ملف العدد

العـنـف ضد الأطفال في لبنان
إعداد: ندين البلعة

مَن يتكفّل ترميم ما يهدمه الكبار في نفـوس الــــصغار؟

قصص يصعب تصديقها وجرائم
يغطيها الجهل والخوف من الفضيحة


طفل ذو عشر سنوات مسجون في قفص حَمام مدة 9 أشهر!؟
صدّق أو لا تصدّق... هذه القصة ليست من نسج الخيال، بل جرت أحداثها في مدينة طرابلس - لبنان!!
كثيرون صُدِموا حتماً من بداية هذه القصة، فهل تتحمّل عقولنا كفايتها؟ وهل نصدّق وجود هكذا قصص في مجتمعنا اللبناني الذي يقدّس الروابط العائلية وحيث «الرجل هو رأس المنزل وربّ العائلة»!؟
هذه ليست القصة الوحيدة، فكثيرةٌ هي حالات العنف الممارَس على الأطفال في لبنان وأحياناً من أقرب الأقرباء: في المنزل أو في المدرسة أو في المحيط والشارع... غالباً ما تكون هذه الحالات غير مرئية، فهل يُمارَس الظلم في النور والعلن؟ حتماً لا!

 

مفهوم العنف ضد الأطفال وأنواعه
ثمة عدة تعريفات للعنف منها ما ورد في المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل بأنه «أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو الإستغلال كافة، بما في ذلك الإساءة الجنسية...».
وفي تقريرها العالمي عن العنف والصحة (2002) تعرّف منظمة الصحة العالمية العنف بأنه «الإستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية، المهدّد بها أو الفعلية، ضد أي طفل من قبل أي فرد أو جماعة، وتؤدي الى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الطفل أو لبقائه على قيد الحياة أو نموه أو كرامته».
ويتناول التقرير الإقليمي للمنظمة الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيفيد بأن البيانات حول حجم العنف ضد الأطفال قليلة بشكل عام وهذا يرجع الى عدة أسباب، منها ما هو ناجم عن حساسية هذه القضية خصوصاً داخل الأسرة، ومحدودية التبليغ عن مثل هذه الحوادث، وعدم توافر آليات فعّالة للتبليغ. بالإضافة الى غياب الثقة في إمكان التصدي لهذه المشكلة، وغياب الوعي للآثار السلبية لهذه الممارسات على الأطفال وكذلك لمفهوم حقوق الطفل... وعلى الرغم من ذلك فإن معظم المؤشرات يؤكد على تزايد حجم العنف الموجّه ضد الأطفال في الوطن العربي وأنماطه، بما في ذلك لبنان.

 

تصنيف العنف
يصنّف الاختصاصيون أنواع العنف ضد الأطفال ويميزون بين أربعة منها أساسية هي:


• العنف الجسدي:
أي الإعتداء الذي يُلحق الأذى بجسم الطفل سواء باستخدام اليد أو أي وسيلة أخرى، وينجم عن ذلك إصابته برضوض أو كسور أو جروح... وقد يصل العنف الجسدي الى حد القتل.
أما المفارقة فهي أن نسبة غير قليلة من الناس ما زالت تعتمد الضرب والأذى الجسدي كوسيلة لتأديب الأطفال.


• العنف الجنسي (أو الإعتداء الجنسي):
هو شكل من أشكال العنف الجسدي، ويُقصد به استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لشخص آخر... وهذا يؤدي بلا شك الى آثار سلبية خطيرة على الطفل.


• العنف العاطفي:
وهو إلحاق الضرر النفسي والإجتماعي بالطفل، من خلال ممارسة سلوك ضده يشكل تهديداً لصحته النفسية، بما يؤدي الى قصور في نمو شخصيته، واضطراب في علاقاته الاجتماعية بالآخرين.
ومن أشكاله حرمان الطفل من الحب والحنان والرعاية والحماية والشعور بالأمن والأمان، وحرمانه من حقه في التعليم واللعب... وكذلك القسوة في المعاملة أو التدليل الزائد والحماية المسرفة.


• الإهمال:
هو فشل الأسرة والمدرسة في إشباع احتياجات الطفل البيولوجية (غذاء، كساء، مأوى...)، والنفسية (الأمان، الرعاية، الصحة، التعليم، التربية...) أو ضعفها ما يحرم الطفل من حقه في تنشئة إجتماعية سليمة.


أسباب ونتائج
تختلف وتتنوع أسباب ممارسة العنف ضد الأطفال، أما النتيجة فواحدة. الأطفال ضحايا العنف يصابون بأضرار نفسية وجسدية وعاطفية خطيرة. وإذا لم يجدوا من ينتشلهم من الدوامة التي يعيشون فيها فإن كلاً منهم يشكّل مشروع منحرف أو مجرم.
بعض أسباب ممارسة العنف ضد الأطفال مرده الى المجتمع وبعضه الآخر الى الأسرة أو المدرسة، أو حتى الطفل نفسه في حال معاناته خللاً عقلياً أو نفسياً أو أيضاً في حال عدم ثقته بنفسه أو كونه بطبعه ولداً عنيداً!
كيف يتعاطى المجتمع اللبناني بمؤسساته الرسمية والمدنية مع ضحايا العنف من الأطفال؟
من الناحية القانونية صدّق لبنان على المعاهدات والاتفاقيات التي تحمي حقوق الطفل، وتتضمن التشريعات اللبنانية قوانين في هذا الإطار («نحن والقانون» يعالج الموضوع في هذا العدد).
ويشكّل المجلس الأعلى للطفولة في لبنان (تابع لوزارة الشؤون الإجتماعية) المرجعية الوطنية المعنية بمشاكل الأطفال وكل ما يتعلق بحقوقهم.
بموازاة هذا المجلس كمرجعية رسمية ثمة عدد كبير من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بقضايا الطفولة، والتي تمد يدها للمعنَّفين والمهمَّشين لتنتشلهم من واقع مرير ظالم، وتعيد اليهم الأمل بحياة تراعي حقوقهم كأطفال.
وبين المرجعيتين الرسمية والأهلية يقع دور الاتحاد لحماية الأحداث وهو جمعية ذات منفعة عامة تعمل لصالح الأحداث وتتمتع بصلاحيات تخولها التدخل لحمايتهم.

