أولادنا والحياة

الصغير يريد هاتفاً نقالاً!فما العمل؟
إعداد: ريما سليم ضوميط

مع اجتياح التكنولوجيا منازلنا وتوافر تقنياتها بين أيدي الجيل الناشئ، أصبح الهاتف الخلوي مطلباً ملحّاً للمراهقين وحتى للأولاد ما دون سن المراهقة، الأمر الذي خلّف عدة تساؤلات لدى الأهل:
هل يجب الإستجابة لمطلب المراهق أو تجاهله؟
هل يصح أن يحمل المراهق هاتفاً وما المخاوف الواجب أخذها بعين الاعتبار؟


 

حملات التسويق تستهدف الصغار
تؤكد الدراسات الحديثة أن الهاتف المحمول أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة المراهقين والأولاد ما دون سن المراهقة. وبحسب إحصاءات أميركية فإن نسبة الأولاد الذين يحملون هواتف نقالة في الولايات المتحدة تبلغ 22 في المئة بين سني 6 و9 سنوات و60 في المئة بين 10 و14 سنة، و84 في المئة بين 15 و18 عاماً. وتؤكد الدراسة أن حملات التسويق التي تقوم بها المؤسسات التجارية تستهدف حالياً الصغار بتقديمها مجموعة هواتف محمولة ذات ألوان جذابة وسهلة الإستعمال، كما يرجّح إرتفاع عدد الأولاد الذين يحملون هاتفاً نقالاً بين عمر 8 و10 سنوات الى 54 في المئة في السنوات الثلاث المقبلة.
 

... في لبنان
في لبنان، ليس هناك إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع، لكن المؤكد أن نسبة عالية من المراهقين باتت تملك هاتفاً نقالاً، وتتسع الدائرة حالياً لتشمل الأولاد ما دون سن المراهقة.
في هذا الإطار يؤكد أستاذ مدرّس في إحدى المدارس اللبنانية أن جميع تلاميذه الذين تراوح أعمارهم ما بين 12 و14 عاماً يملكون هواتف نقالة يحملونها معهم الى المدرسة. وهم يضعونها في خزائن خاصة في أثناء الحصص الدراسية بناءً على تعليمات الإدارة، وما أن ينتهي الدوام المدرسي حتى يهرع الطلاب الى الخزائن لتفقّد هواتفهم وإجراء مكالمات أو إرسال «SMS» أو حتى اللعب، أو حملها لمجرّد التباهي بحداثتها وبالإمتيازات التي تتمتع بها. ويضيف الأستاذ: «نحن لسنا ضد التطوّر التكنولوجي ولكننا نطلب من الأهل التفكير ملياً في الأسباب والعوامل التي تستدعي تزويد المراهق هاتفاً نقالاً، وفي محاذير وضع هذه التقنية المتطوّرة بين أيدي الصغار».

 

مخاوف صحية وتربوية
إن محاذير الهاتف النقال كثيرة، منها الصحية ومنها الإجتماعية والتربوية. فمنذ دخول الهاتف الخلوي الأسواق، بدأت الدراسات المعمّقة حول مخاطر الإشعاعات الكهرومغناطيسية الناتجة عنه ومن بينها خطر الإصابة بتورّم سرطاني. وقد ذكر الباحثون في عدة تقارير أن وضع الهاتف الخلوي على الأذن قريباً من الدماغ يتيح للإشعاعات الضارة التسبّب بمشاكل فيزيائية من بينها التورّم في العصب الذي يربط الأذن بالدماغ. وفي تقرير حديث للمجلس الوطني البريطاني للحماية من الإشعاعات، صدرت توصيات بشأن عدم السماح للأطفال ما دون الثامنة من العمر باستخدام الهاتف الخلوي، والحدّ من استعماله قدر المستطاع بين الأطفال الذي تراوح أعمارهم ما بين 8 و13 عاماً.   

