قانون إنساني دولي

العسكريون لا يصبحون شرطيين بين ليلة وضحاها!
إعداد: أحمد زكريا
المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة - لبنان

فكيف يتم التكيّف في عمليات حفظ الأمن؟

 

إنّ دور القوات المسلّحة للدولة هو حماية الإقليم الوطني ضد التهديدات الخارجية أو مواجهة مواقف النزاع المسلّح غير الدولي، بيد أنّه قد يطلب منها أحيانًا مساعدة السلطات المدنية في التعامل مع مواقف التوتر أو العنف أو الاضطرابات الداخلية، على سبيل المثال مساعدة الشرطة المدنية في المحافظة على القانون والنظام أو استعادتهما. إنّ دور الجيش في هذا المجال هو دور داعم، ويتمّ نشر قواه فقط عندما يزيد الضغط على موارد الشرطة بحيث لا تستطيع القيام بعملها بصورة مناسبة. وفي الحالة التي ينهار فيها النظام والقانون بصورة كاملة وتعجز السلطات المدنية، بما فيها الشرطة، عن مواجهة الموقف، قد تضطر القوات المسلّحة، بناء على تعليمات من الحكومة، إلى تولّي زمام الأمور، ولكن فقط حتى يتمّ استعادة القانون والنظام، وعندئذ يُعاد تسليم المسؤولية مرة أخرى إلى السلطة المدنية.

 

ما نحتاج إلى معرفته...
ما هو القانون الذي يحتاج العسكريون إلى معرفته على المستوى التكتيكي أو العملياتي؟ ونعني بهذا ما يحتاج الجنود إلى معرفته على الأرض عند مواجهة حشد من المشاغبين، على سبيل المثال. كيف ينبغي عليهم التعامل مع شخص ألقوا القبض عليه أو احتجزوه؟
في مثل تلك الظروف، لا يكون الدور الأساسي للقوات المسلّحة إدارة الأعمال العدائية ضد خصم مسلّح ومنظّم، وإنّما القيام ببعض الوظائف التي تقوم بها الشرطة عادة، لاستعادة القانون والنظام والمحافظة عليهما. وتلك القوات لابد لها من تطبيق القيود التي توجّه عمل الشرطة، خصوصًا في ما يتصل باستخدام القوة والأسلحة النارية، لكن العسكريين لا يصبحون شرطيين بين عشية وضحاها، وعليهم التكيّف مع دورهم الجديد.

 

مصطلحات
يستخدم قانون حقوق الإنسان الدولي والمعايير الخاصة به تعبير: «الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون» لوصف المسؤولين الذين يمكنهم المساهمة عملياتيًا، في معالجة الاضطرابات والتوتّرات الداخلية، وهذا التعبير يشمل السلطات العسكرية التى تمارس سلطات الشرطة.
الاضطرابات الداخلية هي الحالات التي لا يوجد فيها نزاع مسلّح غير دولي، وإنّما مواجهة داخلية تتصف بالخطورة أو بالاستمرار لمدّة معينة، وتتضمن أعمال عنف. قد تأخذ الاضطرابات أشكالًا متعددة مثل اندلاع ثورة والقتال بين السلطات التي تتولى الحكم ومجموعات منظمة إلى حد ما. في تلك الحالات، والتي ليس بالضرورة أن تزداد سوءا لتصل إلى مواجهة صريحة، تلجأ السلطات التي تتولى الحكم إلى قوات كبيرة من الشرطة، أو حتى إلى القوات المسلّحة، لاستعادة النظام الداخلي.
أمّا مصطلح التوترات الداخلية فيشير عادة إلى حالات التوتر الشديد (السياسية والدينية والعرقية والاجتماعية والاقتصادية، الخ)، أو إلى نتائج نزاع مسلّح أو اضطرابات داخلية. وقد يتخلّل تلك الحالات عمليات إلقاء قبض جماعي، أو احتجاز عدد كبير من الأشخاص لأسباب أمنية، أو الاحتجاز الإداري لفترات طويلة.

 

التكيّف مع واقع العمليات
يشارك الجيش فى العمليات التي ترتبط بالأمن الداخلي لمواجهة الاضطرابات الداخلية أو حالات التوتر، فيتولّى مثلًا حماية الأشخاص والممتلكات (النقاط المهمة والشخصيات المهمة)، الأشخاص المعرضين للاعتداء (القضاة والشهود الرئيسيون، الخ)، والقبض على المخالفين للقانون ومن يشتبه بمخالفتهم له، ومنع تصاعد أعمال العنف، وإقامة الطوق الأمني بالإضافة إلى أعمال التفتيش والدوريات وسواها...ولذلك، تحتاج وحداته إلى التكيّف مع متطلبات عمليات الأمن الداخلي. وأبرز المجالات التي قد تواجه فيها هذه الوحدات مشاكل تكيّف على المستوى العملياتي هي: التدريب والمعدّات والتكتيكات.

