قضايا ساخنة

الصومال ارض النفط واليورانيوم
إعداد: يونس عودة

صراعات دولية بأيدي قبائل الوطن

لم يكن الصومال هذا البلد الفقير في القرن الافريقي مدار اهتمام إلا عندما تنشب المعارك بفعل التدخلات الخارجية، على الرغم من أن الحروب الداخلية القبائلية تجتاحه منذ إعادة تكوينه الحديث في مطلع الستينيات، علماً أنه شهد فترة هدوء قصيرة مع محمد سياد بري (أول رئيس بعد الاستقلال) والذي انهار حكمه العام 1991، مما أدى إلى دخول البلاد في نفق الفوضى والاقتتال بين امراء الحرب.
وآخر الحروب المستمرة حتى اليوم، لفتت انظار العالم بعدما سيطرت ما يسمى المحاكم الاسلامية على كامل الاراضي السودانية وطردت الحكومة الانتقالية المرتبطة بعلاقات جيدة مع الغرب، والتي لم تستطع فرض الامن في البلاد على الرغم من الفرص التي سنحت.
أمّا أولى الحروب في الصومال بعد الاستقلال فكانت مع جارته اثيوبيا (العام 1977) التي تحتفظ باجزاء واسعة من اراضي الصومال المعروفة باقليم اوغادين ومساحته 250كلم2، ويسكنها مليونان ونصف من الصوماليين والذي على اثره هزمت الصومال لتبدأ مرحلة داخلية من المعارك القبلية حتى سقوط نظام سياد بري الذي كان تسلّم بلداً فقيراً ممزقاً من الاستعمار.

 

الولايات المتحدة على الخط
العام 1992 دخلت الولايات المتحدة تحت لافتة الامم المتحدة بقوات المارينز الى هذا البلد، حيث تصدت لها قوات اكبر قائد في ذلك الحين محمد فارح عيديد، ومن بعده ابنه حيث تم استنزاف القوات الاميركية على مدى اكثر من سنة ونصف لتقع بين قوات المارينز والقوات الصومالية في تشرين الاول 1993 مواجهة كبيرة ادت الى سقوط طائرتين اميركيتين ومقتل 18 جندياً، قامت الجماهير الصومالية بسحلهم في الشوارع والتنكيل بجثثهم، ما دفع ادارة الرئيس بيل كلنتون إلى سحب القوات الاميركية من هناك بهزيمة شبهت بالانسحاب الاميركي من لبنان العام 1984.
منذ ذلك الحين لم تهدأ الحروب بين امراء الحرب وقادة العشائر الذين تقاسموا مناطق الصومال، وبقي الصراع الاقسى على العاصمة مقديشو التي سيطرت عليها المحاكم الاسلامية قبل نحو ستة اشهر وفرضت الامن فيها، ما اكسبها احترام اوسع الشرائح في المجتمع القبلي الصومالي.
جاء تمدد المحاكم الاسلامية بسرعة قياسية على الاراضي الصومالية ليثير مخاوف اثيوبيا في ما يتعلق باقليم اوغادين، لا سيما ان الشيخ عويس قائد المحاكم لم يُخفِ نيته باقامة الصومال الكبير كما ان عدداً من قادة المحاكم يتحدرون من هذا الاقليم. وتعتبر اميركا ان الشيخ عويس انتهازي يسعى الى تنفيذ الحلم التاريخي بإنشاء الصومال الكبير الذي ضم الأجزاء الخمسة المشتتة وهي: جمهورية الصومال الحالية التي تضم جزءين كانا تحت الاحتلال البريطاني والايطالي، والجزء الثاني يضم جيبوتي التي كانت تسمى الصومال الفرنسي قبل الاستقلال، والجزء الرابع هو الصومال الغربي الواقع تحت الاحتلال الأثيوبي، أما الخامس فهو منطقة الحدود الصومالية الكينية، ويطلق عليها إقليم «إنفدي» (N.V.D)، التي ضمها الاستعمار البريطاني لكينيا وتبلغ مساحتها 126.000 كلم2 ويبلغ عدد سكانها 100.000 نسمة وهم من المسلمين.
استغلت الولايات المتحدة الهواجس الاثيوبية الخاصة لتشن حرباً على الصومال اكدتها في ما بعد من خلال قيام طيرانها بتنفيذ غارات تحت ستار ان الصومال فيه نشاط لمنظمة «القاعدة».وكانت الولايات المتحدة قد تجنبت على مدى ثمان سنوات التدخل في الصومال بعدما غاب الحكم المركزي واصبح هذا البلد منسياً في المجتمع الدولي، إلا انه وعقب اعتداءات 1998 التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا (224 قتيلاً) واعتداءات 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة، وضعت الصومال تحت رقابة اميركية مشددة.
وفي العام 2002 اقامت الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية الوحيدة في افريقيا في جيبوتي على بعد بضعة كيلومترات من الصومال. وفي آذار 2003 خطف ستة اميركيين مدنيين مسلحين من مستشفى بمقديشو، رجلاً من اصل يمني يشتبه بأنه من عناصر القاعدة قبل اخراجه من الصومال جواً.
وفي بداية العام 2006 وفي الوقت الذي كان فيه نفوذ الحركة الاسلامية يتنامى في الصومال ذات التقاليد الاسلامية المعتدلة، دعمت واشنطن مالياً تحالفاً من امراء الحرب لمواجهة صعود الاسلاميين. ومني هذا التدخل غير المباشر مجدداً بالفشل.
وبعد عدة اشهر من المعارك التي اوقعت مئات القتلى، سيطر الاسلاميون على مقديشو الصيف الماضي ثم معظم المناطق الجنوبية والوسطى من الصومال. وغيرت واشنطن عقب ذلك تكتيكها. وفي كانون الاول 2006 دعمت رسمياً الهجوم العسكري لإثيوبيا المجاورة للصومال على الاسلاميين الذين هزموا في غضون 12 يوماً. وساعدت القوات الاميركية اساساً القوات الاثيوبية من خلال نقل معلومات لأقمار تجسس، ومن خلال تمركز قطع حربية اميركية في عرض السواحل الصومالية والكينية المجاورة، لمنع فرار الاسلاميين.

