وجع الشهادة وفرح النصر

العسكريون أدّوا المهمة بكل صلابة وعزم
إعداد: جان دارك أبي ياغي

كان اللواء الخامس القطعة التي تلقت أولى الضربات الغادرة من الإرهابيين، لكنه استوعب الصدمة بسرعة وانطلق لاستعادة مواقعه والمشاركة في المعركة حتى آخر لحظاتها.
قائد اللواء العميد الركن نبيل نصر الذي حيّا جهود عسكريي اللواء كما جميع العسكريين الذين شاركوا في المعركة، عبّر عن افتخاره بجهودهم وكفاءاتهم وتضحياتهم، معتبراً أنهم سعوا الى أداء الواجب بكل ما أوتوا من عزم وصلابة وإيمان.

 

قائد اللواء الخامس

اللواء مستمر في مهامه ووحداته تتولى حركة الدخول الى المخيم والخروج منه
صعوبات... ولكن
بداية، تحدث العميد الركن نصر عن الصعوبات التي حتمت استمرار هذه المعركة ثلاثة أشهر ونيف، فأشار الى كثافة السكان، وكثافة الأبنية والتفخيخات والقنص، التي كانت هي العوامل الأساسية التي حددت مسار المعركة وتوقيتها.
ويضيف قائلاً:
لقد اعتمد عناصر «فتح الإسلام» في حربهم ضد الجيش على التفخيخ والقنص، (وهم أصحاب اختصاص في هذا المجال)، أكثر من اعتمادهم على عامل القتال أو المواجهة المباشرة نظراً الى معرفتهم بطبيعة أرض المخيم وكثافة الأبنية المتلاصقة. كانوا مثلاً، عندما يحتلون موقعاً ما يلجأون الى تفخيخه بالوسائل الممكنة، كأن يضعوا صاعقاً تحت السجادة فإذا ما دخل العسكر وداسوا عليها انفجر. أسلوب آخر لجأوا اليه وهو تفخيخ أجهزة الراديو وتركها شغّالة، فإذا ما حاول العسكريون إطفاءها تنفجر فيهم. الى ما هنالك من أساليب وحيَل لجأوا اليها لكسب الوقت من جهة، ولإيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء في صفوف الجيش المهاجم.
أمّا في المرحلة الأخيرة من المعركة فقد واجهتنا صعوبات لوجستية نظراً الى الدمار وتراكم الأنقاض وعدم وجود طرقات، ما عرقل نقل المؤن والذخائر الى داخل المخيم. وهنا اضطلعت الفِرَق اللوجستية بدور لا يقل أهمية عن دور الفِرَق المحاربة إذ كان عليهم المشي مسافات طويلة سيراً على الأقدام لنقل المستلزمات. كان العسكري يضطر في أغلب الأحيان الى التقدم والقتال حاملاً كيس الرمل وطعامه.
وأيضاً في إطار الحديث عن الظروف الصعبة التي أحاطت بالعسكريين، أضاف قائلاً:
من الأمور الصعبة أيضاً التي عاناها الجيش، ما تعرّض له من إصابات نتيجة التلوث داخل المخيم بسبب تحلل الجثث والحيوانات النافقة وبقايا الأطعمة... لكن الطبابة العسكرية تحركت بسرعة لرش المبيدات والأدوية اللازمة.
كل هذه الصعوبات لم تنل من معنويات العسكر ومن قدرته على متابعة المعركة لأنه صاحب حق، كما يقول العميد الركن نصر، ولأنه مفعم بإرادة صلبة وبقيادة حكيمة بفضل الضباط رؤساء الوحدات الذين يتقدمون عناصرهم، مما يزيدهم حماساً وشجاعة.
لقد سقط للواء عشرات الشهداء لكن إصرار العسكريين على متابعة المعركة وحسمها كان يتضاعف يومياً، لقد شعر كل عسكري أن دم الرفاق أمانة في عنقه، وأن هذه المعركة مصيرية بالنسبة الى لبنان.


