العودة الروسية إلى الشرق الأوسط

العودة الروسية إلى الشرق الأوسط
إعداد: العقيد الركن إسطفان الشدياق
ضابط في الجيش اللبناني

المقدمة

شهدت حقبة التسعينيات من القرن الماضي انكفاءً روسيًا عن ساحات التأثير الدولي، ارتباطًا بتداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي، فهيمنت الولايات المتحدة على هذه الساحات، فارضة أحاديتها وريادتها في الترويج لنموذجٍ جديد من العلاقات الدولية. ومنذ النكسة الروسية في ليبيا التي ترافقت مع انطلاق "الربيع العربي" في تونس، معطوفة على تمدد حلف شمال الأطلسي في الحديقة الأمامية الروسية في أوروبا الشرقية، شهدت الساحة الدولية استفاقة للمارد الروسي من خلال الدور الذي بدأت ملامحه في جورجيا، ثم تطور في شرق أوكرانيا والقرم، وأصبح أكثر وضوحًا في سوريا وصولًا إلى بشائره مع حراك بيلاروسيا في صيف 2020، كزاخستان في نهاية ١٢٠٢ واستمرار حضوره الفاعل في المشهد الدولي, وبخاصةٍ مع عودة التوتر مع الغرب على خلفية الحشد العسكري الروسي قرب الحدود الأوكرانية والتقارير الغربية عن احتمال غزو روسي للجارة الغربية. ولا شك في أن الدور الروسي كان قد ذهب بعيدًا في إظهار عزمه في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي ظهر جليًا في التدخل العسكري والديبلوماسي في الأزمة السورية. وقد برهنت روسيا في تدخلها المذكور عن نيتها في تثبيت استراتيجية قديمة - جديدة تدشن عودتها الرسمية إلى الساحة الدولية كاسرة، مع شركائها، الأحادية القطبية التي سادت لفترةٍ من الزمن.

ترتكز السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط منذ مطلع رئاسة فلاديمير بوتين الثالثة على اعتبارات جيوسياسية قائمة على تعزيز العلاقات والتجارة الثنائية لتقوية المكانة الروسية، بدلًا من التركيز على التأثير الإيديولوجي خلال الانتفاضات العربية[1]. ويتميز فكر بوتين السياسي بنوعٍ من البراغماتية والشفافية، مع تجنب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بخاصةٍ تلك المرتبطة مباشرة بالموقف الروسي خلال الانتفاضات العربية، إضافة إلى إدانة المعايير الغربية المزدوجة بشأن حقوق الإنسان، توسيع حلف شمال الأطلسي، وموضوع الدفاع الصاروخي[2]. وبالإضافة إلى العمل على عدم تكرار الخطأ الليبي في سوريا، من خلال الانخراط العسكري المباشر في سوريا، لم توفر روسيا جهدًا للخروج من تأثيرات الدوامة الاقتصادية التي تدور حول المركز أو النموذج الغربي للعلاقات الدولية والاقتصادية والتجارية منها بشكلٍ خاص.

وبالنسبة لروسيا، كان واقع سوريا يمثل دائمًا الحضور والنفوذ الروسيَين بين الدول العربية، الأمر الذي مكّن دور روسيا كوسيطٍ في عملية السلام في الشرق الأوسط. أضافت العلاقات الوثيقة مع سوريا حليفًا لحرب روسيا ضد المتمردين في الشيشان. كما عززت المحاولات الروسية للحد من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كذلك ساهمت بزيادة الوزن السياسي في تفضيل روسيا لعالمٍ متعدد الأقطاب. من هنا يمكن أن نتلمس كون الأساس المنطقي للنهضة في العلاقات الروسية مع سوريا وتركيا قائم على عاملَين رئيسيَين: الأمن القومي والصراع على النفوذ مع الولايات المتحدة الأميركية.

