رئاسيات

العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية

معًا للبنان القوي الموحّد ولبنان الميثاق والسيادة

 

في جلسة وصفت بأنها الأطول في تاريخ جلسات انتخاب الرؤساء اللبنانيين، طوى لبنان صفحة فراغ استمر نحو سنتين ونصف، في سدّة الرئاسة، وتمّ انتخاب العماد ميشال عون، رئيسًا للجمهورية اللبنانية.
الرئيس المنتخب وبعد أدائه القسم الدستوري، عاهد اللبنانين على احترام الميثاق والدستور والشراكة الوطنية، والابتعاد عن صراعات الخارج، وإطلاق نهضة اقتصادية، وتعزيز الجيش وتطوير قدراته.


وقائع الجلسة
عقدت الجلسة ظهر 31 تشرين الأول المنصرم برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحضرها إلى النواب: رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء، رئيسا الجمهورية السابقين أمين الجميل والعماد ميشال سليمان، رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، عميد السلك الدبلوماسي السفير البابوي غبريال كاتشا، عدد من السفراء والشخصيات الدبلوماسية، قائد الجيش العماد جان قهوجي وقادة أمنيون، نقباء وهيئات وموظفو فئة أولى، وعائلة العماد عون وضيوف آخرون.
بنتيجة الاقتراع في الدورة الأولى نال العماد عون 84 صوتًا، فجرت دورة ثانية نال فيها 83 صوتًا، وأصبح بذلك الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية، في فترة حرجة من تاريخ لبنان، ملؤها التحديات.

 

