مناسبات وأعياد

العالم أقرّ وإن متأخراً وللأب أيضاً دوره العاطفي الى أدواره الأخرى
إعداد: ريما سليم

المعالج النفسي نبيل قنبر: صورة الأب كمرجع ضرورية للعائلة حتى في غيابه


إعتادت الشعوب في مختلف المجتمعات على إعتبار الأم العنصر الأساسي في عملية التربية, وذلك بعد أن أوكلت إليها, أثناء عملية توزيع الأدوار في العائلة, مهمة تنمية الطفل جسدياً وعاطفياً وإجتماعياً, في حين حددت للوالد وظيفة “المعيل” من دون أن تولي أهمية تُذكر لدوره كشريك مساو للأم في عملية التنشئة العاطفية والإجتماعية.
كذلك, أدرك المجتمع الإنساني منذ القدم أهمية الجهود والتضحيات التي تقدمها الأمهات, فمنح المرأة حقوقاً خاصة بالأمومة من ضمنها إعطاء الأمهات الموظفات في فترة ما بعد الولادة إجازة مدفوعة تتجاوز مدتها في بعض الدول (فنلندا ­ فرنسا...) المئة يوم, كما عمل على تكريم الأم من خلال عيد خاص بها تحتفل به الشعوب سنوياً في جميع دول العالم.


ملامح جديدة لصورة الأب

ظل الأب منسياً لسنوات طوال, الى أن حدث تبدّل في العقود الأخيرة في نظرة المجتمع الى العملية التربوية داخل الأسرة. هذا التبدل لم يسلب الأم حقوقها, وإنما رسم ملامح جديدة لصورة الوالد في علاقته مع أفراد أسرته, وأدخل الى قاموس الأبوة مفردات جديدة كالحنو والعطف والتضحية وغيرها من العبارات التي إقتصر إستعمالها في السابق على وصف الأمهات. هذا الوعي لدور الأب أثمر بعض الحقوق التي نالها الأب تدريجياً, منها الإعتراف بحقه في التكريم ضمن عيد خاص به, وقد أقر الكونغرس الأميركي هذا العيد كعطلة رسمية في الولايات المتحدة في العام 1972 (بعد مرور أكثر من ستين عاماً على الإحتفال به للمرة الأولى سنة 1910).
كذلك, منحت معظم الدول المتطوّرة الآباء إجازة أبوة يمكن الإستفادة منها خلال الأشهر الأولى لولادة الطفل, وقد أبدى الآباء تجاوباً مع المشروع بمن في ذلك عدد من السياسيين أمثال رئيس وزراء فنلندا فين بافو ليبونين (ولادة طفلته صيف 1989), ورئيس وزراء إنكلترا طوني بلير (ولادة طفله في أيار 2000).
بيد أن إجازة الأبوة هذه لم تكن عادلة في معظم الدول مقارنة مع إجازة الأمومة. فالأخيرة مدفوعة الأجر وطويلة الأمد (26 أسبوعاً للطفل الثالث في فرنسا), في حين أن الأولى قصيرة الأمد (أقصاها أربعين يوماً في الدول السكندينافية) ومن دون راتب.
في فرنسا أطلقت مبادرة بشأن تحسين وضع إجازة الأبوة من قبل رئيس الوزراء ليونيل جوسبان, الذي أعلن في حزيران العام 2001 أن الحكومة بصدد منح الآباء الفرنسيين إجازة أبوة مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين, مما يرتب عليها أعباء مالية بقيمة 6.1 مليار فرنك سنوياً. وتقرر وضع الخطة أمام البرلمان في جلسته المعقودة في خريف العام 2002 ليصبح قانوناً في كانون الثاني من العام 2002.
من جهة أخرى, وفي إطار الدفاع عن حق الأب وإبراز دوره الأسري, إستند المدافعون الى عدد من الدراسات العلمية التي ظهرت حديثاً في كندا, والتي أُثبت خلالها أن الأب يخضع لتغييرات هورمونية تسبق ولادة طفله وتحضره ليلعب دوره كوالد عطوف وكراع لأسرته.
في المقابل, برزت وجهات نظر أخرى تؤكد أنه بصرف النظر عما إذا كان التغيير البيولوجي “الأبوي” حقيقة أم وهماً, فإن دور الأب في العملية التربوية لا يقل أهمية عن دور الأم, كون الطرفان يشاركان في عملية تحويل الطفل من كائن بيولوجي الى إنسان حضاري, وأي تقصير قد ينشأ من قبل أي من الطرفين يعني خللاً في توازن نمو الطفل على مختلف الأصعدة.

 

مؤسسات المجتمع والكائن الحضاري

من مؤيدي هذه النظرية الإستشاري والمعالج النفسي نبيل قنبر عضو “الجمعية اللبنانية لممارسي النفسعلاج والإستشارات النفسلوجية” الذي تحدث لمجلة “الجيش” بإسهاب عن الدور التربوي للأب في المجتمع الحديث. وقد جاء في حديثه أنّ ما يميز المجتمع البشري عن المجتمع الحيواني كون الأول يخضع لأربع مؤسسات شاملة, الأولى هي السلطة, والثانية هي المعتقدات (من دينية وغيرها), والثالثة هي تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة, أما الرابعة فهي التبادل على مختلف أنواعه (الأفكار, اللغة, السلوك, التقاليد, الحضارة, إلخ...).
هذه المؤسسات الأربع هي المسؤولة عن تحوّل الإنسان من كائن بيولوجي الى كائن حضاري. السؤال المطروح هو دور الأب في هذا التحوّل. في الواقع أن الأب هو جزء من العائلة, التي هي عبارة عن مثلث قاعدته الى الأعلى قوامه الأب والأم والطفل.
في نظرة الى المجتمعات, يتابع قنبر, نجد أن الأب ينقل الى الولد ما يلي:

أولاً, هويته الوطنية والإنسانية, الى إسمه ولغته ومعتقداته وإنتمائه.
ثانياً, السلطة, إذ أن الأب هو المسؤول عن إيضاح فكرة الممنوع والمسموح لدى الطفل.
ثالثاً, العوامل الوراثية, إذ أن الطفل عند ولادته لا يرث جينات والديه فحسب وإنما جينات السلسلة بأسرها.

