إقتصاد ومال

العقوبات على روسيا تتيح فرصة تصدير ذهبية للمنتجات اللبنانية
إعداد: تريز منصور

السلع اللبنانية أمام فرصة ذهبية وتحدٍّ كبير. فرصة لأن الأسواق الروسية مشرّعة الأبواب أمام عدد كبير من المنتجات اللبنانية إثر العقوبات الدولية عليها، وتحدٍّ لأنه من الضروري الحفاظ على المواصفات العالمية المفروضة على النوعية والسعر وطريقة التغليف، وإلا خسر لبنان أهم سوق تصديري لمنتجاته.

 

العقوبات وأسبابها
على مرّ التاريخ، أثبتت التجارب ووقائع التطورات، السياسية منها وحتى العسكرية، أن العلاقات الدولية تستخدم الاقتصاد من أجل تحقيق أهداف سياسية. وهذا ما يحصل حاليًا في ضوء تداعيات الصراع الروسي الأميركي والأوروبي حول أزمة أوكرانيا.
وكردّ على العقوبات التجارية والمالية التي فرضها الغرب عليها، أشارت روسيا إلى احتمال تعاونها مع عدة دول، مثل تركيا وسويسرا وروسيا البيضاء والأرجنتين وشيلي والدول العربية، من أجل سدّ الفراغ الذي أحدثه في أسواقها، قرارها بوقف استيراد سلع غذائية من بينها منتجات الألبان والخضراوات والفاكهة والأسماك، من النرويج وأستراليا وكندا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

 

شقير
في هذا الإطار، اقترح رئيس «اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان» ورئيس «غرفة بيروت وجبل لبنان» محمد شقير إنشاء مكتب في الغرفة يعنى بموضوع التصدير إلى روسيا، معربًا عن رغبة التجار والصناعيين اللبنانيين في دخول الأسواق الروسية، على أن يكون العمل بالتنسيق والتواصل مع المكتب التجاري والاقتصادي في السفارة الروسية في لبنان. وأعلن شقير منذ أسابيع قيام وفد اقتصادي لبناني بزيارة روسيا لمتابعة عملية تصدير الخضار والفاكهة واللحوم والألبان والأجبان وبعض المنتجات الغذائية إلى الأسواق الروسية، بعد قرار حظر استيراد هذه المنتجات من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية.
وقد عقد لهذه الغاية اجتماع موسّع في مقرّ غرفة بيروت وجبل لبنان، جمع السفير الروسي في لبنان ألكساندر زاسبكين بعدد كبير من رؤساء الهيئات الاقتصادية والغرف اللبنانية والنقابات الصناعية والزراعية وكبار المصدرين اللبنانيين، بهدف متابعة البحث في موضوع التصدير إلى روسيا، ولا سيما تحديد كل الأمور اللوجستية المطلوبة بدقة، أي السلع والأسعار والمواصفات والتغليف وغير ذلك، لتكون بتصرّف المنتج اللبناني الراغب في التصدير إلى روسيا. ودعا شقير السفير الروسي إلى المساعدة في تسهيل إدخال الإنتاج اللبناني المميّز في قطاع المجوهرات، بالإضافة إلى إقامة شراكات عمل بين القطاع الخاص في البلدين في كل المجالات، ولا سيما الاستثمار المتبادل.
ردّ زاسبكين جاء منوّهًا بهذه المبادرة القيّمة التي من شأنها تنمية التعاون بين الشركات اللبنانية ونظيراتها الروسية، مشدّدًا في الوقت نفسه على ضرورة الاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة، لا سيما على مستوى تصدير المنتجات الزراعية والغذائية إلى الأسواق الروسية. وقد أبدى السفير الروسي استعداده للقيام بكل ما يلزم، وبالمساعدة في تحقيق كل الأمور المطلوبة لتسهيل إدخال المنتجات اللبنانية إلى روسيا، ورحّب بإنشاء المكتب في غرفة بيروت وجبل لبنان لمتابعة هذا الموضوع.

 

