- En
- Fr
- عربي
العدوان المستمر
أخطبوط من الدخان الأبيض يرتفع في سماء الجنوب ثم يحطّ على الأرض فيفتك بالأرواح ويسمّم التربة والمياه... نار لا تنطفئ بسهولة، وشظايا مشتعلة تنتشر على مساحات واسعة مخلّفة وراءها دمارًا هائلًا. إنّه الفوسفور الأبيض يستخدمه العدو الإسرائيلي ضد أهلنا وأرضنا من دون أي رادع أو مراعاة لموجبات القانون الدولي الإنساني.
فما هو الفوسفور الأبيض وما هي استخداماته والأضرار التي تنجم عنه، وما هي القيود حول استعماله؟
في ما يأتي، يجيب عن هذه الأسئلة النقيب زياد أبو ملهب، آمر سرية الوقاية من أسلحة الدمار الشامل في فوج الهندسة.
الفوسفور الأبيض عنصر كيميائي P4 يتمّ تصنيعه من صخور الفوسفات، ويتميّز بقابليته للاشتعال بشكلٍ تلقائي خصوصًا عند ملامسته الأوكسيجين، ولا ينطفئ حتى يتلاشى تمامًا. وهو يوضع داخل القذائف في عبوات مسحوب منها الهواء، وعندما تنفجر القذيفة تعطي الشرارة لإشعال الفوسفور، الذي تتأجّج ناره عند ملامسته الأوكسيجين؛ ويخرج مشتعلًا كدخان أبيض في الجو على شكل مجسّات أخطبوطية تنتشر في الهواء لتصل سريعًا إلى الأرض وتوقع ما أمكنها من الضحايا بحسب ارتفاع موقع الانفجار وحالة الرياح.
الاستخدامات العسكرية للفوسفور الأبيض
كان الفوسفور الأبيض يُستخدم في السابق في صناعاتٍ متعددة (الأسمدة، الألعاب النارية، مواد التنظيف...)، إلا أنّ الدول امتنعت عن ذلك بسبب خطورته وصعوبة التعامل مع مخلّفاته. وقد أقرّت اتفاقية حظر أو تقييد استعمال الأسلحة التقليدية CCW منع الأذية غير الضرورية في الحروب، في حين بقي الفوسفور الأبيض يُصنّع في استخدامات عسكرية ثلاثة بحسب النقيب أبو ملهب:
- إحراق مناطق أو تجمّعات لجنود العدو.
- الإضاءة لكشف مواقع العدو وتحركاته، إذ يُطلق في السماء ليلًا وتسقط قلّة منه بواسطة المظلّة للإضاءة في الظلام، وإعطاؤه شعلة إضافية يجعل ردة فعله أقوى ونوره أكثر سطوعًا واشتعاله وأذيته أشد ضررًا.
- نشر الدخان وتكوين ستارة منه في أثناء الليل أو النهار لإخفاء التحرّكات المرئيّة للقوات خلال العمليّات العسكريّة على الأرض. كما أنّه يتداخل مع بصريات الأشعة ما تحت الحمراء وأنظمة تتبُّع الأسلحة، وبالتالي يحمي القوات العسكريّة من الأسلحة الموجّهة.
العدو وسياسة الأرض المحروقة
تشمل الآثار المدمّرة التي يخلّفها الفوسفور عناصر الطبيعة والإنسان على السواء. ومنذ بداية العدوان على غزة، كانت قذائف العدو ونيرانه الفوسفورية قد أحرقت «نحو 6,4 مليون متر مربّع من أراضي الجنوب» بحسب وزارة الزراعة. وقد أدى ذلك إلى حرق ما يقارب 40 ألف شجرة من أشجار الزيتون بينها الكثير من الأشجار المعمّرة، بالإضافة إلى أحراج السنديان المعمّر وأنواع حرجية أخرى كالخرّوب والصنوبر.
بالإضافة إلى اشتعال الحرائق في المحاصيل الزراعية وتدمير المواسم، يؤدي إطلاق قذائف تحتوي على الفوسفور الأبيض إلى تلويث التربة، ما يجعلها غير صالحة للزراعة لفترة قد تطول بحسب مستوى التعرّض والتلوّث، ما يستدعي معالجة معقّدة ومكلفة وطويلة الأمد. وسوف يواجه المزارعون بعد انتهاء الحرب معضلة صعبة تكمن في أنّ بقايا الفوسفور التي انطمرت بالتراب سوف تشتعل مرة أخرى بمجرد تماسها مع الأوكسيجين لتعود فتؤذي بدخانها وسمومها.
