حوار مع متقاعد

العريف المتقاعد إسماعيل عرابي
إعداد: باسكال معوض

أخوة السلاح ثروة العمر

 

العام 1956 كان مفصلاً هاماً في حياة اسماعيل عرابي, فقد بلغ عامه التاسع عشر, وقرر الإنخراط في الحياة العسكرية لخدمة وطنه وتأمين مستقبل مضمون تحت لواء الجيش.
اليوم هو في عامه السابع والستين, وما زال يحن الى الماضي الغابر ويستذكر بكل محبة الأيام الخوالي, التي قضاها كجندي مع رفاق السلاح يأكلون ويشربون ويعيشون معاً, قلباً واحداً وإرادة واحدة في خدمة الوطن الغالي.

 

مع العريف المتقاعد إسماعيل عرابي, وفي بلدته بزبينا ­ قضاء عكار, بدأنا رحلة الذكريات من أولها: في العام 1956 قررت إيجاد عمل يؤمن لي حياة لائقة, فانخرطت بالجيش وصرت عسكرياً فخوراً بنفسي.
استهوتني الرياضة وأنا في بداية حياتي العسكرية, فرحت أمارس مختلف الألعاب الرياضية, رمي الكرة والرمح والملاكمة والركض لمسافة 1500 كلم, والـ400 بدل. برعت في رياضة الركض ­ الماراتون, وساعدني في ذلك بنيتي القوية ولياقتي البدنية التي نميتها طوال مدة خدمتي في الجيش.
بقيت في السرية الأولى نحو 11 سنة عملت خلالها كرامي رشاش, وتمت ترقيتي الى رتبة جندي أول. كنت أتدرب يومياً فأصبحت في العام 1959 الأول في الماراتون على صعيد الجيش. وفي العام 1960, اشترك 92 متسابقاً في "بطولة لبنان والجيش لسباق الماراتون" من بيروت الى الدامور وبالعكس, وكانت المسافة تبلغ نحو 42 كيلومتراً و195 متراً.
أعطيت إشارة الإنطلاق من ملعب المدينة الرياضية الساعة السادسة والنصف من صباح الأربعاء 13 نيسان. وبعد أن كنت خامساً لفترة خلال السباق, عدت وواصلت نضالي وضاعفت جهودي الى أن وصلت الأول في ترتيب المتسابقين بوقت بلغ 3 ساعات ودقيقة و16 ثانية.
في العام 1970 تم نقلي الى مستودع الذخيرة في اللويزة حيث عينت في فرقة الحرس, وبقيت هنالك لمدة 4 سنوات.


بعد فترة عدت الى ثكنة طرابلس ومنها الى وزارة الدفاع حيث قضيت نحو أربع سنوات في مديرية المخابرات, الى أن سرحت من الجيش في العام 1980 بعد أن كنت قد رقيت الى رتبة عريف قبل عام واحد.
أنا فخور أنه طوال مدة خدمتي في الجيش كانت الملاحظات في إضباراتي جيدة جداً, وكنت دوماً أحد النشيطين الذين يشاركون في التدريبات لتخريج الدورات.


يحمل العريف المتقاعد عرابي في صدره العديد من الذكريات. وايضاً شظية استقرت في جسمه على اثر اصابته بينما كان يؤدي خدمته في وزارة الدفاع عام 1978. فتلك الشظية لم يكن ممكناً إخراجها بأي وسيلة طبية.
لكنه وإن كان لكل من الذكريات مكانها في وجدانه, فثمة قصة لا يمكن أن يخبو بريقها. يخبرنا عنها قائلاً: في أحد الأيام كنت ومجموعة من رفاقي العسكريين نتناول طعامنا الى جانب الطريق. أفرغنا محتويات بضـعة معلـبات في خـوذة, ولم يكن بحوذتنا سوى ملعقة واحدة, تناوبنا على تناول الطعام بواسطتها مداورة. في هذه الأثناء مرّ أحد الأثرياء المعروفين في المنطقة ورأى المشهد. فقال: أقدم ثروتي كلها مقابل أن أكون فرداً في مجموعة متحدة كهذه المجموعة.

 

تصوير: المجند محمد رمضان