تحقيق عسكري

العميد فهمي: بعض المنظمات الدولية غير الحكومية خفّض عدد الفرق والجيش جاهز لإكمال المهمة
إعداد: ريما سليم ضوميط - باسكال معوض بو مارون - ماري الحصري

في 14 آب 2006 أوقفت إسرائيل عدوانها على لبنان بعد 33 يوماً من المجازر والتدمير المنهجي. غير أن مفاعيل هذا العدوان كما مفاعيل إعتداءات وحروب أخرى ارتكبتها إسرائيل ضد لبنان، ما تزال مستمرة. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بُذلت وتُبذل، ثمة أكثر من مليون قنبلة عنقودية ما تزال منتشرة في العديد من المواقع.
العميد محمد فهمي رئيس المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام, أكد أن العمل مستمر لتحرير كل المواقع من خطر القنابل العنقودية وسواها من الذخائر. وإذ أشار الى أنه ثمة منظمات غير حكومية قد خفضت عدد فرقها العاملة في هذا الإطار، أكد أن الجيش جاهز لإكمال المهمة وحده. الى ذلك شهد كانون الأول المنصرم توقيع معاهدة حظر القنابل العنقودية في أوسلو التي كانت مأساة لبنان دافعاً قوياً لإقرارها.
إضاءات على كل ما تقدم في ما يلي، الى جولة ميدانية واكبت أعمال إحدى الفرق العاملة في مجال نزع القنابل العنقودية وإبعاد خطرها عن المواطنين.

 

من 1990 الى 2006
برزت مشكلة الألغام والذخائر غير المنفجرة في لبنان بعد انتهاء الحرب العام 1990، حيث أظهرت عمليات الإستطلاع الأولية إنتشار البقع المشبوهة والخطرة على مساحات واسعة في مختلف المناطق اللبنانية، إضافة الى وجود كمّ كبير من الألغام والذخائر غير المنفجرة المزروعة ضمن المناطق الآهلة والأراضي الزراعية، قدّر عددها بنحو المئة ألف؛ علماً أنه وفي تلك الفترة لم يكن لدى المواطنين الوعي الكافي لجهة خطر الألغام وتأثيرها السلبي.
بعد تحرير الجنوب والبقاع الغربي العام 2000 زادت مشكلة الألغام في لبنان حيث تبيّن أن العدو الإسرائيلي قد زرع أكثر من 425 ألف لغم في الجنوب منها 375 ألف لغم على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
أما الكارثة الأعظم فقد برزت بعد عدوان تموز 2006 التي إستعمل خلالها العدو الإسرائيلي القنابل العنقودية حيث ألقى ما يزيد عن 400 ألف قنبلة عنقودية في الساعات 72 الأخيرة التي سبقت وقف الأعمال العدوانية، والتي تمتد تداعياتها الخطرة على المدنيين لعشرات السنين. وقد تمّ تحديد 1061 موقعاً ملوثاً بالقنابل العنقودية لغاية الآن.
إتخذت الدولة اللبنانية عدة خطوات لمعالجة المشكلة، بدأت بإطلاق الجيش اللبناني حملة واسعة قامت خلالها فرق فوج الهندسة، ووحدات الهندسة في قطع الجيش وألويته بعمليات نزع الألغام ومعالجة الذخائر غير المنفجرة.
وبشكل موازٍ أطلق الجيش حملات توعية لتحذير المواطنين من مخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة، وقام بوضع إشارات تحذيرية حول جميع البقع الخطرة والمعروفة.
في مرحلة لاحقة، وبعد إنشائه, وضع المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام في نيسان 1998 (المكتب الوطني لنزع الألغام سابقاً) إستراتيجية هدفت الى تنظيف جميع حقول الألغام المحددة، ومعالجة الذخائر غير المنفجرة والقنابل العنقودية التي خلّفها العدو الإسرائيلي في القرى والبلدات الجنوبية.
في هذا الإطار، يشير رئيس المركز العميد محمد فهمي الى الخطوات التي تحقّقت على هذا الصعيد، ومن أبرزها تنفيذ عدة مشاريع لنزع الألغام بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية غير الحكومية، وإنشاء مركز إقليمي للأعمال المتعلقة بالألغام في الجنوب، بالإشتراك مع الأمم المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك لتنسيق مشروع التضامن الإماراتي الذي موّلته دولة الإمارات وامتد من العام 2002 حتى العام 2004 كمرحلة أولى، ومن ثم بعد عدوان تموز حتى شهر آذار 2008، ما أدى الى تنظيف عدد كبير من حقول الألغام ومعالجة عدد كبير من القنابل العنقودية والذخائر غير المنفجرة.
ويوضح العميد فهمي أن المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام يعمل بجدية تامة لدرء الخطر عن المواطنين وتعمل تحت إشرافه المنظمات الدولية غير الحكومية بتمويل من الدول المانحة.