تدمير الثروة الحيوانية والبيئة ومصادر المياه
يؤدي الاستخدام المتواصل من قبل العدو الإسرائيلي للقنابل الفوسفورية إلى قتل أو إصابة أنواع مختلفة من المواشي والطيور الداجنة، فضلًا عن الحيوانات والطيور البرّية وتدمير موائلها في الطبيعة، ما يُلحق ضررًا كبيرًا بالأنظمة البيئية واستدامتها. وهو يلوّث مصادر المياه ويهدّد النظام البيئي المائي للبرك والأنهار والجداول، وبشكل خاص الأراضي الرطبة التي تحفل بها المناطق الحدودية الجنوبية، ما ينعكس سلبًا على بنيتها النباتية والحيوانية. ويتسلّل الفوسفور إلى المياه الجوفية ملوّثًا إياها بالأسيد الذي يسمّم تاليًا النباتات والأشجار التي ترويها بشكلٍ متواصل.
الأضرار التي تُصيب البشر
عندما يصيب الفوسفور الأبيض المشتعل الإنسان إصابة مباشرة يسبّب له حروقًا جلدية من الدرجتين الثانية والثالثة، فحرارته التي تصل إلى 800 درجة مئوية، تبدأ بتذويب الجلد واختراق الأنسجة وصولًا إلى العظام، ما يؤدي إلى حروق عميقة بطيئة الشفاء.
إضافة إلى ذلك، تدخل جزيئات الفوسفور المتناثرة إلى جسم الإنسان مسبّبة أضرارًا في القلب والكلى والكبد. كما أنّ الدخان الناتج عن احتراقه، يؤذي القصبة الهوائية والرئتين ويسبّب تهيُّجًا في جهاز التنفس وسعالًا حادًا مع صداع في الرأس.
ولا تنتهي أضرار الفوسفور الأبيض هنا، لأنّ التعرّض للدخان الناتج عن احتراقه يسبّب تهيّجًا في العين، والتهابًا في باطن الجفن وصولًا إلى حروق وثقب في القرنية. كما يسبّب مشاكل في الجهاز الهضمي كالغثيان والقيء والإسهال.
ماذا يقول القانون؟
يُشير النقيب أبو ملهب إلى أنّ الفوسفور الأبيض «لا يعتبر غير قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون النزاعات المسلّحة، طالما أنّه يُستخدم لأغراض دفاعية كستارٍ من الدخان أو كإضاءة لساحة المعركة. لكنّ استخدام الأسلحة الحارقة بشكلٍ مباشر ضد المدنيين كما يفعل العدو الإسرائيلي في الجنوب اللبناني هو أمر غير قانوني ويمكن اعتباره جريمة حرب. وهو يلفت إلى حظر استخدام الأسلحة الحارقة عبر إنزالها من الجو (كما في حالة الفوسفور الأبيض الذي يتم إسقاطه من الطائرة) ضد هدفٍ عسكري يقع في منطقة مدنية».
وتعتبر منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأسلحة الحارقة (التي تُشعل النار أو تُحرق الناس) مثل الفوسفور الأبيض والنابالم، «من بين أقسى الأسلحة المستخدمة في النزاعات المسلّحة المعاصرة».
إرشادات عامة للوقاية من مخاطر الذخائر الفوسفورية
تعريف قذائف الفوسفور الأبيض
- الفوسفور الأبيض هو مركّب كيميائي خطِر يُستخدم في الذخائر الحارقة، حيث يشتعل ويحترق تلقائيًا عند تعرضه للهواء.
طريقة التصرف عند رؤية قذيفة غير منفجرة
- الابتعاد قدر الإمكان والإبلاغ فورًا وعدم تحريكها.
طريقة التصرف عند تعرض المحيط القريب للقصف بواسطة الفوسفور الأبيض
- عند التعرض للدخان بشكل مباشر، الابتعاد قدر الإمكان والتوجه بعكس إتجاه الريح إلى منطقة آمنة.
- وضع قطعة قماش مبللة إذا أمكن على الأنف والفم للتنفس من خلالها.
- عند الوصول إلى مكان آمن خارج المنطقة المستهدفة، خلع الملابس ورمي الكمامات المستخدمة فورًا، وغسل الجسم بالماء، ومن ثم طلب العناية الطبية.
طريقة التصرف عند التعرض للفوسفور الأبيض بشكلٍ مباشر
- العمل على إزالة قطع الفوسفور العالقة على الجلد بالوسائل المتوفرة.
- غسل مكان الإصابة بالماء بكثرة لمدة 15 دقيقة إذا أمكن.
- خنق الفوسفور الأبيض وعزله عن الهواء باستخدام قطعة قماش مبللة، ريثما تصل فرق المساعدة، مع الإنتباه إلى أن الفوسفور سيعاود الإشتعال تلقائيًا فور تعرضه للهواء.