الصين والتحوّلات الدولية وحماية تجربة الإصلاح الإقتصادي

الصين والتحوّلات الدولية وحماية تجربة الإصلاح الإقتصادي
إعداد: د. نبيـل ســرور
استاذ جامعي

المقدمة

في ظل التغيّرات التي طرأت على المشهد الدولي في العقدين الأخيرين، تسعى الصين، وهي الدولة التي تمتد على أكثر من ثلاثة ملايين كلم٢ من المياه الإقليمية الخاضعة لسيادتها[1]، لأن يكون لها عمق وإمتداد حيويان يحميان حدودها ويحاكيان طموحها، ويحميانها إستراتيجيًا.

لقد ارتكز الادراك الصيني للتحوّلات العالمية على الرغبة في حماية تجربة الاصلاح الاقتصادي، والمحافظة على طابعها الصيني الخاص، وهو ما عرف بالتجربة الصينية، وإيجاد الشروط الملائمة لاستمرارها واللازمة لإنجاحها، لما لها من أهمية في بناء دور الصين المستقبلي.

ولقد سعت الصين بعد إنهاء جزء مهم من إصلاحاتها الداخلية على المستويين السياسي والإقتصادي، إلى الإنطلاق نحو تأكيد الحضور وبلورة معالم الدور عالميًا، في نظام دولي أخذت معالمه ترتكز على معطيات إقتصادية وعلى المصالح وفتح الأسواق، بعد أن كان للإيديولوجيا في معظم مراحل القرن الماضي، دورٌ مهم في إدارة السياسات الخارجية للدول وفي رسم بنية التحالفات والتوازنات على المسرح الدولي.

إن تغيّر البنية الهيكلية للنظام الدولي قد حرّر الحركة السياسية الخارجية الصينية من جملة قيود كانت تكبّلها، وفتح أمامها هامشًا واسعًا وفرصة جديدة كي تتعامل مع جملة قضايا ربما كانت تُعّد في عهد القطبية الثنائية، حكرًا على القوّتين العظميين، الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي السابق.

وأدركت الصين كذلك ضرورة أن يكون لها دور مميّز في تفاعلات البيئتين الاقليمية والدولية، ولهذا تحرّكت باتجاه مجموعة قضايا، كانت بمنزلة محاور أساس تعين على كشف حقيقة المتغيّرات في نمط التفكير الصيني ونماذجه السلوكية، للتحوّل من موقع "الانحسار النسبي" في مرحلة القطبية الثنائية، إلى "الانفتاح النشيط" في مرحلة القطبية الأحادية، الأمر الذي فرض على الصين أن تجهز نفسها للبحث عن مقوّمات دور جديد يتلاءم وحقائق التغيير، وأن تثبت من خلاله مكانتها الدولية.

وفي مقدمة مظاهر التغيير، تأتي الإيديولوجيا ، التي لم يعد لها الدور الحاسم نفسه في تشكيل رؤية الصين، وصياغة تفاعلاتها الخارجية. وقد يصحّ القول إن الصين تلجأ – في بعض الأحيان- إلى المبرّرات الإيديولوجية كمحدّد للرؤية، إلا أنها تراجعت إلى حد كبير أمام مقتضيات المصالح الوطنية، وأمام التوجّهات الجديدة للرأي العام الصيني التي تبلورت معالمها في السنوات العشر الاخيرة، ما جعل السلطة السياسية تواكب الرأي العام بالتوجهات وبالسياسات التي تنتهجها.

لقد أصبح من اللافت جدًا للباحثين والمحلّلين، أن يلاحظوا بشكلٍ كبير التطوّرات الكبيرة التي حصلت على مستوى انفتاح السلطة السياسية على واقع الرأي العام في الصين. حيث بدأت مؤسسات الدولة والحزب تأخذ بالإعتبار توجهات الرأي العام المحلي ومستوى رضاه عن إدارة البلاد في الشأنين السياسي والاقتصادي وانعكاس ذلك على واقع الناس ومشاكلهم ومطالبهم الحياتية والإجتماعية.

ولقد تركت السياسات الجديدة المتبعة من الدولة، وفي بُنى الحزب الشيوعي الحاكم انطباعات إيجابية وتركت أكثر من أثر إيجابي ذات دلالة، سواء على مستوى الداخل أو على مستوى المراقبين في الخارج، الذين يتابعون عن كثب المسار السياسي والحقوقي الذي تحقّقه الصين وتنتهجه بخطى مدروسة وثابتة. وعلى صعيد التوجّهات الخارجية التي انطلقت فيها الصين بعد الإصلاحات التي أجرتها السلطات في الداخل، فقد نظر الصينيون إلى القانون الدولي باعتباره أداة يمكن أن تخدم أهداف السياسة الخارجية لبلدهم، ومن ثم رأوا ضرورة المشاركة في تدعيم الشرعية الدولية، وبخاصةٍ أن نظام الشرعية الدولية يمكن أن يستمر من دون مشاركة الصين فيه. وتكون النتيجة هي تقييد حركة الصين في المجتمع الدولي، وهذا لا يخدم مصالحها وتوجهاتها الجديدة[2].

ولما كانت المشاركة في الشرعية الدولية من جانب الصين، تقتضي شرح السلوك الصيني وتبريره في ضوء معايير الشرعية الدولية، فإن المعضلة كانت، إما مواجهة هذه الشرعية والتناقض معها، ومن ثم مع أهداف المجتمع الدولي وتطلّعاته، وإما التوافق معها وقبول معاييرها. وكان البديل الثاني هو الأرجح أملاً في خدمة مصالحها القومية.

وفي الواقع، فإن سبيل التوافق مع الشرعية الدولية كانت ترافقه جملة عوائق. فعلى سبيل المثال، كان مفهوم المصلحة القومية بالنسبة للصين التي تصرّ على السيادة المطلقة للدولة كأساس للعلاقات الدولية، يعني المعيار الذي يحدّد السلوك القانوني في المجال الدولي، ومن ثم فهو المعيار الذي تتصرّف في ضوئه، أي أنها تتصرّف وفق الضوابط التي ترى فيها ما يخدم مصلحتها القومية[3].

واستكمالًا لرؤيتها الرافضة لانفراد دولة واحدة بمقدرات النظام الدولي، فإن الصين لا تميل  إلى الدخول في تحالفات مع دول أخرى أو تشكيل جبهات في مواجهة قوى معيّنة. وحرصت على تنحية الخلافات الإيديولوجية بينها وبين دول المنطقة جانبًا، وتنمية علاقات قوامهاالمصلحة المتبادلة،حتى نجحت في استقطاب إستثمارات ضخمة، قدّرت في العام 2006 بما يزيد على ٤٥٠ مليار دولار[4].

وفي هذا المبحث من دراستنا سنعالج ثلاثة مطالب: الإدراك الصيني للمتغيّرات الدولية، المحدّدات للإستراتيجية الصينية تجاه الشرق الأوسط، ومواقف الصين تجاه قضايا المنطقة العربية.

 

أولًا :طبيعة الإدراك الصيني للمتغيّرات الدولية

إن طبيعة الادراك الصيني للمتغيّرات التي أصابت النظام الدولي الجديد بعد إنتهاء الحرب الباردة، جعلت السياسة الخارجية للصين تأخذ بالاعتبار الأبعاد الرئيسة للمعطيات المتغيّرة في المجال الدولي، ولاسيّما في نطاق تفاعلاتها في البيئتين الاقليمية والدولية، وبالمقدار الذي يهمّ الصين في إنطلاقتها نحو المزيد من فعالية الدور والحضور.

وفي الواقع، فإن الادراك الصيني للتحوّلات العالمية، جعلها لا تعوّل كثيرًا في تقويمها للسلوك الدولي ومعايير الشرعية الدولية على التوزيع العالمي للقوة والنفوذ، بقدر ما تعوّل على حجم الاستفادة والضرر الذي يمكن أن يلحق بها من جرّاء هذا السلوك.

فضلاً عن ذلك أصبحت الصين أكثر إقبالاً على الالتزامات الدولية، وأكثر إنخراطًا فيها من قبل، وذلك بحكم المتغيرات الداخلية (كسياسات الإصلاح الاقتصادي) التي رتبت عليها العديد من الالتزامات الخارجية[5]. وعلى صعيد هيئة الأمم  المتحدة، يبدو أن الصين عازمة على أن تحقّق دورًا أكثر فاعلية في المجتمع الدولي، وبخاصةٍ من خلال تفعيل دورها في مجلس الأمن التابع للهيئة الدولية، وذلك لإيمانها بضرورة دعم جهود هذه الهيئة لتثبيت دعائم الأمن والسلم، وتحقيق الاستقرار، حيث لا بديل لها في الساحة الدولية، لتحقيق هذه الغاية. ومن الواضح أنه كل ما تمّت تقوية دور مجلس الأمن، زاد نفوذ الصين، وذلك لتمتعها بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، وحق النقض.

وعلى هذا الأساس، كان من الطبيعي أن تصّر الصين على أن تتدخّل هيئة الأمم المتحدة بصورة مباشرة في سياسات حل الخلافات والنزاعات الدولية لزيادة نفوذها من خلال هذه الهيئة، ولاسيّما أن نفوذها خارج الهيئة أقل أهمية نسبيًا من نفوذ الولايات المتحدة الأميركية، ولكنهما يتمتعان داخلها بحقوق متماثلة، الأمر الذي يساعد على وجود ميدان للتنافس النسبي، وعلى تقليل الفجوة في مستوى النفوذ، وإن كانت الولايات المتحدة الاميركية تدعم مركزها في مجلس الأمن من خلال نفوذها الخارجي.

وترى الصين أن العقوبات الدولية، وبخاصةٍ الحصارات الاقتصادية ، تفترض أن تتوافق والشرعية الدولية وميثاق هيئة الامم  المتحدة، وأن تكون بموافقة مجلس الأمن[6].

وعلى صعيد رؤية الصين للنظام الدولي، فإنها تتطلّع إلى نظام عالمي جديد، قائم على الأمن والعدالة والمساواة، بعيدًا من عقلية الحرب الباردة ومفاهيمها، ومن التكتلات والمحاور الدولية. وفي هذا الاطار تركّز الصين، من خلال علاقاتها الخارجية والدبلوماسية على أهمية الاحترام المتبادل للسيادة، وعدم تدخّل الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وترى أن تكون مفاهيم القانون الدولي هي الأساس في العلاقات بين الدول لتحقيق التعايش السلمي، وكذلك تركّز على مبدأ "حرية الاختيار"، أي أن تكون لكلِّ دولة سيادتها الاقتصادية والاجتماعية والداخلية، التي تتماشى وتحقيق التنمية القومية فيها من دون تدخّل الدول الأخرى.

وترى الصين أنّ عدم نفاذ هذه السياسات يضع عوائق في العلاقات الخارجية للدولة، وفي هذا إشارة مستترة إلى الولايات المتحدة الاميركية التي تربط دائمًا علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين بمسألة حقوق الانسان الداخلية، فهي تعارض بشدة -مثلاً- موقف الصين من الأقليات في "التبت".

