العوافي يا وطن

الشمعة المتوهجة أبدًا
إعداد: د. إلهام نصر تابت

تسطع جباههم مكللة بعرق الواجب قبل شروق الشمس، لا تغيب همتهم لحظة غياب أو عيد أو حتى تعب. بين الحدود والداخل يمدون عروق القلب جسورًا لعبور الوطن إلى ضفة الأمان. الأفق مشحون بكل أنواع القحط واليباس، لكن حيث يحلّون، يرسمون أفقًا بألوان بيادر الأمل.

ينبت الأمل من إصرارهم الفريد على الثبات، بينما ضيق الأحوال رياح عاتية تطيح بالمبادئ والقيم وتحل مكانها كل أنواع الموبقات. يزهر الأمل في سواعدهم قدرة على العطاء بينما يستظل سواهم ثقافة الأخذ من دون حدود للجشع. ويثمر الأمل في ما يسجلونه كل يوم من حكايات الصمود سواء أكان محورها مهماتهم الأساسية على الحدود، أم الأمنية في الداخل، أم الاجتماعية والإنسانية والوطنية في كل منطقة وحيّ، وحتى في الثكنات.

فلنلقِ نظرة على روزنامة آب الماضي في سجل مهماتهم:

-على الحدود الشرقية والشمالية، إحباط عمليات تسلل مئات السوريين بطريقةٍ غير شرعية إلى لبنان المُنهك بأزماته، ومن بينها تداعيات النزوح السوري إلى أراضيه. أما جنوبًا فيخوض لبنان معركة إظهار حدوده البرية مع فلسطين المحتلة، ورصد لتعديات العدو الإسرائيلي وتوثيق كامل لحقوقنا وإصرار على التمسك بها.

-في عدة مناطق، توقيف عشرات المطلوبين بجرائم مختلفة، ومن بينهم منتمون إلى تنظيمات إرهابية ومتورطون في القتال ضد الجيش إبان معركة عرسال في العام 2014 ومواجهات أخرى. هذه النقطة بالذات تستحق أن تُسجل بالأحمر العريض: ملاحقة المجرمين وخصوصًا المعتدين على الجيش والمتسببين باستشهاد رجاله لا تتوقف قبل القبض عليهم وسوقهم إلى العدالة، ولو اقتضى الأمر سنوات وسنوات...

-في رحاب الثكنات العسكرية آلاف الشباب واليافعين يختبرون معنى الولاء للوطن بكل أبعاده بما في ذلك المواطنة الصحيحة، والمشاركة بفاعليةٍ في صنع مستقبل الوطن.

-خدمات طبية واجتماعية وحياتية في الأماكن الأكثر حاجة، وحتى خارج الحدود، فبقدراته المتواضعة أسهم جيشنا في إخماد الحرائق الهائلة في اليونان وقبرص.

طبعًا ثمة بعد الكثير مما لا ضرورة لذكره، "فالشمس شارقة والناس قاشعة"، لكن ما يجدر التذكير به هو غياب مساحة الاحتفال بالأول من آب كعيدٍ للجيش على صعيد المؤسسة، واقتصارها على تكريم الشهداء وتسليم شهادات التخرج لتلامذة ضباط دورة النقيب الشهيد مارون الليطاني. فللظروف أحكامها، ومنها التقشّف والتطلع إلى الأولويات، وفي الأحوال التي نعيشها، يبقى عيد الجيش الأول في التجديد لعهد الشرف والتضحية والوفاء من دون حدود...

على هذا الأساس كان آب من مطلعه إلى نهايته نموذجًا لمسيرةٍ متوّجة بالعطاء حتى آخر نبض، مسيرة تروي حكايتها دماء الشهداء، وقد أُضيف إلى سطورها مشهد سقوط الطوافة في حمانا وارتفاع ضابطَين كانا على متنها إلى علياء الشهادة.

المجد والخلود لشهدائنا.

والعوافي لرجال جيشنا الذين كلما ضاقت الأحوال أكثر، كلما ازداد تصميمهم أكثر فأكثر... بوركت جباههم العالية، وخطواتهم المطمئِنة، وسواعدهم المعطاء.

قديمًا قيل: أن تُضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة. وجيشنا لم يُضِئ شمعة فقط، بل هو بما يمر به وما يثبته الشمعة المتوهجة أبدًا.

العوافي يا جيشنا

العوافي يا وطن