اقتصاديات دولية

العقود التجارية اللبنانية مع العراق لم تلغَ ولكن الأفضلية للدواء والغذاء
إعداد: تيريز منصور

شكّلت الصادرات اللبنانية الى السوق العراقي نحو 15 في المئة من مجمل الصادرات, وبالتالي فإنها تعتبر سوقاً هامة بالنسبة للتجار والصناعيين اللبنانيين, إضافة الى أن السلع اللبنانية مرغوبة جداً لدى العراقيين.
جاءت الحرب الأميركية الأخـيرة على العـراق لتقلب الأمور رأسـاً على عقب. فالاتفاقيات التي وقّعت مع العراقيين بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء, جُمّد بعضها بموجب لائحة الأفضلية التي صدرت عن الأمم المتحدة فور انتهاء الحرب في آذار الماضـي, بينما استمرت العقود التي تشمل المواد الغذائيـة والأدويـة. وبرزت أمـام اللبنانـيين مشكـلة مشتريات الأمر الواقع كما أطلق عليها رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود, بحيث يمنع على التاجر اللبناني الاشتراك بمناقصة مشتريات الجيش الأميركي, إلا بعد حصوله على ترخيص من مكتب المشتريات الرئيسي في الكويت, والذي قد تستغرق مدة الحصول عليه نحو ثلاثة أسابيع, هذا إذا وافق الجنرال الأميركي على منحه إياه!
كيـف يرى المعـنيون اليوم مستـقبل التـجارة اللبنانية ­ العراقية؟ ما هو مستقبل العقود الموقّعة؟ وهل الأسواق الأوروبية هي البديل اليوم عن الأسواق العراقية والخليجية؟ وما هي السلع اللبنانية التي يمكنها منافسة السلع الأوروبية بعد توقيع اتفاق الشراكة؟
أسئـلة عديدة حمـلتها مجلة "الجـيش" الى كل من رئـيس جمعية الصناعيين السيد فادي عبود وعميد الصناعيين السيد جاك صراف.

 

الفرصة مؤاتية للتوجه الى السواق الأوروبية والسلع اللبنانية قادرة على المنافسة.

 