 

التكنولوجيا جزء من حياة المراهقين
الى جانب المخاطر الصحية، يطرح وجود الخلوي بين أيدي المراهقين مخاوف تربوية تشغل الأهالي والمربّين. فهل يصح أن يحمل المراهق هاتفاً نقالاً، وما المخاوف التي يطرحها وجود هذه التقنية في متناول صغار السن؟
سؤال حملناه الى الدكتور نبيل خوري الإختصاصي في علم النفس العيادي.
بدايةً، أكّد الدكتور خوري أن التكنولوجيا جزء من حياتنا اليومية وهي المحطة الأبرز في النمو الفكري والتفاعل الإجتماعي وفي قدرات الإنسان على مواكبة ركب الحضارة.
وأضاف: جزء من هذه التكنولوجيا هو الهاتف المحمول، وهو مثل الإنترنت أصبح جزءاً من حياتنا في مختلف جوانبها ودوره أساسي ومهم، إذ من دون هذا الدور نشعر بنقص ليس في مكوناتنا فحسب بل في قدراتنا التفاعلية وتواصلنا مع الآخرين، وتمكّننا من مجابهة إلتزامات الحياة وفرائضها. وأوضح الدكتور خوري أن بعض الأهالي قد يتطلع الى الهاتف الخلوي من هذا المنظار، والبعض الآخر قد ينطلق من العنجهية التي تميّز الشرقيين واللبنانيين بشكل خاص، إذ يعتبرون التكنولوجيا وسيلة للظهور وإبراز الطاقات وإعطاء النفس البشرية حجماً أكبر من حجمها الفعلي. وفي كلا الحالتين يلجأ الأهل الى تزويد الأولاد هواتف نقالة بحجة متابعتهم حيث يكونون والإشراف عليهم والإطمئنان، والحدّ من الوساوس والمخاوف التي يثيرها وجودهم خارج المنزل لوقت طويل.

 

أبعد من التواصل
إن ما يراه الأهل كوسيلة إشراف، يعتبره الولد في المقابل وسيلة لإظهار شخصيته، لفتح أجنحته، ولإعطاء نفسه الحجم المعنوي الذي يحلم به، وللتشابه مع أهله ولاستقلاله. وهنا تكمن المشكلة في تزويد المراهق هاتفاً خلوياً. فهذا الهاتف لم يعد وسيلة إتصال تقليدية، بل أصبح جهاز كمبيوتر مصغّراً يتيح للمراهق تصفّح الإنترنت ودخول الأمكنة التي يرغبها وإرسال أو تلقّي صور إباحية بسرية تامة. إضافة الى التلهّي عن الدروس في محادثات أو ألعاب أو رسائل قصيرة. وأكّد الدكتور خوري أن الهاتف الخلوي أخطر من الإنترنت نظراً الى صعوبة مراقبته وضبط استعماله.

 

ما الحل؟
إن التفكير الواقعي يفرض علينا عدم حرمان مراهق من وسيلة يتنعّم بها أترابه، أجاب الدكتور خوري. فإذا كان جميع التلامذة في الصف يحملون هاتفاً خلوياً، لن يفهم المراهق مخاوف أهله أو مبرّراتهم المنطقية في عدم السماح له بالتماثل مع رفاقه. على العكس، فإن رفضهم سوف يولّد لديه عقدة نقص وحالة من العدائية والإستفزاز وهذا ما لا نريده لأولادنا.
فالحل إذاً يقضي بشراء هاتف خلوي وتنبيه المراهق الى أخطاره، وتنمية حسّ المسؤولية لديه، ولفت نظره الى أهمية الثقة التي منحها إياه ذووه وعواقب عدم الحفاظ عليها.  

 

أسئلة
بين إلحاح الأولاد في الحصول على هاتف خلوي وخوف ذويهم من عواقب هذه الخطوة، ما تزال أسئلة كثيرة يطرحها الأهل برسم المعنيين.
أين دور المدرسة والوزارات المختصة؟ لماذا يسمح بحيازة هاتف داخل المدرسة؟ كيف نجابه منفردين أخطاء مجتمع بأسره؟ وماذا عن الأهل الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية بشراء هاتف خلوي لأولادهم؟


نصائح
إذا كان لا بد من تزويد المراهقين هواتف خلوية يقول الخبراء، فمن الضروري أن يحدّد الأهل قواعد استعماله، وأن يحرصوا على التزام أولادهم بها.
من بين هذه القواعد ينصح الخبراء بالآتي:
• الخلوي وسيلة تواصل يستخدم عند الضرورة فقط ولا يجوز استعماله للمحادثات الطويلة والدردشة مع الأصحاب.
• يمنع استعمال الخلوي في ساعة متأخرة ليلاً، كما يمنع استخدامه داخل المدرسة. من الممنوعات أيضاً الرد على أرقام مجهولة أو رسائل مجهولة المصدر.
• استخدام الخلوي بمسؤولية، فمن الضروري فرض الرقابة الذاتية عند استعماله للدخول الى الإنترنت، نظراً الى الإحتمالات اللامتناهية التي يتيحها.
• التحدّث عبر الخلوي بطريقة لائقة، وعدم التكلم بصوت عالٍ في الأماكن العامة.