تسلح وتكنولوجيا

الطوافة في مهمات القتال والإنقاذ
إعداد: الملازم عباس حجازي

إن استخدام الطوافة لإنقاذ أحد الطيارين الذي سقطت طائرته خلف خطوط العدو أمر خطير ويتطلب الكثير من المهارة والجرأة. وتوفر القوات الجوية لنفسها عادة طواقم إنقاذ تستخدم الطوافات في مهامها.

يتم تدريب هذه الطواقم لأعمال الإنقاذ في ظروف شديدة الصعوبة. وهي تنفذ أعمال الإنقاذ بنجاح في الوقت الذي تشتبك فيه مع العدو أثناء المعركة. كيف تنفذ تلك المهمات؟ ومن هي العناصر المشاركة فيها وما هو دورها؟

 

المهمة

سقطت طائرة أحد الرفاق في أرض العدو وقد قفز منها بالمظلة ليسقط في أرض لا تبعد كثيراً عن مواقع العدو، وهو يستخدم صفارته اليدوية (هي بالحقيقة جهاز إرسال راديو صغير الحجم) للإخبار عن موقعه للقوات الصديقة. فكيف تتصرف هذه القوات؟ الخطوة الأولى هي التأكد من هوية المطلوب إنقاذه، لذلك سيسأله أحد أعضاء قيادة المنطقة أسئلة متفق على أجوبتها مسبقاً مثل: ما اسم والدتك قبل زواجها؟ وأي من المدارس ارتادت؟ وقد أعطي كل طيار جواباً خاصاً وأعطيت المعلومات لطواقم الإنقاذ ليتأكدوا من هوية المطلوب ومن عدم استخدام العدو هذه الحيلة للإيقاع بقوة الإنقاذ.

ففي حرب فيتنام، استخدمت كل أنواع الحيل. وفي إحداها لبس أحد الجنود الفيتناميين بزة طيار وأخذ يلوح من مرتفع بإشارات ضوئية مستخدماً مرآة ليبدو وكأنه طيار أميركي أسقطت طائرته. وقد خدع طاقم الإنقاذ بذلك لفترة قصيرة، لكنها كانت كافية لجعل إحدى الطوافات تصبح فريسة لمقاتلة عدوة من نوع "Migس كانت تتلصص قريباً منها. وكانت تلك الواقعة الوحيدة خلال الحرب التي تمكنت فيها طائرة "Migس من إسقاط طوافة نوع "HH-53Cس وقتل جميع من كانوا على متنها.

قبيل ابتداء عملية الإنقاذ، تتوجه الى موقع القيادة ناقلات الوقود، "C-130" وذلك لتغذية طائرات الإنقاذ بالوقود إضافة لبعض المقاتلات المولجة حماية الطوافات في مهمتها الإنقاذية. وقد تساعد طائرة حرب إلكترونية تعمل بالقرب من نطاق المهمة. وذلك لخداع رادارات العدو الذي يتحرك أفراده بين الأدغال بحثاً عن الطيار.

 

مسؤولية الطاقم

قد يشترك مئات من الناس، ومنهم عمّال الإتصالات الأرضية، في محاولة الإنقاذ. إلا أن الذي يتحمل في نهاية الأمر مسؤولية نجاح العملية أو فشلها وهو الطاقم.

يتكون طاقم الإنقاذ النمطي من الطيار ومساعده واثنين من المختصين بأمور الإنقاذ الذين يطلق عليهم أحياناً إسم "Para-Jumpersس  (أو PJ) ويجب أن يتمتع جميع هؤلاء الرجال بدرجة عالية من الإنتباه والإنضباط والقدرة على التصرّف، إذ تكون الطوافة صاخبة وغير مريحة وعلى مقربة من العدو، وفي هذه الأجواء الضاغطة على الطاقم أن يتحقق (check) ويضاعف التحقق (double check) من استعداداته.

ومما يشغل بال الطاقم بطبيعة الحال اتمام مهمة الإنقاذ بنجاح من دون أن يصبح عناصره ومعهم طائراتهم من بين الضحايا.

 

 - الطيار:

الطيار هو القائد دوماً وهو مسؤول عن دور الطوافة في المهمة، ويقع ضمن مسؤوليته قرار المغادرة بحالة اكتشاف عطل ميكانيكي أو عند الإصابة بضرر يسببه العدو، وعليه ألا ينسى أحد أهم مبادئ الطيران، ألا وهو إجرءات التحقق قبل الطيران (pre-flight check) التي قد يقوم بها شخص آخر، لكنها تبقى مسؤولية الطيار.

 

- مساعد الطيار:

وهو يمثل عينين وأذنين إضافيتين  للطيار إضافة الى كونه يداً تساعد على عتلة الوقود. وقد يطلب منه الطيار أن يتولى القيادة بدلاً منه خلال فترات حرجة أثناء الواجب. وعليه ألا ينسى أن يبقى يقظاً ودائم التطلع الى ما يقوم به الطيار للتأكد من عدم إصابته، وبأنه لا يزال يقوم بواجبه في قيادة الطائرة. وقد يقوم المساعد بواجب الاتصالات مع بقية عناصر قوة الإنقاذ. كما يتوجب عليه أن يكون ملماً بمواصفات طائرته وخصائصها الطيرانية.

