تحقيق عسكري

الطبابة العسكرية توفير العلاج اللازم لا التوفير في العلاج لأن صحة المريض وكرامته أولاً
إعداد: ريما سليم ضوميط

كان وقع نهاية العام المنصرم ثقيلاً في الطبابة العسكرية في ظل الأزمة الحادة الناجمة عن رفض المستشفيات الخاصة تجديد العقود معها. غير أن الطبابة تمكّنت من تخطي الأزمة التي واجهت المؤسسات الضامنة وخرجت منها بتوقيع 106 عقود مع مستشفيات خاصة في جميع المناطق اللبنانية. وهي أيضاً سجّلت تقدماً ملحوظاً في ما خصّ الخدمات الطبية واستحداث أقسام جديدة.
أما ما لا ينبغي أن تفوتنا الإشارة اليه فهو الحرص الواضح على التعامل مع المرضى انطلاقاً من مبدأ تلازم الشقين الإنساني والطبي.
وإذا كان المثل اللبناني يقول «لاقيني وما تطعميني»، فالواضح أن الطبابة العسكرية تسعى بجهد صادق الى ملاقاة المرضى وتأمين الخدمة لهم بأفضل صورة ممكنة.
أحوال الطبابة العسكرية والجديد فيها في هذا الحوار مع رئيسها العميد الركن موريس سليم.

 

أزمة حادة
• ختمت الطبابة العسكرية العام 2008 بأزمة حادة بعد رفض المستشفيات الخاصة تجديد العقود معها. ما هي تحديداً أسباب هذه الأزمة، وكيف تمّ علاجها؟

- بدأت المشكلة أواخر العام الماضي عندما أعلنت نقابة أصحاب المستشفيات رفضها تجديد العقود مع عدد من المؤسسات الضامنة من بينها الطبابة العسكرية، وقد وجّهت كتاباً الى قيادة الجيش تشير فيه الى امتناعها عن استقبال أي مريض على عاتق المؤسسة العسكرية لحين تعديل التعرفة المعتمدة.
إزاء هذا الوضع، عقدنا اجتماعات ضمّت رئيس الطبابة العسكرية وأركان الطبابة من جهة ونقيب أصحاب المستشفيات الدكتور سليمان هارون من جهة أخرى، غير أننا لم نتوصّل الى أي تسوية، ذلك أن مطلب المستشفيات لم يكن من الممكن تحقيقه إلا عبر قرار صادر عن مجلس الوزراء.
تجاه هذه المعضلة، كان لا بد من البحث عن  مخرج سريع حيث لا يمكن ترك المستفيدين الذين هم على عاتق المؤسسة العسكرية من دون إمكان الإستشفاء خارج المستشفى العسكري المركزي. فكان الحل بقرار صادر عن قيادة الجيش تعرض فيه على المستشفيات زيادة عشرة في المئة على التعرفة المعتمدة ريثما يتم إقرار تعرفة موحّدة من قبل مجلس الوزراء.
مع مطلع العام 2009 كانت الطبابة العسكرية قد تخطّت الأزمة بفضل الجهود التي بذلتها قيادة الجيش، حيث تمّ إبرام عقود مع 58 مستشفى لاستقبال المرضى الذين هم على عاتق المؤسسة العسكرية. وقد سجّلت الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2009 دخول 2300 مريض ممن هم على عاتق الجيش للمعالجة في مستشفيات خاصة.
أما في ما خصّ المستشفيات التي لم تجدّد عقودها مع الطبابة العسكرية، فقد ظلّت ملتزمة استقبال حالات الطوارئ عملاً بالمبادئ والقيم الطبية. واعتباراً من شهر نيسان، أي بعد صدور قرار مجلس الوزراء الذي قضى باعتماد تعرفة موحّدة على مستوى المؤسسات الضامنة كافة، تمّ إبرام المزيد من العقود مع المستشفيات الخاصة بحيث ارتفع عدد المستشفيات المتعاقدة مع الطبابة العسكرية الى 106 مستشفيات على كامل الأراضي اللبنانية.  وهكذا تمكّنت الطبابة العسكرية من تأمين الإستشفاء للمستفيدين ووفّرت للعسكريين وعائلاتهم في الخدمة الفعلية وفي التقاعد الطمأنينة والخدمة الصحية المطلوبة، فلم يشعروا إطلاقاً بحدة الأزمة التي اتخذت حجماً كبيراً على المستوى الوطني.

