العمل السياسي بين الواقع والمرتجى

العمل السياسي بين الواقع والمرتجى
إعداد: د. البير رحمة
دكتوراه دولة في العلوم السياسية والادارية

الوطني اللبناني

وُجدت السياسة بمفهومها المبدئي لخير ورفاهية المجتمعات، وذلك بالعمل على إرساء السلام والمساواة بين البشر، وحلّ النزاعات والمشاكل الاجتماعية بالطرق السلمية. فالعمل السياسي يتمحور بخاصة حول تطبيق هذه المبادىء عملياً بغية التوجّه بالبشرية نحو مستقبل أفضل ينبذ التسلّط الفردي المطلق والأنانية الضيّقة. أمّا في الواقع فالمبادىء السياسية لا تُطبّق بالطرق القويمة في معظم البلدان بشكلٍ عام، إلاّ من قبل بعض الأفراد والمجموعات التي لا يُعتّد بها بسبب قلّة أعدادها .في العصر الحالي كما في السابق.، ما يستوجب إحياء السياسة الحقّة بالممارسة الفعلية ضمن ضوابط قانونية واضحة، خصوصاً لدى المسؤولين في السلطة وخارجها على حدّ سواء، وتفادياً للحروب والمآسي والمظالم التي يُسبّبها تحكّم القوي بالضعيف. ويجب أن يتغلّب الطابع السياسي المرتكز على المنطق والعقلانية التي تحفظ كرامة الإنسان كمخلوق بشري له حقوق وعليه موجبات.

من هذا المنطلق يجب البحث عن حلّ يساهم بتنقية العمل السياسي من غالبية عيوبه لدى العاملين في الشؤون العامة داخل السلطة وخارجها وفي مختلف البلدان. ويقتضي ذلك معالجة ثلاثة محاور رئيسية، يتناول الأول منها تحديد مفاهيم السياسة والعمل السياسي، السلطة، الجماعات الضاغطة والإنحراف السياسي. أما الثاني فيعالج مسألة واقع العمل السياسي ومشاكل تطبيق المبادىء السياسية في العالم، مع ما يعقب ذلك من أخطار ومشاكل تعيق تقدّم البشرية إن لم تتسبّب بانهيارها. ويعمل المحور الأخير على وضع آلية محدّدة وشروط قابلة للتطبيق لإبعاد المعوّقات قدر الإمكان بالسّبل المتوفّرة وبشكل مُرضٍ ومقبول يعطي ثماره المرجوّة.

 

تحديد المفاهيم

إنّ تحديد مفاهيم عناصر البحث الأساسية ضروري قبل الشروع في معالجة الإشكالية المطروحة، لذا ينبغي تعريف كلٍّ من المقوّمات التي تندرج ضمن نطاق العمل السياسي، وهي. السياسة، العمل السياسي، السلطة، الجماعات الضاغطة والإنحراف السياسي.

 

ما هي السياسة ؟

إنّ المعنى الأساسي لكلمة سياسة مشتقّ من كلمة ساس ويُقال سَاسَ القوم أي دبّر شؤونهم أو اعتنى بهم وبأوضاعهم من النواحي الإجتماعية أو الإقتصادية وغيرها، مع العمل المتواصل على حلّ النزاعات بينهم بالطرق السلمية، والتخطيط الدائم لمستقبل أفضل يأخذ بالإعتبار المستجدّات الراهنة والتطوّر الحاصل من النواحي العلمية والفكرية والتقنية وغيرها. والسياسة كما يعرّفها القاموس هي، کعلم الدولة ولغة القيام بشؤون الرعية"([1]). ويعتبر أرسطو من مؤسسي هذا العلم في كتابه "السياسة" الذي بحث فيه نظام المجتمع الإنساني مبتدئاً بالأسرة، وهي الخلية الإجتماعية الأولى، ثم المدينة، فالدولة، من حيث علاقتها بالأفراد وبالدول الأخرى، وهذا ما يعرف بالسياسة المدنية والسياسة الدولية. وكذلك فعل أفلاطون عندما اعتبر أنّ العلم ليس حكراً على الآلهة، وأنّ الحقائق الفيزيائية هي علم قائم بذاته. ويمكن القول أنّ أرسطو وأفلاطون شهدا على إدخال مفهوم جديد في السياسة قوامه مقدرة الناس على حكم أنفسهم إذا ما طبّقوا المبادىء العقلانية، فأصبح علم السياسة قائماً على العقلانية والعلم الذي يساعد على تحسين الممارسة السياسية، مع الأخذ بتوجّهات الناس وأولوياتهم والمثل العليا والتقاليد الإجتماعية والسياسية معا. ويمكن القول إنّ الفينيقيين، منذ زمن بعيد، مارسوا السياسة في تدبير شؤون مدنهم وفي علاقاتهم مع الشعوب الأخرى خلال أسفارهم عبر البحار حبّاً بالإكتشاف والتجارة، لكنّهم لم يسمّوها علماً كما فعل أرسطو، بل مارسوها عمليا وانفتحوا على العالم بحسن الدراية وليس باعتماد أساليب القوة العسكرية والحربية، فكانوا روّاد الأمبراطورية السياسية ­ من دون أن يسمّوها­ وليس الحربية المبنية على القمع والتعسّف.

أمّا العرب فقد استخدموا لفظة السياسة بمعنى الإرشاد والهداية، ووضعوا في علم السياسة كتباً لعلّ من أقدمها كتاب"تهذيب السياسة" للأهوازي.

إنّ دراسة السياسة تشمل بنظرنا نظام الدولة وقانونها الأساسي ونظام الحكم فيها ونظامها التشريعي، كما تتضمّن دراسة النظم السياسية في العالم والمبادىء التي استمّدت وجودها منها. وقد تأثّرت هذه الدراسات بنظريات الكثيرين من الفلاسفة ورجال الفكر والإقتصاد من أشهرهم هوبز (Hobbs) ولوك (Look) وروسو (Rousseau) ­ الذي نادى بنظرية العقد الاجتماعي ­ ومونتسكيو (Montesquieu) الذي ابتكر نظرية فصل السلطات.

وباتت لفظة السياسة تستخدم بمعنى "فنّ الحكم والقواعد المنظّمة للعلاقات بين الدول ومع المنظمات الدولية"، ممّا يدخل في نطاق القانون الدولي والديبلوماسي، كما تشمل هذه الدراسة النظام الداخلي في الدولة، والأساليب التي تستخدمها التنظيمات الداخلية كالأحزاب السياسية في إدارة شؤون البلاد للوصول إلى مقاعد الحكم([2].

والسياسة من الناحية المبدئية هي علم وفن إدارة شؤون الناس، وهي بالتالي تشبه الدين في بعض تطلّعاتها، والجريمة في بعض ممارساتها، ويمكن لها أن تظهر الأفضل كما أن تظهر الأسوأ عند الشعوب. لكن سواء كانت السياسة فنّاً أم ديناً أم جريمة أم غير ذلك، فمن الواضح أنها جزء لا يتجّزأ من واقع الحياة، وأنها من بديهيّات الأمور في المجتمعات، سيّئة كانت أم جيّدة أم لامبالية. وليس هناك من مستقبل للدول من دون حياة سياسية، فهي تقدّم آلية لحلّ النزاعات البشرية بالطرق السلمية وبالتفاوض والحوار، وهي سبيل للإرتقاء إلى الأفضل بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه من دون الإستعانة بمنطق القوّة. لذا اعتبرها المفكّر بودان (Boudan) کالعلاقات بين السلطات التي تعمل على ضبط المجتمع وصيانة الدولة بشكل دائم".

