اقتصاد ومال

العمل المصرفي الإسلامي في لبنان
إعداد: تريز منصور

اليوم خطوة نحو سوق مالي إسلامي

د. جشي: هدفنا تشجيع المستثمرين العرب من خلال توسيع محفظة الـخدمات والأدوات المالية

 

للمصارف الإسلامية دور مهم في تطوير وتوسيع محفظة الخدمات المالية للمودعين والمستثمرين، فالعمل المالي الإسلامي يعزز من فرص استقطاب مدخرات واستثمارات مؤهلة بطبيعتها للتوظيف بأنشطة إنمائية إقتصادية، تفيد القطاع الخاص في توريق ديونه وتمويل وارداته وصادراته، وتلبي احتياجات الصناعة والسكن. كما أنه يفية القطاع العام، في عمليات خصخصة بعض مؤسساته أو تسنيد مداخيلها.
وبناء على ذلك أقرّ مجلس النواب في شباط 4002 القانون رقم 575 الذي يسمح للمصارف الإسلامية بالعمل في لبنان ضمن أطر وتنظيمات يحددها مصرف لبنان، والذي ما زال يدرس ويتعمّق في كافة نواحي هذا العمل، مشدداً على كفاية رأس المال المطلوب المحدد بـ051 مليار ليرة لبنانية (مئة مليون دولار أميركي). والتركيز على كفاية رأس المال نابع من التحديات التي قد تواجهها المصارف، ومن سياسة التحوّط من المخاطر.
الى ذلك، فإن المصارف الإسلامية تتعرض بطبيعتها لمخاطر خاصة بها، منها مخاطر عمليات المشاركة في الربح والخسارة وهي أكثر تعقيداً من مخاطر عمليات التمويل العادية.
للمزيد من المعلومات حول هذا القطاع وأهميته بالنسبة للسوق المالي وللاقتصاد على حد سواء، التقت مجلة «الجيش» النائب الأول لحاكم مصرف لبنان ورئيس لجنة المصارف الإسلامية في مصرف لبنان الدكتور أحمد جشي، وكان هذا الحوار.

 

* ما هي نقطة الاختلاف بين المصارف التجارية والمصارف الإسلامية؟
- إن الذي يفرق المصارف الإسلامية عن المصارف التجارية هو عدم تعاطيها بالفائدة المحرمة شرعاً من وجهة نظر الشريعة الإسلامية. فالمصارف الإسلامية تقوم بتمويل المؤسسات والأفراد بأدوات بديلة عن الإقراض بالفائدة.

 

* متى بدأت المصارف الإسلامية بمزاولة عملها في لبنان، وهل لهذه الخطوة أهمية على الصعيدين النقدي والإقتصادي؟
- إن القانون الخاص بالعقود الإئتمانية (الصادر عام 6991) أتاح للمصارف مزاولة العمل المصرفي الإسلامي بعد أن كان قانون النقد والتسليف اللبناني قد حصر دورها بالتسليف ومنعها من الاتجار. ومن حينه، بدأ السعي لإصدار قانون خاص بالعمل المصرفي الإسلامي الى أن تحقق ذلك مع صدور القانون 575 مطلع العام الحالي، الذي أناط بمصرف لبنان دور الترخيص للمؤسسات الراغبة بمزاولة العمل المصرفي الإسلامي وتنظيم هذا القطاع من خلال إصدار التعاميم.
وتعتبر هذه الخطوة مهمة للبنان الذي يأمل أن يساهم هذا القطاع في جذب بعض المستثمرين العرب الذين يرغبون في التوظيف في قطاعات منتجة في لبنان، مما يساهم بتفعيل الاقتصاد وخلق فرص عمل.
 

* كيف يتم العمل بالمصارف الإسلامية ووفق أية آليات؟
- توظف المصارف الإسلامية الأموال التي تتلقاها من المودعين في مشاريع استثمارية عبر أدوات مختلفة منها المرابحة والمضاربة والمشاركة والإجارة، وتوزع الأرباح بينها وبين العملاء وفقاً لنسب يتم الإتفاق حولها مسبقاً.
في هذا الإطار يقوم مصرف لبنان بوضع التعاميم التنظيمية للأدوات الاستثمارية المختلفة، آخذاً بالاعتبار الجوانب القانونية والمحاسبية والرقابية ومطبقاً للمعايير الدولية، من دون أن يغفل تجارب الدول الأخرى في هذا المضمار.
وقد سعى مصرف لبنان من خلال ذلك الى إيجاد أدوات مالية متنوعة في الأسواق المالية، مما يساهم في توسيع قاعدة المستثمرين وزيادة التوظيف في القطاعات الإنتاجية المختلفة.
 

