قضايا اقليمية

الصهيونية المتجـددة مشروع كراهية لا مشروع سلام
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

طرد العرب من فلسطين والعمل في الداخل على تفتيت البلاد العربية هما مصراعا باب المشروع الصهيوني.

"إرهاب الدولة " اللذي تمارسه إسرائيل هو أبشع أنواع الإرهاب وأكثره إجراماً وخطراً على الإطلاق.

قادة الصهيونية يحمّلون العرب كل ما شكا منه اليهود منذ أوائل عصور التاريخ من آلام.

العنف اليهودي ضد العرب في فلسطين لا يقتصر على الإحتلال والإجرلاء بل يطال حتى الوجود الإنساني.

يعتبر المفكر والفيلسوف الفرنسي المعروف روجيه غارودي في كتابه “قضية إسرائيل والصهيونية السياسية”, أن الصهيونية المتجددة على أيدي اليمين الإسرائيلي الشوفيني المتطرف بقيادة بيغن وشارون وإيتان ونتنياهو وليبرمان وسواهم من دعاة العنصرية وإشاعة الكراهية بين اليهود والعرب, ترى أن “طرد العرب من فلسطين والعمل في الداخل على تفتيت البلاد العربية هما مصراعا باب المشروع الصهيوني”. وتحقيقاً لهذا المشروع كان لا بد من ممارسة أبشع وأقسى أنواع الإرهاب والقتل المنظم, سواء على أيدي منظمات المستوطنين المدججين بالسلاح بدعم وتغطية من الدولة, أو على أيدي الدولة الرسمية نفسها, ضمن ما يسمى “إرهـاب الدولة” وهو أبشع أنواع الإرهاب وأكثره إجرامـاً وخطـراً على الإطـلاق. وعلى هذا الصعيد يقول غارودي إنه بعكـس المعاملة اللائقـة والوديـة التي عامل بها العرب اليهود في مختلف بلدانهـم في المشرق والمغرب, فإن قـادة الصهيـونيـة “حمّلـوا العرب كل مـا شكـا منـه اليهـود منـذ اوائـل عصـور التاريـخ مـن آلام”.
ومن هنا كان العنف اليهودي -­ الصهيوني ضد العرب في فلسطين بالذات وفي خارجها, يعتبر الأكثر وحشية وضراوة وأكثر دواماً وتميزاً, لأنه لا يقتصر على الإحتلال والإجلاء واغتصاب الأراضي والموارد المائية وسواها, بل إنه يطال أيضاً حتى الوجود الإنساني والحضاري والثقافي بهدف تزوير الماضي وإلحاق الهزيمة بالحاضر والمستقبل. ومثل هذه الأهداف العدوانية الإجرامية لا يمكن أن تتحقق إلا إستناداً الى الخطوات والإجراءات التالية:
1­- تدجيج إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الفتّاكة حتى المحرّمة دولياً.
2- تأكيد ودعم الإيمان المطلق بالإيديولوجيا الصهيونية ومطلقاتها اليهودية.
3­- رفض الوجود الفلسطيني “النقيض”, والعمل الدؤوب والمثابر على إزالته وإلغائه.
4­- غرس الإيمان لدى كافة يهود العالم بأن السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف هو العنف والعدوان.
5­- تسويغ وتبرير جرائم القتل والهدم والتشريد, وكل المذابح والمجازر المرتكبة واعتبارها عملاً عادياً.
6­- القيام بعملية غسل دماغ جماعي قوامها التضليل والتزوير والخداع في شتى أنحاء العالم لتغطية الإحتلال الصهيوني اللاشرعي للاراضي العربية.
7­- العمل على “اغتصاب” الإنسان العربي في عقله ووعيه وفرض الصهينة عليه لسلخه عن مجتمعه القومي وشده نحو الصراعات والتناقضات الطائفية, والعنصرية الوهمية, من أجل خلاص المشروع الصهيوني الكبير وتخفيف الأعباء عنه.
8­ - تحديد وفرض الفلسفة التربوية الصهيونية القائمة على الإستلاب والهيمنة والترهيب, وصرف الشعوب العربية عن قيمها وحضارتها وتراثها.
وإذا كانت هذه هي الأهداف الحالية الواضحة للصهيونية, فما هي الأساليب والأسباب التي ساعدت على تحقيق هذه الأهداف؟