بدأت الدراسات السياسية عندما اقتنع الإنسان بأنّه سيّد نفسه، أي أنّه قادر على التصرّف والتحّكم بمصيره وفقاً لمبادىء ومفاهيم معروفة تطال الشأن العام بأبعاده كافة، بدءاً بالحياة اليومية المعاشة وصولاً إلى الأفق المستقبلي، إذ هناك السياسة الإقتصادية التي تنبع من سياسة الدولة، كمثل الإقتصاد الموجّه في الدول الإشتراكية، والإقتصاد الحرّ في الدول التي تعتمد الرأسمالية حيث السياسة الإقتصادية رهن بنشاط المؤسسات الحرّة وما إليها من وضع الخطط والبرامج التي تحقّق أقصى مستويات الربح. وتختلف السياسة الإقتصادية للدولة تبعاً لمستوى الإستقرار الإقتصادي الذي بلغته، ففي الدول النامية تهدف هذه السياسة الى التنمية الإقتصادية في جميع المجالات، أمّا في الدول المستقرة إقتصادياً، فتعمل على الإحتفاظ باحتكاراتها ومناطق نفوذها ما أمكنها ذلك. ويشمل مضمون السياسة الإقتصادية، النواحي الضريبية والنقدية والمصرفية وسياسة التصدير والإستيراد، والسياسة الجمركية، والتموينية، وسياسة الحدّ من الاستهلاك وتشجيع الإدّخار، وسياسة تثبيت الأسعار وتحديد الأجور والتنمية الإقتصادية.

يتّضح مما سبق بأنّ السياسة لها علاقة مباشرة بالشأن العام والأنظمة والقوانين والتخطيط بكل أبعادها الإجتماعية والإقتصادية والفكرية والعلمية والأخلاقية، وحتى على مستوى العلاقات بين الأفراد، فكل هذه الأمور والشؤون لها مفاعيلها ومردودها السلبي أو الإيجابي على النظام السياسي المعتمد.

نظراً لتعدّد مهام السياسة وشؤونها، يتوجّب على من يمتهنها أن يتقنها وفق معايير دقيقة تتناسب مع أهمية العمل السياسي التي تفوق أهمية أيّ عمل آخر.

 

كيف يكون العمل السياسي ؟

قبل الشروع بتحديد العمل السياسي يجدر القول إن المجتمع الحالي في كل البلدان يعاني، وإن بنسب متفاوتة، من عدم التمكّن من صنع مؤسسات لحلّ المشاكل بشكل أوسع، وليس هناك مؤسسات رقابة على تطبيق العمل السياسي للتأكّد من المصداقية في هذا المجال، بالتالي لا يوجد تحديد واضح لهذا العمل يمكّن من الإحاطة به داخل السلطة وخارجها، أو على الأقل ليعرّف ممتهن السياسة على تفاصيل وحدود مهنته. إلى ذلك أصبح الناس يتفاعلون مع الأحداث بطرق أكثر تعقيداً من السابق، ما يدفعهم إلى احترام المبادىء التي تقوم عليها السياسة دون سابق تصميم، خصوصاً في الأنظمة الديمقراطية، ما يدعو إلى التساؤل. ما هي النتائج السياسية المطلوبة للتعاطي مع المشاعر الإنسانية كالغضب والملل واليأس وضغوط العمل والبطالة والطبابة والنزوح من القرى والضغط على المدن والمتطلّبات الاجتماعية وغيرها. إن هذه المشاكل تتغلب على منطق العلم والعقل نظراً لتنوّعها، لذا فإن استنباط الحلول يستوجب الجهود المضنية التي بدورها تتطلّب القدرة والوقت اللازمين.

 ويهتمّ العمل السياسي بكل هذه الأمور مع التخطيط الدائم لتلافي مشاكل الحياة اليومية المتفاقمة باضطراد، والعمل على نزع فتيل الحروب. من هنا فالعمل السياسي هو لولب الحياة الإجتماعية وركن السلام العالمي نظراً لأهميته القصوى في شتى ميادين الحياة، لأن السياسة کليست فرضية تحدّد بواسطة تحليل، بل هي مسألة متشعّبة وواسعة النطاق، حيث تبدو متناقضة في بعض تفاصيلها، وتُعطي عدّة معانٍ للقضايا نفسها.[3]

إذا حددنا هدف السياسة بأنه ضمان استمرار المجتمع البشري باستعمال الحنكة والدراية، فالعمل السياسي في أمسّ الحاجة إلى الذكاء. يبقى أن الذين يتولّون زمام الأمور، ليسوا دائماً على مستوى المسؤولية، ما يشكّل معضلة جديدة تواجه تطبيق المبادىء السياسية، وتُنتج التخبّط بين الأمل وقلّة الثقة في من يعمل على تحقيق الأهداف السياسية. لذا يصبح الغموض القاسم المشترك بين علم السياسة والممارسة السياسية على حدّ سواء.[4]

إنَّ قيام كل فرد بنسج علاقات مع الآخرين، يستوجب إتقانه سياسة معيّنة ليتمّ ذلك بنجاح، وهذا ما يسمى العمل السياسي الفردي. أمّا قيام الحاكم بتدبير أمور رعيته على أحسن وجه، مع الحفاظ على مركزه، فيدعى عملاً سياسيا، وإذا تّم ذلك بنجاح يكون العمل السياسي صحيحا، وإن لم يوفّق يعتبر عمله السياسي منقوصا ويشوبه الكثير من العيوب في تنفيذ السياسة المرسومة. للعمل السياسي إذاً أطر ومفاهيم ومبادىء لا يمكنه الخروج عنها، أما في الواقع فنادراً ما نجد من يتقيّد بها.

فعندما تقوم المؤسسات بتحقيق الأهداف السياسية وبلورتها في الممارسات الحكومية، تعمد إلى تنظيم الحياة الاجتماعية بوسائل سياسية. وخلال قيامها بعملية التنظيم، تؤثر على نوعية وخصائص الأهداف السياسية. وهكذا يصبح الحكم التمثيلي مؤسسة ضرورية لتطبيق المبادىء السياسية المرسومة في أيّ مجتمع أو دولة. لكن المؤسسة لا تقوم من تلقاء نفسها، فهي تتألف من أُناس يتصرّفون بوحي من تفسيراتهم الفردية لصلاحية الهيئات الحاكمة. علاوة على ذلك، قلّما يحصر الأفراد تصرّفهم السياسي ضمن الأُطر المحددة بالمؤسسات والفلسفات والمبادىء العامة.

إنّ العمل السياسي الناجح يعتمد أرقى درجات المعرفة وأدقّها، دون الحاجة بالضرورة إلى دراسة علم السياسة، وربما يكون ذلك بالفطرة أو نتيجة مجهود فكري منظّم .كما كان يحصل في المجتمعات البدائية.، ولكنّ ذلك لا يكفي للقول بأنّهم أتقنوا فنّ السياسة، لكنّهم استطاعوا تأمين التعاطي الآمن في ما بينهم.

يتطلّب العمل السياسي القيام بدراسة الحوادث والظواهر دراسة موضوعية حيادية تبتعد كل البعد عن التحيّز والتعصّب والأفكار الشخصية والذاتية. وما يحصل في الواقع هو الإعتماد على الدراسة الشمولية والكلّية للظواهر المنوي الإهتمام بها. أما عملياً، فإن غالبية العاملين في الحقل السياسي لا يعيرون شأناً لهذه الموضوعية والشمولية والحيادية، ما يشكّل معضلة أمام اعتماد السياسة الحقيقية في تصرّفات طبقة الـ "سياسيين" في معظم دول العالم. لذلك لا تزال البشرية رازحة تحت نير المظالم والحروب والعبودية بشكلٍ أو بآخر.

وبكلمة نهائية، فالعمل السياسي هو كلّ ما من شأنه السعي لتطبيق المبادىء التي تدور في فلكها السياسة، ومنها على سبيل المثال. حلّ المشاكل بالطرق السلمية، حسن الدراية في القيادة أو التنفيذ، إتقان الفضائل الخيّرة، الصدق في المعاملة والتنسيق الدائم مع المعنيين، المحافظة على العلاقات الجيّدة بين الناس وبين الدول،إبعاد منطق التحدّي وتجنّب الأسباب المؤدية إلى الأزمات والحروب، نشر الوئام بين ربوع الوطن وفي العالم، العمل على الإستفادة من الذكاء الفردي والجماعي، التخطيط لمستقبل أفضل، العمل على التغيير الدائم، وغير ذلك.

