قضايا عسكرية

العرض العسكري الروسي الأخير: منظومات الدفاع الجوي في رسائل استراتيجية
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر

توجّه الدول من خلال العروض التي تقيمها جيوشها عدة رسائل: الرسائل الوجدانية المعنوية والتي تطبع الذكرى عادة، الرسائل الداخلية الموجّهة للشعب وللتيارات السياسية، الرسائل الاستراتيجة التي تستهدف الخارج، فترسل للأصدقاء والحلفاء رسائل دعم ومساندة، وللخصوم رسائل تحدٍّ لإظهار القوة والقدرات، وطبعًا، تبقى الرسالة التجارية والتي تقوم على عرض الأسلحة لبيعها لقاء مبالغ مادية ضخمة، وهي تؤدي دورًا رئيسًا في تمويل الاقتصاد الوطني.

 

يمكن القول إنّ العرض العسكري السنوي الذي تقيمه روسيا في ذكرى الانتصار على النازية (9 أيار 1945)، يحمل معظم الرسائل التي سبق ذكرها وربما رسائل أخرى غير معروفة للجميع. وفي الوقت نفسه، يبقى هذا العرض العسكري الروسي السنوي، بالنسبة إلى الأميركيين، فرصة استعلامية مخابراتية لا يمكن تفويتها. وقد شرح جيمس ديفيد أمين قسم تاريخ الفضاء في المتحف الوطني للطيران والفضاء في واشنطن، سبب أهمية العروض العسكرية للاستخبارات بشكلٍ عام، وللمخابرات الأميركية بشكلٍ خاص، إذ يقول إنّ العرض العسكري في عيد النصر والذي يرمز لقدرات القوات المسلحة الروسية، حدث استثنائي بالنسبة إلى ضباط المخابرات الأجنبية، الذين يسعون إلى التجسس للحصول على معلومات عن أحدث الأسلحة الروسية.
في العقود الأولى التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية، وشهدت بدء التحضير للانتقال إلى الحرب الباردة، طوّر الاتحاد السوفياتي صواريخ جديدة وحديثة، وكانت عروض وحداته العسكرية تشكل تقريبًا الفرصة الوحيدة للغرب للحصول على صور لهذه الأسلحة من مسافة قريبة. بعدها طوّر الأميركيون وسائل للتجسس والتصوير الفضائي، لمراقبة مسار تطور الأسلحة الروسية.
في المقابل، يفهم الروس جيدًا مضمون الاستراتيجية الأميركية، ومع ذلك يواظبون سنويًا على إقامة تلك العروض وكشف أحدث أسلحتهم التي من المفترض أن تبقى سرية وبعيدة عن الاستعلام الأميركي والغربي. فقد رأوا أنّه في عرض تلك القدرات الحساسة هناك الكثير من الرسائل والنقاط الإيجابية التي تتجاوز  سلبيات كشف أسلحتهم.
ما هي أهم الأسلحة الروسية التي عُرضت في احتفال النصر الأخير في الساحة الحمراء في موسكو والرسائل العسكرية - الاستراتيجية المقصود إيصالها عبر عرض تلك الأسلحة؟

 

أس 400
تمّ بداية عرض بطاريات من صواريخ الدفاع الجوي أس 400، إذ أصبح هذا النظام المعروف في روسيا بـ«تريومف» نظامًا أساسيًا للدفاع الجوي والدفاع الصاروخي، بعد أن جُهزت به القوات المسلحة الروسية بموجب برنامج التسلح الحكومي للفترة الممتدة بين 2011 و2020. والرسالة الأساسية من عرض تلك الصورايخ تندرج في معرض السجال الدولي حول حصول تركيا عليها على الرغم من معارضة واشنطن العنيفة. ويُضاف إلى ذلك الصفقة التي يتمّ حاليًا استكمالها مع الصين والهند وتقضي بتزويدهما عددًا كبيرًا من هذه المنظومة الفعالة. ويتزامن ذلك مع السجال الأميركي من جهة، والصيني، الهندي، التركي، من جهة أخرى حول إشكالية طلب واشنطن من الدول الثلاث وقف استيراد النفط من إيران.

 

أس 500
ظهرت أيضًا في العرض منظومة الدفاع الجوي الأكثر تطورًا إس 500 التي تنتمي إلى الجيل الجديد من منظومات الصواريخ البرية من طراز «أرض- جو». وهي عبارة عن منظومة اعتراض بعيدة المدى وعالية الارتفاع وتتميز بزيادة إمكانات الدفاع الصاروخي، وبقدرتها على ضرب الأهداف في الفضاء وتدمير  الصواريخ الباليستية، ليس فقط في المدى التشغيلي، بل وفي المدَيين المتوسط والقصير. كما أنّها تتميز بالقدرة الفعالة على اكتشاف واعتراض 10 أهداف باليستية سريعة جدًا في آن معًا واعتراض الطائرات والمروحيات والصورايخ المجنّحة والأهداف الجوية الأخرى، ويصل مداها إلى 600 كلم.
صحيح أنّ منظومة أس 500 لم تُسلّم فعليًا إلى وحدات الدفاع الجوي الروسية، وتم تأجيل ذلك حتى العام 2020، ولكن يمكن أن نستنتج من خصائصها الكثير من الرسائل الاستراتيجية، خصوصًا في ظل هذا الاشتباك الدولي بين روسيا وحلف الناتو بعد انسحاب واشنطن وموسكو من معاهدة خفض الصورايخ القصيرة والمتوسطة المدى.