 

المجلس الأعلى للطفولة
«لا يكفي التصديق على الاتفاقيات الدولية للتمكن من حماية الأطفال، بل يجب متابعة العمل متابعة تطبيقية...». بهذه الكلمات يبدأ الدكتور إيلي مخايل - أمين عام المجلس الأعلى للطفولة - حديثه عن المجلس ودوره في مكافحة العنف ضد الأطفال، بالتعاون مع المنظمات الأخرى المختصة.
ويتابع «العنف ضد الأطفال موجود بأشكاله كافة في لبنان، بدءاً بالأسرة حيث لا يتقن الأهل مهارات التواصل مع الطفل؛ وصولاً الى الذهنية الإجتماعية في المحيط، وأساليب التربية... والأهم، القوانين اللبنانية العامة غير الواضحة بهذا الخصوص».
ويشير الدكتور مخايل الى المادة 168 من قانون العقوبات، التي تجيز إنزال العقوبة بالطفل في حال استحقها، ضمن ما يبيحه العرف العام!!
ويعرّف الدكتور إيلي مخايل بدور المجلس: «إن المجلس الأعلى للطفولة التابع لوزارة الشؤون الإجتماعية، هو المرجعية الوطنية المعنية بمشاكل الأطفال وكل ما يتعلّق بحقوقهم. من هنا أنشأ المجلس آلية عمل في إطار مكافحة العنف ضد الأطفال، تمثّلت فيها كل الوزارات المعنية بحماية الطفل: العدل والتربية والداخلية (قوى الأمن)... هذا بالإضافة الى التعاون مع الجمعيات المدنية والمجتمع الأهلي فيتم العمل على هذا الموضوع عن طريق الوقاية والتدخل وإعادة التأهيل».
ويضيف مخايل:
«نعمل في المجلس على عدة محاور، أنجزنا قسماً من خطتنا لمواجهة العنف ضد الأطفال ونعمل على متابعة الباقي. أشير في هذا المجال الى الإستراتيجية الوطنية لحماية الأطفال من الإستغلال والعنف، حيث وضعنا أطراً مرجعية لهذه الإستراتيجية تتضمن منهجية العمل والمخطط العام، ونحن نعمل على تشكيل فريق عمل وإنشاء مجموعات لمناقشة مسودة الاستراتيجية.
ولتفعيل هذه الإستراتيجية، نظّمنا لقاءات تشاورية مناطقية حول مناهضة العنف ضد الأطفال في الكثير من المناطق اللبنانية، بالإضافة الى تحضير لقاء مع لجان المتابعة التي تشكّلت نتيجة اللقاءات واقتراح خطوات عمل بالتنسيق مع شبكات الحماية التي أطلقتها منظمة اليونيسف.
كما وضعنا إستراتيجية وطنية للوقاية من الإنحراف بالتنسيق مع الجامعة اليسوعية. ونظّمنا خطة وطنية لمكافحة العنف الممارَس على الأطفال في المدارس، للوصول الى آلية لإلغاء العقاب المدرسي من خلال وضع مشروع لتدريب الأساتذة والمعلمين حول بدائل العقاب المدرسي وأساليب التربية الحديثة.
ونظراً الى انتشار العنف بأشكاله العديدة وفي المناطف كافة، وضعنا البرنامج الوطني حول حماية الأطفال من سوء استعمال الانترنت واستغلالهم. ولهذا الهدف سوف يتم استقدام متدربين من إحدى الجامعات لتناول الإشكالية وتقديم مقترح في هذا الإطار وخصوصاً من الناحية القانونية.
الى ذلك وقّعنا اتفاق تعاون بين المجلس الأعلى للطفولة ومركز الدراسات الحقوقية للعالم العربي في جامعة القديس يوسف لتنفيذ الدراسة القانونية المقارنة للتشريع اللبناني مع الإتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل. لهذا الهدف سيتم وضع خطة عمل لتحديد الأولويات البحثية بالإضافة الى آلية وفريق عمل».

 

دور الإعلام
يشير الدكتور إيلي مخايل، ضمن الإستراتيجية التي يعمل المجلس لتنفيدها، الى دور الإعلام وذلك من خلال العمل على تخصيص شرعة أخلاقيات التعامل الإعلامي مع الأطفال وصولاً الى تنسيق حملة هدفها توجيه الرأي العام الى مناهضة العنف ضد الأطفال.
ويشير مخايل الى الحملة الوطنية بمناسبة 19 تشرين الثاني (اليوم العالمي للوقاية من الإساءة الى الطفل)، والتي تأتي تحت عنوان: «حماية الأطفال من العنف، حقهم... واجبنا».
ويختم بالقول: «إن المجتمع اللبناني يقيم اعتباراً كبيراً للطفولة، لذلك نجد اهتماماً وتجاوباً مع هذه المواضيع. ولكن الأهم أن نعترف بالتقصير وأن هناك خطوات ناقصة سوف نسعى الى استكمالها من خلال استراتيجية العمل التي سبق ذكرها».

