تربية وتعليم

العام الدراسي: تحديات وإيجابيات
إعداد: ريما سليم ضوميط

انطلق العام الدراسي الجديد وشبح الكوفيد 19 يخيّم على المدارس، فارضًا على إداراتها شروطًا استثنائية لعامٍ دراسي استثنائي. وفيما يبدو قرار وزارة التربية بالتعليم المدمج الحلّ الأفضل في ظل الوضع القائم، إلّا أنّه في الوقت نفسه، يفرض تحديات كبيرة على المدارس والمتعلّمين والمعلّمين، الذين يختبرون أسلوبًا فريدًا في التعليم والتعلّم. لكن لا بد من التوقف أيضًا عند خطوات فرضتها الضرورة حاليًا، بينما هي في الواقع حاجة ملحة في التربية الحديثة.


عندما اجتاحت الكورونا العالم في العام الدراسي الماضي، لم تكن معظم المدارس في لبنان مستعدة للتعامل مع واقع التعلّم عن بُعد الذي فرضته الظروف الطارئة. فغالبيتها لم تكن مجهزة على الصعيد التقني، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التلامذة، كما أنّ معظم المعلمين والتلامذة كانوا غرباء عن الأساليب والبرامج المعتمدة في العالم الافتراضي. اختلف الوضع هذا العام، فالتحضيرات كانت مستمرة طوال الصيف على الصعد كافة، وقد قطع عدد كبير من المدارس الخاصة شوطًا في مجال التجهيزات الإلكترونية اللازمة والتدريب على البرامج المعتمدة في التعليم عن بُعد، إضافةً إلى أنّ معظم التلامذة باتوا متآلفين مع فكرة استخدام المنصات الإلكترونية في مجال الدراسة. أما بالنسبة إلى معلّمي المدارس الرسمية، فقد أعدّ لهم المركز التربوي للبحوث والإنماء حلقات تدريب حول التعلّم عن بُعد، تناولت، بحسب ما أشارت رئيسة مكتب الإعداد والتدريب السيدة رانيا غصوب مقلد، مقررات تراعى مختلف حاجات المعلّمين، منها ما يدعم المعلّمين الذين ليس لديهم أي خبرة في مجال استخدام المنصّات والبحث عبر الشبكة العنكبوتية، ومنها ما يعرّف المعلّم على مختلف أنواع التعلم عن بُعد (التعلم الذاتي الذي يقضي بقيام التلميذ بأبحاث على الإنترنت، والتعلم المتزامن وغير المتزامن)، كما يعرّفه على الأدوات والبرامج التي يمكن استخدامها لإيصال المحتوى، ومن بينها برنامج مايكروسوفت الذي تعتمده وزارة التربية. إلى ذلك، تشمل الحلقات التعليمية تدريب المعلمين على كيفية استخدام المحتوى التعليمي الذي وُضع بتصرفهم على منصة مركز البحوث والإنماء، بالإضافة إلى المحتوى الذي تقدمه المراجع التعليمية العالمية مجانًا على شبكة الإنترنت. كما يضم البرنامج تدريب المعلّم على كيفية استخدام الأدوات والمحتوى ومختلف أنواع التعلّم عن بُعد في إعداد مادة تعليمية متكاملة. في السياق نفسه، أعد المركز ضمن خدمات «موردي» تدريبًا خاصًا ومباشرًا للمعلمين الذين يجهلون تمامًا كيفية استخدام الكمبيوتر والإنترنت.

 