فما هي الاستراتيجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط، وما هو المدى الذي يمكن أن يصل إليه الانخراط الروسي في وحوله؟

 

أولًا: المصالح الروسية في الشرق الأوسط

تشكل روسيا، البلد الأكبر مساحة في العالم، كتلة قارية هائلة حيث تجسد، في نظرية هالفورد ماكيندر Theory Heartland The، مفهوم الأرض المتوسطة Heartland، التي تشكل السيطرة عليها، مقدمة للسيطرة على العالم. وفي نظرية نيكولاس سبيكمان، المسماة نظرية الأطراف أوThe Rimland Theory، تعتبر الدول المحيطة بروسيا دول الأطراف Rimland التي تحتوي الأرض المتوسطة أو قلب الأرض والتي تعتبر السيطرة عليها مقدمة للسيطرة على العالم[3]. تجتمع النظريتان، رغم تضاربهما، على الأهمية الكبيرة للجغرافيا الروسية التي ستنتج بطبيعة الحال حالة جيوسياسية كبيرة لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها على الساحة الدولية.

سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستمرارٍ، منذ فترة ولايته الأولى، لعكس نتائج الحرب الباردة. وقد بدأ بإعادة بناء روسيا من خلال بعث نسخة منقحة، أكثر واقعية، من الاتحاد السوفياتي على أسس جديدة. وأدت جهود بوتين لإعادة تأكيد السيطرة الروسية على الفضاء ما بعد السوفياتي؛ أي الخارج القريب وفق النظرة السياسية الروسية، إلى إجراءات فاعلة وملموسة تجاه الدول المجاورة مثل جورجيا وأوكرانيا[4]. ودفعت عدة أسباب روسيا إلى التدخل عسكريًا في سوريا. تتمثل أهمها برغبة بوتين والقيادة الروسية الحالية في إعادة روسيا إلى وضعها قبل العام 1989 كقوةٍ عالمية. وقد استثمرت روسيا وبوتين شخصيًا الكثير في هذا المشروع ليكونا غير قادرين على تقبّل احتمالات الفشل. من المتوقع أن نتيجة الحرب السورية لن تؤدي إلى تغيير توازن القوى في الشرق الأوسط فحسب، ولكنها ستؤدي أيضًا إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في أوراسيا، لجهة بقاء روسيا في المنطقة أو وقوعها بشكلٍ نهائي تحت السيطرة الأميركية، وبالتالي إلى تغيير شكل العالم وتوازناته[5].

 

الواقع الروسي في العالم وفي منطقة أوراسيا بشكلٍ خاص

تشكل روسيا الاتحادية أكبر دولة في العالم حيث تغطي أراضيها ما يزيد عن سبعة عشر مليون كلم مربع. وتجمع ما بين قارتَي آسيا وأوروبا، بما يجعلها منذ القدم قلب المفهوم الأوراسي الذي أدى دورًا مهمًا عبر العصور. وتتميز روسيا بديموغرافيا سكانية متنوعة يتجاوز تعدادها مئة وأربعين مليونًا، مندمجة مع المحيط القاسي الذي يصعب على غير الروس التأقلم معه، إضافة إلى جيش قوي وتكنولوجيا عسكرية متقدمة وقدرات نووية رادعة. وتساعد القدرات العسكرية الروسية، المدعومة من نظام سياسي ديمقراطي لكنه قريب من الأوتوقراطية، في حماية الكتلة البرية للبلاد[6]. كما يكمن العامل الاقتصادي في أساس الثقافة أو التقليد التوسعي الروسي. وبطبيعة الحال، احتاج الروس لتحقيق أهدافهم، إلى قوة عسكرية ضمت جميع طبقات المجتمع، وإلى اقتصاد عسكري بالدرجة الأولى[7]. وبالنسبة للينين، كانت كل من السياستَين الخارجية والمحلية مرتبطتَين ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض. والحرب بالتالي هي نتيجة لتلك السياستَين. لم تكن الحرب سياسات بسيطة تنفّذ بطريقةٍ خاصة عن طريق القوات المسلحة. فعند اندلاع الحرب، يصبح العنف المسلح الأداة الرئيسة للسياسات. ولذلك لم يكن من خيار سوى الاستثمار في العسكر ودمج الفكر السياسي بالفكر العسكري[8].