 

عودة الى قصة سمير
وقصص أخرى
داخل مراكز الجمعيات التي تهتم بالأطفال وخصوصاً ضحايا العنف منهم، نصبح على تماس مباشر مع واقع أليم، واقع أطفال حُرموا أبسط حقوقهم ومورِست بحقهم أبشع أنواع الظلم. لكن في المراكز إياها تكشف الإنسانية وجهها الخيّر، وتعيد الى هؤلاء الضحايا حقهم في الحياة والكرامة الإنسانية. سمير، رنا، وسواهم... (أسماء وهمية) لأطفال أوصلتهم الظروف الى مَن يعتني بهم ويعيد ترميم ما هدمه في حياتهم مَن كان من المفترض أن يحيطهم بكل الحب والرعاية.

 

معقول...!؟
سمير ولدٌ من عائلة لبنانية، إنفصل فيها الوالدان فبقي وشقيقته ذات الحادية عشرة من العمر مع الوالد الذي تزوّج مرة ثانية وكان يسيء معاملة ولديه.
سَجَنَ الوالد إبنه في قفص حمام على سطح المنزل لمدة تسعة أشهر تقريباً، شاهد خلالها حرب تموز 2006 من داخل هذا القفص حيث كان يُعنَّف ويُترك... حتى الطعام لم يكن متاحاً له إلا في وجبتين يومياً.
تعرّض سمير خلال هذه الفترة لضربٍ عنيف بكابلات الكهرباء ولأصناف أخرى من العنف. كان والده يرشّّه بالماء، وكان يقضي حاجته في علبتين صغيرتين موضوعتين داخل القفص!
أمّا شقيقته فكانت تتعرّض بدورها للضرب وتنام في الحمّام، وحُرمت وأخوها من أبسط حقوق الطفل.
اكتشفت قوى الأمن هذه الحالة بالصدفة، فسُجن الأب وحُوِّل الطفلان الى مركز «restart» لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب.

 

كان... أصبح
تخبرنا السيدة سوزان جبّور، رئيسة «restart» عن هذه الحالة التي شغلت إختصاصيين في علوم النفس والإجتماع...
«وصل سمير الى المركز في حالة يرثى لها: طفل متوحّش، يُبدي الكثير من الخوف وقلة الثقة بمن حوله. فهو لم يُعنّف وحسب بل مورِست عليه أنواع التعذيب شتى. وقد حُرِم من مراحل النمو النفسي والعاطفي الضرورية للطفل».
وتتابع: «في هذا العمر، يبدأ الطفل بتكوين صورة عن الشخص المثالي الذي يريد أن يقتدي به ويكون على صورته. ونظراً الى ما تعرّض له سمير، تشوّهت هذه الصورة واهتزّت أسس كثيرة في شخصيته. بدت عليه أعراض الخوف والقلق والتردد وعدم التواصل مع الآخرين، لكنه لم يكن عدائياً كما يُفترض أن يكون ولد في حالته، بل كان دائم الإصرار على التحسن والتقدّم في العلاج والتعويض عمّا فاته.
ظهرت على سمير مؤشرات تراجع إجتماعي، إضافة الى عوارض القلق وقلة النوم وانقطاع الشهية؛ كما واجه ما يسمى Flashback أي استعادة ذكريات أليمة ومشاهد مؤذية في أي لحظة يستثيره فيها حدث ما، فيعود ليعيش قصة الألم والعنف من جديد، وكأنها تحصل للتو.

 

في مركز التأهيل
أحيل هذا الطفل الى المركز للتأهيل، حيث خضع الى عدة مراحل فلا يكفي أن يأخذ الطفل حريته بل هو يحتاج الى إعادة تأهيل تشمل كل آثار الصدمة حسب السيدة جبور التي تضيف: خضع سمير في البداية الى تقييم شامل للحالة (Global Evaluation) هدفه تشخيص مشاكله النفسية تمهيداً للعمل على معالجتها.
يعتمد الاختصاصيون النفسيون عدة طرق في علاج الطفل، منها التعبير الحر، الرسم، وتقنية تأدية الأدوار ما يتيح له الإفصاح عمّا يخالجه من مشاعر.
في مرحلة لاحقة عملنا على تقييم الوضع التربوي لسمير، فقد حُرم من المدرسة لفترة تقارب السنة ونصف السنة. قيّمنا مهاراته العلمية والأكاديمية لكي يعوّض ما فاته من المنهج التربوي، وهو حالياً يقدّم نتائج ممتازة.
كما تمّ التركيز على العلاج المعرفي والسلوكي، فالطفل المعنّف يكوّن صورة خاطئة عن مفهوم الأهل وتصرفاتهم وهم أقرب الناس اليه، لذا يتمّ العمل على إفهامه القاعدة وأن حالته هي الإستثناء.
راح سمير يتردّد الى مركزنا عدة مرات في الأسبوع، وبدأنا العمل معه على نقاط مختلفة كان أهمها مرحلة التعبير عن الحدث والتكلّم وإخراج مشاعر الغضب والحقد المتراكمة داخله.
تميّز سمير بذكائه الفائق وبإصراره على التخلّص من مشاكله وتطوير نفسه وتعويض ما تعرّض له من ظلم وعنف وتعذيب».