 

أس 350 «فيتياز»
شهد العرض أيضًا ظهور منظومة دفاع جديدة باسم أس 350 «فيتياز»، كان قد أعلن البدء في إنتاجها نائب وزير الدفاع الروسي أليكسي كريفوروتشكو في نيسان الماضي، مشيرًا إلى أنّ أول عمليات إطلاقها جرت في 26 آذار، وتكللت بالنجاح، وأنّها ستحلّ محل منظومة أس 300 المعروفة، والتي تعتمدها عدة جيوش في العالم.
صُمّمت هذه المنظومة للتعامل مع الأهداف الجوية والباليستية. وتتألف من ثلاث وحدات: نقطة التحكم القتالي ومحطتا رادار و8 منصات إطلاق ذاتية الحركة، تضم كل منها 12 صاروخًا موجودة في حاوية. وتستطيع بطارية واحدة من «فيتياز» تدمير 12 صاروخًا باليستيًا و16 هدفًا جويًا على بعد يصل إلى 60 كيلومترًا وارتفاع من 10 إلى 30 كيلومترًا.
وبما أنّ منظومة أس-350 «فيتياز» مصممة من أجل تدمير الصواريخ المجنحّة التي تحلق على علو منخفض والطائرات من دون طيار والمروحيات والطائرات التي تحاول التخفي بالتحليق على علو منخفض، يمكن أن نستنتج الجدوى العسكرية من وضعها في الخدمة في المواجهات التكتية المحدودة، بعيدًا من المواجهات ضد الصورايخ الباليستية والقاذفات الاستراتيجية، والتي تُكلّف بها عادةً منظومات أس 400 أو أس 500. ويمكن اعتبار الميدان السوري مثالًا بسيطًا عن مسرح استعمال أس 350، إذ تتعرض القواعد الروسية في حميميم وطرطوس إلى هجمات بالصواريخ والطيران المسيّر من قبل المسلحين في الشمال السوري. ومن الناحية التجارية يمكن أن يكون للمنظومة سوق واسع في عدة دول تحتاج إلى هذا النوع من السلاح أكثر مما تحتاج إلى المنظومات الاستراتيجية.

 

صواريخ «يارس»
شمل العرض صورايخ جديدة حصلت عليها قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية في الفترة الأخيرة. وقال قائد هذه القوات الجنرال سيرغي كاراكايف إنّ منظومات صواريخ «يارس» ستشكل القوة الرئيسية لقوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية في العقود القليلة المقبلة إلى جانب صواريخ «توبول- أم»، وقد حصلت قواته حتى الآن على 12 فوجًا من هذه الصواريخ، والتي يتجاوز مداها الـ10 آلاف كيلومتر، وهي قادرة على حمل عدة رؤوس نووية. يتميز صاروخ «يارس» بطلاء يحصّنه من الإصابة بمختلف وسائل الدمار وخاصة الانفجار النووي، فضلًا عن أنّه يستطيع اجتياز السحابة المشعة في حال استخدم العدو الذخيرة الباليستية، واجتياز أي شبكة مخصصة لاصطياد الصواريخ.
لا شك في أنّ معرفة هذه المميزات للصاروخ الباليستي الروسي «يارس»، ستكون كافية وحدها لإيصال الرسائل الأقسى والأكثر حساسية وفعالية وجدية في الاشتباك الدولي القائم حاليًا، والتي تريد روسيا إيصالهـا إلـى خصومهـا.

 

منظومة «اسكندر»
تأتي أخيرًا منظومة «اسكندر» التي تتوّج الرسائل الروسية الاستراتيجية للخصوم. فقد قال رئيس المجلس العلمي والفني لمديرية المدفعية الرئيسية التابعة لوزارة الدفاع رومان سبيرين، في تعليقه على المنظومة: «إنّ نظام الصواريخ التكتيكية «إسكندر- أم» سيحصل في المستقبل القريب على أنواع جديدة ومتطورة من هذه الصواريخ، ومنها الصاروخ «9 أم 729»، المزوّد معدات قتالية ذات قوة متزايدة ونظام تحكم جديد، مما يوفر دقة أعلى في ضرب الهدف».
بسبب مميزات هذا الصاروخ، قررت الولايات المتحدة إنهاء معاهدة الحدّ من الأسلحة النووية، إذ اعتبرت أنّه ينتهك شروطها، أما موسكو التي نفت الادّعاء الأميركي، فقد تابعت تطوير الصاروخ وتصنيع كميات كبيرة منه، وعرضته في ساحة النصر.


المراجع:

- /arabic.sputniknews.com/russia/201905091040961176- العرض-العسكري-الروسي-الذكرى-74
- http://ednews.net/ar/news/sience/315859
- https://sptnkne.ws/kCMy
- https://youtu.be/QJvs3imks74
- https://arabic.euronews.com/2019/05/08/
- //arabic.sputniknews.com/russia/201711141027498861-روسيا-تعزيز-قوات-صواريخ-استراتيجية-يارس