ومن الممكن هنا أن يرجع اهتمام الولايات المتحدة الاميركية بهذه الشؤون إلى أنه إهتمام إقتصادي بحت، فإستخدام الولايات المتحدة الاميركية لحقوق الإنسان كعنصر في سياستها التجارية، هو بمنزلة ورقة الضغط على الصين لتعديل بعض سياساتها الاقتصادية الداخلية الضارة بالتجارة الاميركية، كانتهاك حقوق الملكية الفكرية[7].

كذلك تعارض الصين الهيمنة العالمية والاتجاهات المنفردة للسيطرة على النظام الدولـي (القطبية الأحادية المتمثلة بالولايات المتحدة الاميركية)، وهي تدعو إلى مبدأ المشاركة في التفاعلات السياسية الدولية بدلاً من الانفراد بها. وعلى هذا تحدّدت رؤية الصين إلى النظام الدولي بعد انهيار جدار برلين، وسقوط المعسكر الاشتراكي، بأنه نظام قائم على التعدّدية والمشاركة، بدلاً من الانفرادية والاحتكار من قِبل دولة واحدة. وتدرك القيادات الصينية أن الانطلاق نحو العالمية، والمساهمة الفعّالة في تشكيل البنية المستقبلية للنظام الدولي، لابدّ أن تسبقها مكانة إقليمية، ذلك أن البيئة الإقليمية–الأسيوية تقدّم قاعدة ارتكاز أساسية، ومدخلاً لتحقيق المصالح الصينية على المستوى العالمي.

وعلى هذا، حرصت الصين على إنتهاج سياسة حسن الجوار مع الدول المحيطة بها والتي أصبحت تعطيها أولوية متقدّمة. ولهذا عزّزت علاقاتها مع الدول المحاذية أو القريبة منها. وتجسّدت، منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حالات التقارب الصيني مع المحيط الاقليمي من خلال دبلوماسية ذكية تسعى إلى كسب أكبر عدد من الأصدقاء في المجال الدولي، تحضيرًا لغزو الأسواق وفتح علاقات اقتصادية نشِطة، وذلك من خلال الوقائع الآتية:

1-دعمت الصين علاقاتها بتبادل دبلوماسي وتمثيل تجاري مع كلِّ من سنغافورة وإمارة بروناي.

2-إستأنفت علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع أندونيسيا، بعدما يزيد على عشر سنوات من القطيعة بينهما، وجد قادة البلاد ألّا ضرورة لها أصلاً.

3-خاضت مفاوضات سياسية واقتصادية مع أكثر من دولة، على قاعدة ألّا خصومة مع أي دولة، وذلك بهدف تذليل المشاكل وكسب الصداقات في المجال الدولي، واتبعت علاقات أكثر تعاونًا مع باقي الدول.

4-في العام 1991 تمت إعادة العلاقات الدبلوماسية مع فيتنام على أساس التعايش السلمي، وذلك بعد تغيّر موقف فيتنام من المشكلة الكمبودية، والتوقّف عن دعمها لها.

5-إعترفت بكوريا الجنوبية في العام 1992، وساعدت على منع الأسلحة عن كوريا الشمالية.

6-أقامت علاقات طيّبة مع باكستان، وسعت إلى تعزيز هذه العلاقات.

7-حسّنت علاقاتها مع الهند منذ العام 1991، فدخل البـلدان في حوار أنهى معظم المشاكل بينهما. وعلى الرغم من أن مشكلة الحدود لاتزال عقبة في سبيل تطويـر هذه العلاقات، فثمة اتفاق بين الجانبين على حلها سلميًا[8]، وقد أصبح البلدان يلتزمان مبادئ التعايش السلمي[9].

8-سعت الصين إلى تعزيز علاقاتها ومواقفها مع الكوريتين الشمالية والجنوبية ومنغوليا، وجمهوريات آسيا الوسطى[10].

9-على صعيد العلاقات الصينية مع روسيا وباقي الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي، فإن الصين أبدت اهتمامًا خاصًا بالعلاقات معها، من خلال علاقات دبلوماسية وتجارية نشطة. وأبدت الدبلوماسية الصينية رغبة قوية في التعامل مع شعوب الدول وحكوماتها، بعيدًا من أي التزامات إيديولوجية أو ثقافية، بهدف إقامة علاقات طيّبة مع هذه الدول.

10-وفي إطار التعاون مع روسيا، فإن العلاقات بين البلدين شهدت إزدهارًا غير مسبوق منذ زيارة الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين لبكين في كانون الأول 1992، إذ تمّ التفاهم على حلّ مشاكل الحدود وتخفيض قوات الجانبين على طول الحدود المشتركة. وقد تمخض عن هذه الزيارة توقيع جملة اتفاقيات تعاون في مجالات متعدّدة.

11-ومن مظاهر الاهتمام الصيني بالنظام الدولي بعد أفول شمس المعسكر الاشتراكي، التقارب الواضح مع فرنسا، الذي بدأ منذ العام 1994 وكان أهم موقف شهدته علاقات الصين بفرنسا في ما يتعلّق بالنظام الدولي، هو ما صدر عن القمة الصينية – الفرنسية والبيان المشترك في 16أيار 1997 في بكين[11]، فقد قرّر الجانبان  في بيان لافت: "العمل على تعزيز التعاون والتصدي لأي محاولة للهيمنة على الشؤون العالمية، وبخاصةٍ في أماكن التوترات في أنحاء العالم"[12].

وفي الواقع، فإن الصين تُعوّل على أن تكون فرنسا بوّابتها إلى أوروبا، إذ  دعا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك دول الاتحاد الأوروبي إلى توسيع حوارها وتعاونها مع الصين لما تمثّله من مكانة آسيوية ودور واعد في الشؤون الدولية. ووصفها شيراك "بأنها الدولة التي سوف تقرّر اتجاه القرن الحادي والعشرين". وعبّر عن رؤية فرنسا للصين بقوله إنه: "حان الوقت لإيجاد مدخل جديد بين الصين والغرب، يعتمد على الاعتراف والتقدير المتبادل، والالتزام المشترك تجاه القيم العالمية الكبرى"[13].

 

إستنتاجًا مما تقدّم وتأسيسًا عليه، يمكن إدراك النقاط الاساس لمحدّدات السياسة الخارجية الصينية، منذ انطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح، وحضور مدرسة "دنغ شياو بنغ" الانفتاحية على العالم، كبديل عن مدرسة "ماو" الثورية، وتراجع البُعد الإيديولوجي لصالح المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية مع العالم الخارجي.

"تحدّد الصين مواقفها وسياستها بعد انتهاء عهد الثنائية القطبية، في جميع الشؤون الدولية، انطلاقًا من المصالح الأساس للشعب الصيني، ومن منطلق العمل على بناء نظام دولي إقتصادي وسياسي جديد، عادل ومعقول، يعكس رغبات شعوب مختلف دول العالم ومصالحها المشتركة"[14].

يمكن تلخيص أبرز معالم سياسة الصين الخارجية من خلال المبادىء الخمسة للتعايش السلمي التي أطلقتها الصين بداية مع المنظّر السياسي شو إن لاي، ثم تبناها صناع القرار الصينيين الذين جاءوا إلى الحكم بعد العام 1990. يمكن مقاربة هذه المبادىء التي رسمت التوجّهات الصينية الجديدة في سياستها الخارجية في النقاط الآتية[15]:

1- تعارض سياسة  الهيمنة، وتعمل على صيانة السلام العالمي، وترى أن أي دولة سواء كانت كبيرة أو صغيرة، قوية أو ضعيفة، غنية أو فقيرة، تعتبرعضوًا من أعضاء المجتمع الدولي على قدم المساواة مع سائر الدول.

2- لا تخضع الصين لأي ضغوط خارجية في سياستها، وهي لا تتحالف مع أي دولة عظمى، ولا تسعى لإقامة حلف عسكري، ولا تشترك في سباق التسلّح، ولا تمارس التوسّع العسكري، وتثابر على معارضة الهيمنة وصيانة السلام العالمي، وترى وجوب حلّ جميع النزاعات والخلافات الناشئة بين الدول بالطرق السلمية وعبر المفاوضات، وليس باللجوء إلى القوّة، أو التهديد باستخدام القوّة، كما ترى وجوب حظرالتدخّل في الشؤون الداخلية للدول. ولن تفرض الصين نظامها الاجتماعي وإيديولوجيتها السياسية على الآخرين وفي الوقت نفسه لن تسمح للدول الأخرى بفرض نظامها الإجتماعي وإيديولوجيتها السياسية عليها.

3- تعمل الصين بنشاط من أجل بناء نظام دولي اقتصادي وسياسي جديد، عادل ومعقول. وهي سعت إلى تطبيق سياسة الانفتاح على الخارج بصورة شاملة، وتسعى إلى توسيع مجالات الاتصالات التجارية والتبادلات العلمية والثقافية على نطاق واسع، مع مختلف دول العالم ومناطقه، على أساس المنفعة المتبادلة لدفع الازدهار المشترك[16].

4- ترى الصين أن على أيِّ نظام دولي عادل بعد زوال الثنائية القطبية أن يجسد مطالب تطوّر التاريخ وتقدّم العصر، وأن يعكس رغبات شعوب مختلف دول العالم ومصالحها، وأن تكون مبادئ التعايش السلمي والمبادىء الأخرى المعترف بها للعلاقات الدولية، أساسًا لبناء النظام السياسي والاقتصادي الجديد في العالم.

5- ترغب الصين في إقامة علاقات الصداقة والتعاون وتطويرها مع جميع البلدان على أساس المبادىء الخمسة المتمثّلة بالاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضي الداخلية للدول، وعدم الاعتداء على الغير، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للغير، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي .

وقد أولت الصين كلَّ الاهتمام لتحسين علاقاتها مع الدول المتقدّمة وتطويرها، والدعوة إلى تجاوز اختلاف النظم والإيديولوجيا في العلاقات بين الدول، والاحترام المتبادل، والسعي لإيجاد النقاط المشتركة والتعاون على أساس المنفعة المتبادلة. وبخصوص العلاقات الثنائية، فإن الخلافات – في حال وقوعها - يجب حلّها بصورة مناسبة عبر الإستناد إلى مبدأ المساواة في الحقوق بين الدول والاحترام المتبادل[17].

ولابدّ من التأكيد مجددًا على نقطة مهمَّة، مفادها أن التطوير النشط لعلاقات حسن الجوار والصداقة مع الدول المجاورة، كان جزءًا مهمًا من السياسة الخارجية الصينية. ومن هنا سعت الصين إلى حلِّ نزاعات إقليمية خلّفها التاريخ والنزاعات الحدودية المزمنة مع معظم الدول المجاورة. وقد عملت على دعم علاقات التعاون ذي المنفعة المتبادلة بين هذه الدول وتطويرها، بما يدفعها إلى الازدهار والتقدّم.