عوامل أساسية للعلاج
أوضحت السيدة جبور أنه في مرحلة العلاج لا بدّ من توافر عاملين أساسيين هما: إرادة الطفل ووعي الشخص المسؤول عنه لضرورة العلاج. وفي حالة سمير واكبت والدته علاجه واعترفت بضرورة خضوعه لهذا التأهيل. كذلك إبنتها، تابعت بدورها علاجاً، على الرغم من أن ما تعرّضت له من عنف وحرمان يختلف عمّا مورس على شقيقها؛ ولكن التأثيرات النفسية كانت متشابهة... وفي حالات مماثلة تكمن المشكلة الأكبر في إعادة إنتاج علاقات عائلية صحيحة وسوية بين الأولاد وأهلهم!!».
وتوضح السيدة جبور أن عدة إختصاصيين يشاركون في عملية التأهيل: معالجة نفسية، ومربية تقويمية ومعالج نفسي حركي (Psychomotricien)... وذلك لإعادة تكوين المفاهيم الصحيحة المتعلقة بشخصية الولد وجسده وعقله.
وتشير الى أن القانون يتدخل ليؤمن الحماية للأولاد في هذه الحالات ويمنع عودتهم الى المحيط الذي تعرّضوا فيه للعنف.
وفي ختام حديثها تؤكد جبور أن الأهم في عملية التأهيل مراعاة فردية كل حالة وخصوصيتها.

 

إبنة تلعب دور الأم
رنا الفتاة البكر في عائلة مؤلفة من ستة أولاد. غادرت الأم المنزل فبقي الوالد للإهتمام بأولاده. تؤدي رنا دور الأم، تهتم بأخوتها والمنزل على الرغم من أنها لم تكمل الثانية عشرة من عمرها.
الأب مدمن على الكحول وعاطل عن العمل لأسباب صحية بالإضافة الى أنه لا يتقن أي مهنة، ففي فترة شبابه كان منتمياً الى إحدى الميليشيات.
قصدت الطفلة وأخوتها «دار الطفل اللبناني» (Afel)، وهو مركز لحماية الأطفال من العنف والإهمال. فجأة تغيّر سلوك الفتاة في المركز الداخلي في منطقة «جوار البواشق»، ومن خلال الثقة التي سادت علاقتها بفريق العمل في المركز، أفصحت عن التحرّش الجنسي الذي يمارسه والدها عليها: مداعبات وحركات غريبة لم تكن تفهمها.
تخبرنا السيدة أمال فرحات باسيل، رئيسة الجمعية أن هذه الحالة واحدة من بين عشرات الحالات التي يصادفونها يومياً في المركز.


• ماذا عن الجمعية؟
- «تأسست جمعيتنا العام 1976 وكانت تُعنى بالأطفال الأيتام ضحايا الحرب اللبنانية... ولكن حالياً نحن نستقبل حالات العنف شتى بما فيها الأطفال المعنّفين. مركزنا الداخلي في «جوار البواشق» يستقبل حوالى 55 طفلاً من 30 عائلة. ولكننا صراحة ضد وضع الطفل في مركز داخلي إلا في الحالات القصوى. من هنا نعمل على صعيد الطفل وعائلته.
رنا وأخوتها حالة مؤثرة، وقد عملنا معهم على تخفيف الضغط عن الأخت البكر أي رنا، من خلال توزيع المسؤوليات على الأخوة جميعاً. وحتماً كان علينا متابعتهم كغيرهم من الحالات المشابهة متابعة مدرسية (Soutien Scolaire). فيذهب أطفالنا الى المدرسة ويأتون ظهراً يتناولون الطعام، وبعد إنهاء الفروض المدرسية، يقومون بنشاطات. التأهيل يتناول كل طفل بمفرده بالإضافة الى المتابعة وثمة متابعة نفسية مستمرة. نسعى بشكل أساسي الى تعليم الطفل كيفية التعبير عن كل ما يزعجه، أي كسر حاجز الصمت وخصوصاً في حالات التحرّش الجنسي كحالة رنا».   
وتوضح السيدة أمال: «في لبنان، لا يزال مفهوم العائلة الكبيرة سائداً، لذا عملنا مع رنا وأخوتها على إيجاد بديل عن الوالد الذي سُجن وعن الأم الغائبة... والآن بعد عملية التأهيل، يعيش الأولاد الستة مع جدهم وجدتهم: رنا عمرها اليوم عشرون عاماً وقد أنهت دراستها وهي تعمل؛ أّما أخوتها فمنهم من يتابع دراسته ومنهم من يعمل...
والأهم أننا ركّزنا على عامل المصالحة والتسامح بين الأولاد ووالدهم، وعلى إعادة العلاقة الطيبة في ما بينهم».


حين لا يتجاوب...
في بعض الحالات يكون العنف قد تغلغل في نفس الطفل فتصبح عملية إعادة تأهيله صعبة جداً. وفي هذا الإطار تخبرنا السيدة أمال عن حالة رامي.
«تعرّض رامي منذ ولادته الى التعنيف. فأبوه كان يعاني اضطرابات نفسية وكان زائراً دائماً للسجن. كان يضرب أولاده بطريقة عنيفة ولكن رامي كان «فشّة خلق»، إذا بكى، علّقه والده بالمسمار على الحائط!!
وصل الى المركز بعد فوات الأوان وكان يبلغ العاشرة من العمر. اضطرابات نفسية وسلوكية اجتمعت في شخصية هذا الطفل فكان يتناول أدوية الأعصاب. يصبّ غضبه على الحيوانات كردّة فعل على العنف الذي تعرّض له. وفي عمر 15 سنة فقدنا السيطرة على رامي بعد أن بدأت تظهر لديه بوادر سرقة وسلوك منحرف؛ وخوفاً من تأثيره السلبي على المركز والأطفال فيه، حُوِّل الى الإصلاحية. ولكن على الرغم من ذلك فإننا نتابع سلوكه وعملية تأهيله باستمرار».
وتلفت السيدة أمال الى حالات الأطفال غير المسجلين في الدوائر الرسمية والذين لا يملكون هوية بالرغم من توقيع لبنان لاتفاقية حق الطفل بالتسجيل عند الولادة. «لدينا قضية ما زالت منذ ثماني سنوات في المحكمة. الأم توفيت، وعلى الرغم من أن فحوصات الحمض النووي (DNA) أثبتت بنوتهم، لم يحصلوا بعد على هوية بسبب عدم تسجيل الزواج في الدولة!».
وتختم رئيسة «دار الطفل اللبناني» بالقول أن العنف يشكّل دائرة مترابطة من الظروف الإقتصادية والسياسية الصعبة التي تؤثر على العائلة وتؤدي الى خلل فيها، وبالتالي الى خلل في المحيط والبيئة والمجتمع بأسره، وكل هذه الآثار تصبّ على الطفل.


