية العام 2008، يكون العلماء من أميركيين وأوروبيين، قد أطلقوا في الفضاء، ما لا يقل عن ستّة أقمار صناعيّة، تُبقي عدساتها مسلطة على تحركات نجمنا المتألق، الذي يعطي الحياة، ولكن يأخذها أيضاً. ففي فرنسا وحدها يموت كل عام، أكثر من ستة آلاف شخص، بسبب سرطان الجلد الخبيث، الذي تقف وراءه أشعة الشمس.
* تذكرة الهوية:
- الإسم: شمس.
- إسم الأب: نجم.
- إسم الأم: سحابة غازيّة، المعروفة ب«سديم».
- العمر: 4.56 مليار سنة.
- نصف القطر: 700.000 كيلومتر (أكبر من نصف قطر الأرض بمئة وعشر مرات).
- الكتلة: 1.99×10(30) كيلوغرام (أكبر من كتلة الأرض ب330 ألف مرة.
- الحرارة السطحية: ستة آلاف درجة مئوية.
- الحرارة في المركز: عشرون مليون درجة مئوية.
- مجموع الطاقة الضوئية التي تبثها في الثانية: 3.9×10(23) كيلوواط، أو ما يعادل 300 مليار مفاعل نووي بقوة 1300 ميغاواط.
- كمية الكتلة التي تخسرها: مليون طن في الثانية، بسبب انصهار النوى الهيدروجينية.
- معدل الدوران على محورها: خمسة وعشرون يوماً عند خط الاستواء، وواحد وثلاثون عند القطبين الشمالي والجنوبي.
- متوسط المسافة بينها وكوكب الأرض: مئة وخمسون مليون كيلومتر.
* سيرة حياة الشمس:
- مرحلة تكوين النجم: منذ حوالى خمسة مليارات سنة، تشكلت سحابة من الغاز والغبار، خلفتها نجوم في الفضاء. واستمرت هذه السحابة النجمية لفترة مليون عام تبرد وتتقلص تحت تأثير وزنها المتزايد. وإذ تعاظم الضغط الناتج عن كتلتها الهائلة الحجم، إرتفعت حرارتها حتى وصلت إلى آلاف الدرجات المئوية. وهكذا تكوّن «جنين» نجمة، لمعت بنور باهت في السماء.
- ولادة نجم: منذ أكثر من 4.56 مليار سنة، بدأ نجمنا بالدوران، وهو يقذف المادة التي ستتشكل منها الكواكب في ما بعد، ومن بينها أرضنا. وبلغت حرارة النجم، بعد مرور ملايين السنين، عدة ملايين من الدرجات المئوية، فانطلقت عملية انصهار النوى الذرية، وكانت ولادة الشمس.
- مرحلة النضج: منذ 4.56 مليار سنة، والشمس تعيش حياتها كنجم في الفضاء. فهي تحرق الهيدروجين الذي تتألف منه بنسبة 92.19 بالمئة، لتحوله الى غاز الهيليوم، فتنير الكواكب حولها والتي تشكل النظام الشمسي، وتسمح بازدهار الحياة على الأرض.
- الشيخوخة: خلال خمسة مليارات سنة من الآن، سوف تستنفد الشمس مخزونها من غاز الهيدروجين، الذي يكون قد تحوّل بكامله الى هيليوم. وسوف تتمدد شمسنا بعد ذلك في الفضاء مقتربة من المشتري والزهرة وربما أرضنا. وتتناقص حرارتها لتنتقل الى مرحلة العملاق الأحمر.
- موت نجم: بعد ملايين السنين من انتهاء مرحلة الشيخوخة، سوف تبدأ عملية انصهار الهليوم، فيتمدد قلب الشمس من جديد وتنقسم بحد ذاتها الى قسمين، وتتباعد الطبقات الخارجية عن بعضها وعن المركز، لتشكل سديماً كوكبياً أو سحابة من الغاز والغبار، بينما يصبح قلبها قزماً أبيض بعد أن تبرد حرارته.
* الشمس كتلة غازية هائلة:
تتألف المادة الشمسية أساساً، من غاز الهيدروجين (بنسبة 92.19 بالمئة). ولكن كغيرها من النجوم، تقضي الشمس حياتها في إنتاج الهيليوم بدءاً من تلاحم جزئيات الهيدروجين ونذكر هنا العناصر الأخرى التي تدخل في تركيبة المادة الشمسية، وإن تكن بكميات قليلة، وهي الأوكسجين، الكبريت، الكربون والحديد.
* آلة جهنمية لإنتاج الطاقة*:
قوة قنبلة هيروشيما الذرية، مضروبة بخمسة ملايين مرة، هذا ما تعادله الطاقة التي تفرغها شمسنا من دون انقطاع، في كل ثانية من الزمن. مفاعل نووي حقيقي كرة النار هذه، التي لا تتوقف عن إنتاج طاقة هائلة تأخذ شكل الضوء أو الحرارة، أو جسيمات من «المادة» (نوى غاز الهيليوم، إلكترونات وبروتونات)، يصل بعضها الى الأرض.