آلية الدعم
عن آلية الدعم الذي يتلقاه لبنان في هذا المجال، يشير العميد فهمي الى أنه يتّخذ عدة أوجه، من بينها التمويل المباشر لعمليات نزع الألغام والقنابل العنقودية مثل المشروع الإماراتي الذي قدّر مجموع تمويله بنحو خمسين مليون دولار أميركي على مرحلتين.

وهناك أيضاً تمويل المشاريع والبرامج التعليمية الخاصة بالتوعية من مخاطر الألغام ومساعدة ضحايا الألغام على الأصعدة: النفسية - الإجتماعية، والإجتماعية - الإقتصادية، إضافة الى تقديم الدعم التقني في إطار تطوير الوسائل المعتمدة في عمليات نزع الألغام والقنابل العنقودية.
ويضيف رئيس المركز أنه يندرج في إطار التعاون الدولي جهود المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في مجال نزع الألغام والقنابل العنقودية في جنوب لبنان، والتي تؤدي جميعها دوراً مشتركاً في تنظيف الأراضي من الأجسام الخطرة وتعمل تحت إشراف الجيش اللبناني وبناءً على توجيهاته.


عمل شاق يحتاج الى ميزانيات ضخمة
تواجه المنظمات الدولية عدة صعوبات في أثناء تأدية مهمة نزع الألغام، يشير البعض الى أنها قد تؤثر على إستمرارية العمل في حال لم تتوافر الإعتمادات اللازمة.
حول هذا الموضوع، يؤكد العميد فهمي أن الميزانية التي تحتاجها عملية نزع الألغام والقنابل غير المنفجرة، إستناداً الى الخطة الخمسية الموضوعة حالياً تصل الى 25 مليون دولار، حيث سيتم تنظيف جميع الأراضي اللبنانية.

 

الجيش جاهز للمهمة
عن مصير هذه الخطة في حال توقفت عمليات النزع من قبل المنظمات الدولية، يؤكد العميد فهمي أن الجيش قادر على تنفيذ المهمة بمفرده.
وحول ما يشاع عن توقّف العمل لدى بعض المنظمات الدولية في الجنوب يوضح العميد فهمي أن ثمة منظمات خفّضت عديد فرقها ولم تتوقف عن العمل.


لجنتان وطنيتان
يقابل التعاون الدولي في إطار عمليات نزع الألغام والقذائف غير المنفجرة، تعاون محلي من قبل لجنتين وطنيتين هما اللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الألغام، واللجنة الوطنية لمساعدة ضحايا الألغام اللتين تعملان تحت إشراف الجيش اللبناني في مجالي توعية المواطنين وتقديم يد العون لضحايا الألغام وعائلاتهم. وفي الختام يؤكد العميد فهمي على أهمية الوعي العام حول أخطار الألغام، مشيراً الى أن التبليغ الفوري من قبل المواطنين عن وجود أجسام مشبوهة في محيطهم أسهم الى حد كبير في معالجة هذه المشكلة، مذكراً بضرورة مواصلة الجهود الفردية عن طريق عدم الإقتراب من الأجسام المشبوهة بل التوجّه الى أقرب مركز للجيش اللبناني.

