من الجعبة الثقافية

الصالونات الأدبية في لبنان
إعداد: د. جورج هارون

صالون سلمى صائغ

سلمى صائغ أديبة بيروتية المولِد، خريجة مدرسة زهرة الإحسان. تأهّلت من الدكتور فريد كسّاب في العام 1911 لينفصلا الواحد عن الآخر بعد حين. غادرت الوطن الى البرازيل التحاقاً بأخ لها انقطعت عنها المعلومات عنه، حيث التحق ب"العصبة الأندلسية". بعاطفتها الإنسانية، أدارت المدارس الخيرية للطائفة الأرثوذكسية مدة خمس سنوات، كما تولت ميتم غزير. درست العربية في الكلية العلمانية للبنات في بيروت، وساهمت في إنشاء النهضة النسائية والاتحاد النسائي، وراسلت مجلات بيروت وصحفها.

صاحبة "النسمات" ورواية "فتاة أورشليم" و"رحلة في تركيا". كانت مولعة بالأدب، تذوّقتهُ على يد العلامة اللغوي الشيخ ابراهيم المنذر، ثم بواسطة الخوري مارون غصن، وراحت تنثر خواطرها في مقالات صدرت في المجلات البيروتية ولفتت الأنظار بما صورته من خيال رَحب وعاطفة رقيقة ولغة جذّابة وإنشاء جديد عزّ نظيره.


أقامت سلمى صائغ صالونها الأدبي في دارتها القائمة على طلعة شارع البطريركية في بيروت في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.


من نجوم هذا الصالون:
* إميلي فارس ابراهيم: كانت هذه الأديبة أصغر سنّاً من سلمى صائغ ومعبجة كلّ الإعجاب بهذه الأخيرة، وقد كرّست مقالاً في سيرتها في كتابها "أديبات لبنانيات"، وواكبتها في حياتها الأدبية والاجتماعية وآزرتها في صالونها الأدبي.
* افلين بسترس: سيدة القلم وسيدة المجتمع، إحدى قائدات الحركات النسائية في لبنان. قضت حياتها تحمل قضية المرأة، أطلت في فرنسا على الأدب الفرنسي الغزير الثقافة. صدر لها كتابان بالفرنسية الأول "يد اللّه" (La main de Dieu)، والثاني "في أفياء شجرة البندق" (A l'ombre du noisetier).
* صلاح لبكي: هو ابن نعوم لبكي الصحفي الثائر على العثمانيين والذي حكم عليه الديوان العربي العثماني في عاليه بالإعدام يوم صدور الحكم في شهداء 6 أيار، ثم أصبح رئيساً للمجلس النيابي اللبناني في العام 1922. وهو من مواليد ساوباولو في البرازيل عام 1906. وكان المحامي والصحفي والسياسي؛ رئيس جمعية أهل القلم وله مؤلفات عديدة.

 

قالوا فيها

تركت كتابات سلمى صائغ أصداء مؤثرة في كبار أهل القلم من معاصريها وفي طليعتهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومي زياده.
فجبران الذي قرأ قصيدتها "إلى ابنتي" كتب لها من نيويورك في العام 1921. واعتبر ميخائيل نعيمة في رسالة منه إلى سلمى الصائغ في العام 1924 كتابها "النسمات" "تحفة أذكرها لك بالشكر..."، وأضاف: اذا كان في سوريا من مواهب غزيرة فلن يقتلها الاحتلال... بل هي كامنة كمون النار في الرماد. ولا بد أن تهب عليها عاصفة تذري الرماد فتذكي النار. بل أرانا في فجر ذلك اليوم. فأنا ألمس أول أنفاس تلك العاصفة. ان يكن أول الغيث قطرة، فأول العاصفة نسمة.

 

رسالة جبران
سيدتي الأديبة الفاضلة سلمى صائغ كساب
سلام عليك وبعد فقد قرأت الساعة قصيدتك المنثورة "الى ابنتي" فتأثرت الى حدّ لم استطع معه الاّ كتابة كلمة اليك.
ان الروح التي صرخت هذه الصرخة الهائمة بجمالها المرّة بحلاوتها لا تحتاج الى المديح. فأنا لا أمدحكِ. والقلب الذي بعث هذه الشعلة القدسية لا يفتقر الى التشجيع، فأنا لا أشجعكِ. ولكنني اريد ان اشكركِ، أريد ان اشكركِ يا سيدتي ارضاءً لنفسي وان اظهر اعجابي بك اثباتاً لاقتناعي الخاص. أفليس الشكر والاعجاب من مظاهر الانانية*
في عقيدتي ان الشرقيين عموماً والشرقيات خصوصاً لفي حاجة الى هذا النوع من الأدب. هم في حاجة ماسّة الى مثل هذه العاطفة الحيّة المضطربة المجنّحة التي تصلي وتتألم وتبتسم وتبكي. هم في حاجة موجعة الى الاصوات التي تتصاعد من خلايا النفس لا الى الطنطنة التي تخرج من صدور القواميس.
وتفضلي بقبول احترامي الفائق مشفوعاً بأحسن تمنياتي والله يحفظكِ يا سيدتي ويحرس ابنتكِ.

المخلص
جبران خليل جبران
نيويورك ­ 26 تشرين اول 1921


رسالة مي زياده
أنتِ ربيعٌ يا سلمى
أنتِ ربيع بلادنا الملوَّن، المنشد، الشفّاف، الخصيب، في هذه الفسحات رياح تهبُّ وتعصف. إلاّ ان الربيع يتغلّب عليها ويخرسها كما تخرس أصوات الأجراس  ­ أجراس العيد ­ كلّ همهمةٍ، وتعلو فوق كلّ زئيرٍ وكلّ زفير.
أنتِ ربيع. وفي سماءِ الربيع منكِ يحلّق جناحا "الامومة"، أنتِ أمٌّ لبنانية صالحة في أفق ربيعٍ لبنانيٍّ جميل.
إني أعجب بكِ وأحبّكِ.     

ميّ القاهرة ­ 6 دسمبر 1923