* كيف يعمل هذا المفاعل النووي الطبيعي؟
الشمس كرة غازيّة هائلة الحجم، شعاعها سبعمئة ألف كيلومتر. كتلتها ثقيلة، لدرجة تجعلها - منطقياً - تنهار على مركزها تحت وطأة وزنها الهائل. لكن ذلك لا يحصل. والسبب في بقاء الشمس بتوازن تام في الفضاء، منذ ما يقارب الخمسة مليارات سنة، يعود إلى إطلاقها طاقة مدهشة نحو سطحها، تعادل وتعاكس بالاتجاه قوة ثقلها المتجهة نحو المركز. فالشمس «تتفجر» بشكل متواصل، وتطلق في كل ثانية ما يكفي من الطاقة لتغذية الأرض لمدة مليون عام!! ويتم ذلك بفضل ظاهرة فيزيائية تتميز بها النجوم عامة، وهي انصهار النوى الذرية.
* انصهار النوى* الذرية:
الواقع أن كل شيء يجري في قلب الشمس، داخل منطقة دائرية تصل حدودها إلى مئة وخمسة وسبعين ألف كيلومتر، بدءاً من المركز. فالهيدروجين الذي تتألف منه شمسنا، يشكل في هذه المنطقة، وقوداً لاشتعالها المتواصل. إذ تنصهر نوى الذرات الهيدروجينية تحت تأثير الضغط الهائل في وسط النجم، لتعطي غاز الهيليوم، علماً أن كل أربع نوى هيدروجينية تشكل نواة هيليوم واحدة. وينتج عن هذا التفاعل النووي، كمية مدهشة من الطاقة، كما سبق وذكرنا. ولكن من أين تأتي هذه الطاقة؟
تكون كتلة النوى الهيدروجينية الأربع التي تنصهر، أقل بقليل من كتلة نواة الهيليوم الناتجة عن عملية الانصهار. وحيث أن لا شيء يضيع، بل يأخذ شكلاً آخر، فإن الفرق في الكتل هنا يتحول الى أشعة* (أشعة غاما بالتحديد)، وذلك وفقاً للصيغة الحسابية الشهيرة التي تؤكد أن المادة يمكن أن تتحول الى طاقة.
* .. والطاقة تتحول الى مادة:
نعود لنذكر أن حصيلة الطاقة التي يحررها التفاعل النووي الحاصل في قلب الشمس، تساوي في كل ثانية، 3.9×10(23) كيلوواط. فكيف تتخلّص شمسنا من هذه الطاقة المدهشة، التي تأخذ أول شكل لها يتمثل بأشعة غاما؟
- الطاقة الناتجة عن الانصهار النووي تصعد الى سطح الشمس: أشعة غاما هي إشعاع كهربائي مغنطيسي نافذ جداً، يحمل الطاقة الناتجة عن الانصهار النووي في قلب الشمس، ويصعد بها الى السطح. وتستغرق رحلة هذه الأشعة لتصل الى الطبقة السطحية للشمس، حوالى المئة وسبعين ألف سنة، وذلك بسبب الصعوبة التي تواجهها في شقّ طريقها عبر مادة الشمس الغازية، التي تكون كثافتها مثل كثافة الرصاص، بفعل ملايين الدرجات الحرارية.
وبعد أن تصل أشعة غاما الى السطح، تتفاعل مع المادة هناك، فينتج عن ذلك قذف ناري عنيف، يأخذ شكل حدبات أو حلقات تندفع في الفضاء، يعطيها العلماء إسم الكتل التاجية أو الحلقات التاجية.
- من سطح الشمس تتحرر الطاقة على شكل أشعة وجسيمات مختلفة: تنطلق من سطح الشمس (أو تاجها)، مجموعة من الأشعة يكون معظمها مرئياً، الى جانب الأشعة البنفسجية، والأشعة تحت الحمراء (غير المرئيتين)، اللتين تتشكلان بدءاً من الأشعة الأم غاما، خلال رحلتها الطويلة من قلب الشمس الى سطحها. كما تنطلق من تاج الشمس بقايا التفاعلات النووية الحاصلة (أشعة غاما، جسيمات النوترينو*)، وتنطلق كذلك، موجات راديوية، تسببها خصوصاً الظواهر التي تحدث على السطح، مثل قذف الحلقات التاجية.
* العواصف الشمسية وخطرها:
ذكرنا أن تحركات المادة على سطح الشمس، وتفاعلها مع أشعة غاما الآتية من قلبها، ترسم حدبات تاجية أو حلقات تاجية، يصل طولها الى مئات آلاف الكيلومترات. وتولد هذه التحركات الهائلة، حقلاً مغنطيسياً يبقى تأثيره على أرضنا عادياً في معظم الأوقات. ولكن قد يحدث أن تتداخل الحقول المغنطيسية التاجية بشكل عنيف، لدرجة تنقذف معها المادة الشمسية في الفضاء بسرعة تتعدى الألف كيلومتر في الثانية!