أدت الحرب العالمية الثانية إلى انقسام أوروبا بين إقليمَين: غربي تحت الهيمنة الأميركية وشرقي تحت الهيمنة السوفياتية. وتمكن الاتحاد السوفياتي من تحقيق اتحاد معظم أوراسيا تحت قيادته، كما عمل على دعم الحركات الثورية والأحزاب الشيوعية عبر العالم بهدف مد نفوذه عبر القارات ومنع تطويقه من قبل المحور الغربي. لكن هذه الإنجازات لم تدم مع أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962، مرورًا بانحياز الرئيس المصري أنور السادات إلى الغرب بعد العام 1974، والمغامرة الفاشلة في أفغانستان وصولًا إلى تفكك الاتحاد السوفياتي في العام 1991 الذي شكل نكسة كبيرة لروسيا على الصعيد الجيوستراتيجي.

نفّذت روسيا منذ العام 2012، برنامجًا مكثفًا من تقييم الجهوزية، وتدريبات القوى المشتركة الصغرى، إضافة إلى التمارين الاستراتيجية السنوية. كما أعلن بوتين عن النية بإنفاق 700 مليار دولار بين العامَين 2011 و2020، بهدف رفع جهوزية العتاد إلى 70%. وقد بدأت النتائج بالظهور تدريجًا من خلال نشر أنظمة أسلحة جديدة ومتنوعة، كانت منذ فترة طويلة قيد البحث والتطوير. كما قدّمت أدلة كافية عن استمرار النوايا والطموحات الخارجية الروسية حيث يستمر اعتبار القوات المسلحة الروسية الأداة المفضلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة[9].

ويشكل استرداد روسيا للمكانة التي افتقدتها منذ قيامها، وإنهاء التفرد الأميركي بموقع القمة هدفًا رئيسًا للسياسات الروسية. ولذلك تعتقد الأخيرة بوجوب اتباع خطة استراتيجية تفضي إلى إحلال التعددية القطبية محل هذا التفرد، على نحو يتناسب أكثر مع اتجاهات العالم الجديد. وتشكل استعادة سمعة روسيا كشريك بنّاء أهم عناصر هذه السياسة. ففي وقت تدهور العلاقات مع الغرب، تحتاج روسيا بشدةٍ إلى استعادة سمعتها كشريكٍ يعمل مع شركائه على قدم المساواة بطريقةٍ بنّاءة وموثوق بها والتخفيف من أثر سمعتها كدولةٍ تعتمد سياسة التخويف، تهدد الجيران الأضعف وتغذّي الطموحات الإمبريالية تجاه جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة. وقد أجبرت العقوبات الغربية وتهديد الأزمة الاقتصادية روسيا على البحث عن مصادر جديدة للنمو وطرق جديدة لخفض التكاليف. أثبت التكامل الأوراسي أنه أحد الاستجابات الرئيسة الممكنة لمواجهة الظروف الجديدة. ويكمن الرهان على أن التكامل الناجح قد يسهل التعاملات بين الدول الأعضاء، مثل الصين، إيران وكازاخستان وغيرها، الأمر الذي يجعل اقتصاداتها أكثر كفاءة. وفي الوقت الذي يستعرض كل من الروس والغربيون عضلاتهم في لعبة خطيرة تهدد بالتحول إلى سباق تسلح، تنمو مخاطر تزايد العبء على الاقتصاد الروسي الذي يعاني أصلًا من التقلبات في الأسواق المالية وأسواق العملات، التذبذب في أسعار النفط وانخفاض قيمة الروبل[10]. وتسعى روسيا، في إطار الرد على التحديات المذكورة آنفًا، لتحقيق أهداف عملية مع شركائها في مجالَي الأمن والتنمية مرتبطة بمصالح محددة ترسم سياقًا واضح المعالم يؤمّن لها الاستمرارية والاستقرار في علاقاتها وفي مركزها على الساحة الدولية وتحقيق مصالحها في منطقتَي أوراسيا والشرق الأوسط وامتدادًا منهما في العالم.

 

المصالح الروسية في منطقتَي أوراسيا والشرق الأوسط.