يشوعي
الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي أوضح لمجلة «الجيش» «أن العقوبات التي بدأ يفرضها المجتمع الدولي في السنوات العشر الأخيرة على بعض الدول كالعراق، إيران وسوريا...».
وقال: «إن الحاصل اليوم هو فرض العقوبات أو القصاص قبل التفاوض، وبالتالي لم يترك للدول فرصة الدفاع عن نفسها أو خياراتها... وتُعتبر هذه العقوبات بمثابة سلاح سياسي لإسقاط الدولة المستهدفة سياسيًا بين الدول، وهذا ما حصل في العراق وإيران وسوريا، وهكذا تبيّن أنّ البديل عن الأنظمة العربية أنظمة استبدادية متخلّفة، لاعلاقة لها بالديموقراطية».
ويضيف: «أثّرت العقوبات إلى حدّ بعيد على وضع سوريا وإيران، إلا أنّ الوضع مع روسيا مختلف لأنها دولة عظمى وتحاول مواجهة فرض العقوبات على طريقة الندّ للند، وذلك من خلال استبدال العلاقات التي كانت قائمة وإبرام عقود جديدة مع دول أخرى غير الإتحاد الأوروبي وأميركا».
وتطرّق يشوعي إلى لائحة بسلّم أولويات العقوبات التي تشمل:
- أولاً: منع السفر، توقيف التأشيرات، تعليق المفاوضات، وفسخ الإتفاقيات العسكرية.

- ثانيًا: الحظر على مصالح رجال الأعمال ووضع القيود والعراقيل أمام شركات البترول والأسلحة والمصارف الكبرى. فالعراقيل تكمن في الرسوم التجارية والإدارية والمواصفات. والجدير ذكره هنا أن دراسات موقع «غلوبل إيشوز» الإلكتروني، تشير إلى أن إنفاق العالم على التسلّح يبلغ سنويًا نحو 1.7 تريليون دولار، ويشكّل 2.5 في المئة من الناتج المحلي العالمي، وتتجاوز تجارة السلاح الرسمية بين الدول والمنظمات التريليون دولار، لتحتل بالتالي مكانة بارزة في قائمة التجارة الأكثر ربحًا. وتسيطر الدول الست الكبرى (أميركا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، وألمانيا) على 88 في المئة من إجمالي تجارة السلاح في العالم. أما الدول الأكثر شراء لهذا السلاح، فهي تتركز بشكل كبير في العالم الثالث، والدول النامية، وتمثّل بعض دول آسيا ومنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بشكل خاص ساحة للمنافسة الملتهبة، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت في مقدمة الدول المنتجة والمصدّرة للسلاح بلا منازع خلال السنوات العشر الماضية، وبلغت حصتها ثلث صفقات العالم.

3- هروب الإستثمارات أو تجميد ما هو مشترك منها كالأبحاث أو مشاريع الطاقة النووية...
وتطبيق اللائحة الكاملة رهن بسير مجريات الأحداث، فإما أن تضيق أو تتسع رقعة الذين تطالهم العقوبات.
وأضاف: «تطال العقوبات هذه المرة دولة كبرى، من قبل الذين يعتبرون أنفسهم حاملي سيف عدالة العالم، ولكن كما سبق وأسلفت سابقًا، أن روسيا تردّ على سياسة العقوبات الأميركية والأوروبية بالمثل، بحيث أنها فرضت بدورها عقوبات على مسؤولين سياسيين في البيت الأبيض مقرّبين من الرئيس الأميركي باراك أوباما، كما أن روسيا جمّدت وارداتها من أميركا وأوروبا بقيمة 12 مليار دولار سنويًا، الأمر الذي دفع بالمزارعين في هذه الدول إلى الانتفاض والاحتجاج بوجه حكوماتهم».
واعتبر أن «هذه الأرقام تؤذي الإقتصاد العالمي ولكنها لا تخرّبه، وقد تؤذي فئات إجتماعية داخل المجتمعات الأوروبية والأميركية، ولا سيّما فئات المزارعين. وأن العقوبات على روسيا محض سياسية علمًا أنها بدأت تتراجع على إيران...».
وعن الفرصة التي أتيحت أمام الصادرات اللبنانية أوضح الدكتور يشوعي أن «القطاع الزراعي اللبناني قد تحسّن بنسبة 40 في المئة إثر انهيار القطاع الزراعي السوري، أما في ما خصّ الصناعات التصديرية اللبنانية فإنها قادرة على المنافسة بالسعر وبالنوعية، ولا سيّما الصناعات الورقية، الصناعات الغذائية، صناعة المجوهــرات، الآلات، والبرمجيــات...».
واعتبر أن «نسبة التصدير إلى روسيا قد تبلغ نحو 20 في المئة من قيمة الصادرات اللبنانية أو 600 مليون دولار من أصل القيمة المالية للصادرات اللبنانية سنويًا والبالغة 3,5 من أصل 45 مليار كناتج محلي، أي نحو 8 في المئة من هذا الناتج».
وأكّد أخيرًا أنّ «التحدي الكبير أمام لبنان هو كيفية المحافظة على النوعية والجودة التي تسمح لنا بولوج الأسواق الروسية»، لافتًا إلى أنه «لم يعدّ هناك من علاقات دولية يسودها الإحترام المتبادل والتزام الأخلاقيات الدبلوماسية، وهذا نوع من الديكتاتورية المقنّعة وهو الأسوأ...».