كذلك فإن تعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية قد شكّل موطىءَ قدم أساسيًا ومرتكزًا ذكيًا للسياسة الخارجية الصينية، كما شكّل منطلقًا لانفتاحها تجاه هذه الدول على المستويين السياسي والإقتصادي. وأكّدت الأدبيات السياسية الصينية للانفتاح، الأهداف المشتركة المتعلّقة بعناوين تقليدية في السياسة الخارجية.

وتذيع الدبلوماسية الصينية شعارات أو مصطلحات جذابة، مثل "تأكيد المعاناة التاريخية المشتركة" و"المشاركة في صيانة الاستقلال" و"تحقيق التنمية الاقتصادية" و"رفض الهيمنة أو التبعية الاقتصادية"، ما أتاح لها إقامة علاقات مستقرّة مع أنظمة عشرات الدول وشعوبها، وبالتالي منافسة الغزو السياسي والاقتصادي الذي مارسته الولايات المتحدة الأميركية والغرب لسنوات طويلة على هذه الدول.

كيف انعكس التطوّر الحاصل في بنية الدولة الداخلية على مستوى طبيعة الإدراك الصيني للمتغيرات المستجدة عالميًا، وتأثير ذلك كلّه على العمل الدبلوماسي، وتسيير العلاقات الخارجية للدولة؟

 

أ- إعتماد دبلوماسية متطورة تواكب الإنفتاح

لقد تغيّرت المنطلقات التي شكّلت الإطار الذي اتبعته الصين في رسم سياستها الخارجية بما يزيد على ربع قرن من الزمن. فبعد سنوات من شبه القطيعة مع العديد من دول العالم، ولاسيَّما منها دول الجوار الاقليمي، سعت الصين إلى التطوير النشيط لعلاقات حسن الجوار والصداقة مع الدول المجاورة من جهة، ومع باقي دول العالم الخارجي من جهة أخرى.

وشكّـل هذان التقارب والانفتاح، جزءًا مهمًا من السياسة الخارجية للصين، وساعدها على حل الكثير من القضايا التي خلّفها التاريخ مع معظم الدول المجاورة. وتتطوّر اليوم علاقات التعاون ذات المنفعة المتبادلة بينها وبين الدول المجاورة تطوّرًا مزدهرًا.

وبالعودة إلى المنطلقات الأساسية لسياسة الصين الخارجية، تجدر الإشارة إلى أنه في عهد "ماو" كان معظم القرارات السياسية الخارجية يتم إتخاذها بطريقة مركزية صارمة من خلال سلطة (ماو) المطلقة وهو ينطلق من إيديولوجية صارمة ترى في الصين نقطة إرتكاز سياسي لمحاربة قوى الهيمنة في العالم.

فكان ماو بمنزلة الأب-الإله، الذي يرسم السياسة الخارجية استنادًا إلى رؤية خاصة، حيث كان البعد الثوروي الإيديولوجي، الذي يريد أن يغيّر وجه العالم لصالح القوى الفقيرة ضدّ تحكّم البروليتاريا والقوى الرجعية الكبرى، وشكّل السِمة البارزة للكثير من القرارات، وللعديد من السياسات التي كانت تنتهجها الصين في سياستها الخارجية. ويمكن تحديد أبرز سِمات النظام السياسي الصيني في مرحلة ما قبل بدء الاصلاح على النحو الآتي:

1– تركز السلطة في أيدي عدد محدود من الأفراد.

2– التدخّل السلبي للحزب في النشاطات الإدارية الحكومية.

3– عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين مختلف المؤسسات والأفراد، حيث إذ نجد الفرد الواحد يتولّى مناصب حزبية وحكومية متعدّدة في الوقت نفسه.

4– البيروقراطية والفساد الإداري.

 

ب- مأسسة العمل السياسي

وذلك نتيجة للأوضاع المتغيّرة بشكلٍ ملحوظ في العقدين الأخيرين في بنية الدولة. ومع تسارع وتيرة الإصلاح والإنفتاح وتفشّي ظواهر خطيرة كالفساد والترهّل في بعض مواقع القرار السياسي والعسكري، شرع النظام السياسي في عملية الاصلاح على أساس "مأسسة العمل السياسي" كما ورد في بيان الحزب في كانون الأول 1978 [18]. ولعلَّ النتائج التي وصلت إليها دراسة النظام القانوني الصيني في فترة الاصلاحات، تؤكد ما ذهبنا إليه، فقد خلصت إحدى الدراسات في هذا المجال إلى أن النظام القانوني الصيني – بعد الاصلاحات القانونية التي أدخلت عليه – احتفظ بسِمات ثلاث هي "أولوية النظام على الحرية، وأولوية الواجب على الحق، وأولوية مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد"[19].

يقول أحد المتخصِّصين في النظام السياسي الصيني، أنه على الرغم من الإصلاحات الكبيرة التي أدخلها القادة الإصلاحيون على النظام السياسي وهيئاته المركزية، إلا أن لدى الصين "الكثير من المنظمات من دون أن يكون لديها مؤسسات"[20]، وأن العمل يتمّ داخل الجهاز السياسي والإداري على أساس رأسي فقط، بمعنى أن درجة التعاون بين الأجهزة بشكل أفقي تكاد تكون معدومة [21].

ويؤكد أحد الباحثين المتخصِّصين في السياسة الخارجية الصينية[22] هذا التصوّر، ويرى أن هناك تغيّرات جذرية، يُعمل على تعديلها في آليات صنع السياسة الصينية، وهي تتمثل بالتحوّلات الآتية:

1- تزايد في مأسسة عملية صنع القرار.

2- تزايد في دور التكنـوقـراط.

3- إنشاء قسم جديد للتخطيط المتطوّر لسياسة وزارة الخارجية.

4- تعيين متخصصين من خارج الحكومة للاستعانة بهم كمستشارين للقضايا الفنية، مثل تلك المتعلّقة برسم أطر السياسات الاستراتيجية للدولة، أو تلك التي تتعلّق بعدم انتشار الأسلحة  المحظورة والدفاع الصاروخي.

5- إشراك عدد كبير من الدارسين والمحلّلين السياسيين الصينين بصورة منتظمة في مجموعة الدراسات الداخلية، وفي تصميم بعض المختصرات السياسية.

6- إنشاء أكاديمية بشنغهاي لتخريج الكوادر والرؤساء والقادة الذين سوف يتحمّلون مسؤولية قيادة البلاد في المراحل اللاحقة لتطوّر الدولة. وتدرّس في هذه الأكاديمية علوم القيادة والإدارة والتقينات العليا، وكيفية التأقلم مع حاجات البلاد المتغيرة وإدارة الأزمات.

في هذا السياق، نشير إلى قيام هؤلاء الباحثين والمحللين السياسين بالكثير من الدراسات والزيارات للخارج للقاء نظرائهم من الخبراء الدوليين، بهدف لفت نظر الزعماء الصينيين إلى الاتجاهات الدولية السائدة، وهم يطرحونها عليهم في قالبٍ من الخيارات السياسية.

ونشير إلى أن أغلب قرارات السياسة الخارجية قد نُقلت من مجال نفوذ المكتب السياسي واللجنة الدائمة للحزب (التي أصبحت اجتماعاتها أقل من العادة)، وأوكلت إلى بيروقراطيي الأمانة العامة للحزب وإلى مجلس الدولة (الحكومة). ويلجأ هؤلاء إلى المتخصصين من التكنوقراط، كما يتم التوسّع في إنشاء مراكز البحوث السياسية والبرامج الأكاديمية في هذا الميدان[23].

ويبدو أن فرصة التكنوقراط تتزايد في النظام السياسي الصيني مع غياب القيادة الكارزمية[24] إلى جانب تنامي النزعة التقنية في جميع المجالات الحياتية، الأمر الذي سيؤدّي إلى امتداد هذه الآثار إلى ناحية الحقل السياسي، بـِغضّ النظر عن نمط النظام السياسي، وإن تفاوتت آثار هذا الامتداد.

واستطرادًا، يمكن القول إن العلاقة بين أزمة الشيوعية وتنامي النزعة التكنوقراطية، كانت محلَّ نقاش في الأدبيات السياسية منذ مدَّة، ويقول فرانسيس فوكوياما في هذه المسألة:

 "إنه لتوقـّع عام القول بأن حتمية التطوّر التقني سوف تؤدّي إلى التخفيف من حدة السيطرة الشيوعية المركزية، واستبدالها بممارسات السوق الموجهة الأكثر حرية، وإن الحكم الذي أصدره ريمون أرون بأن التعقيد التقني سوف يقوّي طبقة المديرين على حساب الإيديولوجيين والعسكريين... ثبتت صحته"[25].

وما من شك، إستنادا إلى التأسيس أعلاه، أن حكم "دينغ شياو بنغ" والمدرسة الفكرية - السياسية التي خلّفها إلى أسلافه من قيادات الجيل الجديد للحزب، جاءا ليفتحا آفاقًا جديدة من العمل السياسي في الصين ببعديه الداخلي والدولي، حيث توطّدت روابـط الصين بالمجتمع الدولي، ولكن، في موازاة مظاهر الانفتاح في السياسة الخارجية، وفي العمل الدبلوماسي الصيني، فقد ظلّت الروابط النهائية تتصف بالمركزية الشديدة[26].

وعلى الرغم من ذلك فإنه يُسجّل أن عملية إتخاذ قرارات السياسة الخارجيـة حاليًا تتميّز بالمؤسسية واللامركزية. ولم تعد أيضًا تعتمد بشكل كبير على الصفة الفردية لأحد القادة. ومن أحد محاور التغيير في الصين، إتاحة فرصة أكبر للدور الذي تؤدّيه هيئات الحكومة المتناظرة والمختصة بقضايا السياسة الرئيسة، والمعروفة باسم "المجموعات القيادية الصغيرة"[27].

وقامت بكين في أواخر العام 2000 بتأسيس "مجموعات قيادية جديدة للأمن القومي". وتشكّل هذه الهيئات الصورة العامة للنظام السياسي، ومن شأنها تقييد السلطة السياسية التي يستقل بها فردٌ أو حزب.

 

ج – إنفتاح السياسيين على وسائل الإعلام

وهناك في سياق الإصلاح والتجديد الذي برز في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية للصين، تطوّر مهمّ يتعلّق بتوسيع رقعة المناقشات العامة بين الدبلوماسيين والمسؤولين السياسيين ووسائل الاعلام، لتشمل الشؤون العالمية.

وفي الواقع أنه لم يكن هناك أي مناقشات مفتوحة تتناول المشاكل الحساسة، مثل حظر الأسلحة أو الدفاع الصاروخي في خلال السنوات العشر الماضية. ولكن في الوقت الراهن يستطيع النقّاد أن يتناولوا كل تلك القضايا بالدراسة لدى إبداء آرائهم ولقاءاتهم التلفزيونية إلى جانب مؤلفاتهم، بهدف تفعيل الدبلوماسية الصينية وهيكلتها.

