دراسات وأبحاث

العالم العربي يتغير بسرعة
إعداد: د. أحمد علو
عميد ركن متقاعد

ماذا عن الغد إذا اجتمعت قدرات العرب؟


يشهد العالم العربي منذ مطلع العام الحالي حراكًا شعبيًا مستمرًا، وصل في بعض دوله إلى الثورة على النظام السياسي القائم وإسقاطه، وإلى أعمال عنف واقتتال دموي ما بين قوات  السلطة الحاكمة والقوى المعارضة له في دول أخرى. وأيًّا تكن نتائج هذا الغليان، فالأكيد أن العالم العربي يشهد مرحلة حاسمة في تاريخه، وهو في الغد لن يكون كما كان بالأمس. في ما يلي أضواء على الوطن العربي الذي تضم أراضيه 60% من احتياطي النفط العالمي، وتقطنه ثالث أكبر مجموعة بشرية، وهو لو اجتمعت قدراته يومًا، لكان العالم على غير ما هو عليه...

 

الوطن العربي
يعرَّف العالم العربي جيوبوليتيكياً بأنه ذلك الحيِّز الجغرافي من العالم الذي تسكنه الشعوب العربية والذين يتكلَّمون اللغة العربية، أمَّا العرب فيفضلون مصطلح «الوطن العربي» لأن ما يجمع العرب هو الكثير من الروابط الثقافية والدينية والحضارية والتاريخ المشترك، وليس اللغة وحدها. وهناك من يطلق عليه مصطلح «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» (وزارة الخارجية الأميركية مثلاً).
يتألف العالم العربي أو الوطن العربي من22 دولة، (دولة فلسطين ضمنًا) وتنضوي جميعها في ما يعرف بـ «جامعة الدول العربية»، التي أنشئت العام 1945، وهي منظمة دولية إقليمية ترعى علاقات دولها البينيَّة (بين دولها ميثاق مشترك، وإتفاقات ومعاهدات وإجتماعات دورية وقمم سنوية) وتسعى إلى تطوير علاقاتها الدولية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي وسواها من المنظمات الدولية الإقليمية والعالمية.

 

الموقع
يقع العالم العربي بمعظمه ما بين خطي العرض2 جنوبًا و37,5 شمال خط الإستواء، وما بين خطي الطول 17 غربي غرينيتش والخط 60 شرقي غرينيتش، ما عدا دولة جزر القمر التي تقع على خط عرض 12 جنوب خط الإستواء وخط الطول 42,5 شرقي غرينيتش.
يمتد العالم العربي فوق قسم من اليابسة في قارتي آسيا وأفريقيا، ما بين المحيط الأطلسي في الغرب والخليج العربي في الشرق بطول حوالى 6 آلاف كلم، ومن حدود تركيا شمالاً وحتى جنوب السودان وسط افريقيا جنوبًا بعرض حوالى 4 آلاف كلم.
وبذلك فهو يشغل شمال افريقيا وغرب آسيا ويقسم إلى قسمين يفصل بينهما البحر الأحمر: بلاد المشرق العربي وبلاد المغرب العربي، ويشاطىء البحر الابيض المتوسط من جهتيه الجنوبية والشرقية، كما يضم بين قسميه البحر الاحمر، ومضيق باب المندب وقناة السويس، ويطل من الجهة الجنوبية الشرقية على بحر العرب والمحيط الهندي، ويفصله عن بلاد فارس شرقًا الخليج العربي-الفارسي، ومضيق هرمز. وتشغل الصحراء الافريقية الكبرى جزءًا كبيرًا منه وتشكل فاصلاً ما بينه وبين باقي الدول الافريقية من الجهة الجنوبية، ويعتبر مضيق جبل طارق فاصلاً بينه وبين اوروبا شمالاً.