 

ماذا تعني السلطة؟

السلطة بمفهومها الإيجابي لا تعني القمع والتسلّط؛ إنها اصطلاح دستوري يقصد به وظائف الدولة الرئيسية، وتقسّم تقليدياً (منذ وضع العلاّمة الفرنسي مونتسكيو Montesquieu نظريته في كتابه "روح الشرائع" عام 1748)، إلى ثلاث سلطات هي. التشريعية والتنفيذية والقضائية، وارتبط بهذه النظرية مبدأ سياسي لا يزال قائماً ومطبّقاً الى حدٍ كبير مع اختلاف نظم الحكم في العالم، هو مبدأ کفصل السلطات" باعتباره دعامة تقوم عليها الحرية السياسية.[5]

أ ­ السلطة التشريعية، وهي الهيئة المنوط بها وضع القوانين في الدولة في حدود الإطار الدستوري، وهي مهمّة يضطلع بها الشعب أو نوّابه أو الطرفان معاً. وتتمثّل النيابة الشعبية في هيئة منتخبة يطلق عليها إسم البرلمان أو المجلس الوطني أو مجلس النّواب أو مجلس الأمّة، فإذا كانت هذه الهيئة واحدة (كمجلس النواب في لبنان مثلاً) يقال أن السلطة التشريعية قائمة على نظام المجلس الفردي، أمّا إذا تألفت من مجلسين (بريطانية ­ الولايات المتحدة الأميركية مثلاً) فيقال أنّ الهيئة التشريعية تقوم على نظام المجلس المزدوج، ولكلٍ من النظامين مبرّراته.

ب ­ السلطة التنفيذية، وتُعرف كذلك بالحكومة، وهي الهيئة المنوط بها تنفيذ القوانين، والوزراء هم أصحاب السلطة الفعلية. وتضمّ الهيئة التنفيذية جميع موظفي الدولة.

د ­ السلطة القضائية، وهي الهيئة المنوط بها تفسير القانون وتطبيقه. وتتمّثل هذه السلطة في القضاء وأعضاء النيابة ومعاونيهم من المحامين. ويشترط في الإنضمام إليها الإلمام بالقانون والحصول على درجة علميّة خاصة ومراس عملي، كما يشترط استقلال أعضائها من حيث اختيارهم أو عدم قابليتهم للعزل وغير ذلك من العوامل التي قد تؤثّر في تحقيق العدالة.

 

الجماعات الضاغطة

يشمل عمل الجماعات الضاغطة الوجه السلبي والوجه الإيجابي في كل دولة، إذ تساهم هذه الجماعات سلباً أو إيجاباً في تطّور المفاهيم والأنظمة بفعل تأثيرها المباشر وغير المباشر على السلطة والمجتمع معا، وتساهم أيضاً بتحسين أو انحراف الأداء السياسي إلى حدّ معيّن. وهناك المعارضة والموالاة من خارج السلطة التي تشكّل أدوات ضغط أساسية لا يمكن تجاهلها في أيّ دولة كانت ومهما كان نظامها. ففي الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية تتمثّل المعارضة بالجماعات السريّة التي تعمل دائماً على نشر وتعميم وجهات نظرها لتغيير النظام، أما في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، فتكون المعارضة علنية في أغلب الأحيان مستندة في علنيتها هذه على طبيعة النظام المرتكز على التساهل والتسامح والإنفتاح الدائم، فتتّخذ الصفة الرسمية والشرعية كما هو حاصل في المملكة المتحدة الإنكليزية .بريطانيا العظمى. حيث هناك حكومة الظل وتدعى "حكومة المعارضة لدى جلالة الملك" وهي مؤلّفة من أعضاء الحزب المعارض أيّ الحزب الخاسر في الانتخابات النيابية، حيث يقابل كل وزارة في المجلس الوزاري لدى السلطة، وزارة في الظل، أي وزارة مراقبة لأعمال الأُولى، وذلك ليتسنّى للمعارضة مراقبة تنفيذ الشؤون السياسية في البلد عن كثب. بذلك تكون المملكة المتحدة قد خطت خطىً متقدّمة من ناحية تطبيق الديمقراطية التي تساهم بإرساء قواعد العمل السياسي إلى أبعد الحدود، ما يجعلها من أقرب الدول تطبيقاً للعمل السياسي، نسبةً إلى سائر البلدان لا سيما التي تُعدّ متطوّرة حاليا.

يتلخّص تأثير الجماعات الضاغطة على السلطة والحكم بواسطة المعارضة والجمعيات والأحزاب السياسية والمؤسسات الأهلية والأقطاب السياسيين خارج السلطة. وتكون المعارضة داخل السلطة في بعض الأحيان، متمثّلة ببعض النواب أو الكتل النيابية أو بحكومة الظل على سبيل المثال.

وهناك عدّة أنواع من المعارضة والمجموعات الضاغطة، منها ما هو إيجابي وبنّاء، ومنها ما هو سلبي وقائم على اعتبارات شخصية وكيدية أو سلطوية ( حبّ السلطة والإستئثار بها ) وغير ذلك من الطرق التي لا نعتبرها سياسية بل مجرد تشويه للسياسة ومبادئها. في كل الأحوال، على المعارضة التدّرب على الأخذ بالحق والإلتزام بالقانون والعدل والتوازن والرصانة، لتمارس من خلال كل ذلك عندما تستلم مقاليد الحكم إذا تسنّى لها ذلك. فإذا هي أباحت لنفسها انتهاك القوانين حين تكون في موقع المعارضة، فمن الطبيعي أن تستمر كذلك بعد أن تصبح شرعية.

 

الإنحراف السياسي

الإنحراف السياسي يعني خروج رجل السياسة عن المبادىء التي ترعى هذه المهنة أو الرسالة، إذ أنّ العمل السياسي هو رسالة، وكلّ خروج عن روحية وأهداف هذا العمل يعتبر انحرافاً سياسياً يستوجب العمل على تصحيحه من قبل المعنيين إن وُجدوا، وإلاّ فينبغي الشروع بإيجادهم نظراً لحتميّة وأهميّة أعمالهم في المجتمعات والدول داخل السلطة وخارجها.

أصبح الإنحراف السياسي اليوم ظاهرة شائعة في كل دولة ومجتمع،كأنّه الأساس. فالعادات والتقاليد والأعراف تكاد تكون الطاغية لدى الحكام والمعارضين معاً، أمّا القيم فهي من التمنيّات والمثاليات "الهيولية" غير القابلة للتجسيد عمليا.

إنّ أولوية المصلحة الفردية على النفع العام، والاستئثار بالسلطة وما يتبعه من تزوير للواقع وتشويه لسمعة الأشخاص المناوئين، وكل مخالفة للمباديء السياسية، تعتبر من الإنحراف السياسي، أي أنّها مخالفة لمبادىء العمل السياسي. وذلك ما يحصل عن قصد أو عن غير قصد لدى غالبية المسؤولين والحكّام والجماعات الضاغطة أيضاً في معظم الدول، وهو ما يسبّب إحراجاً للسياسة ومراميها. وقد صار لزاماً على كلّ عاقلٍ حماية العمل السياسي من الإنحراف المؤدّي حتما الى تفاقم الحروب والأزمات التي بدورها قد تساهم ربما بضياع وفناء البشرية. فالطبيعة والأرض بكاملها أصبحت اليوم، أكثر مما في الماضي، خاضعة لإرادة البشر الذين يحتاجون إلى تطبيق العمل السياسي القويم الذي ينقذ الجميع، إذ يصحّ القول إنّ"الطبيعة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، تبدو كامتداد عضوي لجسد الإنسان، اليابسة والمحيطات والغلاف الذي يحيط بهذا الكوكب، كلها وحدة واحدة رغم أن العالم لا يزال ينقسم إلى مجموعة دول ومجتمعات، ونحن جميعاً نعتمد على محيط حيوي واحد للإبقاء على حياتنا، ولو أن كلّ بلد يكافح من أجل البقاء والرفاه من دون اعتبار لأثر ذلك على الآخرين".[6]

فالحكومات تخضع لضرورة تنظيم وتقنين العلاقة مع الطبيعة والبيئة، وتدرك بصورة متزايدة أهمية التنسيق للحفاظ على هذا المدى الحيوي للحضارة والإنسان ([7])إزاء الواقع الحالي للعمل السياسي، أي الإنحراف السياسي الذي لا يُنبىء بمستقبل أفضل للبشرية إذ ما استمر على هذا المنوال.