مزيد من الأمل
في إطار تشجيعها المؤسسات والأفراد العاملين على حماية الأطفال من العنف، منحت مؤسسة الرؤية العالمية جائزة «أفضل الممارسات» لجمعية دار الأمل تقديراً لمشروعها «حماية الأطفال من مخاطر الإستغلال» - في الإطار نفسه نال الزميل قاسم دغمان (NBN) جائزة أفضل تغطية إعلامية.
السيدة جرمان أفرام مسؤولة مركز دار الأمل - النبعة، تحدثت عن مشروع الجمعية الذي يأتي في إطار التوعية للوقاية من العنف. تقول: «ندرك جيداً أنه للوصول الى نتيجة في موضوع حماية الأطفال من العنف في لبنان، علينا العمل ليس مع المستفيد فحسب، بل ايضاً مع عائلته ومحيطه.
بداية توجهنا بالمشروع الى الأطفال لتوعيتهم على حقوقهم، على مفهوم العنف والأماكن التي يمكن أن يتعرّضوا فيها للعنف من المنزل الى المدرسة والشارع.
ونحن نتابع جلسات التوعية، خصوصاً مع الفتيات، حتى يمتلكن بدورهنّ القدرة على التوعية في مجتمعهن ومحيطهن.
في ما يتعلق بالأهل نظّمنا جلسات مصارحة وتوعية واعتمدنا اللقاءات الفردية أحياناً وضمن مجموعات أحياناً أخرى».
وتوضح السيدة أفرام أهمية اللقاءات الفردية في حالات معينة كما في «حالة طفلة كانت تتعرّض للعنف المنزلي، يدها محروقة وتشكو من إعاقة دائمة من جراء هذا العنف. أرسلنا بطلب عائلتها حتى نتواصل معها ولكن الفتاة بقيت تتعرّض للعنف حتى من شقيقها الأصغر. في هذه الحالة مثلاً حيث لا أمل في التجاوب والتغيير، نلجأ الى اتحاد حماية الأحداث الذي يملك السلطة القانونية للتدخل وأخذ الفتاة من عائلتها ووضعها في بيئة آمنة.
وأضافت: «في جلسات التوعية مع الأهل، يتمّ عرض أنواع العنف وخصوصاً العنف المدرسي كما نركّز على شرح أهمية حقوق الطفل».

 

البيئة والمحيط...
وبالنسبة الى العمل مع البيئة والمحيط، في إطار المشروع نفسه، عملنا مع الفتيات في المركز على توزيع منشور «حماية الأطفال من العنف واجبنا جميعاً»؛ حيث نظّمنا يوماً كاملاً للحملة في منطقة النبعة. وتضمّن هذا اليوم عروض دمى متحركة تتناول موضوع العنف ضد الأطفال، جرت هذه العروض في الشارع واستقطبت أعداداً كبيرة من الأولاد.


مجتمع ذكوري لا يحمي الفتاة
جمعية «دار الأمل» مركز للوقاية المتخصصة يُعنى بمشاكل الفتيات حتى عمر 18 سنة، خصوصاً وأن نسبة غير قليلة منهن تتعرّض للعنف بوسائل مختلفة.
هالة فتاة تستفيد من مركزنا تقول السيدة أفرام وتخبرنا: «كانت تأتي يومياً الى المركز نظراً الى الوضع الشاذ الذي تعيشه في المنزل. وقد كان من الصعب عليها التكلّم على مشكلتها، وبعد جهد، استطاعت هالة إخبارنا بأنها وشقيقتها تتعرضان للتحرّش الجنسي من قبل شقيقهما منذ سنوات. وعندما أخبرتا والدتهما بالأمر، تعرّضتا للضرب بحيث اتهمتهما بالتعرّض للأخ الأكبر.
اتصلنا باتحاد حماية الأحداث، وسوف نطبق الإجراءات التي نعتمدها في مثل هذه الحالة. الخطوة الأولى الأهم هي شرح الوضع للفتاتين حتى لا تتعرضا لأي صدمة. فالنيابة العامة ستصدر أمراً بالتحقيق معهما. وستتولى التحقيق معهما المساعدة الإجتماعية لتجنّب الضغط النفسي الذي يمكن أن ينتج عن التحقيق العادي في المركز الأمني.
وفي أسوأ الأحوال، إذا لم نجد دليلاً ضد الأخ، سوف نحصل على أمر بالحماية القضائية وتوضع الفتاتان على أساسه في مؤسسة داخلية».
يتّضح من خلال الشرح الذي قدّمته لنا رئيسة المركز، أنه حتى ولو كانت الآلية القانونية والخطة الدفاعية موجودتين في هذه الحالات، يبقى التطبيق أصعب وتظهر خلاله عراقيل كثيرة أسبابها متعددة تنتج عن المحيط والمجتمع والعائلة.