* ما هي شروط تأسيس مصرف إسلامي في لبنان، وهل سيتم تطبيع المعايير الدولية على المصارف الإسلامية كـ«بازل» مثلاً؟
- ينطلق مصرف لبنان من مبدأي الأهلية المهنية والملاءة عند الترخيص لمزاولة العمل المصرفي الإسلامي. إن الحد الأدنى لرأسمال المصرف هو مئة مليون دولار ينخفض الى 02 مليون دولار عند وجود مصرف بين المساهمين، بشرط أن يساوي مجموع أموال المصرف الخاصة مئة مليون دولار، وأن يتعهد المصرف بإعادة تكوين رأس المال في حال الخسارة.
كما يهدف مصرف لبنان من خلال التعاميم التي يصدرها والتعاميم التطبيقية التي تصدرها لجنة الرقابة على المصارف، الى التشدد رقابياً باعتبار العمل المصرفي الإسلامي حديث العهد في لبنان وإن غالبية العاملين في القطاع المصرفي لا يعرفون الكثير عنه.
أما بخصوص تطبيق معايير «بازل» على المصارف الإسلامية فهذا ما يلتزم به مصرف لبنان. وفي هذا الإطار، سوف يعتمد مصرف لبنان معايير إدارة المخاطر التي يقوم بإعدادها مجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) الذي يضم في عضويته عدداً من المصارف المركزية فضلاً عن الجهة الواضعة لاتفاقية بازل (Bank of International Settlements).
ويقوم مصرف لبنان حالياً بإعداد تعميم حول نسب الملاءة التي يجب على المصارف التقيد بها ومعدلات التثقيل التي يجب اعتمادها للأدوات الاستثمارية كافة.
 

* ما هو عدد المصارف الإسلامية في العالم، وهل برأيكم سيكون لهذه المصارف زبائن كثر؟
- المصارف الإسلامية منتشرة في العالم من إندونيسيا وماليزيا مروراً بالعالم العربي لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، الى انكلترا، حيث تم مؤخراً الترخيص لأول مصرف إسلامي، والولايات المتحدة الأميركية حيث يوجد العديد من المؤسسات المالية الإسلامية. أما مجموع توظيفاتها فتقدر بأكثر من 002 مليار دولار، فيما تقدر معدلات نمو هذه التوظيفات بنحو 01 بالمئة سنوياً.
 

* هل يتم عمل المصارف الإسلامية وفقاً للشرع الإسلامي بحرفيته، أم أنه يراعي في بعض الأحيان، الأطر القانونية والمالية التي تتطور سنوياً؟
- من غـير الجـائز عزل النـاس عن الواقـع الذي يعـيشونه ومتطـلبات زمانهم، وهذا امر لحظـته الشريعة الاسلامية. فعـمل المصـارف الإسلاميـة وفقـاً للشـريعة لا يتـعارض وتطـوير الأطر المالية والتنظيمية. ويكفي التدقيق بعمل هذه المصارف خلال العشر سنوات الماضية للتيقن من تطور عمل هذه المصارف والدور الذي قامت به الجهات الرقابـية لجـهة اعتـماد المعاييـر الدوليـة.
 

* هل تم الترخيص لأي مصرف إسلامي في لبنان لغاية اليوم وما هو عددها؟
- في ظل القانون 575 الذي أناط بمصرف لبنان عملية الترخيص للمصارف الراغبة بمزاولة العمل المصرفي الإسلامي، تم الترخيص للبنك اللبناني الإسلامي التابع لبنك الاعتماد اللبناني. أما بيت التمويل العربي فهو يعمل حالياً على تحويل الترخيص الممنوح له كمصرف تجاري الى مصرف إسلامي، وهو أمر شكلي كون الترخيص الممنوح له أصلاً هو لمزاولة العمل المصرفي الإسلامي كما نص عليه نظامه الأساسي، وكذلك الأمر بالنسبة لبنك البركة لبنان بعد استيفاء شروط تأسيس المصارف الإسلامية.
وثمـة رغبـة لدى بعض المصارف اللبنانية والعربية في مزاولة هذا العمل وهي تعكف حالياً على دراسة جدوى ذلك من كل جوانبه، ويتوقع مصرف لبنان ان يتم الترخيص لنحو 5 أو 6 مصارف إسلامية.
 

* هل يسعى لبنان لإصدار صكوك إسلامية، وما قصة المساهمة البحرانية في مؤتمر باريس 2؟
- لقد اقتـرحت مملكة البحرين أن تكون مساهمتها في مؤتمـر باريس 2 من خلال استثـمارها بصـكوك تصـدرها الدولة اللبنانية، وذلك تشجيعاً منها للعمل بالأدوات المالية الإسلامية كون البحرين مركزاً مالياً إسلامياً مهماً. إلا أن مجلس الوزراء أحجم عن ذلك في حينه للإشكالية القانونية التي قد تنتج عن تملك بعض المرافق العامة بالرغم من استعادتها عند استحقاق الصك وهو أمر وقعت فيه دول عديدة.
من هنا، فإن السعي لاصدار صكوك من نوع مختلف يحل الإشكالية المذكورة ويمكّن الراغبين بالاستثمار في أدوات مالية تصدرها الدولة اللبنانية من ذلك.

تصوير: المجند حسام صوّان