 

المحور الثاني: الواقع الحالي للعمل السياسي

تعاني المبادىء السياسية اليوم من عدم تطبيقها بالشكل الصحيح، حتى يمكن القول إن مهنة السياسةً واقعة في مأزق سيتفاقم إن لم يبادر خيّرو هذا العالم إلى الإنقاذ بوضع الآلية الكفيلة بذلك. ولتلك المشكلة مسبّباتها العديدة، منها ما هو عائد للأعراف والتقاليد، ومنها ما سببه الحروب إلى ما سوى ذلك.

إنّ حلول العمل السياسي الحقّ مكان ما يسمى بتسيّس الحكّام والمسؤولين بات حاجة ملحّة، حيث يمكن اعتبار تصرّفات الحكّام والمسؤولين والمعارضين معاً غير سياسية، بل تسيّساً وتعدّياً على السياسة التي هي براء من هذه التعدّيات على مبادئها. ولقد قيل إن "عدالة الإنسان لا يمكن أن تكون إلاّ على صورة الإنسان نفسه، ضعيفة ومنقوصة..."([8]) لذلك فعلى رجل السياسة أن يتبّع المبادىء في ظل رقابة الضوابط السياسية، وليس كما هو حاصل حالياً. فالعاملون في الشأن العام يجب أن يتقنوا فنّ السياسة عملياً، وإلاّ فلا مبرر لدخولهم هذا المضمار.

ولمعالجة هذه المسألة لا بد من طرح مشاكل تطبيق المبادىء السياسيّة، ومن ثمّ إلقاء الضوء على بعض محاولات الإصلاح، وبعدها يتمّ إظهار سلبيات وحجم المشكلة وتأثيرها المباشر وغير المباشر على مستقبل البشرية.

 

مشاكل عدم تطبيق المبادىء السياسية

 تؤدي المشاكل الناجمة عن عدم تطبيق المبادىء السياسية إلى الإساءة للسلطة وللدولة وللمجتمع معاً، وتتلخص بالنقاط التالية.

­ عدم توصّل البشرية حتى اليوم إلى السلام المنشود، حيث لا تزال الحروب والنزاعات قائمة، وشريعة القوي هي السائدة، بمعزل عن تطلّعات الشعوب الضعيفة وآرائها.

­ الخلافات والانقسامات والمساومات والتنافس حول القضايا العامة المتعلّقة بالمبادىء في كل دولة ومجتمع، ترتفع أو تنخفض بحسب نوعية كل نظام، لكنها لا تزال موجودة بنسب عالية، حتى في الدول التي تُعتبر متقدّمة.

­ إنّ الكثيرين من الذين يعتبرون أنفسهم رجال سياسة، لا يملكون هذه الصفة في الواقع، لأنّ محاور اهتماماتهم تدور أولاً وأخيراً حول مفهوم القوة العسكرية والهيمنة على الآخرين بشتّى السبل، ولا يُتقنون قوة المنطق والعقل المرتكزة على المبادىء والآيلة لخدمة المجتمع، والتي أُنشئت السياسة من أجلها. فالمسؤول يستخدم القوّة ويريدها ويعمل على اعتمادها في الغالب، وهي بالنسبة له وسيلة وغاية، لذلك ينظر إلى عالم السياسة كما ينظر الجنرال إلى المعركة، همّه الوحيد هو الربح بشتّى السبل، فتتمحور استراتيجيّته حول كسب المعركة مستعيناً بالقوة،ويهمّه العديد من الأصوات المؤيّدة أكثر ممّا يهتم بالمبادىء، في حين يحتاج السياسي الناجح إلى المقدرة على معالجة القضايا المعقّدة والأوضاع الصعبة بتصميم وإصرار حسبما يمليه عليه العقل والمنطق.

 

المساعي لتحسين الأداء السياسي

 لم تتوقف مساعي الإصلاح يوماً إزاء الحروب والنكبات المتواصلة التي يعود سببها غالباً إلى عدم إتقان فنّ السياسة بشكل فعّال، ولا سيما في الظروف التي تتطلّب الاستعانة بمبادىء السياسة لدرء الأخطار المحدقة بالبشرية.

إن الذين عملوا على وضع الأنماط والمبادىء السياسية،أي علماء السياسة، يمكن اعتبارهم كفئةٍ من الأنبياء حملوا رسالة السلام والعدل. لكن المشكلة بقيت دائماً في التطبيق العملي لدى القيمّين على هذا الشأن. وكان للعلماء القدامى أمثال أرسطو وأفلاطون والأهوازي وهوبس ولوك ومونتسكيو وبودان... مساهمة فعّالة على مرّ العصور، وتجلى تأثيرهم على المنظّمات الدولية والإقليمية بتبنّي الكثير من مبادئهم، بالإضافة إلى المحاولات الجدّية لتطبيقها عملياً في العالم، لكنّها كانت تصطدم دائماً بالمعوّقات المتأتية عن استعمال القوة العسكرية التي ما زال يؤمن بها قادة الدول التي تملك النفوذ الأهم على الساحة الدولية. وتتلخص هذه الخطوات بالنقاط التالية.

 

أ ­ الإعتراف بالغير وحقه بالوجود والتغاير

هناك أعمال تعتبر سياسية إلى حدٍ معين لأنها أدّت إلى فضّ النزاعات والحروب ومن أهمها:[9]

­ المجامع المسيحية لدرء أخطار الإنقسام بين الفرق المسيحية قبل ظهور الإسلام، فهي تعتبر من الأعمال السياسية رغم أنها كانت تتعلّق بالنشاطات الدينية.

­ عهود الأحكام الشرعية بين الحكام المسلمين والطوائف المسيحية واليهودية التي كانت واقعة في ذمّة الإسلام.

­ إتفاقية أوغسبورغ (Augsbourg) عام 1555بين ملوك لوثريين وكاثوليكيين لتنظيم بعض المسائل الدينية في ألمانيا.

­ منشور (De Turda) عام 1568 في هنغاريا الذي أقرّ بالتعددية الدينية في تلك الدولة آنذاك.

­ إتفاقية فيينا عام 1815 التي أقرّت الكثير من الحقوق المدنية للمواطن، كالحريّة والمساواة وغيرها في الحقوق التي تعتبر من صلب الأعمال السياسية.

 

ب ­ إنشاء عصبة الأمم

 إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 أنشئت "عصبة الأمم"، وكان من أهم أهدافها العمل سياسياً لإرساء السلام في العالم. أما إسهامها في هذا المجال فاقتصر على توطيد روح التفاوض بين الدول والمجموعات بدلاً من اعتماد الحلول العسكرية في فضّ النزاعات القائمة، واعتماد مبدأ احترام الرأي وتأمين حريّة وحقوق الأقليّات مع وضع ضمانات للأقليات السياسية والدينية والعرقية... بالإضافة إلى ذلك أنشأت هذه المنظمة محكمة العدل الدولية الدائمة التي أسهمت بالحفاظ على حقوق الدول، ما أنشأ نمطاً جديداً في التعامل، تمثّل بتطبيق نهج السياسة الأساسي في التعامل بين الدول بما يخفّف من احتمال وقوع الحروب. أما في الواقع فقد بقيت المعوقات قائمة على خلفية التسابق على النفوذ، فأوقعت العالم في أتون الحرب العالمية الثانية، وحلّ التقاتل والظلم والحروب مكان العمل السياسي والديبلوماسي بين الدول، في غياب أيّ مسعى فاعل مرتكز على السياسة ومبادئها التي وُجدت أصلا لإرساء السلام العالمي وإبعاد الحروب.