تشكل منطقة أوراسيا المدى الروسي الأكبر وتتمثل المصلحة الروسية الأولى فيها بتنظيم الموارد والقدرات الروسية، وقيادة تحالفات إقليمية، بمحاولة للتعويض عن ارتباط موارد روسيا الاقتصادية والبشرية المحدودة بعوامل خارجية غير خاضعة لسيطرتها. ولذلك فهي تعتمد سياسة حذرة وتحاول تلمّس الأولويات التي تسمح بتركيز الموارد على عوامل ثابتة أو غير خاضعة للتغييرات الفجائية أو القصيرة المدى. كما يشكل منع منطقة أوراسيا من الوقوع في الفوضى مصلحةً روسية ثانية لا لبس فيها. وتعمل روسيا بشكلٍ واضح وحثيث لمواجهة تضافر العوامل التي تهدد مناطق واسعة مجاورة لها، مثل أوكرانيا وبيلاروسيا والقوقاز وبلدان آسيا الوسطى. ووفق المنظور الروسي، لا تختلف الفوضى كثيرًا عن وقوع هذه المناطق تحت سيطرة الغرب[11]. وتتمثل المصلحة الروسية الثالثة في اعتماد سياسة تقوم على التنمية المشتركة، الأمر الذي يفرض عليها مقاربات مرنة وعملية لدعم مشاريع البنية التحتية ضمن مبدأ التنمية المشتركة وإطارًا براغماتيًا يركز على تحقيق نتائج ملموسة أهمها زيادة القدرة التنافسية في الأسواق العالمية. وتطمح روسيا إلى إقامة مناطق تجارة حرة تحفّز التكامل الاقتصادي الأوراسي وتسمح بتحقيق نهضة في العلاقات الروسية الأوروبية، وصولًا إلى تحقيق نوع من التكامل الأوروبي - الآسيوي[12].

تشكل منطقة الشرق الأوسط عمقًا إضافيًا وبنيويًا للمدى الأوراسي لروسيا. وتعمل الأخيرة بهدف تأمين مركزها في المنطقة وعبرها العالم، على تحقيق أهداف متعددة. ويمثل احتواء التطرف الذي قد يمتد إلى روسيا وجوارها، أحد أهم المصالح الروسية التي تعمل السياسة الخارجية الروسية على تثبيتها. كذلك، تعمل بطريقةٍ براغماتية للغاية على تقوية ودعم الأنظمة والقوى الصديقة في المنطقة، وبناء تحالفات دائمة معها بما يقوّي وضعها الجيوسياسي[13]. كما تنتهج سياسة متجددة للمحافظة على وجود عسكري شبه رمزي في المنطقة وحولها، بما يؤمّن قواعد تموين متقدمة تسمح بزيادة القدرات بشكلٍ سريع عند الضرورة، إضافة إلى إدامة إمكانية الوصول إلى المنافذ البحرية على المياه الدافئة. وبعد إنشاء القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، جاء التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، كنتيجةٍ مباشرة للتوجه المذكور[14].

يسمح الوجود الروسي الفاعل في المنطقة بدعم أسعار الطاقة في الأسواق من خلال تنسيق السياسات مع المنتجين الرئيسيين للنفط والغاز في الخليج، الأمر الذي يعتبر من المصالح الحيوية لروسيا التي تعتمد على صادرات الطاقة بشكلٍ أساس لتأمين التوازن المفقود في ماليتها. وتشمل المصالح الأخرى المرتبطة بالطاقة الصناعة النووية الروسية، التي بنت مفاعلات في بوشهر في إيران حيث تبحث عن عقد جديد هناك، إضافة إلى عملها في مشاريع في تركيا والأردن. كما تنشط شركات عاملة في مجالَي التنقيب والإنتاج النفطي في العراق، إضافة إلى انضمامها مؤخرًا إلى تحالف التنقيب عن الغاز في البحر اللبناني، عبر شركة نوفاتيك الروسية بالشراكة مع شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، وتوقيع شركة روسنفت المملوكة من الدولة الروسية عقدًا لـتشغيل وخدمة من أجل تأجير سعة تخزينية في منشآت النفط في طرابلس[15].

