عسكريون في السياسة

العماد عون: لا وجود لدولة تتمـتع بالسـيادة والإسـتقلال من دون جيش
إعداد: إلهام نصر تابت - جان دارك أبي ياغي

تحدث عن صور من الماضي ما زالت تؤثر به

عرف العماد ميشال عون، منذ سنوات طفولته، معنى أن يكون على أرض الوطن جنود غرباء محتلون. فهو ورث من نشأته في حارة حريك إحساسًا مبكرًا بأهمية التنوع الديني والثقافي في لبنان. وهذا الإرث كان البذور الأولى التي نمت في وجدانه لتشكل وعيه الوطني والسياسي، وربما لتجعل الإنتماء إلى المؤسسة العسكرية خياره ووجهته.
خدم في المؤسسة العسكرية على مدى 35 عامًا حافلة بالتجارب القاسية والمعارك والتحديات والخيارات الصعبة. تدرّج من رتبة ملازم إلى رتبة عماد قائدًا للجيش، ليكلفه من ثم رئيس الجمهورية أمين الجميل قبيل انتهاء ولايته، بتشكيل حكومة انتقالية (22 أيلول 1988)، مع الإحتفاظ برتبته العسكرية قائدًا للجيش.
كان من الصعب التصديق أن هذا العسكري يمكن أن يخلع بزته وإن صار في عالم السياسة. في الواقع بدت هذه البزة جزءًا من جلده وروحه. لم تنجح السياسة في النيل من صلابته، ولا استطاعت المسّ بالقيم والفضائل العسكرية التي نشأ عليها. فالعسكري المقاتل من أجل وطنه صار السياسي «المقاتل» من أجل تدعيم مفاهيم الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات هذا الوطن.
«عسكريون في السياسة»، يستضيف دولة الرئيس النائب العماد ميشال عون، الذي يؤكد لنا ما أفصح عنه لسوانا عدة مرات: أحبّ الألقاب إليّ لقب العماد.

 

مشاهد وذكريات
في حارة حريك، ولد ميشال نعيم عون في 18 شباط من العام 1935. هناك ترعرع في بيئة يتعامل أهلها إنطلاقًا من مبادئ «الجيرة» وتقاسم الخبز والملح وصعوبات الحياة. في بداية اللقاء، عاد العماد عون بذاكرته الى أيام الطفولة التي رسّخت في وجدانه رفضه الاحتلالات من أي نوع. وبادرناه الى السؤال:

 

• صورة الجيش في المجتمع تختلف من بلد إلى آخر، من موقعك كضابط وكقائد للجيش وكرجل سياسي، كيف تفسر الموقع المميز للجيش اللبناني في وجدان المواطنين، بخلاف ما هو الأمر عليه في الكثير من البلدان؟
- إن صورة الجيش في أذهان المواطنين تعود إلى ما هو عليه هذا الجيش، أهو جيش قمعي أم هو جيش يؤمن الطمأنينة والحماية للمواطنين؟ في بلد مثل لبنان لا استقرار فيه يبقى الجيش موجودًا على الأرض، ووجوده يمنح الناس شعورًا بالأمان.
أعتقد أن الصورة الإيجابية للعسكري في لبنان ليست قديمة جدًا، في الماضي لم تكن هذه الصورة محببة. كانت الأمّ «تخوّف» أولادها بالعسكري، وذلك يعود إلى أيام الإحتلال التركي، وثم الحرب العالمية الثانية، حيث كان للحلفاء جيوش في لبنان.
خلال تلك الفترة كنت ولدًا, رأيت السنغاليين والتونسيين والمغاربة ومن ثمّ الأستراليين على أرضنا، كانوا يتعاملون معنا بوحشية... في ذهني مشهد من العام 1942، دخل جنود الحلفاء إلى المنطقة، كان «العسكر السنغالي» يعبر بساتين الليمون في حارة حريك، رأيت أحدهم يركض وراء فتاة صغيرة وهي تصرخ. تجمّع أهل الحارة فخلّصوها منه وضربوه. يومها كان من يمسّ عسكريًا من الحلفاء يتعرض لأوخم العواقب، لكن «القصة مرقت».
حادثة أخرى، دخل علينا جنود أستراليون وهم في حالة سكر، طردونا من المنزل ليناموا فيه، ما أجبرنا على النوم في البستان... تلك الصور من أيام الطفولة تجمّعت في ذهني وولّدت لدي الكراهية ضد المحتلين، وهي ما تزال إلى اليوم تؤثر بي.
وفي عودة إلى الرد على السؤال، قال: عندما بدأت الأحداث في لبنان وبدأت الميليشيات تنتشر وترتكب الإساءات، كانت بزة العسكري اللبناني توحي بالثقة والأمان، فالعسكري يلتزم المعاهدات الدولية ولا يعتدي على المدنيين، وإذا حصل هذا الأمر يكون عملًا فرديًا... بعد ذلك حلّت مراحل خاض فيها الجيش صراعًا خطرًا، فازداد تقدير الناس له، وأكبروا دوره في الدفاع عن الوطن والحفاظ على المواطنين.