خطاب القسم
الرئيس المنتخب أدى القسم الدستوري ثم ألقى خطاب القسم الذي ركز فيه على عناوين أساسية تختصر المسائل والإشكاليات التي تواجه اللبنانيين، معاهدًا إياهم على الإخلاص للأمة في الخيارات المصيرية، وعلى العمل لإرساء الاستقرار والنهوض بالبلاد على مختلف الأصعدة.
وقد استهل رئيس الجمهورية خطاب القسم بالقول:
دولة رئيس مجلس النواب،
دولة رئيس مجلس الوزراء،
حضرات النواب والوزراء،
حضرة رؤساء وأعضاء السلك الدبلوماسي،
أيتها اللبنانيات
أيها اللبنانيون
كنت قد آليت على نفسي أن أكتفي بالقسم إذا ما انتخبت رئيسًا للجمهورية، لا سيما أنّ يمين الإخلاص للأمّة، التي أورد الدستور نصّها الحرفي، إنما هي التزام وجوبي على رئيس الجمهورية من دون سواه من رؤساء السلطات الدستورية في الدولة، وفيها كل المعاني والدلالات والالتزامات.
إلا أنّ الخلل السياسي المتمادي والشغور المديد في سدّة الرئاسة، حملاني على أن أتوجّه من خلالكم وبالمباشر إلى الشعب اللبناني العظيم الذي كان دومًا على الموعد معي، والحصن المنيع الذي ألجأ اليه في التعهدات الكبرى والخيارات المصيرية.
وأضاف: إنّ من يخاطبكم اليوم، هو رئيس الجمهورية الذي أوليتموه، مجلسًا وشعبًا، ثقتكم لتحمّل مسؤولية الموقع الأول في الدولة، الآتي من مسيرة نضاليّة طويلة لم تخلُ يومًا من المسؤوليات الوطنية، سواء في المؤسسة العسكرية التي نشأ في كنفها وتبوأ قيادتها، أو في ممارسة السلطة العامة بالتكليف الدستوري، أو في الشأن العام بالتكليف الشعبي، رئيسٌ أتى في زمن عسير، ويؤمل منه الكثير في تخطي الصعاب وليس مجرد التآلف والتأقلم معها، وفي تأمين استقرار يتوق إليه اللبنانيون كي لا تبقى أقصى أحلامهم حقيبة السفر.
إن أول خطوة نحو الاستقرار المنشود هي في الاستقرار السياسي، وذلك لا يمكن أن يتأمن إلا باحترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنية التي هي جوهر نظامنا وفرادة كياننا. وفي هذا السياق تأتي ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية، وتطويرها وفق الحاجة من خلال توافق وطني. ذلك أنها، في جزء منها دستور، وفي جزء آخر تعهدات وطنية ملزمة، ولا يمكن بالتالي أن يصار إلى تطبيقها بصورة مجتزأة، فينال منها الشحوب والوهن ولا يستوي في ظلّها نظام أو حكم، ولا تنهض عنها شرعية لأي سلطة.
فرادةُ لبنان هي بمجتمعه التعددي المتوازن، وهذه الفرادة تقضي بأن نعيش روح الدستور من خلال المناصفة الفعلية، وأولى موجباتها إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل، قبل موعد الانتخابات المقبلة.
أما في الاستقرار الأمني، فإن أوّل مقوماته الوحدة الوطنية، وكلنا يعي التحديات التي تواجهنا بصورة داهمة، وضرورة التصدي لها بلا هوادة بوحدتنا وانفتاحنا على بعضنا البعض وقبول كل منا رأي الآخر ومعتقده. هكذا نحافظ على روافد قوتنا، ونسدّ الثغرات التي قد تنفذ منها سموم الفتنة والتشرذم والتشنج والفوضى.
وقال: إن لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة، ويبقى في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة إليه. من هنا ضرورة ابتعاده عن الصراعات الخارجية، ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي، حفاظًا على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاقٍ.
أما في الصراع مع إسرائيل، فإننا لن نألو جهدًا ولن نوفّر مقاومةً في سبيل تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوٍّ لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية. وسنتعامل مع الإرهاب استباقيًا وردعيًا وتصديًا، حتّى القضاء عليه. كما علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة، ساعين أن لا تتحول مخيمات وتجمعات النزوح إلى محميات أمنية. كلّ ذلك بالتعاون مع الدول والسلطات المعنية، وبالتنسيق المسؤول مع منظمة الأمم المتحدة التي ساهم لبنان في تأسيسها، ويلتزم مواثيقها في مقدمة دستوره، مؤكدين أنه لا يمكن أن يقوم حلّ في سوريا لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين. أما في ما يتعلق بالفلسطينيين فنجهد دومًا لتثبيت حق العودة ولتنفيذه.
إن بلوغ الاستقرار الأمني لا يتم إلا بتنسيق كامل بين المؤسسات الأمنية والقضاء، فالأمن والقضاء مرتبطان بمهمات متكاملة ومن واجب الحكم تحريرهما من التبعية السياسية. كما عليه ضبط تجاوزاتهما فيطمئن المواطن إلى الأداء، وتستعيد الدولة وقارها وهيبتها.
وأردف قائلًا: أما مشروع تعزيز الجيش وتطوير قدراته، فهذا سيكون هاجسي وأولويتي ليصبح جيشنا قادرًا على ردع كل أنواع الاعتداءات على وطننا، وليكون حارس أرضه وحامي استقلاله وحافظ سيادته.
يبقى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية والإنمائية والصحية والبيئية والتربوية تمرّ بأزمات متلاحقة، لا بل متواصلة، لأسباب عدة خارجية وداخلية. وإذا كانت الأسباب الخارجية عاصية علينا ولا نستطيع سوى الحدّ من آثارها، فإن الداخلية منها تفرض علينا نهجًا تغييريًا لمعالجتها، يبدأ بإصلاح اقتصادي يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات، والتأليل في مختلف إدارات الدولة. إذ لا يمكن أن نستمر من دون خطة اقتصادية شاملة مبنية على خطط قطاعية، فالدولة من دون تخطيط لا يستقيم بناؤها، والدولة من دون مجتمع مدني لا يمكن بناؤها.
إن استثمار الموارد الطبيعية في مشاريع منتجة يؤسس لتكبير حجم اقتصاد حرّ قائم على المبادرة الفردية وعلى إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، وذلك من ضمن رؤية مالية هادفة ومتطورة. كما أن الاستثمار في الموارد البشرية، وبشكل خاص في قطاع التربية والتعليم والمعرفة، يُسهم في بناء أجيال يعوّل عليها لضمانة مستقبل لبنان الذي نطمح جميعًا إليه. غنى لبنان الأساسي هو في إنسانه المنتشر في كل بقاع العالم، هذا الإنسان الذي ندين له باستمرارية رسالة لبنان ونشرها، كما في إنسانه المقيم الذي من حقه أن يعيش في بيئة سياسية سليمة وفي بيئة طبيعية نظيفة.
أما اللامركزية الإدارية، بما تجمع من مرونة ودينامية في تأمين حاجات الناس وخدماتهم مع حفاظها على الخصوصية ضمن صيغة العيش الواحد، فيجب أن تكون محورًا أساسيًا، ليس فقط تطبيقًا لوثيقة الوفاق الوطني أو انسجامًا مع طبيعة لبنان، بل أيضًا تماشيًا مع تطور نظم الحكم في العالم.
إن هذا الإصلاح الاجتماعي الاقتصادي، لا يمكن له أن ينجح إلا بإرساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد، وتعيين هيئة لمكافحته وتفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكامل أدوارها.
ويبقى الأهم اطمئنان اللبنانيين إلى بعضهم البعض وإلى دولتهم بأن تكون الحامية لهم والمؤمنة لحقوقهم وحاجاتهم، وأن يكون رئيس الجمهورية هو ضامن الأمان والاطمئنان.
هذه هي العناوين الكبرى لعهد رئاسي أرغب صادقًا بأن يكون عهدًا تتحقق فيه نقلة نوعية في إرساء الشراكة الوطنية الفعلية في مختلف مواقع الدولة والسلطات الدستورية، وفي إطلاق نهضة اقتصادية تغير اتجاه المسار الانحداري، وفي السهر على سلامة القضاء والعدالة، ما من شأنه أن يمهد السبيل إلى قيام دولة المواطنة، بعد أن يكوّن كل مكوّن قد اطمأن إلى يومه وغده ومصيره في لبنان.
ربّ قائلٍ إننا قد تأخرنا في إنجاز ما حلمنا به وناضلنا من أجله وتشرد لنا أعزاء في أصقاع الأرض وسقط لنا أحباء، شهداء وجرحى وأسرى ومفقودين، في سبيله. ولكن، كلي ثقة بأن اللبنانيين جميعًا، رغم إدراكهم أن الطريق شاق وطويل، لديهم العزم والإرادة والإقدام لنحقق معًا ما نذرنا له الحياة، وهو لبنان القوي الموحّد لكل أبنائه، لبنان الحرية والكرامة، لبنان السيادة والاستقلال، لبنان الاستقرار والازدهار، لبنان الميثاق والرسالة.