تقليص المنهج التعليمي
في موازاة تدريب المعلمين، عمدت وزارة التربية إلى دعم الأساتذة والطلاب في الظروف الاستثنائية التي نمر بها من خلال تقليص المناهج التعليمية للعام الحالي فقط، وذلك بغية تسهيل عملية التعليم المدمج المقرر لهذا العام. في هذا الإطار، أشارت منسقة الهيئة الأكاديمية المشتركة في المركز التربوي للبحوث والإنماء السيدة رنا عبدالله إلى أنّ قرار تقليص المناهج جاء نتيجة مشاورات شاركت فيها مجموعة كبيرة من المتخصصين في المجال التربوي، وقد راعت عملية اختيار مواد التدريس معيارَين أساسيَين هما محتوى المادة والهدف التعليمي منها. فتم الإبقاء على المواد التعليمية الأساسية لكل مرحلة عمرية، بالإضافة إلى المواضيع التي يتم تناولها بالتدرّج عبر مختلف المراحل والتي تشكّل مدخلًا أو تمهيدًا للصف الأعلى. وفي الشق المتعلق بالأهداف التعليمية، لُحظ موضوع التعلّم في ظل جائحة كورونا، ولذلك تم اختيار المواد المرتبطة بالحياة اليومية للمتعلمين، وبخاصةٍ تلك المتعلقة بسلامتهم الجسدية والذهنية والنفسية، بالإضافة إلى المواد المتعلقة بالبيئة الاجتماعية والطبيعية والأخلاقيات والقيم. وأوضحت عبدالله أنّ المواد التي تم اختيارها تغطي ثلاثة عشر أسبوعًا من التعليم، لكنّها وُزعت على مجمل العام الدراسي (٢١ أسبوعًا بالحد الأدنى) كما راعت عملية توزيع الحصص نوعية التعليم المقررة لهذا العام إذ سيراوح بين تعليم متزامن، يجمع المعلم والتلميذ في وقتٍ واحد، إما داخل غرفة الصف أو على المنصة الإلكترونية، ويتيح طرح الأفكار ومناقشتها، وآخر غير متزامن أي أنّ الأستاذ سيُعد المادة التعليمية الرقمية وفق شروط معينة ويضعها في تصرّف التلميذ ليعمل بها وفق الوقت الذي يناسبه.
وتطرقت عبدالله إلى ‏برنامج الدعم النفسي الاجتماعي الذي أعده المركز، وهو يقوم على تدريب المعلمين على سلسلة من النشاطات التي تُطبّق ضمن الحصة التعليمية (يمكن أن تشمل أسئلة للنقاش) بهدف دعم التلامذة نفسيًا وعاطفيًا واجتماعيًا في الأسابيع الأولى من دخولهم إلى المدرسة، إذ تساعدهم على التخلص من الانفعالات وتمدهم بالحوافز وبرؤيةٍ ‏إيجابية للغد.

 

آراء المعلّمين
لقد كان لتقليص المنهج وقع إيجابي على المعلمين الذين أثنوا على هذه الخطوة. وفي هذا الإطار، يُجمِع منسقو المواد في إحدى المدارس الرسمية على أنّ حذف بعض المواد من المنهج يسهّل عملية التدريس في الظروف الحالية، إلا أنّ تحديات كثيرة ما زالت تواجههم. فمنسقة اللغة الفرنسية السيدة كلوديا فرح الشع تؤكد أنّ تجربة العام الماضي لم تكسبهم الخبرة اللازمة، لأنّ الأساتذة والطلاب كانوا غير جاهزين لاستخدام الوسائل التي اعتُمدت للتعليم، وتضيف أنّ «هذا النوع من التعلّم أثبت فشله في المدارس الرسمية، ومع ذلك ما زلنا نتابع العمل به في ظل غياب الحلول الأخرى. لا أعرف إلى أين سنصل، خصوصًا وأنّ الأساتذة لم يتم تدريبهم على استخدام وسائل التدريس للمحتوى الرقمي، كما أنّ الظروف المحيطة غير مؤاتية، إن من حيث الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي أو غياب الاتصال بشبكة الإنترنت، كما أنّ الطلاب ليس لديهم الأدوات ولا المقومات التي تساعدهم».
منسقة مادة الرياضيات السيدة ألكسيس تسيريس التي ترى أنّ تقليص المناهج يخدم مصلحة التلامذة، تشير في الوقت نفسه إلى ضرورة تحديث الكتب وتعديل المناهج كونها لا تراعي التطور التكنولوجي والحداثة.
وتضيف أنّ الظروف التي مررنا بها في العام الماضي، جعلتنا ندرك أهمية إدخال مادة الكمبيوتر في الحصص التعليمية بدءًا من الصف الأول، كي يتعلم التلامذة أقله الأمور البديهية في هذا المجال.
توافق منسقة مادة العلوم السيدة سعاد فرفور زميلتها في ما يتعلق بعدم انسجام المنهج الحالي مع متطلبات العصر، وبخاصةٍ مواد الاجتماعيات واللغات. وهي تقترح زيادة عدد ساعات المعلوماتية واللغة الإنكليزية في مراحل التعليم الأساسي كافة، بما يتناسب مع التطور ويساعد بشكل خاص في عملية التعلم عن بُعد، فأهم الصعوبات التي واجهها التلامذة في هذه المرحلة هي في عدم إتقان تقنيات الحاسوب وبرامجه، أو فهم مصطلحاته الإنكليزية.
وتؤكد السيدة فرفور أنّ تجربة التعلم عن بُعد أكسبت المعلمين خبرة في المعلوماتية وعرّفتهم إلى طرق جديدة في إيصال المعلومات إلى التلاميذ، مشيرة إلى أنّ إتقان فن التعليم عن بعد يساعد في تنويع الطرائق التعليمية وإغنائها، ويسهم في تطوير قدرة التكيف لدى الطلاب مع أي ظرف يواجههم في المستقبل.
وتشير منسقة اللغة العربية السيدة ناتالي كرم إلى أنّ حذف بعض المواد التعليمية من المنهج خطوة ضرورية لإنجاح العام الدراسي الحالي، أو بالأحرى لمحاولة الحفاظ على الكفايات الضرورية للمواد تبعًا للحلقات. وتلفت كرم إلى التفاوت في التحصيل العلمي بين المدارس الخاصة والمدارس الرسمية بسبب عدم قدرة العائلات التي تقصد المدارس الرسمية على توفير الأجهزة الإلكترونية لأبنائها. وتؤكد أنّ التعليم في ظل جائحة كورونا بات عملية مضنية، تفرض أعباء على أفراد الهيئة التعليمية والإدارة والتلامذة وذويهم معًا، فالجميع أصبحوا في حالة استنفار واستنزاف للطاقة البشرية والمادية، سعيًا لتسهيل عملية التعليم وإنجاحها.