 

من الشادر إلى قيادة الجيش
• لقد تخرّجت ضابطًا في المدرسة الحربية العام 1958 برتبة ملازم في سلاح المدفعية، واضطلعت بالمسؤولية في العديد من المواقع قبل أن تصل إلى قيادة الجيش. هل لموقع ما مكانة مميزة لديك؟

 

- لكل موقع مكانته لدي، أنا لم أمرّ بخدمة المكاتب، «طلعت من الشادر» إلى مكتب قائد الجيش. كنت دائمًا مع العسكر على الأرض. فالبلد كان في مرحلة اللااستقرار التي شهدت الكثير من المعارك والإشتباكات.
لقد تدرجت في القيادة من آمر فصيلة إلى آمر سرية، فقائد كتيبة... وخضت معارك، كل منها على قياس الوحدة التي كانت في عهدتي.
العام 1983 عيّنت قائدًا للواء الثامن وكانت تلك المرحلة الأبرز في خدمتي العسكرية. يومذاك، كان اللواء ما يزال احتياطًا وفي مرحلة التدريب، وقد استطاع خلال أسبوع أن يضع حدًا لمشاكل كبيرة في العديد من المناطق التي كان ينتــشر فيها، ويفــرض سلطــة الدولة، ويعــيد الطمأنينة إلى أهالي بلدات كانوا بدأوا بمغادرتها بفعل الذعر والهلع.

 

حياة محفوفة بالمخاطر
• خدمت في المؤسسسة العسكرية 35 عامًا، هل يراودك الحنين أحيانًا إلى الحياة العسكرية؟

 

- 35 عامًا كلها حـرب ومعــارك. كانت حياتي محـفـوفـة بالمخاطر، تعـرضت لستـة حوادث كل منها كان يمكن أن يكون مميتًا. فقـد أصبت بطريقـة مباشــرة، كما تعرضـت لثلاث محـاولات إغتـيال.
ويعود العماد عون إلى تلك المحاولات: الأولى في ضهر الوحش عندما كنت قائد اللواء الثامن، وقد حصلت خلال قيامي باستطلاع قبل الإنسحاب الإسرائيـلي بيومـين أو ثـلاثـة وأدت إلى إصابـتي بجــروح. الثانيـة كانت في قبرص حيث كنت مدعوًا إلى مؤتمر، وقد وصلتنا إشارة بخصوصها فتمكنّا من إحباطها، وقد تم اعتقال 6 أشخاص (حوكموا وسجنوا). والثالثة في قصر بعبدا، وهي أدت إلى مقتل مرافقي الخاص.