 

- رجلا الإنقاذ:

تحمل الطوافة عادة إثنين من رجال الإنقاذ، أحدهما ضابط قديم بدون رتبة (NCO) والآخر أكثر حداثة. ويعمل كل منهما على التأكد من صلاحية وطريقة تثبيت معدات وباراشوت الآخر لكي يتمكنا من استخدام معداتهما بسهولة وراحة. فأي خطأ مهما كان صغيراً في تثبيت الأحزمة التي تربط المعدات الكبيرة كالباراشوت أو المعدات الطبية قد يؤدي الى إصابات بليغة.

وإذا كانت المهمة تتعلق بإنقاذ في البحر، يتوجب على رجال الإنقاذ أن يمارسوا تدريباتهم في القفز بالباراشوت الى البحر وهم يرتدون ملابس الغوص (Scuba). وإن تطلبت مهماتهم أن يجري الإنقاذ في منطقة قطبية يتوجب عليهم إجراء فحوصات دقيقة على معدات الإنقاذ والتأكد من إمكانية البقاء على قيد  الحياة في هذه الظروف.

كما تتدرب نخب من المختصين بالإنقاذ والضروريين لأية قوة إنقاذ، على عمليات الهبوط بالمظلة وأعمال الإنقاذ من الطوافة والعمل بظروف مختلفة، ويتلقون تدريبات في مجال الإسعافات الأولية حيث يتوقع منهم تقديم المساعدات الطبية اللازمة لمن يتم إنقاذهم.

 

إنجاز المهمة

تقترب طوافتا الإنقاذ من موقع سقوط الطائرة في أراضي العدو، بعد تلقي الأوامر من قائد الموقع، علماً أن الطيار يطلب الإنقاذ قبل أن يأسره العدو. تسمى طائرة الإنقاذ الأولى «ألفا» بينما تسمى الثانية التي تقود مهمة الإسناد «برافو». وقد أثبتت التجربة أنه ليس عملياً إرسال طائرة إنقاذ واحدة لاحتمال اصابتها من قبل دفاعات العدو المضادة، فإرسال طائرتين أكثر مرونة في تحقيق الهدف.

 

 - محادثة الطيار:

يـقوم المراد إنقاذه بالتـكلم مباشـرة مع قائد الطوافـة عندمـا تتقـدم صوبه طائرة ألفا وطائرة برافو. وقد يقوم قائد إحدى الطائـرات المقاتلة التي تقوم بمهمة التغطية أو قائد طوافة الإسناد بإرشاد طائرة الإنقاذ، إن تسنت لهما الرؤية الجيدة للموقع، بعيداً عن وحدات العـدو المطـاردة، وصولاً الى نقطة أمـان مناسبـة للقـيام بعمليـة الإنقـاذ.

يحاول الطاقم التحدث مع المراد إنقاذه باستخدام كلام مبطن (double talk) يفهمه الطيار ولا يفهمه الأعداء الذين يتنصتون على المكالمة. وقد أرشد أحد الطيارين الذين أسقطوا في حرب الفييتنام باستخدام توقيتات يوم مولده للدلالة على الإتجاه، ففهم الطـيار المقصد ولم يستطع أعداؤه فهمه.

في حـرب فييتنام كان رجال "PJس شديدي الالتصاق بطائراتهم ولا يتركونها إلا عندما تصبح قريبة جداً من موقع الإنقاذ. وقد تـطورت حديـثاً طـرق جديدة للإنقـاذ، فالمنقذ ينزل من الطوافة إما بالمظلة أو بالرافعة بمسافة قد تزيد على 10 أميال من المنقذ لكي يتم الإنقـاذ بالوقت عينه الذي تظهر فيه الطوافـة في الموقـع تفادياً لكشفهـا.

 

- إنقاذ الجريح:

يتوجب على المنقذ في هذه الحالة توفير الإسعافات الأولية للجريح وجعله قادراً على الحركة الى موقع مناسب لانتشاله. وعندما يكون الطقس مناسباً لدخول الطوافتين الى موقع الإنقاذ، وتتمكن المقاتلات المساندة من تأخير وصول العناصر المعادية وإسكات نيرانهم الأرضية، ويصبح المراد إنقاذه في الموقع المناسب لعملية الإنتشال، يصبح نجاح المهمة رهناً بقدرة الرجال الأربعة الذين يشكلون طاقم الطوافة.

وقد حصلت حوادث أثناء عمليات إنقاذ معروفة أدت الى فشلها. ففي أحدها تمكن الفييتناميون من إخفاء عدد من الرشاشات في موقع الإنقاذ بعد أن ألقوا القبض على المراد إنقاذه واستخدموه كطعم للإيقاع بطوافة الإنقاذ. وقد نجحت خطتهم حين باغتوا طوافة الإنقاذ عندما كانت تهم بإنزال الرافعة ففتحوا عليها النار وتم اسقاطها وأسر 3 من ملاحيها مع الطيار المراد إنقاذه، بينما تمكن الرابع من الهرب حيث تم إنقاذه وانتشاله في ما بعد.

في النهـايـة، نستـنتج أن نجاح عمـلية إنقاذ يعتمد على توافر كافـة العناصر المطلوبة من أهلية الطاقـم وحسـن تدريبه الى فعالية العتاد وحسن اشتغاله، وتوافر الأحوال الجوية المناسبة، والقدرة على ردع الأعداء، لكن لا بد من الإشارة هنا الى أن العدو في كافة الأحوال قادر على التعلم والتـطوّر وتطـوير أسـاليب مقاومة الإجـراءات المعتـمدة كافـة بما فيـها عملـيات الإنـقاذ...

 

المراجع

1- الطوافات الحربية (Arab Scientific Publishers)

2- www.airforce-technology.com