 

من المكتب... الى المركز
أنشئ المكتب الوطني لنزع الألغام بتاريخ 7/6/1998 بناءً على القرار 29 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 15/4/1998.
العام 2007، إستبدل إسم المكتب ليصبح «المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام» وذلك تماشياً مع المصطلح المعتمد في «المعايير الدولية للأعمال المتعلقة بالألغام» الموضوعة من قبل منظمة الأمم المتحدة.
يرتبط المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام بقيادة الجيش - أركان الجيش للعمليات، ويتولى تنفيذ «البرنامج الوطني للأعمال المتعلقة بالألغام» وتنسيقه، نيابة عن السلطة المولجة بالأعمال المتعلقة بالألغام التي يرأسها وزير الدفاع.
حددت مهام المركز على الشكل الآتي:
• إدارة النشاطات التي ستقام في إطار الأعمال المتعلقة بالألغام، والمساعدة على تأمين الدعم اللوجستي والإداري لتسهيل عمل جميع المنظمات العاملة في لبنان، وذلك وفقاً لاستراتيجية المرحلة النهائية والمعايير الوطنية للأعمال المتعلقة بالألغام.
• توكيل جميع الأعمال المتعلقة بالألغام وتنسيقها وترخيصها بما فيها مسح حقول الألغام الأرضية ومخلّفات الحروب المتفجرة (ERW)، ووضع الخرائط والترقيم والتطهير واسترداد الأراضي.
• وضع أولويات عملية التوعية من مخاطر الألغام (MRE) بغية الحدّ من مخاطر الإصابات، وذلك من خلال نشر التدابير الإحترازية الفعالة.
• يكون المركز مسؤولاً عن نظام إدارة المعلومات للأعمال المتعلقة بالألغام (IMSMA).
• يكون المركز مسؤولاً عن إعتماد المنظمات كافة العاملة في مكافحة الألغام، وذلك وفق المعايير الوطنية وقبل منح الموافقة على أي نشاط متعلق بالألغام.
• مراقبة وضمان النوعية للأعمال كافة المتعلقة بالألغام (QA/QC).
• إنشاء مراكز إقليمية للأعمال المتعلقة بالألغام عند الضرورة.

 

أقسام المركز
يتألف المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام من رئاسة المركز التي تتولى التأكد من تطبيق البرنامج الوطني للأعمال المتعلقة بالألغام، والقيام بوظيفة أمانة سر اللجنة الإستشارية الوزارية القائمة بين الوزارات المعنية بالأعمال المتعلقة بالألغام، إضافة الى تشجيع المانحين واللبنانيين على مشاركة أوسع في أعمال إزالة الألغام ومهام أخرى.
أما الأقسام فهي:
• قسم التأليل والبحوث، ويشمل عمله تأليل البيانات والمعطيات وتحضير التقارير الإحصائية وتحليلها وتحضير خرائط ملفات العمل.
• قسم الإدارة واللوجستية، من مهامه تسلّم هبات العتاد والتجهيزات المقدمة من الدول والشركات, الى تنظيم سمات الدخول والإقامات للموظفين الأجانب والمنظمات العاملة في مجال نزع الألغام.
• قسم الإعلام والتوعية من مخاطر الألغام، تقع على عاتقه مسؤولية تخطيط وتنفيذ وإطلاق حملات توعية لتنبيه وتحذير المواطنين من مخاطر الألغام والقنابل العنقودية... ومراقبة نشاطات الجمعيات الأهلية العاملة في هذا المجال.
• قسم مساعدة الضحايا، من أبرز مهامه تأمين الدعم الطبي والنفسي والإقتصادي للضحايا، ومراقبة أعمال الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال مساعدة هؤلاء الضحايا.
• قسم العمليات، يتولى تخطيط وإدارة العمليات وفقاً للمعايير الوطنية للأعمال المتعلقة بالألغام.
• قسم مراقبة وضمان النوعية، يشرف على عمل المنظمات والشركات التي تنفذ أعمالاً متعلقة بالألغام لجهة التقيد بالمعايير الوطنية والدولية، ويحقق في كل حادث يؤدي الى إصابات.
• قسم الأمن والتوجيه، يتولى ما يتعلق بأمن المركز، الى مكافحة الإشاعات وتنفيذ الخطة التوجيهية الصادرة عن قيادة الجيش.
• المركز الإقليمي للأعمال المتعلقة بالألغام (حالياً في النبطية)، وهو يدير أعمال الشركات والمنظمات العاملة في مجال الألغام.

