دراسات وأبحاث

الطاقة الشمسيَّة في مزارع الصحراء
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

الحصاد وفير فهل يهدأ صراع الكبار في حقول الموارد؟

 

يبحث الإنسان دومًا عن مصادر جديدة للطاقة لتغطية احتياجاته المتزايدة في الحياة المعاصرة، وفي هذا السياق تركزت جهود كبيرة على الاستفادة من حرارة أشعة الشمس والتي تتصف بأنها طاقة متجددة ونظيفة خلافًا لمصادر الطاقة كما الأخرى التقليدية (النفط والغاز الطبيعي خصوصًا).
تشكل الطاقة الشمسية اليوم مصدر دخل قومي في بعض البلدان، ومن بينها دول الخليج العربي التي تعتبر من أكثر بلاد العالم غنىً بالنفط. وتستخدم الطاقة الشمسية بشكل رئيس وفعّال في مجالات عديدة منها محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه، وتشغيل إشارات المرور وإنارة الشوارع، وتشغيل بعض الأجهزة الكهربائية، كما تستخدم لتشغيل الأقمار الصناعية والمركبات والمحطات الفضائية.
ظهرت الطاقة الشمسية مجددًا كعامل مهم في الاقتصاد العالمي وفي الحفاظ على البيئة مع استخدام السخانات الشمسية في معظم دول العالم لتسخين المياه.


الطاقة المتجددة Renewable Energy
هي عبارة عن مصادر طبيعية دائمة تتجدد باستمرار، وهي نظيفة لا ينتج عن استخدامها تلوث بيئي. ومن أهم هذه المصادر الطاقة الشمسية التي تعتبر في الأصل الطاقة الرئيسة في تكوّن مصادر الطاقة, وكذلك طاقة الرياح وطاقة المد والجزر والأمواج, والطاقة الحرارية الجوفية وطاقة المساقط المائية وطاقة البناء الضوئي (او التمثيل الضوئي Photosynthesis, وهو ظاهرة بيولوجية هامة تؤثر في حياة جميع المخلوقات الحية، وهو المصدر الرئيس لتكوين الأوكسجين)، كذلك هناك الطاقة المائية للبحار والمحيطات.

 

ما هي الطاقة الشمسية؟
الطاقة الشمسية هي تحويل الضوء المنبعث والحرارة الناتجة عن الشمس الى طاقة كهربائية, مباشرة، وذلك باستخدام «الالواح الضوئية الجهدية» (PV panels Photovoltaics)، أو بشكل غير مباشر عبر تركيز «القدرة الشمسية» (Concentrated Solar Power CSP)، وقد قام الإنسان بتسخير هذه الطاقة لمصلحته منذ العصور القديمة باستخدام مجموعة من الوسائل التي كانت تتطور باستمرار. وتُعزى معظم مصادر الطاقة المتجددة المتوافرة على سطح الأرض إلى الإشعاعات الشمسية بالإضافة إلى مصادر الطاقة الثانوية، مثل طاقة الرياح وطاقة الأمواج والطاقة الكهرومائية والكتلة الحيوية... ومن المهم هنا أن نذكر أنه لم يتم حتى اليوم استخدام سوى جزء صغير من الطاقة الشمسية المتوافرة.
يقدر العلماء أن كوكب الأرض يستقبل نحو 174 بيتاواط من الإشعاعات الشمسية القادمة إليه عند طبقة الغلاف الجوي العليا، (كل بيتاواط تساوي مليار ميغاواط).
ويعود ما يقارب 30% من هذه الإشعاعات إلى الفضاء، بينما تمتص السحب والمحيطات والكتل الأرضية النسبة الباقية، وينتشر معظم طيف الضوء الشمسي الموجود على سطح الأرض عبر المدى المرئي وبالقرب من مدى الأشعة تحت الحمراء، بينما ينتشر جزء صغير منه بالقرب من مدى الأشعة ما فوق البنفسجية.
 كذلك يقدر العلماء أن الطاقة الشمسية التي تسقط على صحارى العالم كل ست ساعات هي أكبر مما يستهلك العالم منها في سنة كاملة. ويقول خبراء الطاقة إن كل «مزرعة» من المزارع الشمسية في أفريقيا تنتج ما بين 50 و200 ميغاواط من الطاقة.


