نشرة توجيهية

العملاء في نظر مشغّليهم ليسوا إلا خونة لا خير فيهم

قيادة الجيش: المناخ السياسي غير المستقر شكّل بيئة صالحة لنفاذ العدو الى الداخل
 لفتت قيادة الجيش الى أن المناخ السياسي غير المستقر الذي عرفه لبنان في فترة من الفترات، شكّل بيئة صالحة أمام العدو للنفاذ الى الداخل.
هذا الكلام أتى في سياق النشرة التوجيهية التي عمّمتها القيادة على العسكريين.


لقد احتل مؤخراً موضوع شبكات التجسّس لصالح العدو الإسرائيلي حيّزاً مهماً من اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، وهو ولا شك موضوع متابعة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي حقّقت في مجال كشف هذه الشبكات وتفكيكها واعتقال أفرادها، تقدّماً كبيراً، وهي ما تزال تعمل لإماطة اللثام عن ما تبقّى منها.
وإذا كان حجم الإختراق الإسرائيلي يبدو واسعاًً، إلا أن عدم كشف هذه الشبكات ومحاسبتها وبقاءها تعبث خراباً في مجتمعنا، كان سيضاعف من خطرها، كما كان سيطلق اليد الإسرائيلية للعبث بأمننا واستقرارنا ووحدتنا الداخلية.
لقد كان واضحاً أن العدو الإسرائيلي لن يسكت على خسارته في حرب تموز 2006، وقبلها اندحاره مكرهاً في أيار العام 2000 عن الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية المحتلة، لذلك جاء تركيزه، لتعويض خسائره المتتالية، على تجنيد العملاء في محاولة لتحويل الهزيمة الى نصر، أو على الأقل الى خرق للساحة اللبنانية، فيزرع الشقاق بين اللبنانيين، ويُظهر مجتمعنا وكأنه مجتمع غير متماسك، ومنقسم على نفسه حول الخيارات الوطنية الكبرى، تماماً كما حصل عندما استهدف وحدات الجيش في إبان حرب تموز 2006، وفي ظنه أن الجيش سينقسم حول جدوى المقاومة، لكن هذا الإستهداف قد زاد الجيش قوة ولحمة، ووقف وقفة رجل واحد يدافع عن شعبه في وجه آلة الدمار الإسرائيلية.  ومما لا شك فيه أن المناخ السياسي غير المستقر يشكّل بيئة صالحة أمام العدو للنفاذ إلى الداخل، مستفيداً من التوترات السياسية التي تؤدي أحياناً الى إضطرابات أمنية متفرقة، فيتحوّل الجهد الأكبر للقوى العسكرية والأمنية الى تثبيت الإستقرار الداخلي ووأد الفتن المتنقلة.
فالهزيمة العسكرية للعدو، والتوتر الأمني الداخلي المصاحب للتشنج السياسي، يشكّلان حوافز للعدو لممارسة عدوانه بطرق مختلفة، إلا أن هذه الحوافز تصبح عديمة الجدوى إذا لم يتوافر لها بعض ضعاف النفوس الذين يتم تجنيدهم عبر قنوات أهمها:


• الإغراءات المادية: حيث يستغل العدو الحاجة المادية للبعض، ويوهمه بالقدرة على سد هذه الحاجة، فيندفع هذا البعض الى العمالة للتخلص من الضائقة المالية، وهو واهم بالطبع، لأنه إذا حصل على المال فإنه يحصل على جزء يسير منه، فبعد أن يتأكد العدو من عمالته وتورّطه ستتوقف الإغراءات المادية اليسيرة ليقع العميل تحت وطأة الإبتزاز، فيتورط أكثر ومن دون مقابل هذه المرة وتقفل في وجهه كل أبواب العودة الى الصواب.


