رحلة في الإنسان

الطب الصيني القديم في ميزان العلم الحديث
إعداد: غريس فرح

ذبذبات الجواهر والألوان تحفّز بعض الهرمونات وفعالية الوخز بالإبر تختلف من شخص لآخر

 

تلاقي العلاجات الشعبية البديلة اليوم إقبالاً منقطع النظير في مختلف مجتمعات العالم، وذلك من منطلق الإقتناع بفعاليتها وخلوها من التأثيرات الجانبية التي تخلّفها الأدوية الكيميائية. ومن هنا عودة رواج نظريات الطب الصيني القديم، بدءًا بالحشائش الطبية والعلاج بالجواهر والألوان، وانتهاء بوخز الإبر.
ما مدى صحة هذا النوع من العلاجات، وكيف ينظر إليه العلم الحديث في الصين وخارجها؟


ذبذبات الألوان والجواهر
يرتكز العلاج بالجواهر والألوان، إلى مفهوم يعتبر كليهما وسيلة من وسائل العلاج النفسي المؤثرة في بيولوجية وظائف الجسم.
فالجواهر الملونة كما الألوان الطبيعية، تطلق ذبذبات غير مرئية تخترق حواجز المجالات الكهرومغناطيسية المحيطة بكل كائن حيّ. وهو أمر بات يقرّه العلم الحديث بعدما تمّ الإكتشاف أن هذه الذبذبات تنبه الغدّه النخامية، مما يتسبب بإفراز هرمونات معيّنة، تساعد على تحسين الصحّة ومعالجة بعض الأمراض. والمعروف أن هذه الحقائق تستخدم حاليًا بطرق علاجية مختلفة، تشمل تسليط أشعة ملونة على أجزاء معينة من الجسم، أو التدليك باستخدام زيوت ذات ألوان وروائح تعالج كل مرض على حدّة.

 

الألوان تثير وظائف الجسم البيولوجية
توصل العلماء إلى ابتكار أجهزة تسجّل الإنعكاسات النفسية والجسدية الناجمة عن تأثير الألوان في وظائف الجسم. وتبين لهم أن بعض الألوان تسرّع نبضات القلب، أو تثير حركة الجفون. وبينت الرسوم البيانية التي سجلتها هذه الأجهزة، إختلافًا في أنشطة بعض المناطق الدماغية. إلى ذلك، ثبت بالدراسات، أن بعض الألوان تترك تأثيرات متفاوتة بين شخص وآخر, منها، زيادة التركيز والنشاط والمقدرة على التعلم.

 

ماذا عن الوخز بالإبر؟
إنه أسلوب علاجي عمره آلاف السنين، ينبع من إعتقاد فلسفي غامض قوامه التأكيد على امتلاك الجسم البشري طاقة تمرّ عبر نقاط محددة. ووفق هذا الإعتقاد، فإن أي خلل في مسار هذه الطاقة يعرّض الإنسان للمرض. وعلى هذا الأساس تمّ التركيز على إدخال إبر فضية أو ذهبية دقيقة ومرنة في النقاط المتعارف عليها، لإعادة تنشيط الطاقة.
العلم الحديث الذي يراقب عن كثب هذه التقنية العلاجية، ينظر حاليًا إلى مفاعيلها بطرق مختلفة. فحسب تقرير نشرته مجلة العلوم الأميركية، فإنه على الرغم من الإقبال المتزايد الذي يلاقيه هذا العلاج من المجتمعات الحديثة، فهو لم ينجح حتى الآن في إزالة الشكوك حول صدقيته كعلاج فعال ضد الأمراض. مع ذلك تمكنت بعض الدراسات من إثبات دوره في دفع الجسم إلى إفراز كيميائيات مسكنة للألم وفي مقدّمها «الأندوفرين».