1­- وجود إستراتيجية صهيونية عالمية واضحة وخطة دقيقة تقوم على التشبث بالأهداف وعلى المرونة في وسائل تحقيقها, مع قدرة متطورة على التكيف الجيد مع شروط العصر والحياة ومتطلباتها. هذا الى جانب الارادة العصبوية التي تتسلح بفكر ديني ­ أسطوري يبررها إنطلاقاً من الإجماع حول مقولة “الشعب المختار والمتفوق”.
2­- توحيد يهود العالم, والداخل, وإستغلال جهودهم وتوجيهها نحو خدمة الأهداف البعيدة المدى عن طريق تبني المطلقات اليهودية واستغلال الدعاوى التاريخية.
3­- إستغلال الإمكانات الضخمة لمجموعات الضغط اليهودية ومنظماتها في مجالات المال والإعلام والإقتصاد والسياسة والثقافة, وتعبئتها جميعاً ضمن شبكات وتنظيمات صهيونية دقيقة مبثوثة في جميع أنحاء المعمورة لخدمة الأغراض والأهداف الصهيونية ­ اليهودية.
4­- مدّ إسرائيل بالطاقة البشرية اللازمة وإبدال الأكثرية الفلسطينية بأكثرية يهودية عن طريق الترغيب والترهيب, حيث يعمد زعماء الصهيونية وقادتها بواسطة شبكة تنظيماتهم الموجودة في العالم, الى بعث الثقة بإسرائيل كدولة قوية ديموقراطية علمانية متطورة, تسودها العدالة والمساواة وحكم القانون وسائر مغريات العمل والرفاه. وفي الوقت نفسه تعمل الصهيونية بمنظماتها ووكالاتها على إثارة أجواء التحريض وزرع الخوف والقلق في نفوس يهود دول العالم لحضهم وحملهم على الهجرة الى إسرائيل, مثلما فعلت سابقاً في بعض الدول العربية ومثلما يحصل حالياً في كل من فرنسا والأرجنتين بنوع خاص.
5­- توفير طاقة عسكرية أمبراطورية لإسرائيل وتطويرها باستمرار عبر بناء جيش نوعي وعصري وعالي التدريب والجاهزية القتالية, في الجو والبحر والبر, مع دعمه ببنية تحتية غنية بالخبرات وخصوصاً بصناعة عسكرية متشعبة وذات إمتداد عالمي.
6­- إستغلال التناقضات والأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الصعبة التي يعاني منها العالم العربي, والعمل على مفاقمتها وزيادة حدتها وتفجيرها. ومن بين هذه التناقضات والسلبيات التي تعززها الحالة المرضية للأمة نذكر: التجزئة والتخلف والإقليمية والعشائرية والجهل والفقر والطائفية والإستبداد والفساد الإداري...
7­- الإندماج والتناغم السريع وشبه المتكامل مع الظروف الحالية للتطلعات الاستعمارية للدول العظمى, والإنسجام معها من منطلق الإنتهازية وتوظيف الظروف الطارئة مثلما حصل مع حكومة شارون التي استغلت أفضل استغلال آلام الشعب الأميركي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر في كل من واشنطن ونيويورك, من أجل الفتك بالشعب الفلسطيني وطمس معالم قضيته الوطنية والإنسانية.
8­- إستغلال اليهود المنتشرين في العالم والإستفادة من خبراتهم عبر دمجهم وتنظيمهم في شبكات بالغة الدقة, وحسن الإنتشار من أجل غايات التجسس وممارسة عمليات القتل والإغتيال والتخريب لأي طاقة تخدم العرب وضد أي شخصية تؤيد صفوفهم.
9­- تسخير وإستغلال الرأي العام العالمي عبر الإستفادة من الجيش الجرار من أرباب الدعاية والإعلام والصحافة والفن والثقافة ورجال الدين والجيش والأمن وسائر المرتزقة اليهود, المبثوثين في العديد من البلاطات ومواقع السلطة والحكم في العالم, بحيث يمكننا تعداد نحو 650 صحيفة ودورية تخص اليهود وتطبع بنحو 24 لغة مختلفة.
هذا هو باختصار كشف حساب الصهيونية المتجددة التي اغتالت اسحق رابين, بالرغم من كل سلبياته وجرائمه, وقضت على اتفاق اوسلو, بالرغم من كل مساوئه, وفرضت على أرض الواقع, سلسلة من المجازر البشعة التي ليس من شأنها سوى زرع المزيد والمزيد من الكراهية وروح الثأر بدلاً من زرع روح السلام في أرض الصفح والتسامح والسلام.