 

المساحة
 تزيد مساحة العالم العربي عن 14 مليون كلم2 وهو ثاني كيان جغرافي سياسي يضم مجموعة بشرية متجانسة بعد روسيا الإتحادية (17مليون كلم2).
تبلغ مساحة القسم الأفريقي من العالم العربي أكثر من 10 ملايين كلم2 أي حوالى 72% من مساحته الإجمالية، أما القسم الآسيوي فمساحته حوالى 4 ملايين كلم2 أي حوالى 28% منه.
تشكل الصحراء القسم الأكبر من مساحة العالم العربي وبخاصة في دول شمال أفريقيا وشمال السودان والجزيرة العربية والعراق (حوالى 90%). أما السهول فتشكل حوالى 6% من مساحته وبخاصة في الدول المطلة على البحر المتوسط.
وتشغل الجبال (فوق 2000متر) قسمًا مهمًا من دول شمال أفريقيا وغربي آسيا كبلاد المغرب العربي (المغرب والجزائروتونس والسودان) وبلاد الشام (سوريا ولبنان وشرق العراق) وجنوب شبه الجزيرة العربية (السعودية واليمن).

 

الموارد الطبيعية
في ما يتعلق بالثروات المعدنية، لا يختزن العالم العربي كميات كبيرة من المعادن الثمينة أو المهمة في الصناعات الحديثة (خام الحديد، الذهب، الفضة، البلاتين، النحاس، اليورانيوم والفحم الحجري وسواها). وإن تميزت بعض الدول العربية في إنتاج مادة «الزئبق» (mercure) كالجزائر، أو الرصاص والفوسفات كالمغرب، أو الكتان والقطن كمصر، والزيتون كتونس، فإن ذلك غير كافٍ لاعتباره غنيًا بالموارد وبخاصة بعد معرفتنا طبيعة أرضه الصحراوية وصعوبة الحياة والزراعة فيها لافتقارها الى مصدر أساسي للإنتاج هو الماء.
يعتبر العالم العربي فقيرًا بالماء، فموارده لا تكاد تكفي سكانه الذين يتزايدون عامًا بعد آخر، كما أن هناك إختلالاً حادًا ما بين موارد الماء وعدد السكان فيه.
كذلك تعتمد بعض دوله على مصادر المياه والأنهار من خارج حدودها كمصر والسودان والعراق وسوريا وفلسطين والأردن، وهذا ما شكَّل ويشكِّل عنصرًا مؤثرًا على أمن هذه الدول المائي والغذائي والصناعي والإستراتيجي، ما أدى إلى أزمات سياسية وإقتصادية صعبة. وعلى هذا الأساس قد يشهد العالم العربي في المستقبل القريب صراعًا مائيًا يمكن أن يتخذ طابعًا عنيفًا إذا لم تتم عملية ترتيب تقوم على مبادىء القانون الدولي المتعلقة بتوزيع حصص مياه الأنهار الدولية وفق مفهوم العدل والإنصاف. وقد تستغلُّ قوى أخرى هذا الخلل وتستعمله كسلاح إستراتيجي للتأثير على هذه الدول أو ابتزازها سياسيًا وإقتصاديًا وبخاصة دول حوضي النيل والفرات.
إن ما حرمته الطبيعة لهذا العالم العربي من موارد ضرورية ومهمة لتطور إقتصاده وتنميته بوتيرة متسارعة كما ذكرنا، عوَّضته بما منحته إياه من ثروات خيالية من النفط والغاز الطبيعي، مما جعله أغنى بقاع الأرض بهاتين المادتين الضروريتين للإقتصاد العالمي والحياة البشرية المعاصرة (60% من الإحتياط العالمي). وهذا ما جعل المنطقة عامل جذب للدول المتقدمة والكبرى، وحوّل الشرق الأوسط إلى مركز استراتيجي وحيوي لمعظم دول العالم، مما فاقم أزماته الداخلية وأضفى على أي حدث فيه بعدًا عالميًا تستغله هذه الدول بما ينسجم مع مصالحها، فكانت المخطط والمنفذ لكثير من الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم.

