مناسبة

العماد قائد الجيش من متحف الرئيس فؤاد شهاب
إعداد: باسكال معوّض بومارون

جيشنا مستهدَف فمن يتحمّل مسؤولية كشف أمن الوطن؟

 

وضع قائد الجيش العماد جوزاف عون النقاط على الحروف في شأن كل ما أُثير من جدلٍ حول موازنة الجيش في الآونة الأخيرة، وهو إذ اعتبر أنّ الموازنة منذ انطلاق مناقشتها، بدت مجحفة في حق من أقسموا على الولاء للوطن والذود عنه، أعلن أنّه «لم يُترك للجيش خيار تحديد نفقاته»، مؤكدًا أنّ القيادة هي التي تقرر بشأن توزيع مهماته وتحديد الأفضلية في التدابير العسكرية. كما وضع العماد عون «منع التطويع... والتسريح» في خانة ضرب هيكلية المؤسسة وهرميتها، والتأسيس «لسلوكٍ متعمّد» لتطويقها وإضعافها مؤكدًا: «لن نستكين...».
كلام العماد جوزاف عون فاجأ كثيرين ممن اعتادوا رؤية الجيش يعمل بصمتٍ طوال عقود رغم كل ما طاله من إجحاف، وما قدّمه من تضحيات، وهذا الكلام جاء بالتحديد من متحف الرئيس فؤاد شهاب.

 

زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى متحف الرئيس فؤاد شهاب - جونيه، جاءت تلبية لدعوة الرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم، في حضور عدد من الشخصيات والفعاليات الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وكانت مناسبة لإطلاق صرخة للتاريخ من صرح مؤسّس الجيش وباني دولة المؤسسات. صرخة حملت وجع الجيش في فترة حرجة من تاريخ لبنان، بل وجع اللبنانيين وهواجسهم حيال سياسة اقتطاع الموارد من جيوب فقرائهم وعسكرييهم، بينما مزاريب الهدر والفساد ما زالت مفتوحة.

 

أرزة وصرخة
جال العماد عون في أرجاء المتحف مطّلعًا على أبرز مقتنيات اللواء شهاب الشخصية التي استخدمها خلال حياته، ووقّع على السجل الذهبي، وتسلّم درعًا تذكاريًا من الأباتي الهاشم، وزرع شجرة أرزٍ حملت اسمه في باحة المتحف. وألقى كلمة استهلّها بالإشارة إلى رمزية المكان مذكّرًا بإرث الرئيس شهاب وبالصفات التي جمعها شخصه، وبكلماتٍ له يحتاج لبنان إلى استخلاص العِبر منها.
قال العماد عون: «في حضرة هذا المكان العابق بتاريخ لبنان الجميل، الشاهد على ذكريات رجل أرسى برؤيةٍ استراتيجية، مفهوم الدولة من خلال بناء المؤسسات، تقف الكلمات عاجزة عن إيفائه حقه. هو القائد والرئيس الذي جمع بشخصه صفات القيادة والمسؤولية كما التواضع والإنسانية.
هو القائل بأنّ الاستقلال يُبنى. لا يؤخذ ولا يُعطى.
هو القائل بأنّ الجيش هو مدرسة الوحدة الوطنية بالتفكير والممارسة.
كلمات ما زال صداها يتردد حتى يومنا هذا، وبخاصةٍ في الاستحقاقات المفصلية والمصيرية، التي أحوج ما تكون إلى استعادة هذه المواقف واستخلاص العِبر منها».
وأضاف: «هنا، لا بد من توجيه كلمة شكر وتقدير للرهبانية اللبنانية المارونية والمدرسة المركزية في جونية على تحويل هذا المنزل الذي كاد يضيع في غياهب النسيان، إلى مَعلم تاريخي يحفظ إرث الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، ويُبقيه ذاكرة حية في نفوسنا ونفوس الأجيال القادمة. لا بل هي خطوة وطنية جريئة لتأريخ حقبة مهمة من تاريخنا العسكري والسياسي.
نجح الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب في جعل المؤسسة العسكرية نموذجًا وطنيًا في الشرف والتضحية والوفاء، مؤسسة عابرة للطوائف والمناطق.
حمل معه مناقبيته العسكرية وفكره المؤسساتي إلى بناء الدولة. وما أشبه الأمس باليوم، في ظل قيادة فخامة الرئيس العماد ميشال عون الذي سار على نهج الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب في بناء قدرات الجيش وتحديث مؤسسات الدولة».