عبود: العقود مع العراق قيد التنفيذ وفق الأفضلية والمشكلة في مشتريات الأمر الواقع

رئيس جمعية الصناعيين السيد فادي عبود أوضح أنه بالنسبة للعقود الموقعة بواسطة الأمم المتحدة مع العراق تحت شعار النفط مقابل الغذاء والدواء, فإنها ما زالت قيد التنفيذ, ويمكن للسلع اللبنانية الدخول الى العراق كالمعتاد, ولكن الجدير ذكره أن الأمم المتحدة أصدرت بعد انتهاء الحرب لائحة بالسلع التي لها الأفضلية بالدخول الى العراق كالأدوية والمواد الغذائية, بينما العقود التي توقفت لغاية الآن ولم تلغَ, هي عقود المولدات الكهربائية, الحديد, الخشب, المعدات الطبية وقطع الغيار.
بالنسبة للشحن العراقي الخاص, ما زال التاجر العراقي يشتري مثلاً المياه المعدنية اللبنانية ساعة يشاء, والبضائع تمر عبر الأردن باتجاه المنطقة الحرة الزرقاء لتصل الى العراق, أما المشكلة اليوم فتكمن في مشتريات قوى الأمر الواقع, أي مشتريات الجيش الأميركي, وهذه مشكلة أمنية تحتم على المواطن اللبناني دخول مكتب المشتريات في الكويت للحصول على ترخيص يساعده على الدخول الى المكتب الرئيسي للحصول على موافقة الجنرال الأميركي من أجل بيع السلع اللبنانية للجيش الأميركي. ويمنع كما لبنان دول عديدة مثل أفغانستان, النروج, سوريا, إسرائيل, ليبيا... من الدخول الى هذا المكتب في الكويت.
وأضاف السيد عبود: إن الأمر الذي يزعجنا اليوم لا يقتصر فقط على خسارة نحو 6 - ­ 7 ملايين دولار يومياً, ثمن مبيعات من السلع اللبنانية الى الجيش الأميركي, بل وضع اسم لبنان على لائحة سوداء تضم دولاً لديها مشاكل أساسية مع الولايات المتحدة الأميركية, في حين أن للبنان صداقة عميقة تجمعه مع الولايات المتحدة الأميركية, سيما وأن العديد من اللبنانيين يدرسون ويعملون فيها.
وعن مستقبل التجارة مع العراق قال السيد عبود: قبل الحرب اللبنانية وبعدها كان العراق المستورد الأول للصناعة اللبنانية, وذلك من خلال التجارة الحرة ومن خلال عقود الأمم المتحدة. وتشكل صادرات لبنان الى العراق نحو 15 في المئة من مجمل الصادرات. ومن غير الطبيعي الحديث عن التصدير والاستيراد من دون التطرق الى المشاكل التي يعاني منها الصناعيون اللبنانيون وأهمها كلفة الإنتاج.
ولفت الى أن معالجة المشكلة تبدأ في إمكان الصناعي شراء المازوت مباشرة من السوق العالمية, إذ أن انخفاض الأسعار عالمياً لا يطبق في لبنان, في الوقت المحدد, ولا يستطيع الصناعي الاستمرار فيما هو لا يزال يسدد ثمناً باهظاً للمحروقات.
وعن ضرورة البحث عن أسواق مماثلة بأهميتها للسوق العراقي, أوضح السيد عبود أن الشعب العراقي يكنّ محبة ومودة خاصة للشعب اللبناني, لذلك كان يشتري المنتوجات اللبنانية رغم أنها كانت أغلى ثمناً في بعض الأحيان. ولكن ازاء الواقع الحالي للعراق, لا بد للصناعي اللبناني من البحث عن أسواق أخرى كالأسواق الأوروبية مثل التي تشكل ومن دون أدنى شك ضمانة لمستقبل الصناعة اللبنانية. علماً أن الأسواق الأوروبية كانت مفتوحة أمام الصناعات اللبنانية ومن دون أية عراقيل.
وكما هو معروف, فإن لبنان وقّع اتفاق الشراكة الأوروبية, وهي خطوة هامة جداً للبنان. ونحن كجمعية صناعيين يحزّ في أنفسنا رؤية الاستثمار الأجنبي بملايين الدولارات في القطاع الفندقي, في حين يسجل الاستثمار الصناعي غياباً تاماً.
واليوم فإن صرخة جمعية الصناعيين اللبنانيين تندرج تحت عنوان: فلنجعل لبنان بيئة صديقة للاستثمار الصناعي.
واعتبر السيد عبود أخيراً أن أكلاف الإنتاج الأوروبي متساوية نسبياً مع أكلاف الإنتاج اللبناني, من هنا نقول إن أسهل طريق الى أوروبا هو تأمين الاستثمار المشترك بين الصناعي الأوروبي والصناعي اللبناني, كما أن لبنان قادر على المنافسة في أوروبا والعالم العربي في سلع أساسية, كصناعة الطباعة, والمجوهرات والأزياء ذات الجودة العالية, وكل ما يتعلق بالتصميم على أنواعه كافة...

 

صرّاف: الحرب على العراق أساءت الى اقتصادات العالم والعقود لم تلغ كما أنها لم تجدد

