- En
- Fr
- عربي
تربية
قدرة عالية على التكيّف وسعي إلى التميّز
يؤدي موقع الطفل داخل الأسرة دورًا أساسيًا في تكوين شخصيته وسلوكياته، إذ تختلف التجارب والتحديات التي يواجهها كل طفل وفق ترتيبه بين إخوته. وفي هذا السياق، كان عالم النفس ألفرد أدلر (Alfred Adler) أول من طرح نظرية تأثير ترتيب الولادة على شخصية الفرد، مسلطًا الضوء بشكل خاص على الطفل الأوسط، لما يختبره من مشاعر متباينة بين البحث عن الاهتمام والاستقلالية والحاجة إلى إثبات ذاته داخل العائلة. فهل يؤثر هذا الموقع سلبًا على شخصيته؟ وما الخصائص التي تميّزه عن أخوَيه الأكبر والأصغر؟
توضح الدكتورة ماري أنج نهرا، المتخصصة في علم النفس العيادي والعلاج والتحليل النفسي، أنّ وجود أكثر من طفلين في الأسرة، غالبًا ما يضع الأهل أمام صعوباتٍ من حيث تخصيص الوقت الكافي والمعرفة اللازمة لفهم احتياجات كلّ طفل، والتعامل معهم جميعًا على قدم المساواة. وتضيف أنّ الوالدين يفتقران عادةً إلى المهارات اللازمة لتحقيق العدل بين أطفالهم، ما يجعل ترتيب الولادة داخل الأسرة عاملًا مؤثرًا في تكوين شخصية الطفل. فالأبناء الأكبر سنًا غالبًا ما يتحملون مسؤولية إخوتهم وحتى أخطائهم، في حين يتمتع الطفل الثاني بحماية نسبية من مشاكل الأهل ويتعرض لصدماتٍ أقل. وقد يشعر الطفل الأوسط في بعض الأحيان، بأنّه لا يحظى بنفس القدر من الاهتمام الذي يُمنح للبكر، ولا يتلقى حصته من الدلال والاهتمام كالطفل الأصغر، ما يجعله في موقع غير واضح بين الاثنين. ويختلف الوضع لدى اختلاف جنس الطفل الثاني عن الأول، فيحظى بالدلال والاهتمام، أمّا إذا كان من نفس الجنس، فليس هناك ما يميّزه داخل الأسرة. وقد يشعر الطفل الأوسط في بعض الأحيان بأنه غير ملحوظ بين إخوته، ما يؤدي إلى إحساسٍ بنقص التقدير أو الاهتمام.
وتضيف أنّ الإهمال الذي يتعرض له الطفل الأوسط قد يولّد لديه إحساسًا بالنقص، ويدفعه إلى الانعزال عن والديه، فضلًا عن نشوء مشاعر الغيرة والضغينة تجاه إخوته.
ميزات الطفل الأوسط
يميل الطفل الأوسط إلى أن يكون أكثر استقلالية، إذ يجد نفسه في مواقف تتطلب منه الاعتماد على ذاته، سواء في اتخاذ القرارات أو التعامل مع التحديات اليومية. ويعود ذلك، وفق الدكتورة نهرا، إلى كونه لا يحظى بنفس المستوى من الاهتمام الذي يُمنح عادةً للبكر أو الأصغر، كما أن الوالدين يكونان أكثر تسامحًا معه، ما يعزّز قدرته على التكيّف والاعتماد على النفس.
يسعى الطفل الأوسط إلى إثبات نفسه كفردٍ مميّز داخل الأسرة، لا سيّما إذا شعر بأن أخاه الأكبر يستحوذ على معظم الاهتمام، أو أنّ الأصغر يحظى برعاية زائدة. لذا، قد يسعى إلى التفوّق في مجالات معينة مثل الرياضة أو الدراسة. كما يميل إلى أن يكون اجتماعيًا وأكثر مرونة في التعامل مع الآخرين. وقد يتميّز بمهارات تواصل قوية جرّاء تعامله مع الأخوَين الأكبر والأصغر. من الممكن أيضًا أن يتمتع بقدرةٍ أكبر على حلّ النزاعات وبناء علاقات متوازنة.
وفي محاولته لإيجاد توازن بين الأكبر والأصغر، يطوّر الطفل الأوسط قدرة عالية على التكيف مع المواقف المختلفة، وقد يصبح أكثر حساسية تجاه احتياجات الآخرين. ورغم ذلك، فكونه ليس البكر الذي يُعوّل عليه، ولا الأصغر الذي يُدلّل، قد يجعله أحيانًا يشعر بعدم الاستقرار العاطفي في علاقته مع والديه.
إضافةً إلى ذلك، يتمتع الطفل الأوسط بحسٍّ عالٍ بالعدالة، إذ إنه أكثر من يشعر بالظلم داخل الأسرة، ما يجعله في المستقبل أكثر تفهّمًا لاحتياجات الآخرين وميّالًا للوقوف إلى جانب المستضعفين.
تتّسم شخصية الولد الأوسط بالكثير من الخصائص التي تجعله فريدًا، مثل الاستقلالية، القدرة على التكيف، والبحث المستمر عن التميّز. ورغم التحديات التي قد يواجهها، فإنّ الدعم المناسب والتوجيه السليم، يدفعان هذا الطفل لأن يصبح فردًا واثقًا وقويًا، قادرًا على مواجهة الحياة بثبات. ومن خلال إدراك خصوصية موقع الطفل الأوسط داخل الأسرة، يمكن للوالدين خلق بيئة عائلية توازن بين احتياجات أطفالهم معزِّزةً شعور كلّ منهم بأهميته ومكانته.