 

ج ­ قيام منظّمة الأمم المتحدة

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 حاولت غالبية الدول تفادي الحروب المستقبلية، فعملت على إنشاء منظّمة الأمم المتحدة، وحقّق القانون الدّولي خطوات كبيرة على طريق تنظيم العلاقات الدولية وبروح أكثر مسؤولية عبر هذه المنظّمة العالمية، ما انعكس بشكل إيجابي على إرساء بعض مبادىء السياسة على الصعيدين الدولي والفردي. ويمكن القول بهذا الصدد إن غياب العمل السياسي بشكله الفعّال قبل الحرب العالمية الثانية، أي غلبة منطق القوة على مبدأ السلم، أدّى إلى ما آلت إليه تلك الحرب من ويلات ودمار الخ... فإذا ما استمرّ استبعاد العمل السياسي بين الدول في حلّ خلافاتها ونزاعاتها بشكل سلمي، ستبقى الحروب المؤديّة إلى فناء البشرية احتمالاً قائما.

إنّ حلول العمل السياسي وتوطيده من خلال هذه المنظّمة يظهر بالشكل التالي:

­ ورد في ديباجة إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1948 ما معناه إيجاد أوضاع قانونية جديدة عبر بروز الفرد كعنصر أساسي في القانون الدولي العام من خلال النص. کنحن شعوب الأمم المتحدة نُؤكّد.... إيماننا بالحقوق وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ([10]). إن تعابير "شعوب"، حقوق"، الرجال والنساء" و "الأمم كبيرها وصغيرها" الخ... أوجدت دفعاً جديداً في التعامل السياسي داخل الدول لجهة الإحترام المتبادل والمساواة .أحد مبادىء الديمقراطية. بشكل لافت أكثر من السابق.

­ أوجدت الأمم المتّحدة لجنة منبثقة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن، لمواجهة التمييز العنصري في كل الدول، مع الدفاع عن حريّة الإنضمام إلى الجمعيات السياسية والمساواة في فرص التعبير عن الرأي في الإنتخابات الديمقراطية، وتأمين الحوار والحريّة والمساواة بين البشر.

­ تعمل الأونيسكو (UNESCO) المتفرّعة عن منظّمة الأمم المتحدة على نشر التعليم والعلوم والثقافات المتعدّدة والوعي بين الأمم وخصوصاً في بلدان العالم النامي، ما يؤدّي إلى خلق آفاقٍ جديدة أمام المواطنين تساعد على الوعي والتطوّر في شتّى المجالات، لا سيّما منها المجال السياسي المرتبط مباشرة بالوعي والإطّلاع على الثقافات المتعدّدة.

لكن وبالرغم من إسهامات الأمم المتّحدة، ظلّ العمل السياسي يعاني من النقص الفادح في تطبيق مبادئه الأساسية. وذلك بفعل سيطرة نظريّة القوّة العسكرية في العالم حتى اليوم، ما يتناقض مع مبادىء السياسة والعمل السياسي بشكل واسع.

 

المشكلة ومستقبل البشرية

إزاء عدم إيجاد حلّ جذري لمشكلة عدم تطبيق مبادىء السياسة حتى اليوم، واصل العالم التخبّط في مآزقه، ويبدو أن التسابق قائم على التمسّك بزمام السلطة والحكم بدلاً من التسابق على خدمة البشرية بالمعنى الإنساني، فيزداد التسلّح العسكري حفاظاً على المواقع، بدلاً من التعاون على حلّ المشاكل العالقة بشكل سلمي، أي بشكل سياسي. لذلك لا بدّ من طرح النقاط التالية:

­ لا مستقبل لبشرية يقودها منطق القوة والتقاتل على فتات الخبز في حين تهمل الثروات الطائلة، فيضيع كل شيء.

­ لا حلول للمشاكل العالقة إلاّ بالسياسة البنّاءة وليس بالتسييس الأعمى.

­ السياسة ترفض الأنا وتقدّس الجماعة وتلغي الحروب. فإذا ما اعتمدت كانت الحلّ الناجع، وإن استبعدت حلّ الظلام.

­ لا تزال غالبية القيمّين على التغيير غارقة في بحيرة الوهم القائل. "أنا قوي، إذاً أنا موجود" في حين يجب العمل حسب منطق. کوجودي مرهون بالقوى الفكرية والمنطقية للجماعة".

­ إن التقدّم والتغيير نحو الأفضل لجهة الأداء السياسي لدى الأفراد والجماعات، كان ولا يزال دون المطلوب لدى الأمم.

­ هناك مقولة تسود العالم قوامها. الرجعية والتخلّف سببهما "الغير" وكل فرد أو مسؤول يرجع سبب الفشل إلى غيره. لكن سبب الرجعية والتخلّف هو اعتماد "الأنا" بشكل واسع عند الغالبية. وكل ما هو دون هذه الأنا لا أهمية له، في حين يجب اعتماد عكس ما هو حاصل لهذه الناحية.

­ يعمل المتنافسون على السلطة على أساس مبدأ. کيجب أن أُظهر مساويء غيري .خصمي . لأُثبت محاسن نفسي"، في حين يؤدّي هذا إلى الأسوأ.

هذه النقاط هي عينّة صغيرة عمّا يحدث في عالم ما يسمى سياسة اليوم، وما هو في الواقع إلاّ عالم يعرف من السياسة إسمها فحسب.

أمام هذا الواقع يجب العمل على إيجاد آليّة تساهم إلى حدٍّ ما بالحفاظ على السياسة ومبادئها لدى العاملين في هذا الحقل، بغية تأمين حياة أرقى للبشرية جمعاء، بموجب التفاوض كأداة لحل المشاكل العالقة بين الأمم، بدلاً من اللجوء إلى الحروب والدمار، وحلول العمل السياسي مكان التسلّط والظلم والأنانية في المجتمعات، والعدل بدلاً من الإنحراف عن المبادىء.

وتحقيق ذلك أمر عسير في عالم اعتاد مساراً مختلفاً. لكن لا بدّ من طرح آليّة تستوجب الكثير من الجهود، وتكون سهلة التحقيق إذا ما توفّرت الجهود الخيّرة، فتتحول المعصيات والمعضلات إلى أدوات لصنع الإصلاح المنشود ؛ فالمهم هو نقطة البداية أو الخطوة الأولى.

 

المحور الثالث: إنقاذ العمل السياسي

شكّل الإنحراف السياسي ظاهرة خطيرة في غالبية المجتمعات، فأصبح لزاماً البدء بإصلاح هذه الحالة على ضوء مستجدّات الواقع الراهن، إنما ليس بوضع النظريات غير القابلة للتحقيق وغير الملائمة لمشاكل وأمراض هذه المجتمعات. فكما مهنة الهندسة أو الطب ترتكز على ثوابت وقواعد وقوانين، كذلك يجب العمل على إيجاد قواعد وقوانين تجعل من العمل السياسي مهنة تتلاءم مع سعة حجمها وأهدافها وتطلّعاتها في شتى الميادين، وفق آلية وشروط محدّدة توجب وتؤكّد التنفيذ القويم دون الوقوع بما يعرقل صيرورتها.

 

آليّة وشروط تأسيس هيئات ناظمة

يجب البدء بتنفيذ آلية محدّدة للقيام بالعمل السياسي وفق خطّة مدروسة تأخذ في الإعتبار القناعة أولاً بضرورة إصلاح الوضع الحالي، مع إيجاد إطار للعمل السياسي تتبلور تفاصيله وفق نصوص صريحة وواضحة لا تحتمل الإلتباس، منها.