عميد الصناعيين اللبنانيين السيد جاك صراف اعتبر أن العلاقة مع العراق يثبتها تاريخ اقتصادي قديم, وأن السوق العراقي من أهم الأسواق العربية. وكانت تمثل الصادرات اللبنانية الى العراق قبل الحرب 25 في المئة من مجمل صادرات لبنان, وكانت التجارة العراقية تمر عبر المرافئ اللبنانية كمرفأي طرابلس وبيروت.
ولكن هذه العلاقات التجارية تأثرت بالحرب اللبنانية الدامية أولاً ومن ثم بحرب الخليج ثانياً, وحصلت القطيعة الاقتصادية التي كان سببها المباشر القطيعة السياسية. وبعد جهود قمنا بها, تمكنّا من رفع أرقام الصادرات حتى أنها بلغت حتى نهاية شباط 2003 مليار و400 مليون دولار, بعد أن كانت في العام 1997 نحو مليوني دولار.
وأوضح السيد صراف أن الدواء هو السلعة الأساسية التي نصدرها وهي تندرج في نص الاتفاق الموقع مع الأمم المتحدة تحت شعار النفط مقابل الغذاء والدواء. وأؤكد أننا استطعنا المنافسة والدخول الى العراق في المراحل الـ12, نظراً للأسعار المدروسة التي قدمناها والنوعية الجيدة التي تمتاز بها سلعنا.
وعن مصير العقود أثناء وبعد انتهاء الحرب على العراق قال السيد صراف: إن الحرب على العراق لم تنته, والعراق اليوم مغلق. وهناك اليوم قضيتان, القضية الأولى كيفية الدخول الى العراق, والقضية الثانية مسألة العقود الموقعة والمنفذة عبر قنوات الأمم المتحدة. فالدخول الى سوق العراق اليوم يستهدف المستهلك العسكري الأميركي البالغ عدده نحو 350 ألفاً, ويحتاج الى مياه الشرب والمواد الغذائية والملابس.. علماً أن هناك عقوداً تجارية أميركية وقّعت قبل اندلاع الحرب مع العديد من المؤسسات الدولية والعربية لا سيما الكويتية, لتأمين هذه الحاجيات.
وازاء هذا الواقع, بدأت المؤسسات اللبنانية بالاتصال بالمركز المسؤول عن شراء البضائع الاستهلاكية لمصلحة العسكري الأميركي. ولكن القضية اليوم مختلفة, بحيث أنه لا يمكن لأحد الفرض على الجيش الأميركي قرار الشراء من الصناعة اللبنانية, خصوصاً وأن الأولوية في توقيع عقود الشراء سوف تكون من نصيب الدول التي ساندتهم أثناء الحرب على العراق. أما قضية العقود العراقية السابقة, والموقعة مع مؤسسات دولية (فرنسية, روسية, بريطانية, لبنانية...) تحت شعار النفط مقابل الغذاء والدواء, فتواجه اليوم عقبات معينة تفرضها الأمم المتحدة نتيجة لضغوط معينة, بحيث أنها تختار العقود وفق الأفضلية, مثلاً الدواء لديه الأفضلية عن باقي السلع.
ولغاية اليوم لم تجدد الأمم المتحدة هذه العقود, كما أنها لم تلغها, نظراً لوجود اعتمادات مفتوحة, وإلغاؤها يرتب اشكالات قانونية معينة.
ورغم اختيار الأمم المتحدة العقود وفق الأفضلية, فما زال هناك عقود لمؤسسات لبنانية متنوعة قائمة لغاية اليوم.
وحول إمكانية البحث عن أسواق أخرى مماثلة في أهميتها لسوق العراق اعتبر أن سوق العراق اليوم يختلف عن السوق السابق, نظراً لانفتاحه على مؤسسات دولية كثيرة. وازاء هذا الواقع أكد صراف لجميع الصناعيين والتجار أن الفرصة اليوم مؤاتية للتوجه الى أسواق أخرى هامة, كالأسواق الأوروبية, والتصدير باليورو, طبعاً مع المحافظة على السوق العراقي.
وشدد السيد صراف على ضرورة التحلي بالأمل والإيمان بالمستقبل, لأنه من ميزة رجل الأعمال اللبناني المواجهة وتحدي الصعاب التي أثبتها خلال سنوات الحرب, بحيث أنه أنتج وصدّر وبنى, فكيف إذاً بقضية دخوله سوق العراق اليوم مجدداً, بعد أن دخله في أحلك الظروف؟ واعتبر أن الحرب على العراق أساءت الى الاقتصادات العربية بشكل عام, وكذلك الاقتصاد الدولي الذي يعاني حالياً من ركود هائل.
وحول قدرة الصناعات اللبنانية على المنافسة في الأسواق الأوروبية قال صراف: إن السلع اللبنانية كالنبيذ, والملابس والمجوهرات والمواد الغذائية, والسلع التي تحمل قيمة مضافة من الإبداع اللبناني... قادرة على المنافسة في الأسواق الفرنسية والسويسرية والألمانية...
ولكـن دخـول الأسـواق الأوروبية مقتـصر فقط على عـدد قليـل من المصانـع اللبـنانية الكبيرة, باعتبار أن المصانـع الصغـيرة غير قـادرة على ذلك لغاية اليوم. كما أن اتفـاق الـشراكة الذي بدأ تنفيذه في الأسـواق منذ آذار الماضي, يتطلب تحركاً رسمياً مسؤولاً أكثر, مؤكداً أن هذا الاتفاق هام جداً بالنسبة للبنان, لا سيما في النواحي التربوية والثقـافية والزراعـية والصناعيـة والقانونيـة بشقـيها الإداري والنظامي, ويجـب أن نعمـل على تطبيقها بأفضـل مـا يكون.

 

تصوير : المجند حسن عسيلي - المجند سمير مزهر