 

مركز إقليمي في النبطية
في المركز الإقليمي للأعمال المتعلقة بالألغام في النبطية، التقينا العقيد حسن الفقيه، الذي استهل حديثه بلمحة تاريخية عن نشوء المركز، فقال: «العام 2002، أنشئ المكتب الوطني لنزع الألغام (الذي أصبح إسمه في ما بعد المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام) بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة، وضمّ ثلاثة شركاء هم: المشروع الإماراتي والجيش اللبناني والأمم المتحدة (UN).
أنهى المشروع الإماراتي عمله العام 2004، واستمر العمل بالتنسيق بين الجيش والأمم المتحدة وذلك برعاية المكتب الوطني لنزع الألغام. وفي تلك الفترة كانت مهمتنا تقضي بتفكيك الألغام».
ويتابع: «لكن بعد حرب تموز 2006، واجهتنا مشكلة القنابل العنقودية، وقد بدأ فريق الهندسة في الجيش اللبناني العمل بمفرده على نزع هذه القنابل (64 ألف قنبلة)، الى أن نلنا دعماً من منظمات عديدة أجنبية، وحصلنا على تمويل من عدد آخر.
اليوم الجيش اللبناني هو المسؤول الأول والأخير عن نزع الألغام والقنابل العنقودية، وكل المنظمات الأجنبية العاملة حالياً تخضع لمراقبة الجيش وإشرافه».
ويضيف: «حين تسلّم الجيش المسؤولية بمفرده، سعى المسؤولون الى إنشاء مركز جديد يخوّلهم التحرّك بسهولة وبحرية أكبر، فبدأ التحضير لمرحلة الإنتقال منذ آذار العام 2008 حيث بدأ إنشاء المركز الإقليمي للأعمال المتعلقة بالألغام في منطقة النبطية، وقد انتقلنا اليه في 9 كانون الثاني 2009».
أمّا في ما خص المناطق الخاضعة لمسؤولية المركز، فهي تقسم الى تسعة أقسام:
• منطقة جنوب الليطاني مرقمة من 1 الى 5.
• منطقة النبطية مرقمة 6.
• منطقة صور مرقمة 7 و8.
• منطقة الشوف مرقمة 9 وهي أضيفت حديثاً الى مسؤولية المركز.
وعن آلية قبول الفرق وتنفيذ عملها يشرح العقيد فقيه هذه النقطة فيقول: بداية، ثمة شق إداري حيث تعبّر منظمة أجنبية عن رغبتها في توظيف فرق مساعدة وفقاً لقدراتها المادية. وهنا نجري بحثاً عن المنظمة لنعرف تاريخها ونوع عملها، وبناءً على ذلك، نعطي أو لا نعطي الموافقة.
أما المرحلة الثانية فتتضمن الشق التطبيقي، حيث تقوم المنظمة بتوظيف الأشخاص، وترسل لنا نسخة عن أسلوب العمل وسُبُل تطبيقه لنوافق عليها». وأضاف قائلاً:
نحدد بداية مهلة تجريبية للفرقة مدة شهر تقريباً، نراقب خلالها عمل الفريق من خلال زيارات متكررة لضباط من مركزنا لمكان العمل، تسمى زيارات الجودة، وخلالها يتم تقييم عمل الفريق. فإذا كان ناجحاً، نمدّد المهلة لمدة سنة نوقّع عقداً مع المنظمة.
ويضيف العقيد فقيه أن الفريق الذي ينجح، يقوم الجيش اللبناني بتحديد أهدافه ومناطق عمله. وتستمر زيارات الجودة مرة كل أسبوع لمراقبة التزام الفريق نظم العمل وقوانين السلامة.
وفي حال لاحظ الضابط المراقب أن أحد العناصر أخلّ بهذه النظم، يحق له أن يوقفه عن العمل لأنه بذلك يعرّض أعضاء الفريق الى الخطر. أمّا إذا تسبّب أحد العناصر بحادث خطير في أي فريق، فيمكننا أن نلغي عقده.
ويلفت العقيد فقيه الى أن عمل المركز لا يقتصر على مراقبة عمل الفريق فحسب، بل يقوم على مراقبة إنتاجيته، ففي حال تراجعت نسبتها «نجري تحقيقاً ونسأل عن سبب هذا التراجع. كما نحرص على التأكد من سلامة العلاقة بين الفرق والسكان المحليين، خصوصاً أصحاب الأراضي التي نعمل على تنظيفها».
ويواصل العقيد فقيه حديثه، ويقول: عند إنتهاء أحد الفرق من عمله، نسلّمه شهادة بنجاحه، ثم نعيد الأرض الى أصحابها. ولا يتوقف دورنا عند هذا الحد فحسب، إنما، بعد ثلاثة أو أربعة أشهر نزور صاحب الأرض لنطمئن الى أنه يستفيد من أرضه. كما أننا نسعى أحياناً الى إحضار منظمات للإستثمار في الأراضي المنظفة ولإقامة مشاريع إنمائية.
ويضيف: هنا في المركز، نبقى على جهوزية مستمرة، فإذا تلقينا خبراً عن وقوع حادث من جراء إنفجار قنبلة، نرسل عدداً من العناصر للتأكد من مصدرها (أرض لم يتم تنظيفها بعد، أو أرض تمّ تنظيفها، أو أرض ليست مسجلة لدى المركز).