• ما هي العِبَر التي يمكن أن نستخلصها من هذه المعركة؟
يجيب العميد الركن نبيل نصر: «بعد انتهاء الحرب في مخيم نهر البارد، طلبت من قطع اللواء كافة رفع تقارير مفصّلة وتشكيل لجان مختصة لاستخلاص العِبَر من هذه الحرب. فكانت النتيجة أنه عندما يكون القرار واضحاً وتنشئة العسكريين صحيحة، يشعر العسكري بروح المسؤولية في تنفيذ القرارات المطلوبة منه. وهذا كله رهن بمدى بقاء الضباط المسؤولين على رأس وحداتهم لرفع الكفاءة القتالية لديهم».
ويشير العميد الركن نصر الى أن القيادة بكل أجهزتها كانت تواكب لحظة بلحظة كل شاردة وواردة، وتعمل على تأمين متطلبات المعركة وتنسيق جهود جميع القوى المشاركة فيها. وهذا ما كان له أثر حاسم في نجاح المهمة. الإخلاء الصحي وعمليات الإمداد والتنسيق كلها تمّت على أفضل وجه وساهمت في حسم المعركة.

 

ضبط الدخول الى المخيم والخروج منه
• الآن بعد أن عادت القطع التي شاركت في المعركة الى مراكزها، يتابع اللواء الخامس مهامه متولياً مسؤولية الأمن في الشمال، هل لهذه المهمة من خصوصية في ظل ما حصل وتداعياته؟
- حالياً يقيم اللواء طوقاً أمنياً حول المخيم ويحصر حركة الدخول اليه والخروج منه في أربع نقاط أساسية: من الجهة الشمالية نقطة العبده، ومن الجهة الشرقية، المحمّرة. أما من الناحية الجنوبية فثمة نقطتان، بحنين وجامع شاكر.
لقد قسمنا المخيم الى قسمين: المخيم الجديد الذي تدخل الى جزء منه وفود من الأونروا ومن شركة خطيب وعلمي، بينما ثمة جزء آخر ما زال الدخول اليه ممنوعاً كما هي الحال بالنسبة الى المخيم القديم.
تتولى وحدات اللواء مواكبة الأونروا وشركة خطيب وعلمي في الأعمال التي تقومان بها في الجزء المذكور سابقاً من المخيم، حيث تتم عمليات مسح وتجهيز مبانٍ ليتم تأجيرها الى الأونروا وإسكان عائلات فيها.
ويضيف العميد الركن نصر:
هذه الأعمال تقتضي وجود ورش وعمال ونحن نواكبها، بالاشتراك مع مخابرات الشمال والشرطة العسكرية، وبالتالي فإن الدخول الى المخيم والخروج منه يجري وفق لوائح إسمية، مع الإشارة الى أننا نسهل الأمور بغية الإسراع في إعادة قسم من اللاجئين الفلسطينيين الى المخيم، خصوصاً الذين هم في مدارس مخيم البداوي. الى ذلك تجهز الأونروا عقاراً في ناحية بحنين ستوضع عليه بيوت جاهزة لإيواء السكان.
أما في ما يتعلق بمهام حفظ الأمن في المنطقة فاللواء يتابع هذه المهام إضافة الى ضبط المعابر الحدودية.

 

نحيي وقفة المواطنين
• بعد أن انتهت المعركة ماذا تقولون لأهل الشمال؟
- نحيي وقفة اللبنانيين عموماً وأهالي المنطقة خصوصاً الى جانب جيشهم. هذه الوقفة أمّنت لنا دعماً معنوياً كبيراً ساعدنا على إنجاز المهمة، كما أن الدعم المادي الذي قدّموه عبر المساعدات المختلفة ساهم أيضاً في إنجازنا مهامنا. ونحن نقدّر هذا الدعم بكل أشكاله، ونعاهد اللبنانيين  على البقاء في جهوزية دائمة للحفاظ على أمن لبنان واستقراره ووحدته وسيادته واستقلاله، أياً كان حجم التضحيات التي يقتضيها الواجب.
أخيراً ختم قائد اللواء الخامس بكلمة الى عسكريي اللواء، حيّا فيها اندفاعهم ومناقبيتهم ووفاءهم لدماء رفاقهم ولقسمهم. ودعاهم الى الاستمرار في التزام واجبهم المقدس حفاظاً على وطنهم وشعبهم.