كذلك، تتطلع روسيا إلى مصر وليبيا، وإلى شمال أفريقيا على نطاق أوسع، لاستكشاف مدى قابلية الشركاء المحتملين على توقيع اتفاقات ثنائية تسمح لموسكو بالوصول إلى المنافذ البحرية بدلًا من الاستثمار في عملية بنائها، الأمر الذي يوفر الكثير من الوقت والمال. كما حققت جهود موسكو للسيطرة على البحر الأسود ثمارها، حيث يمكن أن تنطلق لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط والبحر المتوسط إلى أن يتخطى ذلك. وتهدف إلى تحقيق التفوق البحري في البحر الأسود وشرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يمكن لها أن تزيد دور البحرية الروسية في سياق الردع غير النووي[16].

 

ثانيًا: تقاطع وتضارب المصالح - محركات العودة

أعاد التدخل العسكري في سوريا الاعتبار إلى الأداة العسكرية الروسية، بعد الأداء المتواضع الذي أظهرته سابقًا في جورجيا، والأداء الخجول أو المستتر في شرق أوكرانيا. وتقدّم تصنيف روسيا كقوةٍ عظمى على الساحة العالمية إلى المرتبة الثالثة بعد كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين[17]. ونتج من ارتفاع تصنيف القوة لدى روسيا استمرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تجاوز توقعات خصومه، متحديًا توقعات الانهيار الاقتصادي أو الغرق في المستنقع العسكري. وبنتيجة ذلك تمكن الروس من تعطيل أو اكتناف الخصم المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في سوريا والإمساك به في أوكرانيا، بالتزامن مع تغلّبها على الأزمة الاقتصادية الداخلية، أو التكيّف معها، وتزايد الاختلافات أو اتساعها في الاتحاد الأوروبي، مع تنامي أزمة النازحين والخروج البريطاني BREXIT، إضافة إلى النفاذ إلى قلب الانتخابات الرئاسية الأميركية[18].

 

العلاقة مع الشركاء

تتطلع موسكو إلى تعاون مستقر وشراكة حقيقية مع الدول والتكتلات الفاعلة على الساحة الدولية. وتحاول روسيا إدارة علاقاتها الشائكة مع الغرب بشكلٍ عام ومع الولايات المتحدة الأميركية بشكلٍ خاص، بما يضمن مصالحها ويخفف التوتر الناتج عن سياسة التطويع عبر العقوبات التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية، عبر قانونCountering America’s Adversaries through Sanctions-CAATSA[19]. لكن السياسة الخارجية الروسية تتركز بشكلٍ أساس على أفضلية تطوير علاقاتها وتحقيق مصالحها مع الدول المتاخمة لها ومع الدول التي لديها قدرة على التأثير في الساحات الواقعة ضمن دوائر الاهتمام والمصالح الروسية القريبة أو التي تؤثّر بشكلٍ كبير في أمنها القومي أو صادراتها في مجال الطاقة والمواد الأولية.

يمكن مقاربة العلاقات الروسية الصينية من بوابة علاقات الصين مع غريم موسكو التقليدي والأكثر تشددًا في واشنطن، ثم الانتقال إلى ما يجمع الجانبَين عبر الحدود ومناطق الاهتمام المشتركة[20]. وتعمل روسيا بالتعاون مع الصين، على إطلاق العنان لإمكانات أوراسيا من خلال الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي كممرٍ تجاري تنافسي ومصدر للطاقة وتطوير حوكمة أكثر شمولًا، إذ سيمكنها الموضوع من تأمين عمق استراتيجي يصعب احتواؤه من قبل خصومها، الأمر الذي سيثبت مكانتها الجيوسياسية على الساحة الدولية[21]. وإضافة إلى تقاطع العديد من مصالح الجانبَين في آسيا الوسطى والمناطق المجاورة، فهما يتشاطران الاستياء من الوجود المستمر لأطرافٍ ثالثة في آسيا الوسطى، وبشكلٍ خاص الوجود العسكري الأميركي.