وفي الوقت نفسه، بدأت فئة من الصينيين المتابعين للشأن السياسي والاقتصادي، وهي تضمّ مسؤولي الاعلام والمتحدّثين الرسميين للحزب الشيوعي والصحف اليومية الشعبية، تجري مباحثات باستخدام أسلوب المائدة المستديرة والاستعانة بالإدارة الصريحة للمحللين الجُدد، حتى أن بعض الصحف، وخصوصًا صحيفة "الهوانكي شيباو" (أوقات عالمية) والـ"نانفانج زومو" (نهاية الأسبوع الجنوبي)، قد نشرتا في صدر إفتتاحيتهما الكثير من الآراء المطالِبة بإيجاد بدائل لسياسة الحزب الرسمي، مثل تلك التي تتعلّق بقضايا العلاقات مع الولايات المتّحدة الاميركية، أو المتعلقة بالموقف من كوريا الشمالية[28].

ولابدّ من الإشارة في هذا السياق إلى الأسلوب المرِن والذكي الذي يتبعه المسوؤلون في تنفيذ الدبلوماسية الصينية المتطوّرة بشكلٍ كبير، فقد تميّزت هذه الدبلوماسية بالبراعة والفطنة، وهوما تمخضت عنه نتائج التدريب المتواصل والجهد الكبير الذي بذلته وزارة الخارجية الصينية، منذ أكثر من عشرين عامًا مع بدء فترة الاصلاح.

لقد قضى الدبلوماسيون الصينيون وقتًا طويلاً في دراسة العالم الخارجي، ونظّموا دورات تأهيلية مسبقة لإطلاع الدبلوماسيين والموظفين في البعثات الأجنبية على قيم مجتمعات الدول وتقاليدها، والتي سوف يلتحقون بها، من أجل زيادة خبراتهم في مجالات شتى.

ونشير إلى أن تلك التغييرات قد رافقتها فعليًا حملة صينية جديدة لتعميم السياسة الخارجية للدولة وتعزيزها. ففي خلال العقود الماضية كان يتمّ إحالة المناظرات والتلخيصات إلى الصحف اليومية والتقارير الاخبارية والمطبوعات التي تصدرها وزارة الخارجية. ومع العهد الجديد من الانفتاح أدركت الصين أهمية طرح وجهة نظرها للعالم الخارجي من أجل تحسين صورتها بين الدول. وتحقيقًا لذلك بدأت في منتصف التسعينيات بما سُمّي "الأوراق البيضاء الحكومية" المتعلّقة بالموضوعات الجدلية للسياسة الخارجية من أجل تعزيز الدفاع عن آرائها.

من هذا المنطلق، أصدرت الصين ثلاثين وثيقة تتناول مجموعة متنوّعة من القضايا الحساسة، كتلك التي تتعلّق بتنظيم عدد السكان وحقوق الانسان، إلى جانب قضية تايوان والتبت وقضية الدفاع الوطني. وإلى جانب تلك التغييرات الداخلية، تبنّت الصين طريقة أكثر إرتقاءً في التعامل مع مجموعات الصحافة الدولية. ففي العام 1999 افتتحت وزارة الخارجية مركزًا إعلاميًا دوليًا جديدًا لعقد المؤتمرات الصحافية نصف الأسبوعية، والتي يتم ترجمتها فوريًا، بالإضافة إلى أنها تسمح بمساحة مناسبة لطرح الأسئلة الجريئة والإجابات الحقيقية من قبل المسؤولين عن رسم السياسات الخارجية للدولة.

كما لابدّ من تسجيل تطوّر مهم في إطلاع الرأي العام على مجريات السياسة الخارجية. إذ درجت العادة منذ العام 2002، أن يدعو كبار مسؤولي وزارة الخارجية الصحفيين إلى عرض موجز للخلفية السياسية غير المعلنة للقرارت التي تتخذها الدولة في سياساتها العامة، سواء على مستوى العلاقات الدبلوماسية والتمثيل الدبلوماسي، أو في رسم أطر العلاقات السياسية الخارجية للدولة. حيث تمثل تلك الخطوات انحرافًا مذهلاً لسلوك دولة إعتادت أن تضع شؤونها الخارجية تحت السرية التامة[29].

 

ثانيًا: المحدّدات الاستراتيجية الصينية تجاه الشرق الأوسط

بدأت تتشكل شبكة المصالح الشرق أوسطية الصينية على خلفية تأثير عدد من العوامل الحيوية التي يتمثل أبرزها في الآتي[30]:

أ- تأثير العامل النفطي: كان الاقتصاد الصيني في الماضي قادرًا على الاكتفاء ذاتيًا لتغطية احتياجاته النفطية، ولكن بسبب اتساع حجم الاقتصاد الصيني المطّرد، فقد بدأت الندرة النفطية تطل برأسها بما دفع الصين إلى محاولة تغطية احتياجاتها النفطية من مناطق الشرق الأوسط.

ب- تأثير العامل التجاري: يتميّز الانتاج الصيني بالوفرة وانخفاض التكاليف. وعلى خلفية حاجة الصين المتزايدة إلى النقد الأجنبي فقد بدت أسواق الشرق الأوسط أكثر جاذبية لقطاع الصادرات الصيني.

ج- تأثير العامل الجيو-استراتيجي: تتميّز منطقة الشرق الاوسط بوجود الممرّات الحاكمة والشديدة التأثير على حركة النقل البحري الدولي وعلى وجه الخصوص ممر قناة السويس وممر باب المندب بالإضافة إلى مضيق هرمز، وتأسيسًا على ذلك، أدركت بكين أن تأمين الملاحة في هذه الممرّات يضمن للصين استمرارية النفاذ والوصول إلى الأسواق العالمية وعلى وجه الخصوص أسواق الاتحاد الأوروبي وشمال أفريقيا وبلدان شرق المتوسط ومنطقة الخليج.

د- تأثير العامل الأميركي: خلال فترة الحرب الباردة كانت الصين قادرة على المناورة بما جعلها في مأمن من تداعيات صراع واشنطن - موسكو، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وصعود قوة أميركا، وبروز التعريف الاستراتيجي الأميركي الجديد الذي ينظر إلى الصين باعتبارها مصدرًا للخطر المحتمل ضد أميركا، بالإضافة إلى قيام واشنطن بمحاولات استهداف الصين عن طريق إذكاء تأثيرات الاضطرابات وإقامة الأحلاف العسكرية - الأمنية من أجل تطويقها، بدت بكين أكثر تفهمًا واستيعابًا لمقولة نابليون الشهيرة القائلة بأن من يبقى خلف الخنادق ستحلّ به الهزيمة، ومن ثم فقد لجأت الصين إلى خيار الخروج والسعي لمقابلة العدو في الخارج.

لقد دفعت هذه العوامل مجتمعة دوائر صنع قرار السياسة الخارجية الصينية، إلى القيام بتصميم نموذج جديد أهم ما فيه الجمع بين أهداف السياسة الخارجية الصينية وأهداف الأمن القومي الصيني الخارجية.

 

دور الطاقة والاقتصاد في العلاقات الثنائية بين الصين ودول الشرق الاوسط

عندما تأسست جمهورية الصين في العام 1949، واجهت حصارًا من قبل الدول الغربية. وكان من نتائج هذا الحصار أن الصين اتجهت إلى دول العالم الثالث لبناء علاقات صداقة. كانت مصر وسوريا والجزائر من الدول التي أسّست علاقات مع الصين في العقود اللاحقة، ولحقتها دول عربية أخرى. وبالنسبة إلى الصين كانت هذه العلاقات الدبلوماسية مهمة لكسر الحصار الذي قادته الولايات المتحدة ضدَّها خصوصًا في موضوع عضويتها في الأمم المتحدة. وحاولت الصين جاهدة منع تايوان من الانضمام للأمم المتحدة معتمدة على دعم الدول الأسيوية والأفريقية أكثر من غيرها، ويذكر الصينيون الدور الذي أدّته الجزائر في هذا المجال بإيجابية. وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة واجهت الصين انتقادات حادَّة في موضوع حقوق الإنسان بخاصةٍ بعد حادثة (تياننمين سكوير) في بكين، إذ حاولت الولايات المتحدة والدول الغربية، تمرير قرارٍ يدين الصين عن طريق مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

ويمكن القول أن منطقة الشرق الأوسط تحتل مكانة مهمَّة في السياسة الخارجية الصينية، فقد ساهمت معظم دول المنطقة العربية في مجال إعادة الصين إلى مكانتها الشرعية في الأمم المتحدة، وأيّد الطرفان بعضهما في الكثير من المشكلات الدولية المهمّة. وبعد الحرب الباردة استمرت دول الشرق الأوسط في تأييد الصين إيجابيًا في قضايا حقوق الإنسان وتايوان والتحاق الصين بمنظّمة التجارة العالمية. وعلى الرغم من ادعاء الطرفين في الكفاح من أجل إقامة نظام سياسي دولي جديد إلّا أنه  حتى الآن لم تتطوّر العلاقات بين الصين والشرق الأوسط بالدرجة الكافية، حيث تركّز الصين بالدرجة الأولى على تعديل علاقاتها مع الدول الكبرى والمجاورة فى المجال الدبلوماسي، وفي المقابل فإن دول الشرق الأوسط وخصوصًا الدول العربية، مازالت تعتمد في معظمها على الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية سياسيًا واقتصاديًا ولا تبدي اهتمامًا حقيقيًا بالعلاقات مع الصين.

ومن اللافت أن انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل في الصراع العربي الإسرائيلي دفع العرب لكي يعوّلوا أكثر على الدول الكبرى الصاعدة ومنها الصين، في أن تضطلع بدورٍ أكثر فعالية وتوازنًا في الشرق الأوسط. وعلى مستوى العلاقات التجارية بين الصين والشرق الأوسط، فقد تطوّرت بصورة كبيرة منذ الثمانينيات وبلغ التبادل التجاري بين الطرفين في العام 1996 نحو ستة مليارات وخمسمائة مليون دولار، ولكن هذا لا يمثل سوى نسبة صغيرة من القيمة الإجمالية لتجارة الطرفين. ويحتل التبادل التجاري بين الصين والشرق الاوسط حوالى 5% من قيمة الواردات والصادرات الخارجية العربية الإجمالية، بينما يحتل حوالى 2% من قيمة الواردات والصادرات الصينية لدول الشرق الأوسط[31].

وهناك جهود ومساعٍ متبادلة لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية وتنميتها بين الصين ودول الشرق الأوسط وتوطيد الروابط الثقافية والعلمية على المستويين الرسمي والشعبي، ولكن المعضلة تتمثل في أن عدة دول لها مصالح مختلفة، وهناك تناقض وصراع بينها، وعوامل عدم استقرار وأوضاع معقّدة ومتغيّرة داخل هذه المنطقة ، ينبغي على الصين أن تعرف سبل التعامل معها[32].