المزارع الشمسية
أشهر مشروع قدّم بهذا الصدد كان مشروع مدير مركز الأبحاث البصرية في جامعة اريزونا آدن مينيل، فقد وضع تصميمًا لمفاعل شمسي تبلغ طاقته 1000 ميغاواط، ويقضي هذا المشروع بتجميع أشعة الشمس بواسطة صفائح مغطاة بطبقات ماصة للأشعة، ثم تضاف إليها أنواع من المصافي تعطي بخارًا عند درجة 540 مئوية. تجمع الحرارة التي تلتقطها هذه الصفائح بواسطة سائل صوديوم، ثم تنتقل إلى خزان من الملح السائل المنعزل عن الخارج بشكل يتيح له تخزين كمية الحرارة كلها وضغطها لإنتاج البخار الذي يسيّر التوربينات ويعطي الكهرباء. وحسب تقديرات مينيل نفسه فإن مردود هذا المفاعل يصل إلى 30%، بالإضافة إلى ذلك يمكن تخطي الصعوبات التي تطرأ في الأيام الممطرة لعملية تخزين الحرارة التي بإمكانها أن تستمر لساعات عديدة.
يبدو حتى الآن أن محاولات الاستفادة من الطاقة الشمسية على نطاق واسع وبشكل اقتصادي تواجه بعض المشكلات وتحتاج إلى مزيد من الدراسات والوقت. أما أسباب ذلك فهي:
• قلة كمية الأشعة الشمسية الساقطة على وحدة السطح، حيث أنه لا بد من استخدام مساحات واسعة من المجمعات الشمسية لاستقبال مقدار كافٍ من الإشعاع لتحويله إلى طاقة مفيدة.
• انخفاض كفاءة المجمعات الشمسية المستخدمة، وفقدان قسم من طاقة الشمس الساقطة.
• تغير كمية الطاقة المجمعة خلال اليوم وعلى مدار فصول السنة، وذلك بسبب التغير في كمية إشعاع الشمس.


مشاريع لبناء مزارع الطاقة
إن عدد ساعات الشمس التي ينعم بها لبنان والمنطقة العربية وقسم من أوروبا تفوق الثلاثة آلاف ساعة سنويًا، أي أن أشعة الشمس لا تغيب عن هذه المناطق طوال أيام السنة تقريبًا، بينما ثمة منــاطق ككندا أو روسيا لا يتجاوز فيها عدد ساعات الشمس المشـرقة الألف ساعة سنويًا.
وتسجل صناعة الطاقة الشمسية ازدهارًا متواصلاً، حيث تقدر الجمعية الأوروبية لقطاع صناعة الطاقة الشمسية المتخصص في تحويلها مباشرة إلى طاقة كهربائية، أن يوفر هذا المصدر المتجدد 12% من إمدادات الاتحاد الأوروبي من الكهرباء بحلول العام 2020.
لقد باشر الاتحاد الاوروبي خطوات جادة لإنشاء مزارع للطاقة الشمسية في عدد من دول شمال أفريقيا (دول الصحراء الكبرى، المغرب، تونس والجزائر)، وكذلك في بعض مناطق المملكة العربية السعودية. وستتولى شركة «سيمنس» الألمانية مهمة نقل الطاقة باستخدام كابلات كهربائية حديثة، وهي الكابلات التي تقل فيها نسبة الفقد عن 3 في المائة.
وكشف بعض المصادر في قطاع إنتاج الطاقة الشمسية السعودي، أن المشروع الأوروبي خضع لدراسة مستفيضة، وسيكون قيد التنفيذ خلال السنوات المقبلة، بعد أن أثبتت الدراسات أن المملكة ستكون أكبر مصدر للطاقة الشمسية في العالم، وهي أهم الدول في «الحزام الشمسي».
كما سجلت ألمانيا طلبات لتوليد الطاقة الشمسية تتجاوز 5000 ميغاواط، فضلًا عن تسجيل طلبات أخرى في كل من اليابان، الولايات المتحدة الأميركية، الصين، إسبانيا، إيطاليا، وعدد من الدول العربية.