 

السكان
قدّر «كتاب وقائع العالم» للعام 2007 والذي تعدُّه وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إي»  (CIA WORLD FACTBOOK) عدد سكان العالم العربي بــ 338 مليونًا و621 ألف نسمة تقريبًا. واعتبر أن العرب يتزايدون سنويًا بمعدل 3% مما يجعل عددهم اليوم (2011) يرتفع إلى حوالى380 مليونًا، بزيادة معدّلها 10 ملايين كل عام. لكن هذه الزيادة قد تكون غير دقيقة إذ أن بعض المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة تقدرها بنسبة 2,5 سنويًا (حوالى 6 ملايين سنويًا)، مما يجعل عددهم اليوم يراوح ما بين 360 و370 مليون نسمة. وهناك ترجيحات إحصائية تقدر أن سكان العالم العربي سيصبحون حوالى470 إلى 480 مليونًا بحلول العام 2025 إذا استمرَّت الزيادة السكانية على الوتيرة نفسها، مع تحسن الطبابة والمعيشة وإنخفاض نسبة الوفيات عند الأطفال. يتضح مما سبق أن العالم العربي هو ثالث أكبر مجموعة بشرية في العالم بعد الصين والهند. هذه المجموعة تقيم فوق ثاني أكبر مساحة في العالم بعد روسيا الإتحادية وتملك أضخم إحتياط في العالم للنفط والغاز، وهي أكبر مصدِّر لهما، وقد قدِّر الناتج المحلي (GDP) لدول الجامعة العربية الـ 22 للعام 2010 بحوالى 2 تريليون دولار أميركي.
وتقول دراسات ومنظمات دولية إن ثلث هذا الناتج يصرف على التسلح، وثلثه الآخر يذهب فساداً، وما تبقى يصرف على تنمية البلاد والعباد.
 كما تشير الإحصائيات إلى أن حوالى220 مليون نسمة من العدد المذكور في إحصائية العام 2007 يعيشون في القسم الأفريقي (60-65%)، بينما يعيش الباقي في القسم الآسيوي من العالم العربي (35-40%)، أي حوالى 120 مليون نسمة. ويمكن إضافة عدة عشرات من الملايين من العرب الذين يعيشون خارج العالم العربي وفي كل القارات الأخرى تقريبًا.

 

التاريخ العربي
يعتبر بعض المؤرخين وعلماء الآثار والأجناس أن هذه المنطقة من العالم قد شهدت فوق أرضها قيام أحد أقدم التجمعات والحضارات البشرية منذ آلاف السنين، يشهد على ذلك ما تمَّ إكتشافه من آثار وكتابات قديمة تؤكد ثبوت هذه النظرية وصحتها، ولعلَّ أكثر ما يدعمها كون المنطقة العربية مهد الأديان التوحيدية الثلاثة، مما يؤكد وجود تجمع وحراك بشري كبير فوق أرضها منذ القدم.
كذلك تؤكد بعض مدوَّنات التاريخ القديم الحجرية والمسمارية والفينيقية والهيروغليفية المصرية واليونانية، أن هذه المنطقة كانت مركز تاريخ العالم ونقطة الوسط في التجارة ما بين الشرق والغرب.
كما يعتبر بعض المؤرخين أن الذين سكنوا هذه المنطقة انطلقوا من مصدر واحد هو منطقة الجزيرة العربية ومحيطها، وقامت من خلال هجرات متتالية، نتيجة تغير المناخ والتصحر، بالإنتشار في مناطق ما عرف بالهلال الخصيب وبلاد ما بين النهرين ومصر وشمال أفريقيا وربما أنحاء أخرى من العالم، سعيًا وراء الماء والكلأ.
عاشت هذه المنطقة صراعات داخلية بين شعوبها وأقوامها وبين هذه والخارج، منذ عصر الممالك المصرية القديمة إلى الغزو الفارسي واليوناني والروماني والبيزنطي وحتى الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي، الذي وحَّدها تحت سلطة الدولة العربية الإسلامية.
بعد ذلك أتى الفتح العثماني الذي انتزع السلطة الدينية (الخلافة الإسلامية) من العرب وألحقها بالأتراك حتى مطلع القرن العشرين (1914). عندما انهزمت الخلافة العثمانية أمام القوى الأوروبية الكبرى في الحرب العالمية الأولى، فرضت الدول الأوروبية سيطرتها على المنطقة وقسَّمت العالم العربي ورسمت برصاص أقلامها وأسلحتها الحدود بين أقطاره وفق مصالحها ومخططاتها، الآنيَّة منها والمستقبلية (سايكس –بيكو).
ومن الملاحظ أن أكثر الحدود ما بين الدول العربية خطوط مستقيمة وقد رسمت «بالقلم والمسطرة»، حتى أنه يقال إنَّ السيدة غرترود بل (القنصل البريطاني)، التفتت إلى أحد الأشخاص في أثناء عملها في رسم الحدود بين العراق والأردن، فانحرف القلم والمسطرة فوق الخريطة ما أضاف مساحة للأردن من دون مبرر ديمغرافي أو جغرافي. ويعلِّق أحد المؤرخين البريطانيين (جيم كراو) من جامعة «نيو كاسل» على ذلك قائلاً : «من دون الغش الإمبريالي البريطاني فإن دولاً كثيرة في منطقة الشرق الأوسط ما كان يجب أن توجد بالطريقة التي وجدت فيها، ولكن السيدة البريطانية غرترود بل كانت واحدة من بين ثلاثة بريطانيين خلقوا دول الشرق الاوسط كما يتناسب مع المصالح البريطانية».