وتمارس الصين حاليًا سياسة خارجية ذكية أطلق عليها البعض دبلوماسية مطاردة النفط[33]. فحكاّم الصين يتحدّثون في هذا الموضوع في أي بلد يقومون بزيارته. وعلى الرغم من أنّ شركات النفط الصينية تنوي الحصول على المزيد من الانتاج محليًا باستخدام تكنولوجيا متقدّمة، إلا أنّها تأخذ المستقبل بالاعتبار، وتعمل على الاستثمار في القطاع النفطي في الخارج وعلى شراء حصص من الشركات النفطية الغربية والعالمية في إطار استراتيجيتها النفطية المرسومة، و لذلك فهي طرقت أبواب عدّة دول ذات مصالح وتستورد النفط من بلدان عديدة منها: السعودية، إيران، روسيا، أفريقيا، آسيا الوسطى، أميركا الجنوبية والشمالية[34].

هذا وقد أدّى النمو الاقتصادي الصيني المتواصل ما بين 8% إلى 10%على مدى 20 عامًا، وتوسّع الصين صناعيًا وعمرانيًا إلى تعطّشها للطاقة، وبحسب بعض مصادر في معلومات الطاقة، فإن الصين اعتمدت 40% من نموّها خلال السنوات الأربع الاخيرة على النفط. وفي العام 2003، تفوّقت الصين على اليابان لتصبح ثاني أكبر مستهلك للمنتجات البترولية بعد الولايات المتحدة. وفي العام 2004، زاد استهلاك الصين النفطي 15% في حين أن إنتاجها لم يزد سوى 2%. و يتوقّع أن يزداد الطلب الصيني على النفط بنسبة 150% بحدود العام 2020، فاستهلاكها للنفط ينمو سنويًا بنسبة 7,5%، ما يعني سبع مرات تقريبًا أسرع من الولايات المتّحدة، فهي تستورد حاليًا 32% من حاجاتها النفطية من الخارج، ومن المتوقّع أن يتضاعف استيرادها للنفط ليصل إلى 65% في العام 2010. هذا في ما تتوقّع وكالة الطاقة الدولية أنّ تساوي مستوردات الصين من النفط في العام 2030 ما تستورده الولايات المتّحدة من النفط يوميًا[35].

إنّ التوقّعات المستقبلية باعتماد الصين المتنامي على استيراد النفط دفعها للاهتمام باستكشاف النفط وانتاجه في دول مثل: كازخستان، روسيا، فنزويلا، السودان، غرب أفريقيا، إيران، السعودية وكندا. ولكن بموازاة  محاولتها تنويع مصادرها النفطية، فإنّ الصين ستبقى تعتمد على نفط الشرق الاوسط بشكل أساسي في المستقبل، ومن المتوقّع أن تستورد الصين من الشرق الاوسط حوالى 70% من مجموع مستورداتها النفطية الخارجية بحلول العام 2015. وعلى الرغم من أنّ الصين لم يكن لديها تاريخيًا علاقات استراتيجية دائمة بمنطقة الشرق الاوسط، إلّا أنّ علاقتها بالمنطقة التي تستورد منها معظم حاجاتها النفطية أصبحت أكثر أهمية بشكلٍ تصاعدي.

وعلى العموم ومن هذا المنطلق، أدركت الصين منذ عدّة سنوات، أن معدّل النمو السريع لديها سيؤدّي إلى مزيد من الاحتياجات للطاقة، وأن الإمكانات المحلية ستعجز عن تحقيق ذلك ولهذا خطّطت في ثلاثة اتجاهات:

1- تعزيز استثماراتها في الخارج مع التركيز على قطاع الطاقة وبخاصةٍ البحث والتنقيب عن البترول وتنويع مصادر الحصول عليه، ولهذا ذهبت إلى السودان والجابون في أفريقيا، كما ذهبت إلى فنزويلا والأرجنتين في أميركا الجنوبية، وإلى السعودية وعمان واليمن وإيران في غرب آسيا، وإلى كازاخستان في آسيا الوسطى، وإلى أندونيسيا في جنوب شرق آسيا، وأستراليا. هذا الاتجاه يعكس فلسفة التنوّع في السعي للحصول على الطاقة فإذا عجز مصدر ما من المصادر يمكن تعويضه بغيره من المصادر. هذا هو منهج التفكير العلمي والعقلاني والرشيد من خلال المنظور المستقبلي.

2- زيادة حجم تجارتها الخارجية وغزو الأسواق العالمية بالسلع الصينية المتنوّعة الجودة حسب رغبات كل سوق واحتياجاته. هذا الحجم من التجارة والصادرات هو الذي يساعدها في توفير الأموال من العملات الصعبة لاستيراد النفط، ويحول دون حدوث عجز مزمن ومتضخّم في ميزانها يؤثر سلبًا على نموّها الاقتصادي، ويساعد على تأمين احتياطات مالية.

3- حثّ الدول الأخرى على تمويل التنمية في الصين من خلال الاستثمارات المباشرة أو المشروعات المشتركة، وخصوصًا في الصناعات النفطية بمنتجاتها المختلفة وبهذا تضمن ارتباطًا مستمرًا ومصلحة مشتركة ومنفعة متبادلة سواء مع الدول التجارية أو النفطية.

 

ثالثًا: مواقف الصين تجاه قضايا المنطقة العربية

تتلخص وجهات نظر بعض الباحثين الصينيين حول بعض الدول العربية الفاعلة والقضايا المهمة في منطقة الشرق الاوسط[36] في ما يلي، (مع التركيز على الملف النووي الإيراني، ومجريات الأحداث في سوريا والموقف الدولي منها):

1-علاقة الصين مع المملكة العربية السعودية

 تتسم علاقة الصين بالمملكة العربية السعودية في المرحلة الراهنة ببعض التوجس من صانعي السياسة الخاريجية، خصوصًا إزاء التحرّكات الإحتجاجية التي تحوّلت إلى أعمال عنف لمسلمي الإيغور في إقيلم سنج يانغ، وفي غيرها من المناطق ذات الأغلبية المسلمة من ضواحي بكين والمناطق الجنوبية الغربية للبلاد. وقد تحدّثت بعض السلطات الصينية المحلية في لقاءات داخلية مع مسؤولين سياسيين وأمنيين صينيين عن مخاوفها من إمكان أن تكون بعض الجهات المتشدّدة التي تأثّرت ببعض التيارات التكفيرية من القاعدة أو غيرها من التيارات الأصولية في المملكة العربية السعودية، قد أدّت دورًا داعمًا لهذه التحرّكات التي تقوم بها جهات إسلامية في الصين.

 وهناك اتهامات لم تظهر إلى العلن من قبل القادة الصينيين لبعض التيارات الوهابية أو المتشدّدة بتغذية المتطرفين في المناطق ذات ألأغلبية المسلمة، وتشجيعهم على الحراك والعصيان، حيث تطالب هذه المجموعات باعطائها نوعًا من الاستقلالية والمزيد من الحريات وبتحسين أوضاعها الإقتصادية-الإجتماعية.

 

2- الموقف الصيني  تجاه ما يُسمى عملية السلام في الشرق الأوسط

كان الموقف الصيني ولم يزل موقفًا ملتبسًا تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي، إذ تمسك الصين بالعصا في هذه القضية من وسطها. فمن جهة تقدّم المساعدات وتستقبل الوفود الفلسطينية بالترحاب في بكين وشنغهاي وغيرهما. وبالمقابل تسعى بشكل حثيث إلى الاستفادة بالحدود القصوى في أكثر من مجال تقني وعسكري من خلال العلاقة مع الكيان الصهيوني.

ويعتقد الخبراء الصينيون في محاضراتهم أو في تقاريرهم السياسية بشكلٍ عام، أن الأراضي العربية المحتلة لا يمكن استعادتها بوسيلة عسكرية. ولابدّ من اللجوء إلى الطريقة السياسية نتيجة لتقابل القوة العسكرية بين الطرف العربي والطرف الاسرائيلي، وحصول إسرائيل على تأييد الولايات المتحدة البالغ لها. ولكن عملية السلام في الشرق الأوسط لن ترجع إلى الوراء، والطريق إلى الأمام سيكون دائمًا متعرّجًا.

وينظر معظم المسؤولين الصينيين نظرة المتشائم في إيجاد حلّ شاملٍ  وعادل للقضية العربية الإسرائيلية، فيعتقدون أن هذه القضية  معقّدة نسبيًا وقد تستمرّ لعدة سنوات من دون أن تجد حلاً لها ويقف بعض علماء السياسة موقف المتفائل من ذلك، كما يرى معظم العلماء والمحللين السياسيين والإستراتيجيين الصينيين، أنّ على إسرائيل أن تنسحب من جميع الاراضي العربية المحتلة، وهذا الشرط ضروري لإيجاد بيئة ملائمة تساعد على الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.

 

3- القضايا العالقة من حرب الخليج

 يعتقد الصينيون أن القضايا العالقة من حرب الخليج يجب أن تُحـل من خلال الإطار السياسي، وفق قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة، حيث رفض الصينيون الحصار الأميركي المفروض على العراق بشدّة، كما أدانوا الهجوم الأميركي في العام 2003 والتواجد العسكري للقوات الأميركية هناك حتى اليوم. وكل ذلك يعتبرونه تدخلاً فظًا في الشؤون الداخلية العراقية. ونظام الحكم لدولة ما، هو مسألة يقرّرها شعب هذه الدولة بنفسه، وليس على أساس مبادئ الولايات المتحدة المزعومة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

 لقد سعت الصين إلى ما يسميه الأتراك علاقات " صفر مشاكل" مع الخارج، غير أنه أصبح من الصعب أكثر فأكثر عليها أن تحافظ على مثل هذه السياسة، الأمر الذي يعكسه بوضوح موقفها الدبلوماسي إزاء الأحداث في الشرق الأوسط طوال العام 2012.

 وقد اتخذت الصين موقفًا حياديًا إزاء التصويت في مجلس الأمن على فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا في آذار 2011، على الرغم من هواجسها وإستيائها حيال مبدأ التدخّل العسكري بقيادة حلف شمال الأطلسي، لكنها في مقابل ذلك، كانت مستعدّة لإستخدام الفيتو ضد مشروع القرار الذي إقترحه أربعة اعضاء أوروبيين في مجلس الأمن، والذي قضى بفرض عقوبات على سوريا في أواخر العام 2011، ما شكّل علامة فارقة في تطوّر المواقف الصينية ، إزاء مجريات الأحداث في المنطقة العربية .