 

الشمس العربية تنير أوروبا
أثبتت إحدى الدراسات أن المملكة العربية السعودية ستكون أكبر منتج للطاقة الشمسية على مستوى العالم، وأن إيرادات إنتاج هذا النوع من الطاقة ستتجاوز إيرادات النفط التي تعتبر المملكة أكبر مصدر له أيضًا، وذلك لاتساع مساحة المملكة ووقوعها ضمن ما يعرف بمنطقة الحزام الشمسي، وتعرّضها لكميات عالية من موجات الإشعاع الضوئي والكهرومغنطيسي الصادرة من الشمس (بمعدل 250 ساعة كل شهر)، وتبين أن متوسط وحدات الطاقة الضوئية التي تستقبلها المملكة يساوي 2200 وحدة (كيلوواط لكل متر مربع) في السنة.
وخلصت الدراسة إلى أن غالبية أنظمة الطاقة الشمسية تعتمد على عمل الإلكترونيات، وبالتالي فإن عمر هذه الأنظمة سيكون طويلًا، «وبعضها مضمون من 25 إلى 30 سنة»، فيما ثبت من تجربة استخدام الطاقة الشمسية في الفضاء والأقمار الصناعية أن عمر الأنظمة المستخدمة في هذا المجال تجاوزت 40 سنة.
كذلك فقد انهت دبي الدراسات اللازمة لإقامة محطات لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية للمرة الأولى في مشروع يكلف 12 مليار درهم، ويمتد إلى العام 2030، ويطمح الى إنتاج 1000 ميغاواط كهرباء على مراحل.
كما ان بعض الدراسات المصرية بيّن أن مصر تستطيع الوصول إلى أن تكون تكلفة الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية معادلة لتكلفة انتاج الطاقة من المصادر التقليدية، وذلك بحلول العام 2021، بما يعني أنه خلال ثماني سنوات بدءًا من العام 2013 سيكون سعر الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية 21 قرشًا، ما يعني أن الإستثمار في الطاقة الشمسية سيكون مربحًا. كما أوضحت الدراسة أنه إذا ما تم تطبيق هذا البرنامج فإن المخزون الاستراتيجي من الغاز الطبيعي في مصر سيمتد الى عشرين سنة اخرى (إلى العام 2050) وبالتالي يمكن توفير أكثر من 2000 مليار متر مكعب، يضاف إلى ذلك أن زيادة الوعي حول استخدام الطاقة المتجددة سيساهم في نقل التكنولوجيا الى مصر، وفي خلق سوق عمل ومراكز ابحاث وتطوير لهذه الصناعة الخضراء التي ستوفر انبعاث 700 مليون طنٍ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
من الواضح أن أسعار الطاقة الشمسية ستصبح منافسة لتلك المولدة من النفط والمصادر الأخرى فتكاليف تصنيع الخلايا الشمسية آخذة في الانخفاض، بشكل سريع. إن حاجة العالم إلى تخفيض الانبعاثات الملوثة للهواء مثل ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى التي تسبب الاحتباس الحراري واتساع ثقب الأوزون وتغير المناخ، تشكل عوامل داعمة للتوجه الأوروبي القاضي بإنشاء مزارع لإنتاج الطاقة الشمسية في دول الصحراء والتي وللمفارقة هي نفسها الدول الغنية بالنفط..