 

مَن المسؤول؟
السيدة هدى قرّة، رئيسة «دار الأمل» عقّبت على السيدة أفرام لتشرح وضع الفتيات اللواتي يلتحقن بالمركز: «تعتني جمعيتنا بالفتيات ضحايا العنف والبغاء والمسجونات، باختصار اللواتي ينظر اليهن المجتمع نظرة ظالمة ومحقّرة. لذا نعمل على حمايتهن وإعادة الإعتبار لهن، والتوصل الى حلول للأسباب التي تؤدي بهن الى هذه الحالات، من فقر وتعنيف وغيرهما...
لنأخذ مثلاً حالة طفلة عمرها 8 سنوات ظهرت لدينا منذ ثلاث سنوات، كانت تتعرّض للتحرش الجنسي من قبل صاحب دكان كان يستميلها بالحلويات. ولكن نظراً الى عدم وعي الفتاة لهذا الموضوع، وعدم تناسب عمرها مع هذه الممارسات، لم تعِ وجود أي خطأ.
مجتمعنا يحمي هؤلاء المجرمين ولا يعاقبهم، فهذا الرجل استطاع بواسطة علاقاته أن يخرج ببراءة ولم يعاقَب، فمن المسؤول في هذه الحالة؟».  

 

الإتحاد لحماية الأحداث في لبنان
«في يوم حارٍ من شهر آب، وصل «هادي» الى مكتبي؛ ولد عمره سبعة أيام، مريض جداً، أحضرته فتاة الينا، فأمه إحدى بائعات الهوى اللواتي يتنقلّن من سيارة الى أخرى بين الزبائن!!
حملت من أحدهم، وما إن وضعت مولودها حتى عادت الى الشارع وطفلها معها، تحمله من دون أن توفّر له أي عناية. أشفقت الفتاة على الطفل فراحت تأخذه من أمه لتنظفه وتطعمه ثم تعيده اليها. ولكنها بعد أن سئمت من إهمال هذه «الأم»، قرّرت إحضاره الى مكتبنا».
بهذه القضية تبدأ السيدة جانين قاصوف حديثها محاولة شرح دور «إتحاد حماية الأحداث في لبنان» وكيفية تدخله في الحالات المماثلة.
تقول السيدة قاصوف: «بعد متابعة القضية، صدر قرار من النيابة العامة بوضع هادي (الطفل) مع عائلة الفتاة التي أحضرته، عائلة بديلة موثوقة (famille d’accueil) حتى لا يوضع في مؤسسة.
اليوم هادي في الرابعة من عمره، وهو ما يزال مع العائلة التي احتضنته. ولكنه لم يسجّل بعد (من دون هوية)، أمّا والدته، فبعد أن أصبح مع العائلة، راحت تتردد الى منزلها بقصد الحصول على المال، ولكنها مُنِعت من زيارته إلاّ في مكتب حماية الأحداث، ونحن نعمل على تسجيله على إسمها (والدته).
وأوضحت قاصوف: «نحن نتدخل فور تلقينا شكوى أو خبراً عن حالة معينة، عن طريق الأشخاص أو المؤسسات: إتصال هاتفي من المدرسة، من الجيران أو سواهم نعتبره إخباراً فنتحرك مع الإبقاء على سرية هوية المُخبر.  
مكتب حماية الأحداث يُعلم قاضي الأحداث بالموضوع. وممكن أن تُحوّل القضية من النيابة العامة الى القاضي الذي بدوره يكلّفنا بمتابعة الأمر.
بتكليف من المحكمة، يحصل الإتحاد على قرار بإجراء بحث إجتماعي شامل عن وضع الشخص المعني. هذه المراحل تحصل في أغلب الأحيان، ولكن يجدر بالملاحظة أن كل حالة تعتبر مختلفة عن غيرها بالمعطيات والأشخاص.
لذا يدرس الملف جيداً بكل المعطيات والتفاصيل، نجري الإتصالات اللازمة مع أشخاص مفيدين في القضية، ونملك صلاحية إستدعاء أفراد معنيين بالقضية الى مكتبنا أو زيارتهم في منزلهم أو محيطهم، مع الحماية اللازمة.
نستعين ايضاً بطبيب نفسي إذا لزم الأمر شرط ألا يعرفه أيّ من الطرفين المعتدي أو المعتدى عليه. وقد تواجهنا حالات صعبة من عنف جسدي، جنسي، معنوي... فنضطر الى سحب الولد فوراً من العائلة ثم نتابع القضية.
في حال كانت هوية المعتدي مكشوفة، نخبر النيابة العامة لتوقيفه، فسلطتنا وحقنا بالتدخل قضائياً يبقى مقتصراً على الولد، في حين تتولى النيابة العامة أمر باقي الأفراد. أمّا المتابعة النفسية فهي من اختصاصنا على جميع الأصعدة».

 

مسار التحقيقات
باللغة القانونية يسمى الطفل المعتدى عليه «الطفل ضحية جرم جزائي». وفي هذا الإطار تتابع السيدة قاصوف: «في حال التحقيق مع الطفل الضحية، لا يتم ذلك في المخفر بل في قاعة تسمى «قاعة الطفل ضحية الجرم الجزائي» مع مندوبة الأحداث، والتحري، والكاتب. نُعلم الطفل عن تسجيل التحقيق حتى لا يضطر الى تحمّل الضغوطات وإعادة استجوابه عدة مرات».