أسلوب العمل
عن أسلوب العمل المتّبع في عملية نزع القنابل العنقودية، يقول العقيد فقيه: «يتم تنفيذ العمل وفق مرحلتين، الأولى فوق الأرض (Surface) أي بحث نظري عن القنابل الظاهرة للعيان، مثلاً: الطريق العام. والثانية تحت الأرض (Subsurface) أي التنقيب للعثور على القنابل، مثلاً: البساتين.
يعمل كل فريق في البداية في بقعة أرض بمساحة 50 متراً مربعاً، إذا وجد قنبلة إستمر في البحث بالطريقة عينها حتى لا يعثر على أي قنبلة في المساحة الأخيرة، وكل نطاق يخضع للتنظيف يجب أن لا تقل مساحته عن 31 ألف م2. كما أن تجمّع القنابل يساهم في تحديد وجهة وجودها، فمثلاً إذا عثرنا على قنبلة في مكانٍ ما، وأخرى في اتجاه الغرب، نعرف أن وجهة العمل ستكون غرباً».
ويضيف قائلاً:
«إستطعنا أن نسيطر على القنابل العنقودية من خلال الاستجابة السريعة، ولقد تمكنّا من القيام بواجبنا من خلال تحديدنا ثلاث أفضليات نعمل بناءً عليها: الأولى تقضي بشق طرقات بين المنازل وتنظيفها، والثانية تنظيف البساتين والحقول المزروعة وغير المزروعة ضمن القرى، والثالثة تنظيف الوديان التي يسلكها الرعيان. ولكن هذه الأخيرة قد تتحوّل إلى أفضلية أولى لدى تعرّض أحد الرعيان إلى حادث قنبلة».
أما مدة العمل اليومي للفريق، فيحددها العقيد فقيه بسبع ساعات بالإضافة إلى ساعتين يستغرقهما الإنتقال من المركز وإليه، علماً أن ساعات العمل تتضمن إستراحات. فكل 50 دقيقة عمل، يحصل العنصر على 10 دقائق إستراحة.
وعن الصعوبات التي تعترض تطبيق العمل، يقول العقيد فقيه: إن أبرزها يتمثل بوجود قنابل في المناطق الحرجية أو المزروعة حيث لا بد من قطع الأشجار، إضافة إلى وجود قنابل على الأشجار أحياناً.
ومن الصعوبات أيضاً رفض الأهالي تنظيف أراضيهم، في هذه الحالة يتم إرغامهم على توقيع وثيقة تثبت رفضهم، وجرفهم الأراضي ما يؤدي إلى إزاحة القنابل من مكان إلى آخر. كما أن أمطار الشتاء تساهم في طمر القنابل والألغام وإخفائها.
وأشار العقيد فقيه إلى أمرين: الأول هو إستعدادنا كمركز إقليمي للأعمال المتعلقة بالألغام لإعداد إحصاء شفاف 100٪ عن عملنا وإنجازاتنا، أي المساحة التي تمّ تنظيفها، عدد الألغام والقنابل العنقودية التي نزعناها، المناطق المسؤولين عنها...
أما الأمر الثاني فإحتمال مغادرة الموظفين اللبنانيين المدنيين في فترة قريبة، لذلك نعمل على جهتين، الأولى مع قيادة الجيش اللبناني بهدف توفير ضباط وجنود مضطلعين بالأعمال الإلكترونية، لأن عملنا يقوم على الكومبيوتر بمجمله، والجهة الثانية، مع الأمم المتحدة (UN) بهدف إبقاء الموظفين المدنيين.
وختم بخبر سار، فالأمم المتحدة إختارت لبنان لتصنيفه أهم مشروع لنزع الألغام والأنجح بين المشاريع الأخرى، وقد «نلنا شهادة نجاح من قبل الأمم المتحدة لهذه الغاية». والسبب أن الجيش اللبناني هو الذي تسلّم المشروع وقد اتبع الأسس النظامية وتقيّد بشروط السلامة وقوانين العمل.
وأمل في أن يستمر المركز في تأدية واجبه على أكمل وجه، وتأكيداً على أن الجنود اللبنانيين قادرون على تنفيذ أي مهمة توكل إليهم.


