نافذة

الصمت الذي يُرى
إعداد: روني ألفا

عن قوة الصمت. خصوصًا عندما يبدأ الرَّمي بالرصاص الكلامي الحي على قيادة الجيش. كلهم أبناء هذا العرين. المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي لا تستسيغ جدلًا لا في بيزنطية ولا في لبنان. بالسكوت يعمل الجيش لأنه مؤتمن على صرخة وطن. هذا ما يمكن التعليق عليه إزاء إقحام الجيش وقيادته ربما عن حسن نية في المباح والمحرَّم على خط المواجهات في السياسة. الواجب تم الإيفاء به. حدود برية وبحرية في عهدة الخرائط من دون التنازل عن قَدَح ماء واحد. من دون التنازل عن باقة صعتر بري متاخمة لفلسطين المحتلة. بعد ذلك، السلطة السياسية مسؤولة عن الأمانة. هذا تحديدًا ما يبرر صمت الجيش فيما يختصم أهل السياسة على جنس الملائكة.

هناك كلام مدوّ يتشظّى ويؤذي هو كلام بعض السياسة، وهناك صمت بطعم رُقيّ هو صمت الجيش. هناك ثرثرة تشبه الضجة خصوصًا في السياسة والجدل العقيم. وهناك صمت للجيش هو حسن استماع لشعبٍ يتعذب. انفتاح حقيقي على أحلام مجهضة وتماهٍ مع رجاء لا يمل الانتظار. يحضرني النبي إيليا عليه السلام في توصيف الصمت. من كهفه السكوت ينتظر النبي المختار إشارة من الله. لا يأتي الله على شكل ألسنة من نار ولا في قصيف الرعود ولا في تشققات الزلازل المدمرة. يأتي من ضجيجِ الصمت. وحده يخاطب صراخ الناس ومطالبهم. أحيانًا تتحول التصاريح الرتيبة إلى نواويس ومقابر كلامية. وحده صمت المؤسسة العسكرية مشروع قيامة.

صمت الجيش يُنظَر إليه. أول صمت من نوعه باستطاعتك أن تراه. أقوى كلمة في عالم السياسة أقصى طموحها أن تُسمَع. لا يمكن لأي خطاب سياسي أن يُرَى. صمت الجيش محبوك من الموت الوشيك لأجل شجرة أو متر أرض. لا تملك السياسة هذه القيمة. السياسة تمدح نفسها لأن الشجرة على الحدود مصانة. صانها الجيش وحوّلتها السياسة إلى تصريح وانتصار انتخابي. الشعب وحده قادر على رؤية الصمت العسكري. شهيد ارتقى هنا أو إرهاب أُحبِط هناك. الجيش يصدر بيانًا في الوقائع. يكاد يخجل من التصريح في الإعلان عما هو واجب عليه. لا يستثمر ولا يبيع شهيدًا في سوق السلطة. البيع والشراء في مكان آخر. الصمت تمامًا كما تتخاطب أعين العشاق. في المطعم يسود الصمت عندما يلتهي المعازيم بقراءة قائمة الطعام قبل الطلبية. هذا صمت الشهية. الجيش هو القائمة والشهية لمعازيم السلطة. صمت الجيش في المطبخ حيث يُخدَم المعازيم برموش العيون أليس كذلك؟

عودة إلى فلسفة السياسة بسؤالٍ بريء: على أي لُبنَة تُشيَّد السلطة؟ أفتش عن حجر أساس. لم أجد سوى لُبنَة واحدة. أن تأتي سعادة المجتمع قبل ترف الأفراد. المصلحة العامة قبل المصالح الخاصة. بالطبع لأن سعادة المجتمع أكثر كمالًا من سعادة الأفراد. أن يكون المسؤول مفيدًا لشعبه قبل أن يكون مفيدًا لنفسه ورَبعِه وطائفته ومذهبه. لا شيء يرضي الله والضمير أكثر من أن يعمل المسؤول لخدمة هذه القيمة. عندما يقع المسؤول في خطيئة شخصنة السلطة واستعمالها لمجده الشخصي يختار الصمت للتهرب من الاعتراف. يصبح الصمت والحالة هذه شريكًا في الجريمة. في لبنان هناك صمت كما أسلفت أسوأ من اقتراف الجرم.

في مواجهة سكوت السياسة هناك سكوت الجيش. الصمت عظَمة. قوي لدرجةٍ أنه إذا خُرق مرة من أجل الحق يثير بلبلة وانزعاجًا في السياسة. خطاب الثامن من آذار نموذجًا. في أعماقه يحتوي الإمساك عن الكلام تعبيرًا عن المعنى. إفصاحًا لما يجب القيام به. كلام الجيش وقائده على ندرته لا يقع على جانب الطريق. هو الطريق بعيدًا من الفظاظة والرتابة والعلك والمضغ. كلام يفتح باب الإمكانيات على مصراعيه. يشرّعه على فضيلة الحب. وحده الحب المرقَّط يستحق تقبيل العَلَم!