- En
- Fr
- عربي
الطبابة العسكرية
منذ ليل ٤ آب المشؤوم لم تعرف الطبابة العسكرية الراحة. الاستنفار الطبي الشامل بدأ مع اللحظات الأولى لسماع دوي الانفجار الكارثي: من نقل المُصابين (المستفيدين وغير المستفيدين) إلى إسعافهم ومتابعة وضعهم الصحي، وصولًا إلى تسلّم المساعدات والإغاثة الطبية من الدول الصديقة، وتخزينها وفرزها، فتوزيعها إلى المستشفيات. جنود لا يتعبون ولا ينامون، همّهم الأكبر وسط كل هذه الأزمات التي تعصف بلبنان، سلامة الناس وسلامة الوطن.
الحدس الأمني والطبي لدى رئاسة الطبابة توقّع هول الانفجار والإصابات الكثيرة التي قد تكون ناتجة عنه منذ اللحظات الأولى لوقوعه، وبناءً على ذلك قامت بالواجب وأسهمت في إنقاذ مئات الجرحى الذين نُقلوا إلى المستشفى العسكري المركزي في بدارو.
اتبعوا مصدر الدخان...
رئيس الطبابة العسكرية العميد الركن جورج يوسف يشرح مراحل التدخل في كارثة المرفأ:
«بما أنّ موقع الكارثة لم يكن قد حُدِّد بعد، تمّ توجيه سيارات الإسعاف في اتجاه مصدر الدخان، وذلك للمساعدة في نقل المصابين. كذلك، استنفر الطاقم الطبي في طوارئ المستشفى، وتمّ استدعاء جميع الأطباء والممرضين التابعين للطبابة، عسكريين ومدنيين، لكن المفارقة أنّ معظمهم كانوا قد حضروا قبل استدعائهم. الخطوة التالية كانت دعم هذا الطاقم بأطباء وممرضين من طبابات المناطق، نظرًا لتوافد عدد كبير من المصابين. في موازاة ذلك، كان طبيبان من الطبابة العسكرية جاهزَين في قاعدة جونية البحرية في حال اضطر الأمر إلى نقلهم بحرًا».
استقبل المستشفى العسكري المركزي ٢٤٠ مُصابًا، وصل العدد الأكبر منهم خلال ساعتَين، وتم إسعافهم فورًا. ولعلّها المرة الأولى في تاريخ الطبابة، التي تستقبل فيها المستشفى هذا العدد الهائل من المصابين دفعة واحدة، مع العلم أنّ الطبابة العسكرية اعتادت إسعاف المدنيين في حالة الطوارئ، حتى لو كانوا من غير المستفيدين من خدماتها.
فُرزت الإصابات بين طفيفة ومتوسطة وحرجة، وتمّ إسعافها، لكن بعض الحالات الحرجة تمّ تحويلها إلى المستشفيات المدنية.
تمكّنت الطبابة العسكرية من تلبية كل الحاجات اللازمة لإسعاف المصابين جراء الانفجار. وفي موازاة واجبها الطبي كان عليها أن تقوم بواجب إنساني، وهي لم تتأخر في ذلك. فحضور عدد كبير من المصابين ومرافقيهم، أدى إلى حالة اكتظاظ في المستشفى، فضلًا عن حالة الهلع الجماعي لدى أهالي المصابين، وحاجتهم للاطمئنان. عمل الطاقم الطبي قدر الإمكان على تنظيم استقبال الجرحى والتخفيف من وقع الكارثة على الناس وطمأنتهم.
الإغاثة الطبية
على أثر الكارثة التي حلّت بنا، هبّت الدول الصديقة لتقديم المساعدات، ومنها مساعدات الإغاثة الطبية التي أشرفت قيادة الجيش على استلامها وفرزها وتوزيعها. فكيف تولّت الطبابة العسكرية هذه المهمة وكيف تتوزّع المساعدات على المستشفيات اللبنانية؟
تتكدّس صناديق المساعدات الطبية في مخازن كبيرة وفق مواصفات التخزين المناسبة. العسكريون في حركة لا تهدأ، يجتهدون في تسلّمها وتحميلها وتخزينها بشكلٍ آمن. ويتم هذا العمل بإشراف ضباط متخصّصين في الطب أو الصيدلة.
ويشرح العميد الركن يوسف أنّ المساعدات الطبية تقسم إلى ٣ أنواع:
- الأطقم الطبية.
- المستشفيات الميدانية.
- المساعدات الطبية العينية.
تنظيم وشفافية
شكّلت الطبابة العسكرية ٤ فرق عمل لمعالجة المساعدات الوافدة، وذلك على النحو الآتي:
- الفريق الأول، يتسلّم المساعدات من الطائرات أو من البواخر على المرفأ، ويتم تحميلها في شاحنات مرفقة بلوائح مفصلة، تتضمّن المعلومات اللازمة عن تاريخ الوصول والبلد المانح وغيرها.
- الفريق الثاني، يتولى الاستلام في المخازن التي تشمل مخازن الطبابة العسكرية ومخازن أخرى وُضعَت في الخدمة لتنفيذ هذه المهمة. وهذه المخازن تتوزع بين مقرات فوجَي الأشغال المستقل والهندسة في الوروار، وقصر المؤتمرات - الضبية، وكلية العلوم - الجامعة اللبنانية في الفنار.
- الفريق الثالث، يفرز الإغاثة الطبية ويضع لوائح مفصلة لكل مادة (رمزها ومكان وجودها ومواصفاتها والكمية، وتاريخ انتهاء الصلاحية). هذه اللوائح يرسلها العميد الركن يوسف شخصيًا إلى وزيرة الدفاع الوطني اختصارًا للمعاملات الإدارية وتسريعًا لعمليات التوزيع. بدورها تحوّل الوزيرة اللوائح إلى وزارة الصحة، هناك ثمة لجنة تعمل بالتنسيق مع الطبابة العسكرية لتوزيع المساعدات على المستشفيات بحسب الأولوية: المستشفيات المتضررة من الانفجار بالدرجة الأولى، ومن بعدها تلك التي استقبلت عددًا كبيرًا من المصابين وكان لديها مصروف مستلزمات طبية، وباقي المستشفيات تباعًا.
- الفريق الرابع، يختص بالتوزيع على المستشفيات، وذلك وفق آلية محددة: يُرسل وزير الصحة إلى رئيس الطبابة العسكرية الكتب مع لوائح التوزيع على المستشفيات، يتواصل الفريق مع المستشفيات المعنية لتسليمها المساعدات المحددة لها، وينظّم لوائح مفصلة تتضمّن العتاد الذي تسلّمه كل مستشفى مذيّلة بتوقيع مندوب عنه.
وبهذا تكون كل المساعدات الداخلة والخارجة موثقة بشفافية في جميع المراحل من الاستلام إلى التسليم. وبما تؤديه الطبابة العسكرية من عمل في هذا السياق، يضطلع الجيش بمهمة إنقاذية إنسانية، وتتولى طبابته اليوم قسمًا من المسؤولية عن الأمن الصحي للشعب اللبناني، بالإضافة إلى مسؤوليتها عن صحة العسكريين ومن هم على عاتقهم.