إلى عرب صاليم
برفقة الملازم باتريك شوفاني من المركز الإقليمي للأعمال المتعلقة بالألغام، توجّهنا من النبطية الى عرب صاليم حيث زرنا الفريق 15 التابع لمنظمة «ماغ». المسؤول عن الفريق حسن طباجة يخبرنا أن فريقه يتألف من عشرة عناصر، إثنان منهم يعملان في البحث النظري وأربعة مسؤولون عن التنقيب بواسطة الكاشف الصغير وأربعة آخرون ينقبون بواسطة الكاشف الكبير، ويضاف إلى هؤلاء سائقان ومسعف طبي.
الحقول التي يتولى الفريق مسؤولية تنظيفها أربعة: الحقل الأول (50 ألف م2) تمّ تنظيفه بالكامل، الحقل الثاني (36 ألف م2) العمل فيه مستمر وقد عُثر فيه على 156 قنبلة عنقودية، الحقل الثالث (55200 م2) أيضاً العمل فيه مستمر، أما الرابع فقد تسلّمه الفريق منذ فترة وجيزة (50 ألف م2).
ويوضح السيد طبيجا أنهم يباشرون العمل أولاً حول المنازل وفي البساتين المزروعة، ثم ينتقلون الى الأراضي الجبلية البعيدة عن السكان. كما أنهم يعملون في مختلف أنواع الأراضي، الصخرية والصلبة والعادية. ولكن العمل يكون في الأراضي التي حرثها الأهالي وقاموا بريّها.
أما في ما يتعلق بجدول العمل اليومي، فيشرح السيد طبيجا أن دوام العمل يبدأ السابعة صباحاً، في المركز الإقليمي حيث يتم شرح المهام اليومية لأعضاء الفريق والتأكد من قدرتهم على العمل ومعنوياتهم، ومن جهوزية العتاد، قبل الإنطلاق الى الحقل.
في الحقل، يبدأ العمل بالبحث النظري وإزالة العقبات كالأعشاب، قبل التنقيب عن القنابل. لاحقاً، يستريح أعضاء الفريق للغداء قبل أن يفجروا القنابل المكتشفة. وفي الثانية بعد الظهر، يتوقفون عن العمل ويعودون إلى المركز.


• ماذا عن قوانين السلامة؟
هنا يوضح السيد طباجة أنه في أثناء العمل تتخذ إجراءات عديدة لحفظ سلامة العناصر، أولاً إعتمار الخوذة والدرع الواقيين أمر إلزامي. ويجب أن تكون المسافة الفاصلة بين عنصر وآخر 5 أمتار خلال البحث النظري، و25 متراً خلال التنقيب. أما المواطنون، فيجب أن يبتعدوا مسافة 100 متر على الأقل عن موقع العمل.
وفي حال كانت الأرض صلبة جداً، تكون المسافة الفاصلة بين عنصر وآخر متراً واحداً في أثناء البحث النظري، و50 متراً خلال التنقيب بكاشف الألغام الكبير.
أنواع القنابل الأكثر وجوداً في الحقول، يقول السيد طباجة أنها، M77 - M46 - M42 وBLU63، بالإضافة إلى قذائف غير منفجرة.


موعد مع الحياة والخطر
كل يوم بالنسبة إلى السيد حسين بدر الدين هو موعد مع الموت والحياة على حدّ سواء. هو أحد العاملين في نزع القنابل العنقودية، منذ سنتين، يقول: «كل يومٍ يبدأ نهارنا في السابعة ويستمر حتى الثانية بعد الظهر. وحين نأتي إلى عملنا، تكون معنوياتنا مرتفعة، على الرغم من إدراكنا للخطر الذي يحدق بنا. فالشعور بالخطر جزء أساسي في إستمرارنا بالعمل. فلولاه نعيش في روتين ولا ندرك أهمية ما نقوم به، خصوصاً أننا نساعد الناس على تحسين أوضاعهم ونساهم في حمايتهم من الأخطار». وقبل أن يودّعنا ليعود إلى عمله يقول بدر الدين: القنبلة العنقودية عدو يتربص بنا في مكان ما وعلينا الحذر منه...