­ لا يمكن لممارس العمل السياسي إلاّ أن يتقنه لينجح ويستمر، وذلك شأن كل المهن والممارسات.

­ يجب العمل على إيجاد مؤسّسات ومعاهد سياسية تهتم بتحضير من يريد ممارسة هذه المهنة بشكل واعٍ ومتقن، مع القيام بالتدرّب على تطبيقها لمدّة معيّنة للتأكّد من إتقانها واقعياً وليس نظرياً فحسب، بإشراف لجان متخصصة، إذ ليس من المنطق ­ كما يحصل حالياً ­ وجود مسؤولين في المجالات السياسية لا يتقنون هذا العمل، ولا تتوفر لديهم خبرات كافية، ولا هم على قدر المسؤولية المناطة بهم. فالمسؤول السياسي يمارس مهامه في الشأن العام الذي يهّم كل أفراد المجتمع. من هنا فان المجال السياسي واسع جداً وكثير التشعّبات، يصل أحياناً إلى حدّ التدخل في الحياة الشخصية للمواطن، لأن الإنسان ينطلق دائماً من ذاته، وهذه الذات مليئة بالخصوصيات النفسيّة والعقليّة، بالإضافة إلى تأثير البيئة والمحيط والتقاليد وغير ذلك.

­ هناك فرق بين السياسي الممارس، والمفكّر السياسي، والمواطن العادي الذي لا يعمل في الحقل السياسي، هذا الأخير لا يمكن إقصاؤه عن فهم العمل السياسي إذ هو من يجب أن يحاسِب في أغلب الأحيان. وليس مهمّاً أن يكون خرّيج المعهد أو المؤسّسة السياسية، أو أن يعمل في السياسة، أو أن يكون مسؤولاً في الحكم.

­ قيمة المواطنين تقدّر بعد منحهم فرصاً متكافئة ضمن نطاق العمل الذي يقومون به في سبيل تقدّم المجتمع والدولة.

­ القيادة عملية لا تنفصل عن مجموع الشعب، أو إنها بطريقة أو بأخرى، محصّلة لفعل يجسّد تلك العملية بالممارسة، ويحتاج إلى الموقف السليم. والقانون كقاعدة اجتماعية يتأثّر بالوسط الجغرافي والجماعة أو المجتمع الذي يطبّقه؛ لكن القاعدة القانونية هي التي تقرّر الحقوق وترسم حدودها وتفرض ضماناتها، وهي التي تضع بيد الشخص سلطة تمكّنه من أن يعمل على نحو معيّن في علاقاته مع الغي/ر([11]). كذلك يخضع العمل السياسي للمنطق عينه، دون الخروج عن المبادىء الأساسية التي تتوافق وتطلّعات المجتمعات، فتارةً تأخذ السياسة قيمها الأخلاقية من الشرائع السماوية، وتارة أخرى من الممارسات والخبرات المتتابعة، فتغدو قيماً روحية وثقافية وخلقية ووطنية تحدّد ذاتية كل مجتمع.

­ يجب نبذ أيّ نظام سلطوي تحاول بواسطته أقليّة في السلطة أو خارجها، التحكّم بمسار المجتمع في كل أنشطته من خلال السيطرة على أجهزة الدولة أو المجتمع، فذلك يتناقض مع العمل السياسي الهادف إلى خدمة الجماعة مع توفير كل مستلزمات أمنها الإجتماعي بالقيام بما يصلح حالها في عاجل أمرها وآجله،([12]) وليس لخدمة مصالح فئة معيّنة من الناس كما يحصل في العديد من المجتمعات والبلدان.

إنطلاقاً من هذه النقاط، يمكن وضع آليّة عمل جديدة ترمي إلى بلورة نوع جديد من التعاطي السياسي، بحيث يخضع لضوابط وأصول شبيهة بتلك التي تخضع لها سائر المهن.. فالطبيب لا يمكنه مزاولة عمله إلاّ بعد حيازته الإجازة ومتابعة اختصاصه بنجاح ومواكبة الأعمال التطبيقية والإطّلاع المتواصل على المستجدّات في هذا الحقل... هذا ما ينطبق على سائر المهن والاختصاصات، وهذا ما ينبغي تطبيقه على ممتهني العمل السياسي. ويكون ذلك على الشكل التالي:

 

­ الخضوع للتأهيل السياسي أكاديمياً وعملياً للإطلاع على كل جوانب هذه المهنة وأطرها. فالمقصود ليس تلقين الناس ما لا يُستطاع تنفيذه، بل المعرفة التامّة لأسسه وتفاصيله الدقيقة والهامّة،كونه يطال مجمل شؤون الحياة اليومية لدى المواطن. ولا يجوز أن يُترك عمل كهذا لغير محترفيه، فتتّجه المجتمعات نحو الغربة عن السياسة ومبادئها الإيجابية، ويصير العالم كتلة شرور وأحقاد تجرّ الويلات والحروب والصراع الدائم على السلطة، وهذا ليس من أجل السلطة فحسب، بل في سبيل الحفاظ على مقوّمات وأهداف العمل السياسي الرامي من حيث المبدأ إلى خير ورفاهية المجتمعات، مع اعتماد الواقعية بحيث يصحّ القول. "لا يمكن تجاوز الواقع الكارثي بتجاهله، أو رفضه السلبي، أو القفز فوقه وابتغاء المستحيل".[13]

­ إنشاء هيئات ومؤسّسات رقابة دائمة تشرف على الأعمال السياسية من قبل متخصّصين بهذا الشأن مشهود بكفاءتهم وجدارتهم وحسن درايتهم، إذ يمكنهم تحديد المخالفات وتوضيحها بشكل دقيق وواقعي لا يحتمل الجدل أو الإلتباس. ويتم كل ذلك بمعونة ورعاية سلطات الدولة، لأنه لا يمكن بناء سياسات اجتماعية أو أيّ نشاط آخر بمعزل عن السلطة المركزية التي تقرر فعالية الحكم والمؤسّسات، خصوصاً في العصر الحالي، حيث فرضت الحاجة الجماعية تدّخل الحكومات في الحياة العامة لتحقيق أغراض متعدّدة في معظم الميادين، وتغيّرت النظرة إلى وظائف الدولة تحت تأثير القوى الإجتماعية والنزعة إلى الشراكة، ما أدّى إلى خروج الدولة عن دورها كشرطي،([14]) فأصبحت الحكومات مساهمة إلى حدٍّ كبير بالتغيير المرتقب، تساعدها على ذلك نوعية النظام المعتمد والذي يفسح المجال أمام الحركات الشعبية للتغيير السياسي. ولقد برهنت الديمقراطية عن جدواها في هذا المضمار.

­ إن التربية البيتية والمدرسية هي الركن الأساس في بناء صرح المجتمع، وبالتالي في إنجاح كل المشاريع، ولا سيما منها الرامية إلى إنهاض المجتمع وترقّيه بإرساء قواعد السياسة البنّاءة والإيجابية التي تهدف إلى حلّ كل المشاكل بالحوار المثمر وتأمين الخدمات الواجبة للجميع وإعطاء كل ذي حق حقه وفق منطق العدل والإنصاف المعترف بهما من قبل الجميع.[15]

­ إن نبذ روح التحيّز والأنانية أمر لا بدّ منه لدى العاملين في الشأن السياسي العام، وبالتالي فإن رفض الأنا واجب، والذوبان في الصالح العام هو المطلوب. فالمبدأ أن يكون الكلّ للكلّ والفرد ملك المجموع والجماعة للمجموع وليس من أجل خدمة أفراد معيّنين، بل من أجل الكلّ دون تمييز، إلاّ من حيث الإستحقاق والجدارة والضرورة، مع تحديد واضح وشامل لهذه التعابير والمفاهيم الشائعة، يتّفق عليه الجميع.