 

الكتاب الرقمي
في إطار دعم عملية التعلّمِ عن بُعد، أطلق المركز التربوي للبحوث والإنماء النسخة الإلكترونية من الكتاب المدرسي الوطني ضمن تطبيق Crdp-Ebooks الذي طوّره ليلبيَ حاجات المعلمين والمتعلمين. وتوضح رئيسة دائرة المنشورات والوسائل التربويةً في المركز التربوي السيدة ربيكا الحداد أنّ السبب الرئيس لإطلاق التطبيق المذكور يعود إلى الكلفة المرتفعة للكتاب الورقي والتي تفوق قدرة الأهالي على تحمّلها، إذ يبلغ ثمن الرزمة الواحدة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية عشرة أضعاف ثمنها المعتاد. وهي تؤكد أنّ استخدام التطبيق سهل للغاية، وقد وضع المركز شريطًا توضيحيًا يشرح للمستخدم بالتفصيل كيفية تحميله، كما وضع روابط تسهّل الدخول إليه.
جدير بالذكر أنّ التطبيق متاح مجانًا للمعلمين والتلامذة والأهل في القطاعَين العام والخاص، الذين يمكنهم تحميل النسخة الرقمية من الكتب المدرسية الوطنية، عبر الاتصال لمرة واحدة فقط بشبكة الإنترنت، ومن بعدها يمكن الدخول إلى أيّ منها من دونه. وتشير السيدة الحداد إلى أنّ التطبيق تم إعداده بسرعةٍ قياسية، حيث أُنجز خلال مهلة أسبوعَين من العمل المتواصل، وهو خطوة أولى في مسيرة التحوّل الرقمي، إذ يمكن تطويره لاحقًا، ليصبح كتابًا تفاعليًا.

 

التدابير الوقائية
في موازاة عمليات الإعداد للتعليم الرقمي، تنفّذ المدارس الرسمية والخاصة الإجراءات الوقائية اللازمة في إطار برنامج التعليم المدمج الذي أعلنت عنه وزارة التربية. في هذا السياق، أشارت اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية بعد اجتماع لجنة المتابعة، إلى التحضيرات التي قامت بها المدارس الكاثوليكية على صعيد تأمين المستلزمات الصحية والتقنية واللوجستية لإنجاح عملية العودة إلى الحياة المدرسية. وكانت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية قد أعطت توجيهاتها للمدارس التابعة لها بالتقيد بالإجراءات الصحية الوقائية لمواجهة أزمة تفشّي الكورونا، من احترام التباعد المكاني وإلزامية وضع الكمامة، إلى التعقيم الدوري للصفوف ولمختلف الأماكن المدرسية ولحافلات النقل المدرسي، ومراقبة درجة حرارة التلامذة، إضافة إلى استخدام المعقمات والصابون لتعقيم الأيادي والأدوات التربوية المستعملة في عمليات التدريس، تبعًا لتوجيهات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية، وسائر التوجيهات الوزارية والإدارية الصادرة عن المراجع والهيئات المختصة.