 

كلمة رئيس مجلس النواب
ألقى رئيس مجلس النواب نبيه بري كلمة بعيد انتخاب النائب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في مجلس النواب، وقال: باسمي وباسم مجلس النواب والشعب اللبناني نقدّم لفخامتكم جميل التهاني بانتخابكم رئيسًا للبلاد في هذه اللحظة الوطنية والإقليمية والدولية الأشد صعوبة. واسمح بداية أن أتوجه بالشكر لهذا المجلس النيابي بالتحديد، ولحكومة الرئيس تمام سلام للمعاناة التي تحملاها معًا...
وأضاف: يسرني يا فخامة الرئيس أن أرحّب بكم تحت قبة البرلمان الذي أنت أحد أركان شرعيته اليوم، وقد أنجز مجلس النواب اللبناني الاستحقاق الرئاسي بانتخابكم، فإنه يعهد اليكم بإسم الشعب قيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان، فيما الريح تعصف والأمواج تتلاطم من حولنا وتهدد بتقسيم المقسم من أقطارنا ومن أقطار جوارنا العربي...
وقال: إنّ ما تقدّم هو أحد التهديدات الجديدة لاستقرار المنطقة ولبنان والتي زادت من حدة التهديدات الأمنية المتمثلة بالإرهاب، وكذلك من حدة أزمتنا الإقتصادية والإجتماعية نتيجة انتفاخ ملف المهجرين والنازحين... أما التهديد الفعلي والمستمر لبلدنا فإنه ينبع دائمًا من عدوانية إسرائيل التي تستهدف لبنان لأسباب إستراتيجية ومائية لكونه المنافس الإقتصادي المحتمل لها في نظام المنطقة...
إنّ ما تقدّم يفترض يا فخامة الرئيس، وأنتم كنتم على رأس المؤسسة العسكرية، دعم الجيش بالعديد والعتاد وتعزيز المؤسسات الأمنية...
وتابع قائلًا: يبقى أن إحدى القضايا الأساسية هي وقف استنزاف ثروة لبنان البشرية وهجرة الشباب، فلبنان لن يحلّق إلا بجناحيه المغترب كما المقيم...
وإذ أشار إلى ضرورة التفاهم على قانون عصري للانتخابات يعتمد النسبية، ختم بالقول: انتخابكم يجب أن يكون بداية وليس نهاية، وهذا المجلس على استعداد لمد اليد لإعلاء لبنان.

 

إلى القصر الجمهوري
تسلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سلطاته الدستورية، في احتفال أقيم بعد الظهر في القصر الجمهوري في بعبدا، وسط حضور إعلامي لبناني وعربي وعالمي ضخم.
ولدى وصول الرئيس إلى مدخل القصر، آتيًا من مجلس النواب في موكب رسمي، عزفت موسيقى الجيش لحن التعظيم ثم النشيد الوطني اللبناني، ورفع العلم على السارية الرئيسة. بعدها استعرض رئيس الجمهورية كتيبة تشريفات من لواء الحرس الجمهوري. وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة ترحيبًا به، بينما أطلقت البواخر الراسية في مرفأ بيروت صفّاراتها للمناسبة.
بعد ذلك، صافح الرئيس عون المدير العام لرئاسة الجمهورية والمدراء العاملين في الرئاسة وقائد لواء الحرس الجمهوري. ثم انتقل إلى صالون السفراء وسط صفيّن من رمّاحة الحرس الجمهوري، حيث التقطت له الصور الرسمية على كرسي الرئاسة، لينتقل بعدها إلى مكتبه حيث تسلّم وسام الاستحقاق اللبناني الوشاح الاكبر من الدرجة الاستثنائية والقلادة الكبرى لوسام الارز الوطني، والتقطت الصور التذكارية، فيما عمّت الاحتفالات ابتهاجًا بالمناسبة.