 

عراقيل وفسحة أمل...
تبرز مشكلة نقص المؤسسات الرعائية المختصة في لبنان، وهي مشكلة تواجه إتحاد حماية الأحداث وخصوصاً في الحالات الصعبة. هذا بالإضافة الى صعوبة تنفيذ قرارات المحكمة لدى صدورها في مثل هذه القضايا.
وتضيف السيدة قاصوف: «إن القانون اللبناني يحمي القاصر ولكنه لا يعاقب المعتدي. كما أن قانون العقوبات ليس رادعاً في جميع الحالات. والأصعب من هذا كله، الذهنية الإجتماعية التي ما زالت ترفض الإعتراف بالمشكلة خوفاً من الفضائح؛ هذا الأمر يصعّب معرفتنا بجميع الحالات وبالتالي يحد من قدرتنا على حلّ كل المشكلات.
أكثر من ذلك ثمة بعض حالات التعنيف النفسي، وهو أمر لا يمكن إثباته بالدلائل الملموسة كما في حالة الإيذاء الجسدي، ما يصعّب التدخل ومعاقبة المعتدي».
ولكن السيدة قاصوف تشير الى أمل بتحسن بعض الأمور في هذا الإطار مستشهدة بحالة عولجت في الإتحاد: «قضية طلاق في إحدى المحاكم الدينية، حكمت ببقاء الفتاة مع والدها، ما سبّب لها مشاكل نفسية فحاولت الإنتحار.
وللمرة الأولى في لبنان، استطاعت محكمة حماية الأحداث إصدار قرار تأجيل لتنفيذ قرار المحكمة الدينية.
من هنا يسعى القضاة الى إحداث تعديل في قانون العقوبات لتوقيف الطرف الذي يعرقل التنفيذ، بالإضافة الى دراسة جدّية عن القانون 2002/422 لتحديثه.
ولم تخفِ السيدة قاصوف ختاماً النقص بالمختصين المعنيين بشؤون الأحداث من مرشدين إجتماعيين وعلماء نفس... عدد قليل وقضايا كثيرة!!


 
ثغرات في القانون
يتفق جميع من قابلناهم في سياق هذا التحقيق على وجود ثغرات في القانون المختص.
السيدة هدى قرّة أشارت الى أن القانون 422 مثلاً موضوع منذ سنوات وهو يُعنى بحماية الأطفال حتى عمر 18 سنة من كل أنواع العنف. ولكن ليس ثمة آلية واضحة وثابتة لتطبيق هذا القانون. فمجتمعنا لا يعترف بوجود الفقر والمهمّشين والمعنّفين، وهو بالتالي يحكم سلباً على هذه الفئات. وترى أن على الجمعيات الأهلية أن تتعاون لتشكل قوة ضاغطة على الدولة لتصدر آلية التطبيق الخاصة بالاستراتيجية التي نتجت عن مؤتمر الأونيسكو (2003) والتي أشار اليها الأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة في سياق الموضوع.
وترى السيدة سوزان جبور أن الحاجة ماسة الى خلق وعي حول موضوع العنف والتعذيب ضد الأطفال. وتشير الى حاجة أولاد العسكريين في الجيش اللبناني الذين شهدوا أحداث نهر البارد 2007 أو استشهدوا فيها، الى متابعة نفسية، والى عمل جمعية «Restart» لتطبيق هذا المشروع، وتؤكد على ضرورة دعم الدولة للجمعيات الأهلية.
أمّا السيدة أمال فرحات باسيل فتقول إن المسؤولية في موضوع حماية الأطفال من العنف تتحملها الدولة أولاً وذلك من خلال تطبيق اتفاقيات حقوق الطفل التي وقّعها لبنان، كما يتحمّلها المجتمع المسؤول عن رفض العنف ضد الأطفال. وتشير الى الثغرات في السياسة الإجتماعية التي تتعلّق بالطبابة والضمان الإجتماعي والعمل... وكلها من ضروريات الحياة التي إذا تأمّنت بشكل لائق حدّت من المشاكل بما فيها ما يتعلق بالأطفال».
كما تضيف السيدة باسيل أن «للإعلام دوراً لافتاً في هذه الموضوع بحيث لا يجب استغلال الضحية أو إظهار هويتها أمام الجمهور بهدف تحقيق السبق الإعلامي والشهرة، وهنا يجب أن تلحظ الدولة شرعة للإعلام من ناحية التعاطي مع المعنّفين وخصوصاً الأطفال منهم».

 

الاتحاد لحماية الاحداث في لبنان

الإتحاد هو جمعية ذات منفعة عامة تعمل لصالح الأحداث الذين يشكون من اضطرابات أخلاقية أو مصاعب مع محيطهم، أو على خلاف مع العدالة والأنظمة والقوانين ويحتاجون بالتالي الى مراقبة ووقاية وعناية.
تأسست الجمعية العام 1936 على يد متطوعين ينتمون الى مختلف الطوائف واختصاصيين إجتماعيين وغيرهم، ما حمل الدولة على الإستعانة بهذه الجمعية لتأمين الخدمة الإجتماعية لدى محاكم الأحداث ودرس ومعالجة قضايا الوقاية من الأخطار وإصلاح الأحداث. في البداية، اهتم أعضاء الجمعية بالطفولة البائسة من متسوّلين ومشرّدين ومنحرفين وعمّال وغيرهم. كما تؤمن الجمعية أعباء الرعاية الإجتماعية لدى محاكم الأحداث في كل المحافظات، فتحضُر مندوبة من الجمعية، تكون مساعدة إجتماعية تقوم بالتقصّي عن وضع الولد المعني على الصعيدين الشخصي والعائلي، وتقدّم تقريراً الى القاضي الذي يحدّد موعد الجلسة.
ويملك الاتحاد حق التدخل القانوني في قضايا الأطفال المعنّفين، من هنا فإن كل جمعية أهلية تُعنى بهذا الموضوع، تلجأ اليه ليتدخل قانونياً تحقيقاً لمصلحة الطفل.