 

* أشرت سابقاً الى أن العائلة هي مثلث (مقلوب) مما يعني أن الوالدين يقفان على المستوى نفسه في العلاقة مع الطفل, فما هو الدور الذي يلعبه كل منهما؟
­ في العلاقة المثلثة, يقوم دور الأم على إعطاء الطفل التغذية المطلوبة للنمو على الصعيدين الجسدي والعاطفي. كما يشمل منحه الحنان والعطف. وتلعب الأم أيضاً دور “العميل” إذ هي مكلّفة بأن تنقل الى أبنائها حضارة المجتمع وعاداته, مع الإشارة الى أنها لا تستطيع أن تضع قوانين جديدة للطفل, ذلك أن خروجها عن تعاليم المجتمع يدينها ويعرّضها للمساءلة بطريقة أو بأخرى من قبل مجتمعها.
بدوره, يمارس الأب في علاقته مع طفله دورين أساسيين, الأول هو السلطة التي أشرنا إليها سابقاً, والثاني هو الحماية من المخاطر الخارجية بما فيها التهديدات المادية منها والمعنوية وغيرها... فالوالد يؤمن لعائلته المسكن والمأكل والمشرب. من هنا فإن إحساس الطفل بالأمان يولد نتيجة حنان أمه من جهة ووضوح صورة من يحميه من جهة أخرى. وبالتالي فإن صحة الولد على الصعيد الجسدي والنفسي والعاطفي والإجتماعي تتوقف على توازن المثلث العائلي.

 

ضرورة حضور الأب

* هل يعني ذلك أن فقدان أحد طرفي قاعدة المثلث يؤدي الى خلل في نمو الطفل؟
­ إن ذلك يعتـمد الى حد كـبير على ردّة فعل الطـرف الآخر وسلوكـه حيال فقدان شريكه. ففي حال فقد الأب مثلاً, يفترض بالأم الناضجة فكرياً وسلوكياً أن تحافظ على صورة الوالد ودوره في حياة طفلها. ويتم ذلك من خلال تصرفات معينة, كأن تبقي له صورة على الجدار في المنزل, وأن تتحدث عنه إيجاباً, وأن تجعله المرجع في كل قرار تناقشه مع طفلها, بمعنى أن تقول للطفل: “لو كان والدك موجوداً لتصرف كذا أو قال كذا, الخ...”. فكل ذلك من شأنه أن يحيي صورة الأب في حياة إبنه, وأن يجعله موجوداً بإستمرار في يومياته.

 

* ماذا عن الوالد الغـائب عن المـنزل لفـترات طويلة بسبب إنشغاله بعمله؟
­ لا بد من التكرار هنا بأن الوالد الغائب جسدياً ليس غائباً فعلياً إذا كانت الأم تعتمده بإستمرار كمرجع للأولاد. ومتى حضر جسدياً, يجب أن يهتم بالأولاد وأن يتفاعل معهم بصورة مكثّفة للتعويض عن فترة الغياب. فإذا ما أغنى الوقت القصير بالتبادل المشترك والإهتمام بصغاره واللعب معهم لا يكون الوقت قد ضاع سدى”. إذ ما يهم في نجاح الدور التربوي هو العلاقة المعيوشة. من هنا, فإن كمية الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أولادهما ليست المعيار لنجاح دورهما التربوي, وإنما المقياس هو مدى غنى التبادل خلال الوقت المشترك بينهما ووعيهما لهذا الدور وإتقانهما له.

 

جذور عيد الأب

في السنوات الماضية الأخيرة, انتقلت الى لبنان عادة الإحتفال بعيد الأب في حزيران من كل عام. هذا العيد الحديث العهد في وطننا تعود جذوره الى العام 1909.
نشأت فكرة الإحتفال بعيد الأب أولاً في واشنطن, وكانت السيدة سونورا سمارت دود أول من أطلقها. أما السبب في ذلك فيعود الى أن السيدة المذكورة كانت يتيمة الأم, وقد تولى والدها تربيتها وأخوتها بحنان وعطف شديدين مقدماً تضحيات مختلفة في سبيلهم. وبما أن عيد مولد والد سونورا كان في الخامس من حزيران, فقد ارتأت الإبنة أن يتم الإحتفال بالمناسبة في الشهر نفسه, وكان لها ما أرادت فأقيم أول إحتفال في واشنطن في 19 حزيران عام 1910.
في الوقت نفسه تقريباً, بدأ الإحتفال بالعيد في مدن مختلفة في الولايات المتحدة, وكانت رائدة الإحتفالات السيدة شارلز كلايتون من غرب فيرجينيا.
في السنوات الأولى, درجت عادة حمل الزهور في عيد الأب, فكان اللون الأحمر لتكريم الآباء الأحياء والأبيض للآباء الذين غادروا الحياة.