 

رب ضارة نافعة!
تخفيض عدد المتعلمين في الصفوف مسألة ملحة وفق مقتضيات التربية الحديثة، مع ذلك كانت ظاهرة الاكتظاظ منتشرة في معظم الصفوف. هذه السنة وبسبب كوفيد 19، تعتمد المدارس تخفيض عدد التلامذة في الصفوف لمراعاة التباعد الاجتماعي. إيجابيات هذه الخطوة تتجاوز الوقاية من انتشار العدوى لتشمل العملية التعليمية - التعلمية برّمتها.
في هذا السياق، توضح الاختصاصية في علم التربية الدكتورة ندى معوض أنّ عملية تخفيض عدد التلامذة في الصف باتت أمرًا ملحًا في ظل أساليب التعليم الحديثة التي تعتمدها المدارس حاليًا. فالأساليب التقليدية القديمة كانت تقوم على مبدأ التلقين، ولم يكن هناك مشكلة على صعيد عدد الطلاب، إذ كان من الممكن أن يكتظ الصف بما يفوق الثلاثين تلميذًا من دون أن يؤثّر ذلك على عملية التعليم، القائمة في الأساس على شرح الدرس وتلقينه للتلميذ الذي يحفظه غيبًا. اليوم، اختلف الموضوع في ظل المناهج الحديثة التي لم تعد تعتمد أساليب التلقين، وإنّما تركّز على تطوير مهارات المتعلم وكفاءاته الفردية. من هنا، أصبح من الضروري تخفيض عدد التلامذة في الصف الواحد إلى العشرين وما دون، لأنّ على المدرس العمل ضمن مجموعات صغيرة تمكّنه من استخدام الأسلوب التفاعلي في التعليم، فالعدد مرتبط بالمنهج والأهداف.

 

الأول في المدرسة ليس الأول في الحياة؟
من جهةٍ أخرى، نوّهت الدكتورة معوض بالخطوة التي اتخذتها وزارة التربية في إطار تخفيف المناهج، مشيرة إلى أنّها تخدم هدف التعليم الحديث وهو تطوير المهارات وليس حشو أدمغة المتعلمين بالمعلومات. وتساءلت ماذا ينفع التلميذ أن يحفظ عشرة دروس أو عشرين درسًا، طالما أنّ المعلومات المكتسبة جميعها يمكن الحصول عليها بكبسة زر عبر الإنترنت؟ وأكدت أنّ أساس التعليم هو تدريب التلميذ على الاستقلالية والثقة بالنفس وتطوير الحس النقدي، بما يعني أنّه على المعلم أن يدربه على كيفية الوصول إلى المعلومة، لا أن يقدّمها له جاهزة للحفظ غيبًا. قوة التعليم اليوم صارت بالمهارات التي يكتسبها التلميذ، بما فيها قدرته على حل المشكلات، ومواجهة مختلـف المواقـف. وبحسب المفاهيم الحديثة، فإنّ الأول في المدرسـة ليـس بالضـرورة الأول في الحيـاة العمليـة.
في السياق نفسه، أشارت إلى أهمية التعليم عن بُعد في تطوير شخصية التلميذ ومساعدته على اكتساب عدة مهارات. فهو مثلًا بات مرتاحًا لعملية استخدام المنصات الإلكترونية، وصار من الطبيعي أن يتواصل مع أساتذته عبر البريد الإلكتروني، الأمر الذي ينمّي لديه التفكير الذاتي والاستقلالية، ويطوّر عدة مهارات بما فيها اللغة والأسلوب الكتابي، والقدرة على التواصل، وهي أمور تساعده لاحقًا في الجامعة وفي ميدان العمل.
أما بالنسبة إلى التركيز في الصف، فقد اعتبرت أنّ المدرسين استفادوا من تجربة العام الماضي في التعليم عن بُعد، وباتوا يستخدمون عدة طرق للحفاظ على تعليم تفاعلي، يجبر التلميذ على أن يكون حاضرًا ذهنيًا في الصف. من بين هذه الطرق، طرح الأسئلة من قبل المعلمة في أثناء الشرح، والطلب من التلامذة الرد كل بمفرده عبر الـ ـChat Box، أو أن تطلب منهم فتح كاميرا للإجابة عن الأسئلة، أو إبقاء الجهاز الإلكتروني في حالة Unmute طوال الحصة. كل هذه الأمور تجبر التلميذ على التركيز، وتحول دون تلهّيه بأمور أخرى في أثناء الحصة التعلمية.
في المحصلة، لا شك أنّ التعليم والتعلّم عن بُعد عملية لن تخلو من التحديات بسبب الأوضاع التي نعيشها وتحول دون توفير المستلزمات للتلامذة كافة، لكن مع ذلك ينبغي البناء على إيجابيات هذه العملية. كما أنّه من الضروري التوقف عند الخطوات الإيجابية الأخرى التي فرضتها الأزمة، لكنّها في الأساس كانت حاجة ملحة تفرضها التربية الحديثة. فرب ضارة نافعة، وربما تؤسس تجربة العام الحالي لمزيد من الخطوات المتقدمة في المستقبل.