 

القنابل العنقودية  والتداعيات التي خلّفتها
• الذخائر العنقودية Cluster Munitions:
تعد الذخائر العنقودية من أنظمة التسليح المعقدة التي تحتوي على مئات القنابل الصغيرة (bomblets) ذات الطبيعة الإنشطارية والإنتشار العشوائي في دائرة يصل مداها إلى 1 كيلومتر مربع تقريباً، وهي تعادل بخطورتها وتأثيرها ما ينجم عن قنابل النابالم الحارقة.
تتميز القنابل العنقودية بافتقارها إلى عنصري الدقة والموثوقية في إصابة الأهداف العسكرية فضلاً عن إلحاقها الأذى بعدد كبير من الضحايا المدنيين سواء خلال النزاع أم بعد انتهائه نتيجة وجود القنابل غير المنفجرة في المناطق المأهولة.


• التداعيات الإقتصادية:
لم تقتصر تداعيات القنابل العنقودية غير المنفجرة على إسقاط عدد من الضحايا الأبرياء من المدنيين خصوصاً الأطفال، بل امتدت الى التأثير على القطاع الزراعي وهو محور الأنشطة الإقتصادية في جنوب لبنان، حيث لا زالت عشرات الآلاف من تلك القنابل منتشرة في المزارع والحقول.
في هذا الإطار، أفاد تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة في شهر كانون الأول 2006 أن القنابل العنقودية انتشرت في 25٪ من إجمالي المساحة الزراعية (علماً أن مصادر الأمم المتحدة تعطي نسبة أعلى من ذلك)، كما أن ما يقدر بحوالى 300 مليون دولار من المحصول الزراعي قد اتلف، فضلاً عن خسارة حوالى 20000 من رؤوس الماشية.
يجدر بالإشارة أن جهود المجموعة الإستشارية للألغام «ماغ» (MAG) التي أدت إلى تنظيف حوالى 70000 متر مربع من الأراضي الزراعية، وهو ما يتطلب في بعض الأحيان قطع العديد من أشجار الزيتون المثمرة لتسهيل عملية البحث.
وقد عانى محصول التبغ بشكل خاص آثار تلك القنابل حيث تشير الأرقام الرسمية إلى إنخفاض المحصول الأخير بنسبة 20٪ بعد تعرّض أراضي المزارعين إلى تسمّم كبير نتيجة هذه القنابل، بالاضافة الى إضطرار عدد كبير من المزارعين الى هجر أراضيهم وإستئجار أراض بديلة، ما يزيد من الأعباء المالية التي يتحملونها ويخفض إجمالي الأرباح إلى أقل من 1000 دولار سنوياً للعائلة الواحدة.
أفادت الناطقة بإسم مركز الأمم المتحدة لتنسيق العمل ضد الألغام أن استعمال إسرائيل القنابل العنقودية في جنوب لبنان فاق بخطورته ما أسقطته طائرات الناتو الحربية في كوسوفو، فعلى سبيل المثال يحتوي الوادي الزراعي الصغير في منطقة زوطر الغربية أكثر من 15 موقعاً لوجود القنابل العنقودية حيث تمكّن فريق «ماغ» (MAG) من نزع ما يقارب 650 قنبلة منه خلال العام 2008.

 