ويسمي العلماء هذه الظاهرة العصف الشمسي. ويمكن أن تخرق هذه العواصف الشمسية، الحاجز المغنطيسي الذي يحيط بأرضنا ويحميها، فتولد ما يسمى الشفق القطبي الشمالي (تموجات ضوئية رائعة الجمال بألوانها الزاهية، تظهر في سماء القطب). وقد يسبب الشفق القطبي، إضطرابات كهرمغنطيسية، تلحق ضرراً كبيراً بالأقمار الصناعية وشبكات الاتصال والكهرباء، كما حدث في كندا خلال شهر آذار العام 1989.
لكن شمسنا تكتفي عادة لحسن الحظ، بنفخ «هواء شمسي عليل»، إذ لا تتعدى سرعة المادة التي تقذفها من دون انقطاع، معدلاً يراوح بين الأربعمئة والثمانمئة كيلومتر في الثانية.
* الكهرباء أم الكون:
تحت هذا العنوان تفسير لبعض التعابير العلمية الواردة في البحث، يتبيّن من خلاله أن الكون، بأحيائه وأشيائه، يتألف من الكهرباء.
- ما هي الكهرباء؟
الكهرباء شكل من أشكال الطاقة، عنصرها الأوّلي هو الإلكترون (Electron) أو الشحنة السالبة.
- ما هي الذرّة ونواتها؟
الذرّة هي العنصر الأوّلي للمادة على أنواعها (الصلب، السائل والغاز). والذرّة جهاز فيزيائي متماسك ومتجانس، يتألّف من إلكترونات ونواة. والإلكترونات (جمع إلكترون)، جسيمات متناهية الصغر، تسمّى اصطلاحاً، شحنات سالبة، وهي العنصر الأولي - كما ذكرنا - الذي تتألف منه الكهرباء. وتدور الالكترونات حول مركز الذرة الذي يدعى النواة، كما تدور الكواكب حول الشمس.
وتتألف نواة الذرة أساساً، من البروتونات (جمع بروتون)، وهي جسيمات متناهية الصغر، تسمّى اصطلاحاً، الشحنات الموجبة، لتمييزها عن الشحنات السالبة التي تحمل طاقة مضادة لطاقتها.
ويكون عدد الإلكترونات في كل ذرّة، مساوياً لعدد البروتونات في نواتها، حتى تتوازن الطاقة التي تحملها الالكترونات مع الطاقة المضادة التي تحملها البروتونات. وهكذا تبقى الذرة في حال من الاستقرار. ولكن إذا تعرضت الذرة لعامل خارجي ضاغط - كالحرارة القوية مثلاً - يصيب الخلل تركيبتها المتوازنة، ما يدفعها الى الانصهار مع ذرة أخرى (مشابهة أو مختلفة)، لتستعيد حالها المستقرة. وتسمى هذه العملية التفاعل الذري.
وهذا تماماً ما يحصل مع ذرات الهيدروجين في قلب الشمس، التي تنهصر مع بعضها بفعل الحرارة الهائلة المحيطة بها، فينتج عن تفاعلها الذري، ذرات الهليوم الأكثر استقراراً. والجدير بالذكر هنا، أن ذرة غاز الهيدروجين الطبيعي، تتألف وحسب من إلكترون واحد وبروتون واحد.
- ما هو الفوتون (Photon) أو الضوَيء؟
الفوتون (Photon) هو جسيم متناهي الصغر، متعادل (أي خالي من الشحنات الكهربائية)، معدوم الكتلة، سرعته 300.000 كلم في الثانية (سرعة الضوء)، وهو العنصر الأوّلي للإشعاع الضوئي.
- ما هي الموجات الكهرمغنطيسية؟
الموجات الكهرمغنطيسية أو الكهربائية - المغنطيسية، هي حقل مغناطيسي (أو حركات تجاذب أو تنافر)، تولده تحركات الشحنات الكهربائية السالبة المتدفقة، أو ما نسميه بالحقل الكهربائي.
عن مجلة Science & Vie
* 10(30) = العدد عشرة وإلى يمينه ثلاثون صفراً.
* 10(23) = عشرة وإلى جانبها ثلاثة وعشرون صفراً.
* الطاقة: هي خاصيّة كل جهاز فيزيائي قادر على إنتاج أي عمل، آلي، كهربائي أو كيميائي.
* النوى: جمع نواة. ونواة الذرّة هي قلبها (مراجعة مقطع «الكهرباء أم الكون» في نهاية البحث).
* الإشعاع: هو وسيلة انتقال الطاقة من مصدر ما (الشمس مثلاً)، عبر جسيمات مادية متناهية الصغر مثل الفوتونات، أو عبر موجات كهرمغناطيسية. لمعرفة المزيد، مراجعة «الكهرباء أم الكون» في نهاية البحث.
* النوترينو: دقيقة أو جُسيم أولي متعادل، كتلته أصغر من كتلة الإلكترون.