المفاعلات الشمسية
تم إنشاء أول مفاعل شمسي في العالم العام 1949 في مختبر أوديللو في فرنسا فوق جبال البيرينيه.
يستخدم هذا المفاعل لاقطات للضوء وهو موصول بشبكة توزيع مؤلفة من مرايا تعمل لتركيز أكبر قدر من الأشعة واستخدامها بهدف تجميع المعطيات التجريبية حول عمل مولّد البخار الشمسي وتنظيم عملية تخزين الكهرباء.
كانت منشآت أوديللو بمنزلة صورة اولية للمفاعلات الشمسية التي أنشئت حاليًا في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية واليابان، والتي تراوح قدرتها بين عشرات الكيلوواط وعشرات الميغاواط. وجميع هذه المفاعلات  تستخدم المرايا العاكسة لتركيز أشعة الشمس، وبالتالي الحصول على كمية من حرارة مرتفعة بإمكانها حمل سائل معين إلى درجة الغليان، ما يتيح تشغيل محرك بخاري أو توربين مولّد الكهرباء.

 

كيف يعمل المفاعل أو الفرن الشمسي؟
تعمل المفاعلات الشمسية وفق مبادئ ثابتة ومعروفة, ويقال إن العالم اليوناني أرخميدس قد استخدم طريقة تجميع حرارة الشمس بواسطة مرايا وتوجيهها الى سفن الرومان خلال الحرب البونيقية الثانية (218-202 ق.م.) وأحرقها.
في البدء كان المفاعل يعمل بواسطة تركيز ضوئي لأشعة الشمس عبر مرايا مقعّرة عاكسة ومتنوعة. وبالإمكان استخدام حقول من المرايا المشابهة والموجهة تعكس الأشعة وتركزها في نقطة واحدة. وبالإمكان أيضاً استخدام العدسات التي تفي بالغرض نفسه لكن صعوبة صناعتها بأحجام كبيرة تحول دون ذلك.
بفضل عملية التركيز هذه، يصبح الإشعاع على المساحة التي تلتقط الضوء أي المرجل الشمسي أو الغرب الشمسي، أكبر بمائة مرة، وحتى بألف مرة منها على بقع أخرى.

 

الشمس تكشف الحقائق!
يبدو أن الطاقة الشمسية باعتبارها أهم مصادر الطاقة المتجددة والدائمة ستكون حلًا معقولًا و مقبولاً لتجفيف الكثير من مستنقعات المشاكل الإقتصادية، والعلمية، والسياسية والإجتماعية، وربما العسكرية التي يكاد يغرق فيها هذا العالم وإنسانه.
ولكن اللافت على الصعيد الجيوستراتيجي أن المناطق الغنية بموارد النفط والغاز اليوم هي نفسها تقريبًا المناطق الغنية بموارد الطاقة الشمسية، فهل يعني هذا أن الصراع العالمي على موارد الطاقة سيستمر أو ربما يتزايد في المستقبل الى أن تخمد حرارة الشمس او تخمد انفاس الانسان؟ أم أن هناك حلولاً بديلة في مكان ما بينهما يجعل الصراع من الماضي؟... ربما تتمكن الشمس من تبيان الحقيقة وكشفها.

 

هامش:
• 1 واط = 1 فولت × 1 أمبير = 1 جول/1 ثانية.  
• كيلوواط = 1.000 واط = 1.3404 حصان، وهي وحدة صغيرة تناسب الاستهلاك الكهربائي المنزلي.
• ميغــــــــــاواط = 1.000.000 واط أو 1
 مليون واط.
       • جيغاواط = 1.000.000.000 واط أو 1 مليار واط، وهي وحــدة أكبر تناسب التعبير عن انتــاج محطة توليد الكهرباء.
• تيراواط = 1.000.000.000.000 واط (تريليون), وهي وحدة أكثر كبرًا تناسب التعبير عن إنتاج دولة من الطاقة الكهربائية.
• بــيتــاواط = الــف تيــراواط
 (كوادريليون).

 

المراجع: ‎
• www.upsaps.com
• www.arab-eng.org
• www.wikipedia.org/wiki/Solar_power