 

• هذه المراحل التي ذكرتها وما أعقبها خلال توليك رئاسة الحكومة هي مراحل مفصلية في تاريخ لبنان، كيف تنظر إليها اليوم؟
- لم أخـطئ، وما أقوله ليس ادعاءً، كنا أمام خيارين، إما الإستسلام للأمر الواقع الدولي والإقليمي أو المقاومة. فضّلت المقاومة، مع العلم المسبق أن هناك خسارة، لكن هذا الخيار يحفظ الحق باسترجاع السيادة... وهنا عاد العماد عون ليروي وقائع تلك الفترة مسترجعًا بتأثر كبير قتال العسكريين في الدفاع عن أرضهم وبطولاتهم والشهداء الذين سقطوا.

 

حق الإختلاف
في كتابه «رؤيتي للبنان»، يتحدث العماد عون عن لبنان أرض الوحي، ويشدد فيه على الإنفتاح أكثر على مفهوم الله ومفهوم الديانة، إذ أن الكثير من سلوكنا يناقض الفكر الديني الحقيقي. فهو يؤمن بحق الإختلاف وبأن علينا أن نقبل بعضنا كأناس مختلفين ونرسم خريطة تطور، فالتطور لا يأتي من الفكر الأحادي. وإذا قبل كل منا الآخر يزول معظم مشاكلنا.
وفي رسالة وجّهها إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، يقول: «أعتقد أن المواجهة بين الغرب والإسلاميين ستكون من دون شك إحدى أهم المسائل عند نهاية هذا القرن. إن القبول بزوال لبنان يعني التخلي عن أرض لطالما كان فيها هذا الحوار أكثر من واقع يومي معاش، كان ثقافة جوهرية، وطريقة للوقوف أمام العالم...». وحين نقول له: لقد استشرفت هذه المواجهة قبل سنوات طويلة من حدوثها كما كانت لك رؤية بعيدة المدى في عدة أمور، يجيب مبتسمًا: آخر مرة كانت في حرب تموز، من كان يؤمن يومها أن لبنان يستطيع الوقوف في وجه اسرائيل والعالم؟...

 

• تشكل محاربة الفساد ركنًا أساسيًا في عملكم السياسي، هل ما زلت مؤمنًا بأن القضاء على هذه الآفة ممكن في بلدنا؟
- ما زلنا في أول الطريق وضعنا الإطار الصحيح لمكافحة هدر الأموال وكيفية تنظيم الموازنة وصياغتها ومراقبتها من خلال نصوص قانونية، فرضنا قواعد المحاسبة العامة. وما لا يمكن أن يحصل اليوم، يحصل غدًا...
ليس سهلًا على من ينذر حياته ودمه للدفاع عن وطنه أن يقبل بالفساد من حوله.

 

• كرئيس كتلة نيابية، ماذا قدمتم للجيش من موقعكم؟
- تجدون بصمتي على جميع التشريعات التي تخص الجيش، ومواقفنا حيال الجيش معروفة، إنه بالنسبة إليّ «الإبن الحبيب» فلا وجود لدولة تتمتع بالسيادة والإستقلال من دون جيش.

 

• أخيرًا أي لقب من بين الألقاب الكثيرة التي نلتها هو الأحبّ إلى قلبك؟
- العماد عون.

 

تواريخ ووظائف
تخرّج العماد عون في المدرسة الحربية في 30 أيلول 1958 برتبة ملازم في سلاح المدفعية.
تابع دورة تدريبية في فرنسا (1958-1959) وأخرى في الولايات المتحدة الأميركية (1966) قبل أن يعود إلى فرنسا مرة أخرى حيث تابع دورة أركان الحرب العليا (1978- 1980)، فإلى الولايات المتحدة مرة أخرى (1983) في دورة في  Fort Benning. اعتبارًا من العام 1959 شغل عدة وظائف في سلاح المدفعية الذي أصبح قائدًا له (1976) ومن ثم (1980) فصل إلى أركان الجيش للعديد حيث تولى رئاسة المكتب التقني بالوكالة. والعام نفسه عيّن قائدًا لقطاع عين الرمانة - بعبدا، فرئيسًا لأركان قوات الجيش اللبناني المكلفة حفظ الأمن في بيروت (1982)، فقائدًا للواء المشاة الثامن (1983) وقائدًا للجيش (1984).

 

تصوير: الجندي رودي الخوري