 

جيشنا يتعرّض لحملاتٍ تستهدف بنيته ومعنويات عسكرييه
وبنبرةٍ حاسمة، أكّد العماد عون أنّ الجيش هو الضمانة لأمن البـلد واستقراره، واضعًا مَن يعملون على استهدافه أمام مسؤولياتهم، فقال في هذا السياق: «يؤسفنا ويؤلمنا، ونحن في حضــرة مؤسّس الجيش وباني عقيدته، أن نشهــد اليوم، مــا يتعرّض له جيشنا من حملات تستهدف بنيته ومعنويات عسكرييه. لا نكشف سرًا، ولا نقول جديدًا، بأنّ الجيش هو العمود الفقري للبنان، ولا نغالي إذا قلنا إنّه ضمانة أمنه واستقراره، وإنّ مهمته لا تُختصر بزمن الحروب والصراعات فقط، لأنّ تحصين الاستقرار والسلام يتطلب جهودًا تفوق أحيانًا متطلبات الحروب. وربما غاب عن بال البعض بغير قصدٍ أو بقصدٍ، أنّه رغم الاستقرار الأمني الذي ننعم به حاليًا، فالتحدّيات ما زالت كبيرة سواء عند حدودنا الشرقية والجنوبية والبحرية، أم في الداخل، وبالتالي فإنّ الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي ما زال بحاجةٍ إلى جهوزية كاملة وإلا فمَن يتحمّل مسؤولية كشف أمن الوطن؟».
وتابع مستذكرًا ما قاله الرئيس الراحل في العام 1961 للضباط: «إنّ مهمتكم النبيلة لا تنحصر في حماية الحدود وصدّ كل معتدٍ غاشم فحسب، بل تتعداها إلى الداخل حيث تعملون شعبًا وجيشًا متآزرين متكاتفين على صون وحدتنا».


كنّا السبّاقين إلى التقشّف
وشدّد العماد عون على «أنّ المؤسسة العسكرية، وهي جزء من البنية الاقتصادية اللبنانية، ليست بمنأًى عن أي تقشّف قد يتطلّبه الوضع الاقتصادي»، لكنّ الموازنة بدت مجحفة بحقّها، وقال: كنّا السبّاقين إلى التقشّف منذ فترة، «اقتناعًا مِنّا بأنّ المال العام هو أمانة، وعلينا المحافظة عليه. اعتمدنا منذ نحو عامين سياسة مالية مدروسة تحدّد النفقات وفق الحاجات الضرورية فقط، رغم المتطلّبات الكثيرة نتيجة التحدّيات الداخلية والإقليمية، والتي تفرض جهوزية عسكرية قصوى وما يرتبط بها من أمور لوجستية وإدارية وطبّية. وأعدنا العام الماضي جزءًا من موازنة الجيش إلى خزينة الدولة.
لن نتوقّف عند تقييم النوايا أو محاسبتها، ولكن، ومنذ انطلاق مناقشة الموازنة التي بدت مجحفة بحق مؤسسةٍ أقسم عسكريوها على الولاء للوطن والوفاء لقَسَمهم بالذود عنه، تكشّفت نوايا استهداف طالت مَن هم في الخدمة الفعلية ومَن تقاعدوا بعد أن قدّموا حياتهم خدمة لبزّة الشرف والتضحية والوفاء».
 