 

المصالح الدولية تحرك التباينات القبلية
منذ العام 1960 تاريخ قيام دولة الصومال الحديثة، باتت هذه الدولة الشغل الشاغل للقرن الافريقي وذلك بسبب تاريخها المأسوي الذي شهد على مرّ العصور نزاعات مختلفة ما زالت مستمرة بعناوين واهداف مختلفة وفرقاء يتغيرون.
إثنياً، يعتبر الشعب الصومالي من اكثر الشعوب الافريقية تجانساً تجمعه لغة واحدة ودين واحد (الاسلام)، لكنه شعب موزع على ست قبائل متخاصمة، ما يتيح اعادة التفريق بينها وجعلها متناحرة وبالتالي تطبيق خطة الفوضى المعدّة للقرن الافريقي، فالصومال ارض مترامية الاطراف قياساً إلى عدد السكان البالغ عشرة ملايين نسمة على مساحة 640 الف كلم2، تشكل السهوب 68 بالمئة منها. وهو بلد غني من حيث الثروات المنجمية غير المستغلة وفي مقدمها اليورانيوم والحديد والرصاص والقصدير والمنغانيز، وكذلك البترول، إلا ان الصراعات المحلية لم تتح للتوظيفات الاستثمار بسبب حالة اللااستقرار من جهة، والصراعات الدولية المتنافسة للسيطرة على الصومال بوسائل مختلفة من جهة ثانية. وهذه الصراعات تساهم في اشعالها الدول الاكثر اهتماماً بمادة اليورانيوم التي تفيض بها ارض الصومال حسب الدراسات المتعددة، والتي يبدو انها عنوان الصراع الحقيقي وغير المعلن.
 لذلك فإن الابعاد الاستراتيجية للحروب الصومالية، ولا سيما الاخيرة منها التي تمثلت بالغزو الاثيوبي بدعم وغطاء اميركيين استجابت له الحكومة الانتقالية، يمكن ان تنحصر بالآتي:
1- وجود احتياطي هائل من النفط غير المنقب عنه في ارض الصومال فضلاً عن اليورانيوم.
2- قربه من طرق مرور النفط في المحيط الهندي امتداداً إلى البحر الاحمر، بحيث يفصله خليج عدن - باب المندب عن دول الخليج.
3- قرب الصومال من اثيوبيا المحاذية لجنوب السودان، وبالتالي موقعه الاستراتيجي من قلب القرن الافريقي الغني بالنفط.
4- الوجود الفرنسي في جيبوتي المحاذية للصومال، والصراع الاميركي-الفرنسي على القارة السوداء او على ما تبقى منها بأيدي الفرنسيين.
واللافت ان الحكومة الانتقالية الصومالية دعت الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري البري بعدما اعطتها الغطاء للقصف الجوي، الذي قيل انه قتل خلاله احد قادة القاعدة عبد الله فضل وهو من اخطر المطلوبين لدى الولايات المتحدة. ويقول الرئيس الصومالي عبد الله يوسف المدعوم من الولايات المتحدة ان عهد امراء الحرب في الصومال قد ولى إلى غير رجعة، وانهم لن يعودوا إلى حكم العاصمة ابداً، كما سيتم تجاوز الإرث الثقيل الذي ميز مرحلتهم في الفترة التي حكموا فيها العاصمة. واوضح ان معظم أمراء الحرب تم ارسالهم الى بيداوة ليمارسوا حياتهم العادية هناك كمواطنين عاديين وطُلب من الذين لا يزالون اعضاء في البرلمان الانتقالي ان يتعاونوا مع الحكومة الانتقالية من خلال مواقعهم النيابية. لكن القبائل المتناحرة ما زالت تحتفظ بأسلحتها وعساكرها، وهي لا تثق بالحكومة ما لم يكن هناك اتفاقات على توزيع حقائب الوزارات، والمصالح المختلفة (مادية وسياسية)، وهناك مخاطر تتمثل في عودة ميليشيات المحاكم الى اعتماد استراتيجية حرب العصابات الطويلة، والتي قد تجد لها من يساعدها عطفاً على شعاراتها الإسلامية، وعدائها لإثيوبيا. ولا ننسى الدول المجاورة التي لا تريد صومالاً قلقاً، ومتحارباً يرسل لها جيوش الهاربين من جحيم الحروب والصراعات القبلية وترقباً دولياً يتركز حول المخاوف من انجراف القرن الافريقي إلى حروب تقودها مختلف القوى...
 الصومال يدخل رحلة المجهول، فلو قلنا ان الجميع تضرر من الحروب الطويلة وإهدار الارواح والاموال، وتجاهل العالم ما يجري في الداخل، نتفاءل بتوافق يوحد الجميع على قواعد اكثر ثقة، بالمقابل لا نستطيع القول ان ما حدث في السنوات الماضية لن يتكرر.