عبارة

الطبابة العسكرية: شريان حياة الجيش

رافق مفهومُ الرعاية الصحية الجيوشَ منذ نشأتها قديمًا حتّى اليوم، فلا يمكن تصوُّرُ عناصر أي جيش يقاتلون بفاعلية وينفذون مهماتهم بكفاءة في الميدان دون مواكبتهم القريبة من قبل وحدة طبية تتولى معالجة الجرحى ميدانيًّا أو نقلهم إلى مراكز العلاج والمستشفيات متى لزم الأمر.

بمرور الزمن، تَوَسَّع هذا المفهوم في الجيوش الحديثة ليشمل عائلات العسكريّين بالرعاية الصحية انطلاقًا من مسؤوليّة الجيش، ليس فقط تجاه عناصره، بل تجاه أُسَرهم أيضًا. لا تقتصر أهميّة هذه الرعاية على الجانب الطبي وحده، بل تتصل كذلك بما يسمّى «المكوّن المعنويّ في عناصر قوّة الوحدة». فالمعنويات العالية والاستعداد النفسي لظروف الخدمة يمثلان القاعدة التي يُبنى عليها الانضباطُ وقدرةُ التحمل والأداءُ المحترف، ولا تستقيم القيادة من دون الالتفات إلى هذا الجانب. لذا تضع الجيوش على رأس أولوياتها الاهتمام بمعنويات عسكرييها وحالتهم النفسية. إنّ اطمئنان الجندي إلى سلامة عائلته وحصولها على ما تحتاج إليه من دواء ومتابعة صحية يترك لديه أثرًا معنويًّا إيجابيًّا. ينعكس ذلك بالتأكيد على تماسُك الوحدة النابعة من قوّة عناصرها واندفاعهم وإرادتهم وسرعة تنفيذهم.

تَحْضُرُ العناوين المذكورة بين أيدينا حين نستعرض تاريخ الطبابة العسكرية في الجيش. فهي رافقت عناصره في أحلك الظروف، ومثّلت خط الدفاع الأول عنهم، وواجهت الأخطار من أجل أكثر من أربعمئة ألف مواطن بين عسكريين في الخدمة الفعلية وعائلاتهم ومتقاعدين وعائلاتهم، لا سيما في الوقت الحالي إذ أصبحت السلامة الصحية الهاجس الأكبر للشعب اللبناني، عقب الانهيار الاقتصادي وما نتج عنه من تبعات خطيرة في القطاع الصحّي. رغم ذلك، لا يزال مرضى الجيش يحظون بتغطية صحية شاملة سواء في المستشفى العسكري أو المستشفيات الخاصة المتعاقدة مع الجيش، بل إنّ الطبابة العسكرية حقّقت مؤخرًا تقدمًا لافتًا لجهة تطوير خدماتها وتوسيعها ومتابعة كل الحالات المرضية حتى النهاية، كما تأهيل المباني الخاصة بها، وذلك بفضل الإرادة وحسن الإدارة والشفافية.

يشكّل ذلك كله أبلغ تجسيد لالتزام عناصر الطبابة بقدسية المهمة ونُبل المهنة، فيَجمعون بالتالي بين الانضباط والاندفاع والمناقبية العسكرية من ناحية، والمهنية والإنسانية والإخلاص بوصفهم أطباء وممرضين من ناحية أخرى. أمام هذا الواقع، لا نملك إلا أن نقف تقديرًا لهؤلاء المحاربين على الجبهات الصحية، مدركين دورهم الحيوي الذي نفقد في غيابه أقوى أسلحتنا.

العميد الركن جوزف عيد 

مسيّر أعمال مديريّة التوجيه