 

حرص على توفير الأفضل
• نلاحظ حرصاً على توفير أفضل شروط العلاج للمستفيدين، فما السياسة التي تعتمدونها لتحقيق هذه الغاية؟

- ترتكز الطبابة العسكرية في وضع سياستها الداخلية على تعليمات قيادة الجيش. وكما هو معلوم، فإن العماد قائد الجيش يولي الطبابة العسكرية عناية مطلقة على مختلف الصعد. ويحرص على تطوير الخدمات باستمرار وتوفيرها للمستفيدين بأسهل الطرق وأكثرها فعالية. كما تشدّد القيادة بصورة خاصة على الإهتمام بالمتقاعدين وتسهيل أمورهم في جميع أماكن تقديم الخدمات الطبية.
إنطلاقاً من التوجيهات المذكورة، تسعى الطبابة العسكرية الى تقديم الخدمة الفضلى بأحسن الشروط، وتحرص على تلازم الشق الإنساني والشق الطبي. من هنا وضعنا شعار المريض أولاً، ولا يجوز التوفير في العلاج وإنما توفير العلاج اللازم مهما كانت كلفته. فالمرض إستحقاق وليس رغبة شخصية، وأي شخص يتقدّم للإستشفاء ليس «زبوناً» بل فرداً من أفراد العائلة التي تضم أكثر من 300 ألف مستفيد. وعليه يجب تأمين الخدمات الطبية بكل لياقة واحترام حفاظاً على كرامة الأفراد وراحتهم.
ضمن السياسة نفسها الهادفة الى تسهيل الخدمات من دون التقليل من جودتها، تسعى الطبابة العسكرية الى تعزيز اللامركزية عبر تفويض صلاحيات مركزية من رئاسة الطبابة الى طبابة المناطق كمثل منحها حق الموافقة على إجراء بعض الفحوصات الطبية من دون العودة الى رئاسة المستشفى، مما يؤدي الى تسريع الخدمات وتسهيل أمور المستفيدين.
في موازاة ذلك، نسعى الى تعزيز الخدمات الطبية في المناطق والمستوصفات ورفع مستوى التجهيزات مما يتيح إجراء بعض الفحوصات والعلاجات، كمثل فحوصات الدم والعلاج الفيزيائي. كما نسعى الى إنشاء مستوصفات جديدة في المناطق التي لا تتوافر فيها خدمات الطبابة العسكرية بشكل كافٍ.
وضمن سياسة اللامركزية وتطوير الخدمات، سعينا وما نزال الى رفع مواصفات الدواء، وحرصنا على توفير جميع الأدوية لا سيما تلك الخاصة بالأمراض المستعصية والخبيثة وتوزيعها في مختلف الصيدليات العسكرية المجانية في جميع المناطق. وما كان غير متوافر (وهو عدد ضئيل) يمكن شراؤه بسعر الكلفة من الفروع على أن يستعيد المستفيد ثمن الدواء عبر تقديم مساعدة مرضية.

 

تجهيزات حديثة
• هل يرافق تطوير الخدمات تحديث في التجهيزات، وما الجديد في هذا الإطار؟

- الطبابة العسكرية في ورشة عمل دائمة لتحديث تجهيزاتها واستحداث أقسام جديدة بهدف توسيع نطاق خدماتها.
من أبرز الإنجازات في هذا الإطار غرفة الطوارئ التي افتتحت مطلع العام وتستوعب عشرات الحالات في آن واحد، وهي مزوّدة كل التجهيزات الحديثة بما في ذلك غرف العناية الفائقة. هناك أيضاً مختبر تمييل القلب الذي بوشر العمل فيه في الربيع الماضي وتمّ تجهيزه بأحدث المعدات، وهو يقوم بحوالى 25 الى 30 عملية تمييل في الأسبوع. كذلك افتتحت أخيراً في جناح العمليات غرفة عمليات خامسة بهبة مالية من الحكومة الأميركية.
من اهتماماتنا أيضاً في الطبابة العسكرية مكافحة الأوبئة على أنواعها، لا سيما أننا مؤسسة عامة لا يمكنها التساهل بهذا الموضوع حرصاً على سلامة آلاف المستفيدين. من هنا كان إنشاء قسم الترصّد الوبائي والحماية الإشعاعية، ويتألف من خلايا ترصّد وبائي في المناطق العسكرية الخمس إضافة الى وحدة مركزية في المستشفى العسكري المركزي. وقد تمّ تدريب جميع العاملين في القسم على كيفية التعاطي مع الأشخاص المحتمل أن يكونوا مصابين بوباء ما.
يتولى القسم أيضاً الإشراف على كل المعدات والأجهزة الطبية وغير الطبية التي يستقدمها الجيش والخاصة بالأشعة  الإيونية، علماً أن الطبابة العسكرية قد وقّعت بروتوكول تعاون مع الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية المسؤولة عن منح الموافقة على استخدام الأجهزة الخاصة بالأشعة بعد التأكد من مواصفاتها.