مأساة لبنان واتفاقية حظر استعمال القنابل العنقودية
شكّلت مأساة لبنان الناتجة عن عدوان تموز 2006 حجر الأساس في حصد الإئتلاف العالمي لحظر القنابل العنقودية، حيث وقّعت أكثر من مئة دولة من بينها لبنان على إتفاقية حظر إستخدام القنابل العنقودية، وذلك في كانون الأول من العام المنصرم في أوسلو - النروج.
من أبرز ما تضمّنته إتفاقية حظر القنابل العنقودية التي وقّعت في كانون الأول 2008 في أوسلو، الإلتزامات الآتية:
• تعهد كل دولة طرف في الاتفاقية بألا تقوم في أي ظرف من الظروف بإستعمال الذخائر العنقودية، أو إستحداثها أو إنتاجها وتخزينها وحيازتها أو الإحتفاظ بها ونقلها إلى أي مكان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
• قيام كل دولة طرف بفصل كل الذخائر العنقودية المشمولة بولايتها وتضع عليها علامة لأغراض تدميرها، وتتعهّد بتدمير كل هذه الذخائر في أقرب وقت ممكن...
• تتعهّد كل دولة طرف بإزالة وتدمير أو ضمان إزالة وتدمير مخلفات الذخائر العنقودية الواقعة في المناطق الملوّثة بهذه الذخائر والمشمولة بولايتها أو الخاضعة لسيطرتها.
• توفر كل دولة طرف لضحايا الذخائر العنقودية في المناطق المشمولة بولايتها أو الخاضعة لسيطرتها... ما يكفي من المساعدة الراعية للسن والجنس، بما في ذلك الرعاية الطبية والتأهيل والدعم النفسي، وتكفل كذلك إدماجهم الإجتماعي والإقتصادي.
• يحق لكل دولة طرف في أدائها لالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية، أن تلتمس المساعدة وأن تتلقاها.

 

بالأرقام
أثمرت الجهود المحلية والدولية على مدى سنوات من العمل الدؤوب نجاحاً ملحوظاً في مجال نزع الألغام والقنابل وسواها من الأجسام القاتلة.
ووفقاً لاحصاءات آخر العام 2008 يتبين الآتي:


• الألغام:
تم تنظيف 91 مليون متر مربع من أصل 150 مليون متر مربع من الأراضي اللبنانية كانت ملوثة بنحو 550000 لغم مضاد للأفراد والآليات موزعة على 4573 حقل ألغام. ما يعني أن نسبة الأراضي التي تم تنظيفها هي 61٪ من تلك الملوثة. وقد أزيل 125000 لغم من 2983 حقل.
أما المساحة المتبقية (59 مليون م2) فموزعة على 1590 حقلاً تحتوي على 425000 لغم، منها 1010 حقول في محاذاة الخط الأزرق وهي تحتوي على 370000 لغم تقريباً.


• القنابل العنقودية:
لوثت القنابل العنقودية 48.2 مليون متر مربع من الأراضي اللبنانية إثر عدوان تموز 2006، وحتى نهاية العام 2008 كان قد تمّ تنظيف نحو 36 مليون متر مربع، وأزيلت 155000 قنبلة.

 

منظمات وفرق
العام 2001 باشرت منظمة «MAG» البريطانية عملها في لبنان، وثمة 13 فريقاً تابعاً لها، سبعة من هذه الفرق تعمل في مجال نزع القنابل العنقودية بينما تتولى الفرق الستة الباقية مهاماً أخرى تعتمد لتنفيذها الوسائل اليدوية والميكانيكية والكلاب الكاشفة للألغام.
وفي الفصل الأخير من العام 2006 باشرت العمل أربع منظمات هي:
«DCA» الدانمركية (فريقان)، «NPA» النروجية (4 فرق)، «SRSA» السويدية (6 فرق)، «Bactec Int» (3 فرق)، و«Handicap Int» (4 فرق).

 

ضحايا العدوان المستمر
(صورة اسمها dahaia.jpg)

كيف نحمي أنفسنا من القنابل العنقودية؟
- الإبتعاد عن الأماكن المشبوهة.
- التعرّف على الطرق الآمنة للعبور.
- عدم عبور حقل أو طريق غير معبّد.
- سؤال المواطنين عن الطريق الآمن.
- الإنتباه الى الإشارات الحمراء والأسلاك الشائكة.
- تجنّب لمس الألغام والأجسام الغريبة.

 

تعريفات

• ضحايا الذخائر العنقودية: كل الأشخاص الذين قتلوا أو تعرّضوا الى إصابة بدنية أو نفسية أو خسارة إقتصادية أو تهميش إجتماعي أو حرمان كبير من حقوقهم بسبب إستعمال الذخائر العنقودية، وهم يشملون الأشخاص الذين تأثروا مباشرة بالذخائر العنقودية وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية المتضررة.
• الذخيرة العنقودية: الذخيرة التقليدية التي تصمم لتنثر أو تطلق ذخائر صغيرة متفجرة يقل وزن كل منها عن 20 كلغ.