• الإغراءات الجنسية: حيث يؤدي العنصر النسائي دوراً في دفع البعض الى التورط في علاقات مشبوهة، وابتزازهم لاحقاً بفضح أمرهم إذا توانوا عن تقديم المعلومات التي يريدها العدو.
وفي كلا الحالين لا يحصل العميل على أية مكاسب شخصية، وإذا كانت هناك من مكاسب فهي لصالح العدو، يحقّقها على أرضنا. فلا يميّز في القتل بين عائلة العميل والعائلات الأخرى، ولا يفرّق في القصف والتدمير بين قرى وبيوت اللبنانيين جميعاً، فبيوت اللبنانيين هي التي تدمر، واللبنانيون هم الذين يُقتلون بشيبهم وشبابهم، بأطفالهم ونسائهم، والسيادة اللبنانية هي التي تُنتهك، والثقافة الوطنية هي التي تُمسّ، والنسيج الإجتماعي هو الذي يتهدد عندما يزرع العدو في هذا النسيج خائناً وعميلاً، وفي النهاية أرضنا التي احتضنت رفات آبائنا وأجدادنا ودماء شهدائنا هي التي تُدنّس.
ولذلك لا يمكن الحديث عن مكاسب شخصية يجنيها العميل، صحيح أنه يبيع وطنه لخدمة العدو لكنه في المقابل لا يجني شيئاً بل على العكس لن يكون بالنسبة الى هذا العدو إلا سلعة اشتراها بأبخس الأثمان، ومهما قدّم لهذا العدو من خدمات فلن يكون بنظره إلا خائناً لا خير يرجى منه لوطنه وشعبه وحتى نفسه.
وقد علّمنا التاريخ القديم والحديث أن العميل يحتقره مجنّدوه ربما أكثر مما يحتقره شعبه، فهو الضعيف الذي يسقط في أول فخ يُنصب له، وهو أول من يُقتل عندما يتم الإستغناء عن خدماته، أو يُترك لمصيره، تماماً كما حصل مع الذين تعاملوا مع الإحتلال في ما كان يُعرف بالشريط الحدودي قبل الإنسحاب الإسرائيلي في أيار من العام 2000.


أيها العسكريون
إن النصر يصنعه كبار النفوس لا صغارها، والقوة العسكرية الإسرائيلية الكبيرة التي فشلت في تحقيق أهدافها بمواجهة بلد صغير كلبنان، مستخدمة أحدث الأسلحة، لن تستطيع تعويض هذا الفشل عن طريق صغار النفوس، لأسباب عديدة:
• إننا أقوياء بإرادتنا وانتمائنا الوطني، ولو لم نكن كذلك لاستطاع العدو احتلال بلدنا وقرارنا وسيادتنا، ولأنه لم يستطع ذلك فإنه يحاول إضعاف جبهتنا الداخلية، واختـراق صفوفنا علّه يعوض ما عجزت عنه القوة العسكرية، وهو لا شك سيفشل بفضل وعيكم وولائكم المطلق للبنان، وبفضل التفاف اللبنانيين حولكم ووعيهم لخطورة ما يخطط له العدو من مكائد ومؤامرات.
• إن المؤسسة العسكرية، والى جانبها المؤسسات الأمنية الأخرى، لن تغمض لها عين حتى اجتثاث هذه الجرثومة التي يحاول العدو زرعها في بيئتنا، وسنواصل العمل على تفكيك ما تبقى من الشبكات العميلة أينما وجدت في المجتمع اللبناني، وهذه المؤسسة تضع نصب أعينها أنها تخوض حرباً تلقى فيها تأييد هذا المجتمع بأسره، وفي مقدمه عائلات العملاء والمغرّر بهم وصولاً حتى تحرير ما تبقى من نفوس ضعيفة ونيلها العقاب المناسب، بالإرادة نفسها التي يتم بها العمل لتحرير ما تبقى من أرض محتلة، ولن تتهاون مؤسستكم في الضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه التضحية بشعبه وبلده ودماء شهدائه.
• إن الوفاء للدماء التي سقطت على كل شبر من لبنان يبدأ بتحصين الذات ضد الخطر المعادي، فبذلك نحمي أنفسنا ووطننا، ولنكن على قدر تلك الدماء الزكية التي بذلها العسكريون والمواطنون في مواجهة العدو، ولا نفرّط بها، ولا نكون له أداة ينتقم بها من تلك الدماء الغالية، فهو أعجز عن القتال المباشر، وهو يعرف ذلك، ويعرف ايضاً أنه عندما حاول إحتلال أرضنا وجد جيشاً وشعباً ودولة على أهبة الإستعداد للتصدي والدفاع عن الأرض، ويعرف ايضاً أنه ليس بمقدوره تكرار تلك التجربة للسبب نفسه.
أدعوكم أخيراً الى الوعي، فالعدو إذ يحاول إختراقنا فلأنه يدرك بأننا خطر عليه، وهذا الإختراق يتحوّل خطراً علينا وعلى الوطن لو لم يتم كشفه وحصره، لكننا واثقون بأن مؤسستكم لديها من الثوابت الوطنية والمناعة ما يبقيها على الدوام عصيّة على الإختراق والضامن الأساسي للوحدة الوطنية والإستقرار العام.