 

مؤسسات الرعاية وحق الطفل بالرعاية الأسرية

إذا كان وضع الأطفال المعرّضين الى العنف يستوجب نقلهم الى عائلات بديلة أو مؤسسات إيواء، فإن هذه المؤسسات تستقبل الأطفال أيضاً بسبب اليتم أو الفقر. وقد كشفت دراسة قامت بها مؤسسة البحوث والدراسات (2006) لمصلحة «اليونيسف» ووزارة الشؤون الإجتماعية، أن واقع الرعاية المقدم لهؤلاء الأطفال يتنافى في أحيان كثيرة مع حقوق الطفل، وأن معظهم  من الفقراء وليس من الأيتام.
وإذ تشدد الدراسة على حق الطفل في العيش بأمان ضمن عائلة وعلى ضرورة ألا يكون الفقر سبباً لحرمانه رعاية الأهل وتحويله الى مؤسسة ترعاه، فهي تكشف الكثير من الحقائق وتخرج بجملة توصيات مهمة.
جريدة «الأخبار» نشرت في العدد 627 الصادر في 15 أيلول الماضي خلاصة الدراسة التي تحمل عنوان «الأطفال المحرومون من الرعاية المؤسساتية والرعاية البديلة: الوضع الراهن والبدائل المتاحة». ونستعيد هنا أبرز ما جاء فيها:
تفيد الدراسة بأن غالبية الأطفال الموجودين في المؤسسات التي تنتهج سياسة «الإيواء» هم فقراء لا أيتام، تستطيع الدولة اللبنانية توفير 7.26 مليارات ليرة لبنانية سنوياً إذا ما قررت رعايتهم ضمن أسرهم، لا ضمن المؤسسات الرعائية، التي تتعاقد معها وزارة الشؤون الإجتماعية سنوياً، بكلفة تصل الى 66 مليار ليرة (75٪ من ميزانية الوزارة حالياً).
... وتلحظ الدراسة أنه من الناحية النظرية، في حال اعتماد الوزارة خيار تحويل المبالغ مباشرة الى الأهل، فإنها وبالموازنة المقررة نفسها، ستغطي نفقة رعاية حوالى 3000 ولد إضافي في منازلهم زيادة على 23463 ولداً تقوم بتغطيتهم حالياً ضمن مؤسسات الرعاية.
إن الواقع اللبناني يظهر بوضوح أن السبب الرئيس لتعنيف الأطفال في عائلاتهم له علاقة مباشرة بالوضع الإقتصادي الرديء. بالتالي وحسب الدراسة، يمكن بهذه الطريقة التخفيف والحد من الأسباب المؤدية الى ممارسة العنف على الأطفال في المنزل.
في المقابل حرصت الدراسة على التأكيد أن التوصيات التي تقترحها لا تقلّل من أهمية دور المؤسسات الرعائية في مساعدة الأطفال المحتاجين الى الرعاية. وقد صُنّفت التوصيات التي خلصت الدراسة اليها كالتالي:
• رفض الفقر سبباً من أسباب الرعاية المؤسساتية.
• التوجه نحو مقاربة أفضل للرعاية البديلة وجعل خيار الرعاية المؤسساتية الملجأ الأخير.
• تحديد الخيارات الأفضل بحسب حالة كل طفل ومراقبة وضعه ومتابعته.
• وضع تعريف واضح ودقيق للحالات الإجتماعية التي تحتاج الى الرعاية المؤسساتية، تطبيق التشريعات المحلية ذات الصلة مع اتفاقية حقوق الطفل، وتمكين وزارة الشؤون من أداء دورها الناظم والمطوّر والمراقب والمتابع لنشاط مؤسسات الرعاية الإجتماعية.
• التركيز على الإنتقال من الرعاية الإيوائية الى الرعاية النهارية.
• تقديم الدعم المادي مباشرة، بطريقة مدروسة الى الأسر لتتولى رعاية أطفالها.
• تطبيق إلزامية التعليم في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة، وتنظيم دورات تدريبية للمساعدين الإجتماعيين الذين يحققون في طلبات الرعاية المؤسساتية.
وجاء في التوصيات الحمائية:
• قيام وزارة الشؤون الإجتماعية بدور فاعل في مراقبة وتقويم نوعية الخدمات المقدمة من مؤسسات الرعاية.
• طلب المساعدة التقنية من منظمة اليونيسف لوضع معايير واضحة لرعاية الأطفال، مع الأخذ في الإعتبار ملاءمة القوانين اللبنانية لحقوق الطفل.
• دعم مؤسسات الرعاية الإيوائية للتحول نحو الرعاية الأسرية.
• ضمان استمرار العلاقة بين الطفل المقيم في المؤسسة الإيوائية وأهله، عبر نشاطات تواصل مستمرة.


عناوين
• جمعية دار الأمل:
- سن الفيل، حرش تابت، قرب مستشفى الحايك.
تلفون/فاكس: 9611483508+
- برج حمود، النبعة. تلفون/فاكس: 9611241164+
صندوق البريد: 55329 بيروت - لبنان.
• مركز ريستارت لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب:
- شارع بدارو - بيروت/لبنان - بناية غطاس - فوق بنك عودة - الطابق الثاني. هاتف: 385385/01
e-mail: restart_beirut©hotmail.com
- طرابلس - بولڤار السرايا - برج فتال - الطابق السابع. ص. ب. 30140 - هاتف: 410577/06
e-mail:restart@idm.net.lb
• دار الطفل اللبناني:
- سن الفيل - شارع يوسف كرم - بناية يحيى - الطابق الرابع.
هاتف: 485066/01 - 823215/03
هاتف/فاكس: 481690/01
ص. ب. 113 - 5332 بيروت - لبنان.
Website: www.afelonline.org
e-mail: afel@dm.net.lb

• الإتحاد لحماية الأحداث في لبنان:
- أرقام الهاتف: قصور العدل:

- بيروت: 427973/01 - 784265/03
- بعبدا: 819671/03
- طرابلس: 625954/06
- زحلة: 820598/08
- صيدا: 721174/07
- النبطية: 801719/03

تصوير: راشيل تابت