 كل ذلك يجب أن يتحقّق من منطلق المقولة. "أنا لست لذاتي ولم أُخلق من أجلها، بل أنا جزء من المجموع، واجبي أن أقدّم له العطاء، انطلاقاً من ذاتي القائمة على هذا المبدأ القابل للتطوّر لصالح المجموع الذي هو أنا في نهاية المطاف".

­ إن نقطة البداية هي الأهم، فمن يبدأ بالإصلاح أولاً. ومن يحدّد الأطر والضوابط والمقاييس. مَن يردع مَن عن الظلم. من يحدّد أهلية الأشخاص الكفوئين لممارسة العمل السياسي، ومن يحاسبهم إذا أخطأوا، ومن يُظهر الخطأ اذ ما حصل من قبل أيّ مُخالف. كل ذلك يتطلب مرجعيات وهيئات ناظمة تعمل وفق مبادىء وأهداف واضحة المعالم وقابلة للتطبيق ولا تخرج عن مبدأ السياسة وشروط العمل السياسي التي سبق تحديدها.

 وينبغي أن يكون أعضاء هذه الهيئات من الأشخاص المشهود لهم، ليس بالكفاءة العلمية فحسب، بل بالموهبة السياسية وحسن الإدارة. وهؤلاء كُثر في كل المجتمعات، ولم يبقَ سوى تواصلهم وتضافر جهودهم بشكل دائم من أجل بلوغ هذه الأهداف.

 

كيفيّة قيام اللّجان السياسية بأعمالها

إنّ قيام اللّجان والهيئات السياسية بأعمالها على أكمل وجه، يتطلّب رسم الخطوط العريضة لتسير ضمن فلكها التفاصيل. فالطبيب على سبيل المثال، لا يمكنه مزاولة عمله إلاّ وفق شروط ومعايير علمية معترف بها. وعندما يعالج المريض يسترشد بعلمه ومعرفته وخبرته المكتسبة من طبيعة اختصاصه المحدّد، آخذاً في الإعتبار احترام قوانين وضوابط مهنته في مجال اختصاصه، وإلاّ يكون غير جدير بعمله، وما على نقابة الأطباء إلاّ اتّخاذ الإجراءات المناسبة بحقّه، وحرمانه مزاولة هذا العمل لمدّة معيّنة ريثما يعود عن الخطأ ويسلك الطريق القويم. وهكذا دواليك بالنسبة لسائر المهن والنشاطات، حتى العقائدية والدينية منها.

 هذا المنطق يجب أن يطبّق على العاملين في السياسة والشأن العام بشكل خاص، حيث أنهم غالباً لا يتقنّون فنّ السياسة وليس لديهم الحد الأدنى من المعرفة في هذا المجال، فيتصرّفون وفق بداهتهم ومعارفهم الخاصّة وأهوائهم الشخصيّة البعيدة كل البعد عن منطق السياسة وأهدافها، بالتالي وفي كثير من الأحيان، يتخذّون بعض المواقف التي لا دخل لها بالسياسة أصلا، فيقحمون الشأن العام بمتاهات وألاعيب مضلّلة عن أهداف السياسة الخيّرة التي سبقت الإشارة إليها.

إن السياسة تشبه الدين في بعض تطلّعاتها وأهدافها، وينبغي لرجل السياسة أن يكون كرجل الدين في ممارسته لنشاطاته وأعماله الخاضعة للرقابة الهرمية من قبل المسؤولين التسلسليين، وهؤلاء بدورهم يخضعون لنواميس الشرائع والأديان. إنما وبالرغم من الضوابط المقيّدة لرجال الدين فثمة العديد من المخالفات. فكم بالحرّي بالنسبة للعمل السياسي المتروك لذمّة الأشخاص، عدا بعض الضوابط التي لا تكاد تذكر. إنّ ذلك يستدعي إيجاد حلّ عملي يبعد هذا الشأن الهام جداً عن المتاهات.

إن عمل الهيئات السياسية المختصّة ولجانها يساهم بحماية العمل السياسي بشكل عملي، وذلك بإيجاد وترتيب أدوات تنفيذية تعمل على تخريج السياسيين العمليين، مع المراقبة الدائمة للتنفيذ العملي بغية المحاسبة على الأخطاء بواسطة ما يسمّى القضاء السياسي على سبيل المثال، والذي يفترض أن يكون على شاكلة القضاء العادي، ليتمّ الفصل بين ما هو عمل سياسي أوغير ذلك، ويمكن تيسير الأمر على الشكل التالي:

 

­ إقامة رقابة دائمة لمدى الإنطباق على الأنظمة الأساسية.

­ جعل تحرّكات السياسيين اليومية مرصودة وواضحة.

­ إعتبار أن لا أحد فوق القانون السياسي، ولا حصانة ولا استثناء ولا تحيّز.

­ جعل جهاز حماية العمل السياسي غير خاضع للسطات أو لأيّ حزب.

­ على كل ممتهن للعمل السياسي أن يخضع للتأهيل بشكل دوري للتأكدّ من انطباق أعماله على مبادىء مهنته. وكما يُجري أيّ امريء فحوصات طبيّة مخبريّة بشكل دوريّ للتأكدّ من سلامة صحّته، هكذا بالنسبة لممارس السياسة، فالمرشد السياسي مع فريق عمل خاص هو من يتولّى إصلاح أيّ خطأ قد يحصل لدى التنفيذ ؛ وإن لم يستجب المخالف فمحكمة العمل السياسي هي المخوّلة بإصدار الحكم اللازم بهذا الشأن، كأن ترغمه على تنفيذ ما يلزم وفق القوانين والأنظمة السياسية، وإلاّ تقصيه عن ممارسة العمل السياسي.

هذه النقاط تشكّل الإطار العام، والتفاصيل تتحدّد أثناء التنفيذ وبشكل لا يسمح بحصول مخالفات كبيرة تثني العمل السياسي عن أهدافه المرسومة له، فالمعاهد السياسية تصبح مثابة مستشفيات سياسية على شاكلة المستشفيات الطبية، ومكاتب الإرشاد والإصلاح السياسي تصبح مثابة عيادات طبية تعمل على إزالة الأمراض من جسم المجتمع بشكل دائم.

 

الخـاتـمة

يشكّل العمل السياسي أعمدة بنيان المجتمع، ولا يمكن تصوّر الدولة دون سلطات، كذلك من الصعوبة استشراف مستقبل أفضل للبشرية من دون مواكبة العمل السياسي بالشكل الصحيح.

من هذا المنطلق تبدو الحاجة ملحّة للحفاظ على العمل السياسي نقيّاً من كل شائبة، لان المسؤولية تترتّب على الجميع، السلطات الشرعية من ناحية والهيئات الشعبية والجماعات الضاغطة من جهة أخرى.

بما إنّ الواقع الحالي للعمل السياسي لا يدعو إلى التفاؤل، بات الإصلاح في هذا لمجال من بديهيّات الأمور الملحّة، ويتجلّى ذلك بتضافر الجهود على المستويات الفكرية والشعبية والرسمية كافّة لبلوغ المرتجى بشكل يقارب اليقين، لا سيّما وأنّ البشرية اليوم .أكثر من أيّ وقت مضى. لم تعد تتحمّل التجارب والحلول المجتزأة أو المبادرات الفردية القائمة على تعميم ما هو حالة طارئة ولا يتناسب في الزمان والمكان مع المجتمع البشري الحالي.

من أجل بلوغ الغاية بات لزاماً البدء بالإصلاح السياسي القائم على الإعتبارات التالية:

­ لا يجوز لممتهن السياسة إلاّ أن يتقنها.

­ لا يجوز للمخالف الإستمرار بمخالفته.

­ لا يجوز أن تبقى البشرية تحت رحمة المجهول الناجم عن سياسة الأفراد أو المجموعات غير المرتكزة على مبادىء سياسية سليمة، عامّة وشاملة.

­ التخلّي عن الفطرة البديّهية والإعتماد على العلم والمنطق والواقعية والمصلحة العامّة فعلاً وليس قولاً فحسب.