أهل البيت أدرى بشؤونه
وفي تذكير لمن يعنيهم الأمر بأنّ أهل البيت أدرى بشؤونه قال: «لم يُترك للجيش خيار تحديد نفقاته، وباتت أرقام موازنته مباحة ومستباحة من قبل القاصي والداني، وعُرضة للتحليلات والنقاشات، وكأنّ المقصود إقناع الرأي العام بأنّ الجيش يتحمّل سبب المديونية العامة.
حتى إنّ توزيع مهمات الجيش وتحديد الأفضلية في التدابير العسكرية أصبح مادة جدلية تتمّ مناقشتها على المنابر وفي الصالونات، علمًا أنّ قيادة الجيش هي وحدها من تقرر ذلك، لا بل أكثر، فكل وحدات الجيش سواسية بالنسبة لها، لأنّ القتال يحتاج إلى خدمة القتال، فجندي الحدود لا يمكنه تنفيذ مهمـته بنجاحٍ من دون زميله في الطبابة واللوجستية والإدارة.
إنّ ما أنجزته المؤسسة العسكرية مؤخرًا في محاربة الفساد والرشاوى والتدخّلات في شؤونها الداخلية، وذلك برضًى تام وتشجيع من قِبل كل الأطراف والجهات السياسية، يجب تحصينه وحمايته واستثماره في خدمة لبنان ومستقبله. ولكن ما أفرزته الموازنة حتى الآن من منع التطويع بصفة جنود أو تلامذة ضباط ومنع التسريح، يُنذر بانعكاساتٍ سلبية على المؤسسة العسكرية بدءًا بضرب هيكليتها وهرميتها، مرورًا بالخلل في توازنات الترقيات وهو أمر مخالف لقانون الدفاع».

 

حقوق العسكريين ليست منّة ولن نرضى المسّ بها ولا بكرامتهم
ولم يختم قائد الجيش كلامه قبل أن «يبقّ البحصة» التي خنقت العسكريين، إذ قال: «إنّ ما ذُكر يؤسّس لسلوكٍ متعمّد لتطويق المؤسسة العسكرية بهدف إضعافها وضرب معنويات ضباطها وجنودها ومنعهم من الحصول على أبسط حقوقهم. حقوق العسكريين ليست منّة من أحد، واستهداف معنوياتهم هو جريمة ليس فقط بحقهم إنّما بحق الوطن.
إنّ معنويات هؤلاء الأبطال، العاملين بصمتٍ، أهم من أي راتب أو رتبة، وخدمة وطنهم هو شرف. لن تنال من عزيمتهم أي مواقف مسيئة ولن تثنيهم عن خدمة وطنهم أي حملات تحريضية.
عهدٌ ووعدٌ منا: لن نستكين. لن نرضى المسّ بحقوق ضباطنا وجنودنا، ولا بكرامتهم. كونوا على ثقة بأنّه لن تثنينا محاولات إضعاف المؤسسة، من الضغط باتجاه استمرار المطالبة بحقوقنا.
ختامًا، أشكر المدرسة المركزية على اهتمامها بإرث الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، وأشكرها على دعوتي لزيارة المتحف الخاص به».
يُذكر أنّ مؤسِّس المتحف الأب وديع السقيِّم كان قد تحدّث في الاحتفال، بعد كلمة ترحيبية للإعلامي بسّام برّاك، مشيدًا بمزايا الرئيس الراحل الذي أرسى قواعد بناء الدولة، واضعًا المتحف بتصرّف الجيش لزيارته وتفقّد معالمه وإحياء الندوات والمحاضرات. وأكّد أنّه في خضم هذه المرحلة الضبابية والتي تُلقي بثقلها الأمني والاقتصادي والاجتماعي، تبقى مؤسسة الجيش الضامن الوحيد للّبنانيين.
وأعرب عن الأمل في استطاعة لبنان أن يجتاز هذه الأزمة، متوجهًا إلى العماد عون بالقول: نسأل الله أن تكون الصفات التي توحّدكم مع الرئيس شهاب ضميرًا حيًا باقيًا في ذاكرة الوطن.