من الجعبة الثقافية

الصالونات الأدبية في لبنان صالون «خميس مجلة شعر»
إعداد: د. جورج هارون

شهدت الخمسينيات من القرن العشرين (1957-1959) ولادة صالون أدبي لافت هو صالون مجلة «شعر» المعروف ب«صالون الخميس».
كانت جلسات الصالون تعقد في صالة أوتيل بلازا في شارع الحمرا - بيروت، وفي بيت الشاعر والسفير السابق يوسف الخال، الكائن في نزلة أبي طالب في رأس بيروت.
وكانت مجلة «شعر» ليوسف الخال تصدر إذ ذاك فصلية. وكان الخميس من كل أسبوع موعد انعقاد الصالون، وينوب فيه عن المجلة صاحبها وأركانها، ويلتقي في جلساته أدباء وشعراء حول الشعر.
ويوسف الخال (1917-1987) شاعر وناقد وصحفي لبناني. وُلد في الجمهورية السورية ونشأ في طرابلس عاصمة لبنان الشمالي. عمل في السلك الخارجي اللبناني وتحديداً في منظمة الأُمم المتحدة. كما درَّس الأدب العربي في معاهد لبنان. ثم بدأ عمله الصحفي فأنشأ مجلة «شعر» الفصلية التي صدرت بين العام 1957 والعام 1964. ثم استأنفت الظهور في أول 1967. وأعيد طبع مجموعتها كاملة بالأوفست في 11 مجلّداً. ومعلوم ان مجلة «شعر» لعبت دوراً كبيراً في الحداثة الشعرية، وهي كانت منبراً لنخبة من الشعراء المحدثين.

 

أركان الصالون

من أهم أركان صالون «خميس مجلة شعر»:
- صاحب المجلة ورائد الصالون يوسف الخال الشاعر اللافت بحداثة شعره ومن مؤلفاته: «الحرية» (شعر) - «هيروديا» (مسرحية شعرية) - «البئر المهجورة» (شعر) - «قصائد في الأربعين» - «قصائد مختارة» - «الأعمال الشعرية الكاملة» - «الولادة الثانية» (شعر بالعربية المحكية) - «الحداثة في الشعر» - ترجمة كتاب «النبي» لجبران.
- أدونيس (علي احمد سيد اسبر)، شاعر كسب شهرة بعيدة. من مواليد قرية قصّابين في القطر السوري. نشر أُولى محاولاته الشعرية في مجلة «القيثارة»، ثم في جريدة «الإرشاد» بتوقيع أدونيس. تخرج من جامعة دمشق عام 1954. عاش في بيروت مع زوجته خالدة سعيد. أسهم في تحرير مجلة «شعر». من مؤلفاته: «الثابت والمتحول» - «أغاني مهيار الدمشقي» (مجموعات شعرية).
- شوقي أبي شقرا، شاعر مرموق، رئيس تحرير الصفحات الثقافية والأدبية في صحيفة «النهار» البيروتية. له من المؤلفات الشعرية: «أكياس الفقراء» - «خطوات الملك» - «يتبع الساحر ويكسر السنابل راكضاً» - «حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة».
- فؤاد رفقا، شاعر، واستاذ الفلسفة في الجامعات. انضمّ الى مجلة «شعر» منذ البداية. وتحلّى بالرومنطيقية المتطوّرة في شعره، له: «قناديل في البحر» ودواوين عدة. وقد كان على علاقة مع مفكرين وشعراء في الغرب، وله مكانة مرموقة في عالم الشعر والفلسفة.
- أُنسي الحاج، هو ابن الصحافي لويس الحاج احد مؤسسي جريدة «النهار» البيروتية برعاية صاحبها جبران تويني والد الصحافي غسان تويني. تولّى تحرير هذه الصحيفة وملاحقها مدة طويلة في لبنان وباريس (في أثناء الحرب اللبنانية)، اشتهر بقصيدة النثر التي نشر منها في ملاحق «النهار». من مؤلفاته الشعرية في قصيدة النثر: «كن» - «الرأس المقطوع» - «ماضي الأيام الآتية» - «ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة».
إلى من سبق ذكرهم، توافد إلى الصالون شعراء من سوريا ولبنان ومن أقطار عربية أخرى أعجبهم الجو الشعري والمناخ الأدبي المستحدث أو الحديث غير المألوف في عالم الشعر. كما جذب هذا الصالون العديد من أهل الثقافة.

 

موضوعات الصالون وميزته

تمحورت جلسات الصالون حول تحديث الشعر، خصوصاً ان تيار الحداثة الشعرية بدأ مع مجلة «شعر». أحد أركان الصالون فؤاد رفقا كان يقول باستخدام الوزن والتفعيلة في بعض الأحيان. وقد أيّد هذا الرأي الشاعر شوقي أبو شقرا. في المقابل كان هناك رأي يؤيد القيام بالتجارب النثرية خارج الوزن. ومن هذه الفئة لمع اسم أدونيس.
وأثار الصالون مضمون القصيدة الذي يجب ألا يقتصر على أغراض عادية بسيطة ومواضيع كلاسيكية، بل ينبغي أن تطرح في الشعر أساليب غير مألوفة وأشكال جديدة تناسب اللامألوف. الحداثة يجب أن تنسحب على جميع الألوان الفنيّة خارج نطاق القصيدة السابقة في تاريخ الشعر العربي. أما التجربة الشعرية فينبغي أن تكون جديدة في مضمونها وفي أسلوبها، كما يجب أن تحاكي القصيدة العربية الجديدة روح العصر.
ويقول أحد أركان صالون خميس مجلة شعر الشاعر شوقي أبي شقرا، انه كان لهذا الصالون الصدى البعيد من حيث كونه صالوناً لا قاعة للمحاضرات وللكلام المنفرد، ومن حيث انه كان يعزف على أوتار عدّة ويتناول ما هو قريب من نظرته الجديدة الى الشعر العربي والى القصيدة العربية الحديثة التي بدأت مع مجلة «شعر».
هذه الحداثة في الشعر، هذا التجدّد في القصيدة استقطب عشاق الفكر والأدب والشعر من كلّ حدبٍ وصوب.

 

المراجع

1 - مقابلات مع الشاعر شوقي أبي شقرا.
2 - حوار أجراه جوزف عيساوي ودافيد حداد مع يوسف الخال.
3 - مقال لخالدة سعيد عن يوسف الخال (ملحق جريدة «النهار»، السبت 8 تموز 1992).
4 - يوسف الخال في ملخّص لسيرته مؤرّخ في 15/5/1982.
5 - حوار أجراه الياس خوري وبلال خبيز وحسين بن حمزة مع أدونيس (ملحق «النهار»، السبت 19 تشرين الأول 1996).
6 - حوار أجراهُ محمد بركات مع أدونيس (مجلة «الوطن العربي» العدد 1177 - الجمعة 24/9/1999).
7 - حوار أجراه فاروق جويدة مع محمد بركات عن أدونيس («الوطن العربي»، العدد 1131 - 11/6/1998).
8 - معلوماتي الخاصة عن صالون مجلة «شعر» في أوتيل بلازا الذي كنت أحضر اجتماعاته الشعرية والأدبية.