 

4- الأصوليات

 يرى المختصون الصينيون أنّ الاصوليات بشكل عام، تحمل هدفًا سياسيًا وتتصف بسياسة قوية وربما عنفية أحيانًا. والصين في ذلك لا تفرّق كثيرًا بين الدالي لاما في تحرّكاته السياسية التي تختزن بعدًا راديكاليًا وبين الأصوليات الإسلامية التي تريد أن تجعل الإسلام هو الذي يحكم. أو بعبارة أخرى إطلاق نظرية حكم (الإسلام السياسي). ويمكن أن تنقسم الأصولية الإسلامية حسب ظواهرها إلى ثلاثة أنواع: الراديكالية، المعتدلة، الشرعية.

والصين تخشى من تفشيّ الأصوليات سواء الإسلامية أو تلك الموجودة على الأراضي الصينية كما هو الحال بالنسبة للدالي لاما. ففي حالة (الدالي لاما) تخاطب الصين الغرب بضرورة التنبه لخطره سواء على الصين، كما على غيره من الدول الحديثة. والصين تعتبر أن الغرب يستخدم حالة الدالي لاما لأهداف سياسية ترتبط بتشويه صورة الصين في موضوع الحريات. ودوائر القرار الصينية تؤكد أن خطر هذا الوضع يصيب رُعاة هذه التحركات كما الدول التي يستهدفونها بتحرّكاتهم.

وفي طريقة التعاطي مع الحركات الأصولية المتصاعدة، فإن المفكّرين الصينيين لا يرون مشكلة في التعايش مع الإسلام المعتدل الذي ينضوي تحت لواء الشرعية واحترام القوانين والأنظمة، مع مراعاة خصوصيات المجتمعات والشرائح الإجتماعية والتقاليد للدول التي تنضوي تحتها فئات كبيرة من المسلمين. وهم يضربون المثل عن الحرية الدينية التي يعيشها مسلمو الصين منذ سنوات طويلة في ظل الدولة[37].

ولكن الخبراء الصينيين يميلون إلى نبذ العنف كسبيل للوصول إلى السلطة، ولا يرون أن معالجة موضوع الحركات الإسلامية الأصولية أو التكفيرية يجب أن يتم بالقمع والقهر السياسي والأمني والتضييق على الحريات ..الخ ، فهذا قد يدفع إلى وجود حركات أصولية أشد تطرّفًا من منطلق ردة الفعل. وعليه يخلص الخبراء الصينيون إلى نتيجة مفادها ضرورة منع أسباب التطرّف، وعدم إيجاد الذرائع للحركات المتطرّفة، من خلال إيجاد بيئات مؤاتية من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية، بما يرفع نسب النمو ويحارب ظواهر الفقر والتخلّف بجميع أشكالها.

 

5- نزاع الدول الكبرى على الشرق الأوسط

 تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي كانت القوّتان العظميان الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي سابقًا، تتنافسان فيها بشكلٍ دائم وبأساليب مختلفة من الصراع والتنافس. وقد تصل التوترات بين قطبي العالم في تلك المرحلة إلى تغذية الحروب وإشعالها على غرار ما حصل في مرحلة ما بين أواسط الخمسينيات وأواخر الثمانينيات. ولكنَّ الولايات المتحدة قد أصبحت القوة العظمى الوحيدة في هذه المنطقة في مطلع التسعينيات بعد الحرب الباردة، مما خفّف من حدّة الصدام بعد زوال الثنائية القطبية، إلا أنه عزّز – بالمقابل- من إندفاعة المطامع الأميركية، وجعلها تخوض في سياسات متهوّرة وخطوات غير مدروسة، ترفع من سخونة الأوضاع في المنطقة وتزيد في توتّرها.

 ويرى المحلّلون الصيينون أنه يصعب إيجاد حل لكثير من القضايا المهمة الاقليمية مثل القضية الفلسطينية من دون مشاركة الولايات المتحدة، وتأييدها كراعٍ نزيه ومحايد في أي تسوية قد تبحث، وفي الوقت نفسه يرى الخبراء الصينيون أن الولايات المتحدة أصبحت سببًا من الأسباب التي تؤدّي بهذه المنطقة إلى اضطرابات وتوترات، نتيجة تمسّكها بنزعة الهيمنة وسياسة القوة والمقياس المزدوج تجاه الطرفين العربي والإسرائيلي.

ويعتقد المسؤولون الصينيون أن بعض السياسات التي تتّبعها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تعرّضت للفشل ولم تلقَ تأييدًا أو استجابة من الشعوب، وليس من الممكن أن تتصرّف الولايات المتحدة على هواها في الشرق الأوسط.

 

٦-المواقف الصينية من إيران وبرنامجها النووي

الموقف الصيني يعارض بشدّة فرض عقوبات جديدة على إيران، تضرّ بالشعب الإيراني. وفي الواقع تستند الصين في موقفها على أسباب ذات طبيعة إقتصادية بحتة تصبّ مباشرةً في المصالح الإستراتيجية الصينية . فكما هو معروف تعتبر إيران ثاني أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين – التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم – حيث تأتي أنغولا في المرتبة الأولى.

كما تُعتبر الصين من أكبر المستثمرين في قطاع النفط والغاز الإيراني، مع رغبة شركات الطاقة الصينية المملوكة من قبل الحكومة، بزيادة حجم استثماراتها في مجال منشآت تكرير النفط الإيرانية. فقد وقّعت شركة (سي ان بي سي) - واحدة من أكبر شركات الطاقة الصينية - عقدًا لتطوير المرحلة الحادية عشرة من مشروع بارس للغاز جنوب إيران، كما حصلت على عقدٍ آخر لتطوير حقل آزاديغان شمال إيران لرفع معدّل الإنتاج فيه إلى 120 ألف برميل يوميًا.

وتشير مصادر صناعة الطاقة العالمية إلى أن الصين تبيع البنزين إلى إيران بسبب إفتقار الأخيرة إلى إمكانات التكرير التي تلبّي حاجاتها المحلية من هذه المادة، على الرغم من أن سجلات التصدير الصينية لا تظهر أي شحنة من هذا النوع إلى إيران ، ما يؤشّر إلى احتمال تصديرها عبر وسطاء، بما لا يؤثّر – ظاهريًا- على الحظر المفروض على إيران في هذا المجال.

وعلى الرغم من العلاقات المتميّزة بين الصين وإيران، فالصين تحاول إمساك العصا من المنتصف في ما يتعلّق بالملف النووي، فهي من جهة أيّدت بعض القرارات الدولية (وآخرها القرار رقم 1803) الذي يتضمّن فرض عقوبات على إيران، ومن جهة ثانية نادت بضرورة إستخدام الدبلوماسية لحلّ الأزمة، من دون اللجوء إلى عقوبات تضرّ بقطاع الطاقة الإيراني وبالتالي مصالح الصين النفطية مع إيران.

وسعت الخارجية الصينية إلى إضعاف المزيد من التكهنات بفرض المزيد من العقوبات على إيران، بعدما أبلغت القوى الخمس الكبرى بتاريخ 20/3/2012، بأن ممارسة المزيد من الضغوط على طهران لن يقنعها بإيقاف برنامجها النووي.

جاء ذلك في وقت أيّدت مجموعة الدول الثماني الكبرى السياسة الأميركية بإعطاء إيران فرصة للتفاوض بشأن برنامجها النووي، في حين أبدت إيران إلتزامها وقف الإنتشار النووي، ووضعت شروطًا للتفاوض مع الدول الست الكبرى حول برنامجها النووي، على الرغم من تلميحات الدول الكبرى بتشديد العقوبات على طهران، في حال ثبت سعي إيران لصنع قنبلة نووية.

أما بالنسبة للموقف الروسي، فإن فيه بعض الغموض وهو شبيه إلى حدودٍ بعيدة بالموقف الصيني الذي يضع مصالحه فوق كل اعتبار، ففي حين تعارض روسيا –بالعلن- موضوع إنتشار الأسلحة النووية، ويبدو أنّ موقفها يستبطن توجهًا مضادًا لفرض عقوبات جديدة على طهران بسبب برنامجها النووي، تضرّ بالشعب الإيراني. وهذا ما يشير إلى أن الجانب الروسي قد فقد التأثير والسيطرة على القرار السياسي الإيراني، في ما يتعلّق بالملف النووي الإيراني، وأنها لا تستطيع التخلّي عن الإلتزامات الروسية لإيران.

وبالعودة إلى الموقف الصيني، وتأكيدًا على موقف الصين الذي لا يشعر بالإرتياح لاتباع نهج صارم تجاه إيران، قالت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الصينية ( جيانغ يو) في مؤتمر صحافي في بكين بتاريخ 13/8/2012: "إن العقوبات وممارسة الضغط ليست السبيل الوحيد لحلّ المشاكل ولن تساعد الجهود الدبلوماسية الحالية التي تبذل لحل المسألة النووية الإيرانية".

 وكرّر وزير الخارجية الصيني (يانغ جي تشي) في تصريحات لوكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية (شنخوا) موقف بلاده بأن الحلّ الأفضل لقضية البرنامج النووي الإيراني يأتي من خلال الحوار. وبالمحصلة، هناك توجّهات دولية متفاوتة تجاه الملف النووي الإيراني. والمؤشرات كلّها، تكشف لنا أن إيران استطاعت أن تستفيد من مختلف التناقضات الموجودة في الساحة العالمية، وإدارة ملفها النووي بحكمة سياسية وحنكة، أدهشت العديد من الباحثين السياسييين، واستطاعت أيضًا الاستفادة من علاقاتها الإقتصادية مع عدد من دول العالم من خلال ربط الملف النووي بمصالحها الدولية، واستطاعت بفضل الموقف الصيني والروسي من أن تُفشل عددًا من القرارات الدولية بفرض العقوبات عليها.

 

٧- الموقف الصيني تجاه مجريات الأحداث في سوريا

 لقد كان لافتًا جدًا الموقف الصيني الذي تناغم مع الموقف الروسي بإستخدام حقّ النقض الفيتو ضد مشروع القرار الذي جرى اقتراحه في مجلس الأمن، والذي قضى بفرض عقوبات على سوريا في أواخر العام 2011. إلى جانب ذلك فقد كرّس الفيتو الثاني الذي استخدمته الصين إلى جانب روسيا في أوائل شباط 2013، موقفها الرافض لأي تدخّل غربي في سوريا. وقد شكّلت هذه المواقف علامة فارقة على المسرح الدولي الذي أخذت معالمه تتّضح من خلال توزيع جديد لمراكز القوى ولهيكل القوى العالمي، حيث تشكّل كل من الصين وروسيا أحد أبرز زوايا أركانه.

وقد دافعت الصين عن إستخدامها حق النقض باعتبارها إياه وسيلة للحؤول دون تدخّل غربي آخر، ترى أنه أسفر عن "مصائب" في أفغانستان والعراق. كما أن الصين تشعر بأن حلف شمالي الأطلسي "أساء استخدام" قرار مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوية فوق ليبيا، إذ إنه لم يستعمل قوة سلاحه لحماية المدنيين فقط، بل استعمله لمساعدة طرف واحد في الحرب الأهلية ولإسقاط نظام القذافي.