­ الكلّ مسؤول أمام التقدّم والرقي، سلطةً كانت أم معارضةً أم مفكرين أم أفراداً.

­ العمل السياسي من حيث المبدأ يجعل الأرض موطن الجميع وللجميع من دون استثناء، وبالتالي يجعل الناس أخوة ولو اختلفوا، لأن رجل السياسة لا عدوَّ له.

إن الحدود المصطنعة بين الدول هي تدابير مؤقتة، تزول بعد زوال المظالم والحروب بين البشر، ويتم ذلك بفضل امتهان العمل السياسي وفق القوانين والأصول التي تحترم الفرد على أنه الجزء المهم من الوطن والمجتمع معاً. بهذا ترتقي السياسة وتحقّق الغاية المنشودة من وجودها في المجتمعات كافة.

وذلك هو المبتغى حقيقة وواقعاً، وما يحصل حالياً في كل مكان من مظالم وحروب وويلات واستغلال، هو من نسج خيال ومشيئة بعض الأفراد.

 وربما سيأتي زمن يتمّ فيه إحقاق الحقّ في كل مكان... وبالطرق السلمية من خلال وضع تحديدٍ واضح ودقيق لقنوات العمل السياسي ومستلزماته.

 

 

 

 

[1]  القاموس السياسي، وضع أحمد عطية الله، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، ص 661

[2]  القاموس السياسي، المرجع ذاته، ص .661

[3]  Denqui, Jea-Marie, Sc. Politique, 5 ژdition, mise ˆ jour, presse universitaire de -3 - France 1996, p.76-77

[4]  د. مرغريت الحلو، المنهجية السياسية، الدراسات العليا ­ قسم العلوم السياسية والإدارية، الجامعة اللبنانية ­ الفرع الثاني، 1993.

[5]  القاموس السياسي، المرجع ذاته، ص 628

[6]  سليمان تقيّ الدين، تحوّلات المجتمع والسياسة [نقلاً عن اللجنة العالمية للبيئة والتنمية ­ مستقبلنا المشترك­ (عالم المعرفة 1984)]  دار الحداثة، بيروت 1992، ص 11.

[7]  سليمان تقيّ الدين، المرجع ذاته، ص 11

[8]  واصف الحركة، بحث تحت عنوان "القانون"، في كتاب عنوانه "مواطن الغد"، منشورات المؤسّسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، المطبعة البوليسية، جونية، 1995 ص .274

[9]  د. ألبير رحمة، لبنان وإلغاء الطائفية السياسية والإدارية ­ مسألة الأقليّات في العالم ­ شركة شمالي آند شمالي للطباعة، بيروت 2003، ص 33 و .34

[10]  ميثاق الأمم المتحدة، الفصل الأول، المادة الأولى، الفقرات 1 و2 و3، بالإضافة إلى الفصل الرابع، م 13 والفصل التاسع م 55 فقرة أ. ب. ج. والفصل العاشر م 73 فقرة أ. ب. والفصل الثاني عشر م 76 فقرة ج.

[11]  واصف الحركة، مواطن الغد، المرجع ذاته، ص 253 و258

[12]  أسعد هرموش، بحث تحت عنوان "حقوق الشمال الإجتماعية"، ضمن كتاب "بناء السياسات الإجتماعية في لبنان ­ الإشكالية والتخطيط"، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، إشراف الدكتور أنطوان مسرة، بيروت 1995، ص .121

[13]  د. جورج طربيه،بحث تحت عنوان "أسس لبناء دولة حديثة وفق تصور مستقل" ضمن كتاب "سلام واستشراف لبنان آفاق 2002"، الهيئة اللبنانية للسلام، وقائع المؤتمر الأول، كانون الأول 1992، إشراف د. جوزف فاضل، ص .433

[14]  طوني عطاالله، بحث تحت عنوان "السلام يبنى من توازن المجتمع"، ضمن كتاب "بناء السياسات الإجتماعية في لبنان..." المرجع السابق، ص 88.

[15]  يراجع في هذا المجال كتاب د. ألبير رحمة، المرجع السابق ص 309 ­ .314

Political work between reality and expectations

The researcher considers that politics exist for the benefit and luxury of communities. However, political principles are not being applied in righteous ways, what deserves the restorations of righteous centralized politics in the mind and logic, where it be beholds human dignity, rights and presents the solution for human conflicts peacefully.

In respect for politics’ multi roles, it requires of who takes it as a profession to master it according to precise standards that suit the importance of political work.

Even though political work has understandings and limitations that should not be crossed, but rarely do politicians respect these understandings and limitations and work by them.

And from here comes the political crisis that keeps humanity sinking under the burden of oppression and war.

The researcher also talks about authority, stating Montesqieu’s theory and its division into three categories (legislative, executive, legal), then about pressure groups (on authority) or what is known as the opposition, he refers to it as secretive in dictatorship regimes, and public in democratic systems. He also considers that cooperation between the authority and the opposition in democratic systems, is the guarantee to the application of righteous politics.

The opposition to that consideration is political deviation, where a politician’s deviation off principales that nurture his missionary profession.

Now that political deviation has become common today, it has negatively reflected the general view, which calls to treat that deviation and improving political performance. That was the main goal of international organizations such as the leage of nations, and then the United Nations... but international organizations, as diverse as they are, did not succeed totally in realizing that goal, and rescuing political work from deviation, therefore the researcher recommends the implemmentation of a mechanism for that rescue, that states on finding organizations and institutes to prepare and graduate politicians, and oversee their political work through their journey, to pinpoint their faults and the ways to solve them.

Political work forms the corner stone of society, and promoting it leads to promoting the community and humanity towards a prosperous future.

Le travail politique entre la réalité et la perspective

Le chercheur considère que la politique existe pour que les sociétés prospèrent, or les principes politiques ne s’appliquent pas à travers des moyens justes, cela suscite la régénération de la politique de fond basée sur la raison, ce qui préserve la dignité de l’être humain et ses droits, et offre la solution aux conflits humains par des moyens pacifiques.

 Vu les missions diversifiées de la politique, la personne qui la pratique doit l’exercer selon des critères très spécifiques qui se concordent avec la grande importance du travail politique. Rien que le travail politique jouit des concepts et des cadres bien déterminés, l’homme politique respecte rarement ces concepts et ne s’engage pas à les appliquer. D’où émane la crise de la politique qui laisse l’humanité extenuée sous l’injustice et les guerres.

Le chercheur parle du pouvoir tout en évoquant la théorie de Montesquieu concernant ce pouvoir qui est divisé en trois branches (le pouvoir législatif, le pouvoir exécutif et le pouvoir judiciaire), les groupes de pression (sur le pouvoir) ou ce qui est connu par l’opposition ; le chercheur signale que l’opposition est  secrète dans les régimes totalitaires et publique dans les régimes démocratiques. Il croit que le balancement entre le pouvoir et l’opposition dans les régimes démocrates constitue la garantie pour appliquer la politique de fond. Tout acte qui est contre ce fait est une déviation politique; l’homme politique sort alors des principes qui patronnent le message de sa carrière.

Vu que la déviation politique est aujourd’hui répandue, cela a eu des répercussions négatives sur la réalité en général, donc cette déviation doit être traitée et la performance politique doit s’améliorer. Ceci fut le premier but des organisations internationales comme la bande des Nations Unies… Or les différentes organisations internationales n’ont pas réussi parfaitement à réaliser ce but et à sauver le travail politique du naufrage. C’est alors que le chercheur se concentre pour élaborer le mécanisme de cette délivrance qui cherche à établir des institutions  pour préparer et former les politiciens, surveiller leurs travaux lors de leur exécution afin de définir les dérogations et les moyens pour les traiter.

Le travail politique constitue un des piliers fondamentaux de la société. Le travail politique avancé  aboutit à la prospérité des sociétés et de l’humanité vers des horizons idéaux.