 

قريباً...
• هل من مشاريع جديدة تعتزم الطبابة العسكرية القيام بها في المدى القريب؟

- نحن في طور إستحداث قسم جديد للصحة والسلامة العامة يعنى بصحة العاملين في قسم الطبابة وسلامتهم كما يهتم بسلامة البيئة.
من مشاريعنا أيضاً إنشاء مركز للتصوير في ثكنة الطرابلسي للحد من تدفّق المرضى في العيادات الخارجية على المستشفى العسكري المركزي.
أما المشروع الأبرز فهو تفعيل فرع الإخلاء والإنقاذ من خلال إنشاء جهاز متكامل يتعاطى شؤون الطوارئ، في الحرب والسلم والكوارث الطبيعية، ستكون جهوزيته 24 ساعة في الأسبوع. بمعنى أن انطلاق سيارة الإسعاف في حالة الطوارئ سيتم في ثوانٍ، وستُعطى التعليمات اللازمة للطاقم المرافق عبر الأجهزة اللاسلكية في أثناء توجّهه الى مكان الحدث، لكي تتم عمليات الإنقاذ والإغاثة بأسرع وقت ممكن.
المشروع المذكور سيبصر النور في القريب العاجل، ونحن نعمل حالياً على إعادة تأهيل المنشآت وجمع التجهيزات والمعدات اللازمة في مبنى واحد لتسهيل العمل وتسريعه.
من جهة أخرى نقوم بتكثيف الدورات الطبية في مدرسة الصحة التابعة للطبابة العسكرية بغية تخريج مسعفين ميدانيين من مختلف وحدات الجيش قادرين على التدخّل الفوري عند حصول إصابات في الميدان. ونسعى حالياً من خلال الدورات المذكورة الى تأمين مسعفين ميدانيين على مستوى الحضيرة، مما يعني عملياً تدريب العدد الأكبر من العسكريين.

 

الطاقم الطبي
• تحدثتم مسهباً عن التطوير في الأقسام والتجهيزات، فهل تملك الطبابة الطاقم الطبي الكافي والمؤهل للقيام بالأعمال المطلوبة في مختلف الأقسام، القديمة منها والمستحدثة؟

- تضم الطبابة العسكرية طاقماً طبياً متمرّساً من أطباء وممرّضين وإداريين وموظفين في مختلف الإختصاصات، يملك من الكفاءة والمثابرة ما يكفي لإنجاح العمل الطبي في مختلف الأقسام بالرغم من الضغط البشري الهائل في مختلف فروع الطبابة. ونحن نسعى باستمرار لتحسين الأداء الطبي عبر وسائل شتى، من ضمنها إيفاد ممرضين وموظفين مدنيين الى مؤسسات خاصة لمتابعة دورات تدريبية في اختصاصاتهم. ونعمل من جهة أخرى على رفد الطبابة العسكرية بمزيد من الخبرات عبر تعاون طبي مع الكليات الطبية حيث تمّ توقيع بروتوكول تعاون مع الجامعة اللبنانية يقوم بموجبه عدد من الأطباء المتدرجين (Resident) بالتمرّس لمدة سنة في المستشفى العسكري المركزي. ولدينا أيضاً برنامج تعاون مع الجامعة اليسوعية حيث يقوم أطباء من الجامعة متخصصون في الطب العائلي بتقديم خدمات طبية في قسم المعاينات الخارجية في الطبابة العسكرية.