هذا في ظاهر الأمر، لكن يجب النظر إلى الفيتو من منظار أوسع، أي انطلاقًا من استياء الصين المتزايد حيال ما تعتبره سياسة أميركية هدفها حرمانها الوصول إلى مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. وقد أتى إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما، في أوائل كانون الثاني، عن مراجعة دفاعية تحـوّل تركيز القوات المسلحة الأميركية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادىء، ليرسّخ الاعتقاد بقيام سياسة مناهضة للصين. فكانت النتيجة معارضة الصين الصريحة لاقتراح الولايات المتحدة فرض حظر على استيراد النفط الإيراني.

ويميل الكثير من المحلّلين إلى أن المعضلة الأساس بالنسبة للصين، تكمن في كيفية ممارسة نفوذها في الشرق الأوسط. ومن المستبعد أن تبدأ بممارسة نفوذها العسكري في المنطقة قريبًا. وبالتالي فإن الخيار الحقيقي الوحيد أمامها، هو ممارسة دبلوماسيتها الناعمة أو قوّتها الناعمة من خلال عرضها بناء علاقات إقتصادية وسياسية، تقوم على التعاون واحترام السيادة والاعتراف بها بشكلٍ متبادل، وهذا ما يفتح لها الباب من الناحية الإقتصادية للتغلغل والحضور في المنطقة بأكثر من شكل أو نشاط.

إن المواقف الصينية تجاه أحداث سوريا وخصوصًا في مجلس الأمن، تطرح سؤالاً مؤداه، هو كيف ستوازن الصين بين مصالحها الاقتصادية المتنامية في المنطقة، ورغبتها في البقاء على الحياد؟ خصوصًا أن الصين أصبحت ثاني إقتصاد على مستوى العالم، وبدأ معدّل الإنفاق العسكري الصيني يتزايد بشكلٍ ملفت للنظر في السنوات الأخيرة ليصل في العام 2010 إلى 119 مليار دولار، ليأتي بالمرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة التي يصل إنفاقها العسكري إلى أكثر من خمسة أضعاف الإنفاق العسكري للصين فيما أشارت تقارير أميركية مؤخّرًا إلى أن الترسانة النووية الصينية قد تكون أكبر حجمًا مما هو معلوم[38].

إن التساؤل البدهي الإضافي في هذه الحالة، يدور حول ما إذا كان العالم على أعتاب حرب باردة جديدة، أم إن ما يجري لا يخرج عن مظاهر التنافس الذي غالبًا ما يصبغ العلاقات الدولية؟

وهنا نميل إلى القول بأن ما سيحدث لا يخرج عن كونه نمطًا من أنماط التنافس الحاد بين قطبين عالميين، أحدهما في تصاعد بينما الآخر في حالة تراجع. وفي هذا السياق يرى بعض الباحثين في مجال العلاقات الدولية أن الخلاف بين القوى الدولية، قد لا يكون حول طبيعة النظام الدولي القائم بقدر ما يتركّز حول توزيع القوة والسلطة والنفوذ  في داخله، ولاسيَّما إذا أخذنا بالإعتبار القوى العالمية الصاعدة، مستفيدةً من الأطر والقواعد الحالية التي تحكم النظام الإقتصادي والعالم الرأسمالي، وتحقّق في ظلّه معدّلات نمو مرتفعة مقارنةً بالقوى الرأسمالية الغربية الكبرى. تراوحت معدّلات النمو هذه بين 6 و10% في السنوات الأخيرة، أي أن القوى العالمية الصاعدة سوف تطالب بدورٍ أكبر في ما يتعلّق بالسياسة الدولية، والتأثير في دينامياتها المختلفة من خلال ما هو قائم من تنظيمات وأطر دولية.

وفي الخلاصة، تكمن الإجابة عن جميع التساؤلات والمعطيات أعلاه، من خلال فهم المنهج الواقعي في العلاقات الدولية، الذي ينظر بشكل رئيسي إلى السياسة الدولية كساحة للتنافس والصراع من أجل القوة والمصلحة، وبالتالي يصبح فهم توازنات القوة الدولية والاعتبارات المصلحية محددًا رئيسًا لفهم العلاقات المستقبلية بين المنطقة العربية والقوى الكبرى، ولاسيَّما في ما يتعلّق بمسائل النفوذ والهيمنة. وتتوقّف الإجابة عن هذا التساؤل على ثلاثة عوامل رئيسة: أولاً، نمط العلاقات والتوازنات المستجدّة والمتفاعلة بين القوى الدولية؛ ثانيًا، مسار التغيير السياسي في حراك المجتمعات العربية؛ ثالثًا أهمية العالم العربي الجيوستراتيجية والإقتصادية بالنسبة للقوى الكبرى.

 

خاتمة

في إطار العلاقات الخارجية، يبدو أن الصين تمضي بخطى ثابتة، تحكمها المصلحة والوعي الجيوسياسي الجديد، الذي يتطلّب حنكة دبلوماسية عالية، فالصين كانت معروفة بتمرّدها على مبادىء العلاقات الدولية، كما كان الحال في فترة  "ماو تسي تونغ".

إلا أنّها في السنوات الأخيرة، اتخذت استراتيجية خارجية محورها تطوير الحوار والتنمية على المستوى الدولي، وتغليب البُعد البراغماتي على البُعد الإيديولوجي، كسياسة تتّبعها مع دول الجوار الإقليمي، وتتجنّب المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، وتوسيع نفوذها في العلاقات الدولية عن طريق الانخراط في التكتّلات الإقليمية الآسيوية كقمة شانغهاي، التي تضم روسيا والصين وبعض الجمهوريات الوسطى، وكذلك الانخراط في مجموعة البريكس (التي تضم كلًا من الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل) ما سيوفّر للصـين مركــزًا إقليمـيًا مؤثـرًا، ولاسيَّما أن هذه المنظمات تتطوّر بثبات، من رابطة إقتصادية إلى كيان  إقليمي- دولي ذات تطلّعات سياسية واقتصادية طموحة.

بالنسبة إلى السياسة الخارجية الصينية تجاه أحداث المنطقة العربية، وما سُمّي بثورات الربيع العربي التي عرفها العديد من الدول العربية، فالمعيار الأساس للصين كان حماية مصالحها تجاه الأحداث التجارية، وهي من أجل ذلك شجّعت القوى المتصارعة على التحاور وبناء جسور الثقة، من أجل بناء الإستقرار الداخلي، الذي تعتبره الصين بيئة صالحة لأي جهد إنمائي واقتصادي. وموقفها تجاه العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية كان يصبّ في هذا الاتجاه، حيث واصلت تبادلاتها التجارية مع إيران على مدى عقدين من الزمن على الرغم من العقوبات المفروضة. وفي أحداث سوريا إنطلقت من هذا البعد الذي يرى أن الصراع في هذا البلد، يجب أن يُحلّ من خلال تحاور الفرقاء للوصول إلى صيغة تفاهم مشتركة، وهي وقفت إلى جانب الموقف الروسي في مجلس الأمن، في وجه أي تدخّل دولي ضدّ النظام السوري، ولم يتطوّر هذا الموقف إلى أبعاد أكبر كالتدخّل العسكري أو دعم النظام السوري بشكلٍ واضح، في معركته ضدَّ المعارضة المدعومة بقوة من دول إقليمية ومن دول كبرى.

 

[1]-     جمهورية الصين الشعبية هي ثاني أكبر بلد في العالم من حيث مساحة البر، حيث تحتل مساحتها البرية تسعة ملاييين وثمانماية وستة وعشرين ألف كلم2. أي واحد على خمسة عشر من إجمالي المساحة البرية للكرة ألأرضية ، وربع إجمالي مساحة آسيا، والمساحة الكلية نفسها للدول الأوروبية الثلاثين. بالإضافة إلى ذلك تملك الصين حوالى ثلاثة ملايين كلم2 من المياه الإقليمية الخاضعة لسيادتها، حسب قانون البحار التابع للأمم المتحدة، وتعتبر الثالثة أو الرابعة في ما يتعلّق بالمساحة الكلية للكرة الأرضية.

 

[2]-     السفير شوان هي في محاضرة حول "التوجهات الصينية بعد مرحلة الإصلاح والتحديث والإنفتاح على الخارج"، معهد البحوث الأفرو–آسيوية، بكين 2012

 

[3]-     Fan GANG,  “Chine : la double voie vers l’économie de marché”, Politique  étrangère, No.2(92), 1996,  p.337  RAMSES 97, ed, Dunod Paris 2006, p.116

 

[4]-     صحيفة الحياة، 4 شباط 2007، ص14

 

[5]-     راجع دراسة صلاح سالم زرنوقة، "الصين : التحولات الداخلية والسياسة الخارجية"، في مجلة السياسة الدولية، العدد 132، نيسان 2009، ص 56.

 

[6]-     هوانغ هوا، "الصين والسياسة الخارجية : خطوات نحو الإنفتاح"، مترجم، الدار العربية للعلوم، القاهرة، 2009.

 

[7]-     راجع مقال عامر سلطان، "الصين والولايات المتحدة –سيناريو اللعب بين الكبار في القرن القادم"، في  صحيفة ألأهرام، القاهرة في10 تشرين الثاني، 2009.

 

[8]-     صلاح سالم زرنوقة، مرجع سابق، ص 55.

 

[9]-     أكّدت الهند التزامها بسيادة الصين على التبت، كما أكدت  منع العناصر التي تقيم في المنفى، والتي تنتمي إلى مواطني التبت، من ممارسة أي أنشطة عدائية ضد الصين إنطلاقًا من الأراضي الهندية.

 

[10]-    كان تطوّر هذه العلاقات سببًا في ضم الصين إلى عضوية عدد من المؤسسات الإقليمية، كمنتدى التعاون الإقتصادي لبلدان آسيا والمحيط الهادىء (APEC)، والمنبر الإقتصادي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN).

 

[11]-    جاء في البيان المشترك الذي صدر في 16أيار1997، في بكين، عن الرئيسين، الصيني جيانغ زيمين والفرنسي جاك شيراك، واعُتبر رسالة غير مباشرة ضد الهيمنة الأميركية على النظام الدولي: "مع بزوغ فجر القرن الحادي والعشرين، فإن الوقت قد حان لكي تعزّز الصين وفرنسا من مبادرتهما لدعم مشاركتهما  في منع  الهيمنة المنفردة على القرار الدولي، وفي تسيير شؤون العالم على المدى الطويل"

 

[12]-    صحيفة الأهرام، ص 11- دوليات،  القاهرة في 19أيار2007.

 

[13]-    المرجع السابق، جريدة ألأهرام،  ص 11 – دوليات.

 

[14]-    جيانغ زيمين في خطابه السنوي أمام الحزب الشيوعي في دورته الحادية عشرة .