 

العالم العربي المعاصر
بعدما انتهى الحكم العثماني في البلاد العربية، سقطت هذه البلاد تحت حكم الدول الإستعمارية الأوروبية المباشر بأسماء وصفات متعددة، منها الإنتداب او الوصاية أو الحماية أو غيرها من الصفات التي تخفي أو تخفف من حقيقة الحكم الأجنبي لهذه البلاد وتصرُّفه المطلق بالأرض والبشر. لقد تصرف الحكم الأجنبي وفق منظومة مصالحه وإتفاقاته بعد شق قناة السويس وإكتشاف النفط، ووفق رغبته في منع قيام كيان سياسي عربي موحد وقوي يشكل تهديدًا لمصالح دول الغرب في المستقبل. إلا أن الشعوب العربية ثارت على هذا المستعمر ودفعت الدماء حتى نالت إستقلالها تباعًا وأنهت فترة الإستعمار الأجنبي مع مطلع سبعينيات القرن العشرين (ما عدا فلسطين)، مستفيدة من مرحلة إنقسام العالم إلى معسكرين: شرقي وغربي ومرحلة الحرب الباردة بينهما.
غير أنَّ اللافت أن هذه الدول العربية التي قامت على أسس ونظم مختلفة تراوح ما بين الجمهورية والملكية أو الإمارة أو السلطنة أو الإتحاد الفدرالي، عانت دائماً التدخل الخارجي وما زالت تعانيه. وهذا ما جعلها تتمحور هنا وهناك فتتفق أو تختلف وفق منظومة المصالح الدولية، حتى أن الجامعة العربية تحولت إلى منتدى خطابي لنقل الرسائل الدولية المختلفة من دون أن يعبّر فعلاً عن مصلحة الدول العربية وهموم شعوبها، ولا هو توصل إلى رسم استراتيجيات لمستقبل أفضل ترفع عن كاهل هذه الشعوب أعباء الفقر وسوء التنمية، أو تتيح اللحاق بركب التطور العلمي والتقني وإيجاد فرص العمل لملايين من الشباب المتعلم. فلا سوق عربية مشتركة ولا دفاع عربي فعلي مشترك ولا تنمية عربية مشتركة توازن بين الدول الغنية والدول الفقيرة، أو توازن ما بين الموارد المختلفة والمتنوعة لهذه الأقطار وفق مفهوم التكامل الإقتصادي، مما يتيح لمجموعها أن يتحول الى كيان إقتصادي قوي يفرض نفسه بين المجموعات الكبرى في العالم أسوة بالإتحاد الأوروبي أو الأميركي او الآسيوي ويعوض عن الهجرة المستمرة للكفاءات العربية نحو بلاد الإغتراب.
العالم العربي القديم يتغير بسرعة فعسى أن يكون الآتي محققًا لآمال شعوبه وطموحاتها.

 

المراجع:

•www.wikipedia.org Arab world
•www.adc.org/education/facts-about-arab-and-the-arab-world.
•www.arabworldnews.com