 

• التدريب:
نعرف أنّ الدور الرئيسي للقوات المسلّحة هو مواجهة النزاع المسلّح، وبالتالي فإنّ تدريب العسكريين وتجهيزهم بالمعدات ينطلقان من مبدأ إلحاق الحدّ الأقصى من الضرر والدمار بخصومهم، وهزيمتهم في أقصر وقت ممكن في نطاق قواعد قانون المنازعات المسلّحة. على الجانب الآخر، فإنّ الملامح الأساسية لعمليات الأمن الداخلي هي ضبط النفس واستخدام أدنى حدّ من القوة، أي عكس ما هو مطلوب عادة من الجنود في الحروب التقليدية. والسبب واضح: إنهم يحافظون على القانون والنظام بين أهلهم، وفي بلدهم.
لا تنتظروا من الجنود معرفة كيفية مواجهة الأمر من دون تدريب. إذا تدخل الجيش في عمليات الأمن الداخلي من دون معرفة بالقانون القابل للتطبيق، ومن دون تدريب على كيفية تطبيقه، فسيواجهون المشاكل. ولأنّ مثل تلك الحالات تتطلب التروي والنضج، فقد تنتج مشاكل معينة بسبب الجنود صغار السن من غير ذوي الخبرة، إذا ما تمّ إشراكهم في العمليات. هناك عدد من الأمثلة عن القوات التقليدية ذات الكفاءة العالية والتدريب الجيد التي أساءت الأداء في عمليات الأمن الداخلي. والبعض يتفاعلون مع الحالة التي تواجههم، على نحو يؤدي في الواقع إلى تفاقمها، أو يتسببون في وقوع المزيد من الضحايا نتيجة لسلوكهم.
دعونا لا نرتكب خطأ التقليل من قدر الضغوط والمصاعب التي يواجهها الجنود في مثل تلك العمليات. مع ذلك، دعونا نكون واضحين بالقدر نفسه في ما يتصل بكون الجنود المدربين تدريبًا جيدًا على إجراء التعديلات الضرورية، ويقودهم قادة محترفون ومهرة، سوف يكون بمقدورهم مواجهة متطلبات الأمن الداخلي. لابدّ لهم ببساطة من أن يواجهوها وإلا باتوا يشكلون خطرًا على أنفسهم وعلى زملائهم الجنود وعلى وحداتهم. كما أنهم أيضًا يمثلون تهديدًا للأشخاص الذين من واجبهم حمايتهم، أي المدنيين الذين وقعوا ضحية لأعمال العنف.

 

• المعدات:
كثيرًا ما تكون القوات المسلّحة غير مجهزة تجهيزًا مناسبًا لعمليات الأمن الداخلي. فالجنود الذين يواجهون جماعات عدائية، والمزودون البنادق فقط، سيستعملونها بصورة طبيعية إذا تعرضت حياتهم للتهديد. بيد أنهم إذا كانوا مزودين معداتٍ دفاعية (سترة واقية وخوذات مزوّدة جزءًا أماميًا متحركًا يغطي الوجه، وهراوات، ودروعًا، وبنادق بطلقات مطاطية، وغازات مسيلة للدموع ومدافع المياه، الخ...) يمكنهم استعمال ردّ فعل متدرج للردع، من دون الحاجة إلى اعتماد الإجراءات المتطرفة. من الصعب مطالبة جنود غير ذوي خبرة وحياتهم معرضة لخطر شديد، بضبط النفس واستخدام الحدّ الأدنى من القوة، إذا لم يكونوا مجهزين بشكل مناسب للقيام بهذا العمل. من الواضح أنهم بحاجة إلى تعلّم كيفية استخدام تلك المعدات التي قد تكون جديدة تمامًا وغريبة عنهم. إذًا، تحتاج القوات المشاركة في عمليات الأمن الداخلي إلى تشكيلة من المعدات تمكّنها من ممارسة ردّ فعل متدرج، كما ينبغي أن تكون مدربة على استخدام تلك المعدات.

 

التكتيكات:
في حالات الشغب، تتطلّب مواجهة حشد عدواني من المدنيين مدخلًا مختلفًا تمامًا عن الذي يتطلبه الهجوم على موقع للعدو في حرب تقليدية. وتقع مسؤولية القيادة في تلك العمليات على المستويات الدنيا جدًا، إذ كثيرًا ما تعرف بحروب قادة الفصائل. مرة أخرى، التعديلات في التدريب والتكتيكات مطلوبة للتعامل مع تلك الحالات.

 

توجّهات القوات المسلّحة في عمليات الأمن الداخلي
ينظر البعض إلى عمليات الأمن الداخلي بتعالٍ، فهم يظنون أن لديهم دورًا أكثر نبلًا ليقوموا به، وأنّ السبب الوحيد الذي دعا السلطات إلى الاستعانة بهم هو أن الشرطة غير كفؤة وغير قادرة على المحافظة على القانون والنظام. هذا التوجه المتعالي، والسائد، قد يخلق مشاكل كبيرة. فكما ذكرنا، ينبغي أن تعمل القوات المسلّحة على المستوى العملياتي في دور داعم للشرطة.
في الواقع، كثيرًا ما لا يكون الأمر هكذا على الأرض، فالقوات المسلّحة قد تميل إلى دفع الشرطة جانبًا وأخذ الدور القيادي.
يقوم النظام القضائي لمعظم الدول على أولوية الشرطة في مثل تلك العمليات، بَيدَ أن القوات المسلّحة كثيرًا ما تقوم بأداء الأمور بطريقتها الخاصة. وقد تبرز صعوبة أخرى إذا لم تكن الشرطة مدربة بالشكل الكافي على التعامل مع ما قد يمثل حالة غير طبيعية. كما أنّ عدم الثقة بين القوات المسلّحة والشرطة قد يخلق أنواعًا مختلفة من المشاكل الإضافية. مثلًا، هناك ميل إلى التحفظ على المعلومات الاستخباراتية وعدم مشاركتها، ممّا يؤثّر سلبًا على الكفاءة في الأداء. لذلك من الضروري اعتماد التدريب المشترك بين العسكريين والشرطة للحدّ من المشاكل العملياتية. فالتعاون بين الطرفين، هو مفتاح النجاح في عمليات استعادة القانون والنظام.
في المقال القادم، سوف نتحدث عن القانون القابل للتطبيق في أثناء عمليات الأمن الداخلي، والمعايير الدولية لاستخدام القوة في تلك العمليات.