 

كيف يحصل ذلك؟
إن إدخال الإبر في نقاط معيّنة من الجسم، يحفّز أليافًا عصبية تتسبب بإفراز الجسم، بالإضافة إلى «الأندوفرين»، كيميائيات أخرى مثل الـ«كيفالين» والـ«دينورفين»، وهي مواد أفيونية طبيعية ينتجها الجسم ويفرزها لمنع الإثارة الكهربائية في الخلايا العصبية الموجودة في العامود الفقري. وبهذا يفسّر العلماء تأثير الوخز بالإبر على أنه قاتل مباشر للألم، يدوم مفعوله طوال فترة بقاء الإبر في الجلد. أما شعور الراحة الذي يستمر بعد انتهاء الجلسات، فمرده إلى ميكانيكية تأثير الوخز في الألياف العصبية.
فعندما تتحفز هذه الألياف، ترسل إشارات إلى الوصلات العصبية «الكابحة» «Inhibitary» الموجودة في منطقة محدّدة من العامود الفقري، ومعروفة بإسم القرنية الخلفية. وهي منطقة تكبح تواصل الألياف العصبية التي ترسل إشارات تصاعدية إلى الدماغ، ما يتسبب بشعور الإرتياح.
ولمراقبة تأثير الوخز بالإبر على وظائف الدماغ، أجرى باحثون في كل من جامعة هارفرد الأميركية والأكاديمية الصينية للطب الشعبي في بيكين، تجارب تمثلت بإخضاع مجموعات من المرضى للوخز بالإبر، في  أثناء مراقبة ادمغتهم عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي «IRM» وجاءت النتائج مؤكدة أن العلاج بهذه الطريقة، يحدث إنخفاضًا ملحوظًا في نشاط منطقة «قرن آمون» (Hippocampus) وسواها من مكونات المناطق الدماغية المرتبطة بالشعور بالألم.
إلى ذلك، أكدت بعض نتائج الدراسات أن الوخز بالإبر يحفّز باثات عصبية تنشط جهاز المناعة بشكل عام، إضافة إلى تنشيط عمل القلب والرئتين.
مع ذلك، يوجد من يعتقد أن الإرتياح العام الذي يتركه هذا العلاج القديم في النفوس، مرده إلى تأثيرات نفسية تختلف من شخص إلى آخر.

 

شفاء أم وهم؟
وفق أحد الباحثين في قسم الأعصاب في جامعة ميونيخ الألمانية، من المنطقي الأخذ بالإعتبار التأثيرات النفسية لهذا العلاج، وهي تأثيرات تنبع من التواصل بين المريض والمعالج. فالمريض الذي يتعالج بهذه الطريقة، يلقى عناية كبيرة من معالجه الذي يبقى بقربه، ويتواصل معه عن طريق اللمس والحديث المطمئن. وهي أساليب تترك بمجملها تأثيرات ايجابية على صعيد الشفاء من عدّة أعراض وفي مقدّمها آلام الرأس، وتشنج العضلات وسواها. ولإثبات هذه النظرية، أخضعت مجموعات من المرضى لتجربة العلاج الوهمي المتمثل بإدخال جزئي للإبر في الجلد، وجاءت النتيجة لدى الكثيرين، مماثلة لتلك التي أفرزها العلاج التقليدي الصحيح.
والعام 2005، أجريت دراسات على 27 شخصًا يعانون آلامًا تشنجية في الرأس. وثبت بنتيجتها أن الذين عولجوا بالطريقة الوهمية لاقوا تحسنًا ملحوظًا مقارنة مع الذين لم يتلقوا أي علاج. كما تبين أن بعض الذين عولجوا بالطريقة الصحيحة، أبدوا تحسنًا أكثر من سواهم، وهذا يؤكد ما سبق وأشرنا إليه من أن نتائج العلاج بوخز الإبر تختلف من شخص إلى آخر.
مع ذلك، يعتبر العلاج عن طريق الوخز بالإبر حتى الآن علاجًا واعدًا لبعض الأمراض في حال الإستعانة ببعض الأدوية الإضافية. وعلى الرغم من أن الدراسات في هذا المجال لم تحرز حتى الآن تقدمًا ملموسًا، إلاّ أنها لم تتوقف عن استغلال الفرص السانحة لتطوير علاج عمره آلاف السنين.