 

[15]-    للمزيد حول محدّدات السياسة الخارجية الصينية وأطرها، راجع موقع وزارة الخارجية الصينية:www.chinatoday.com.cn

 

[16]-    حتى نهاية العام 2011، وافقت الصين على إقامة ألف وثلاثماية وتسعين مشروعًا صيني التمويل في أنحاء مختلفة من العالم. وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية التعاقدية سبعمائة وخمسة وأربعين مليارًا وتسعماية مليون دولار، بينما بلغت قيمة الأستثمارات الاجنبية المستخدمة بصورة فعلية ثلاثماية وخمسة وتسعين مليارًا وخمسماية مليون دولار، وقفز إجمالي قيمة الواردات والصادرات الصينية في العام 2001 إلى خمسمائة وتسعة مليارات وثمانمائة مليون دولار أميركي.

 

[17]-    عاطف الحلواني، "دبلوماسية الصين الجديدة، قراءات إستراتيجية"، المجلد الثامن، العدد الخامس، أيار2005، متاح على:

www.ahram.org.eg

[18]-    A.Doak Barnet, “The Making of Foreign Policy in China: Structure and Process”, (London: I.B. Tauris2005, ),41

 

[19]-    عبد العزيز حمدي عبد العزيز، “التجربة الصينية، دراسة أبعادها الأيديولوجية والتاريخية”، الطبعة ألأولى، أم القرى للطبع والنشر، القاهرة، 2007،ص124-126. راجع أيضا ًفي ذات المضمون (باللغة الانكليزية) :

- Shao- Chuan Leng & Hunghdah, “Criminal Justice in Post Mao China: Analysis and Documents”, (New York, NY, State University of New York Press 2007),171

 

[20]-    راجع مقالة: "النظام السياسي الصيني. الحزب الحاكم بالصين"، في صحيفة الشعب اليومية ، متاح على:

 www.chinatoday.com.cn. وللمزيد (باللغة الانكليزية ) راجع:

Kenneth Lieberthal Governing China (New York, NY: W.W. Norton & Company, 2005),15

[21]-    صحيفة الشعب اليومية الصينية ، "النظام السياسي الصيني"، المرجع السابق، ص 13.

 

[22]-      راجع دراسة محمد عبد الوهاب الساكت، السفير وممثل الجامعة العربية في بكين على ما يزيد على العشر سنوات، "الموقف العربي من القضايا الصينية"، السياسة الدولية، العدد 154، حزيران 2000، متاح على :www.siassa.orgeg

 

[23]-    راجع : موسوعة Ibid, 43-77

 

[24]-    حول العلاقة بين النزعة التكنوقراطية وظاهرة الكاريزما، راجع كتاب وليد عبدالحي، "تحول المسلمات في نظريات العلاقات الدولية"، مؤسسة الشروق، الجزائر 2004، ص 91-96.

 

[25]-    فرانسيس فوكوياما،"نهاية التاريخ" ، بيروت  دار العلوم العربية، بيروت 2008 ، ص113

 

[26]-    يتركّز العمل الدبلوماسي من خلال وحدة مركزية، هي وحدة الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، ومن خلال تركيز قرارات السياسة الخارجية في السلطة السياسية، المتمثلة بتوجهات الحزب العامة التي يقرّها في اللجان المركزية التي يعقدها.

 

[27]-    أطلق هذا المصطلح على المجموعات والهيئات المشكّلة من النخب الحزبية النشطة، المتخصّصة في القضايا الاستراتيجية ورسم السياسات، والمتخصصة أيضًا في قضايا الأمن والتسلّح والتكنولوجيا...الخ، وتضطلع هذه المجموعات بدورٍ إستشاري مهم في المجالات الحيوية للدولة، ولها رأيها الفاعل في  تشكيل إطار خلفي  لصناعة القرار السياسي.

 

[28]- عاطف الحلواني، "دبلوماسية الصين الجديدة"، قراءات إستراتيجية، المجلد الثامن، العدد الخامس، مصدر سابق.

 

[29]-    درجت العادة في عهد ماو،على أن لا تنشر السلطات  الصينية  الوثائق المتعلّقة بالسياسة العظمى للدولة. إلا أن هذا التقليد قد انتهى منذ العام 2002، حيث يتم نشر أبرز مقرّرات اللجنة المركزية للحزب، وكذلك أبرز الوثائق المتعلقة بالسياسة الخارجية للدولة. كما صار يجري نشر أبرز محاضر لقاءات وزيارات رؤساء الصين إلى الخارج، وعقب القمم الثنائية لرؤساء الدول. والمثل على ذلك: محاضر زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين إلى كراوفورد – تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، ولقائه الرئيس بوش في تشرين الأول 2002.

 

[30]-    للمزيد حول أبعاد الطموحات الصينية في المنطقة العربية، راجع مقالة تحت عنوان "السياسة الخارجية الصينية الجديدة في الشرق الأوسط"، منشورة بتاريخ 05/09/2009 على الموقع الإلكتروني لمركز إفريقية للدراسات والبحوث السياسية على شبكة الإنترنت:

http://www.ifriqiyah.com/cms/content/view/4307/325/

 

[31]-    لي وي جيان، مقالة تحت عنوان "تحليل ودراسة العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط"، مجلة السياسة الدولية، العدد رقم 145، إصدار شهر تموز 2001، منشورة على شبكة الإنترنت:

http://www.f-law.net/law/showthread.php/48080

 

[32]-    راجع: فارس بريزات، مقالة تحت عنوان "هل الصين تتجه الى اتباع سياسة مناقضة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة العربية؟"، منشورة على الموقع الإلكتروني لمركز السلام للثقافة الدبلوماسية نقلًا عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن على شبكة الإنترنت:

http://www.siironline.org/alabwab/diplomacy-center/019.html

 

[33]-    مقالة  محمد القويدر ،  تحت عنوان "الصين وتحدي النفط "، صحيفة عكاظ ، العدد 6416 تاريخ 13/8/2009، ص 13.

 

[34]-    علي حسين باكير، مقالة تحت عنوان "استراتيجيات الصين النفطيّة"، منشورة بتاريخ 31/05/2006 على شبكة الإنترنت نقلًا عن مجلة العصر بتاريخ 20/05/2005.

 

[35]-    المرجع ذاته، ص 28.

 

[36]-    من محاضرة للسفير لي هو، مساعد وزير الخارجية الصيني والباحث في الشؤون الدولية ، في ندوة حوارية حول "المواقف الدولية تجاه مجريات الأحداث العالمية في بكين"، معهد البحوث الأفرو- آسيوية ، آب 2013.

 

[37]-    وكالة شنخوا الصينية، "المسلمون في ظل الدولة الصينية وكيف ينعمون بالحريات". إذ تركّز وسائل الإعلام الصينية عن هامش الحريات التي توفّرها السلطات الصينية للأقلية المسلمة في البلاد.

 

[38]-    خالد بن نايف الهباس، "الإستراتيجية الأميركية في آ سيا: هل تحمل نذر حرب باردة جديدة؟"، جريدة الحياة 25/12/2011، ص11

 

China, the international transformations and the protection of the economic reform experience

 

After more than 3 decades since the stage of internal reform that China had witnessed during the time of its historical leader Ding Xiao Bing, China has sought openness to outside countries through letting itself go international in an odyssey that led it to advanced stages in the political and economic frame.

China, the largest country in both circumference and population, has realized that opening up to the world at the beginning of the 21st century requires it to as much as possible discard a cultural - national heritage that was an obstacle standing between it and its progress in taking its expected role on the international scene.

The national dimension that Chinese politicians possess is an essential dimension that lies in the depth of their personalities and getting rid of it overnight was not an easy task to tackle.

Therefore, China worked on following a balanced path that does not destroy or cancel neither the traditional nor the national heritage in the personality of the Chinese individual all the while generating the element of openness in all its new dimensions of staying in touch with the modern techniques, technologies and communication means.

Furthermore, the Chinese leadership worked on containing all the dimensions that exist in the national variations and the differences between Central China and the extremities and also worked on containing the internal problems that might emanate from the public and ethnic variety in the country.

In the end, China succeeded in laying the foundations of a smart and conscious diplomacy about the events that surround it regionally, particularly in the tense areas of the world. Moreover, China has adopted a flexible policy towards the issues of the Middle East but at the same time, it couldn’t independently take political stances from the accelerating events and the interlaced files in the Arabic region.

As a result, China made a specific approach towards the crises in the Arabic region, particularly the Syrian crisis and the rise of the phenomenon of terrorism and extremism in addition to the files of the tense regions and their strategic repercussions. China has developed its stances according to its vital interests, with the economy being on top of the list, even though China was historically known to having adopted a traditional policy of abstaining from interfering in the internal affairs of the countries as well as a foreign policy that leads to solving international conflicts in pacifist ways.

 

La Chine, les changements internationaux et la protection de l’expérience de la réforme économique

 

Après plus de trois décennies depuis la réforme interne qu’elle a connue sous l’égide de son leader historique Ding Xiao Bing, la Chine a cherché l’ouverture, en se lançant vers la mondialisation, dans un trajet où elle a occupé des places avancées sur les niveaux politiques et économiques.

Etant le pays le plus énorme en tant que superficie et population, la Chine a réalisé que l’ouverture au début du 21ème siècle, requiert qu’elle se débarrasse, tant que possible, d’un héritage culturel – national qui représentait un obstacle devant le trajet de son développement quant à son rôle attendu sur la scène internationale.

L’étendue nationale portée par les responsables chinois est un facteur indispensable de leur personnalité et il ne leur était pas facile de l’abandonner du jour au lendemain.

C’est d’ici que le trajet de la Chine fut équilibré: il ne détruit ni n’annule l’étendue culturel ou national de la composition de l’être chinois, et en même temps elle a relancé en ce trajet l’ouverture avec touts ses aspects modernes en restant à jour quant aux technologies développées du siècle et leurs moyens de communication…

Le commandement chinois a également œuvré à encercler et à contenir les étendues résultant des différences nationales existant entre les régions du centre et ceux des extrémités, et a cherché à contenir les problèmes internes dus à la diversité nationale et de race que connait le pays.

Finalement, la Chine a réussi à instaurer les aspects d’une diplomatie intelligente et consciente de ce qui l’entoure au plan régional, surtout dans les pays en conflit. Elle a adopté une politique flexible vis-à-vis les causes du Moyen-Orient, mais en même temps, ses prises de position politiques n’ont pas pu être indépendantes du trajet des événements successifs et les problèmes compliqués dans la région arabe.

D’ici, elle a pu avoir une vision définie quant aux crises arabes, surtout la crise syrienne et l’apparition du phénomène du terrorisme et de l’extrémisme, en addition aux problèmes de la région et leurs répercussions stratégiques. La Chine a éclairci ses prises de position en fonction de ses intérêts vitaux où l’économie est une priorité, en dépit du fait que, historiquement, la Chine a adopté une politique traditionnelle connue par la non-ingérence dans les affaires internes des pays, et met en oeuvre une politique étrangère visant à résoudre pacifiquement les conflits internationaux.