ترى روسيا في الجار الإيراني المناوئ للسياسات الغربية فرصة ثمينة لكسر الحصار عن حدودها أو تخفيفه، ووسيلة لتحويل قسم من الضغوطات عنها. كما تعمل، عبر جسور اتصالها مع الغرب، على تأدية دور الوسيط بينه وبين الإيرانيين، بما يخدم مصالحها ويحسّن من صورتها أمام الرأي العام الدولي. ويشترك الجانبان بالعديد من المصالح الاستراتيجية المتعلقة بحماية الحدود واستقرارها، احتواء التطرف الديني والمصالح المتبادلة مع الصين وفي سوريا، إضافة إلى سياسة محاولة الاحتواء المعتمدة تجاه الولايات المتحدة الأميركية في آسيا بشكلٍ عام وفي الشرق الأوسط بشكلٍ خاص. كذلك تتفق روسيا وإيران على رفض مبدأ أو حملات تغيير النظام التي يقودها الغرب عبر الأعمال العسكرية المباشرة أو بالواسطة، أو بما اصطلح على تسميتها الثورات الملونة. مع ذلك، لا تهتم روسيا ولا إيران بتحالفٍ كامل. فموسكو لا ترغب في أن تكون جزءًا من معسكر مناوئ لدول مجلس التعاون الخليجي، وتشعر طهران بالقلق من احتمال تورطها في المواجهة الروسية الأوسع مع الغرب بينما تسعى للحصول على التقنيات الأوروبية والمال. كذلك، ضمنت موسكو للكيان الإسرائيلي أن الإجراءات الروسية في سوريا لن تشكل تهديدًا لها[22]. كما يوجد شعور إيراني بالقلق من أن روسيا قد تختطف نجاحات طهران في سوريا. ويرحب جزء من النخبة السورية بالوجود الروسي كوسيلةٍ لتحقيق التوازن مع طهران التي تتوقع الحصول على مكاسب من سوريا عند انتهاء النزاع، لكنها ستضطر إلى مشاركة مكاسبها مع موسكو. يمكن لهذا الواقع أن يقوّض أي إحياء لمشروع خط أنابيب الغاز بين إيران والعراق وسوريا والبحر الأبيض المتوسط الذي تريده طهران، والذي يشكل مصدر قلق لروسيا التي تخاف على مكانتها في سوق الغاز العالمي.

تدرجت علاقات موسكو مع دمشق صعودًا منذ انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة. ومنذ العام 1971، شكل إنشاء القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس تجسيدًا لحلم موسكو التاريخي بإنشاء موطئ قدم ثابت في المياه الدافئة. وفي نهاية صيف 2015 ومع التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، ارتفع عدد العسكريين في القاعدة إلى 1700 عسكري، وتم تحديثها بما يجعلها قاعدة روسية أمامية مستقبلية دائمة. وخلال العام 2017، وقّع الروس مع السلطات السورية اتفاقًا لتمركز قواتهم في القاعدة لمدة 49 سنة إضافية، بالتوازي مع وجودهم في القاعدة الجوية القريبة في حميميم، الأمر الذي يبين، بشكلٍ غير قابل للشك نيات موسكو[23]. شكلت سوريا بالنسبة إلى روسيا مفتاحًا لأمنها الاقتصادي. وتطمح روسيا من خلال وجودها، إلى التحكم بالممرات الإلزامية لمرور الغاز من قطر أو من إيران، إضافة إلى تأمين حصتها المفترضة في غاز شرق البحر المتوسط. وتسعى موسكو لترتيب الحوار السياسي بين جميع أطراف النزاع بهدف الوصول إلى حل مرضٍ يؤمّن مصالحها. وتريد روسيا العودة كلاعبٍ كامل في حوض البحر المتوسط عبر سوريا، من خلال بعدَين عسكري وسياسي. وقد ضمنت البعد العسكري بالفعل من خلال قواعدها في سوريا. أما البعد السياسي فهو مستحيل قبل أن تتمكن روسيا نفسها من الدخول في حوار مع مختلف القوى في المنطقة، الأمر الذي تبذل جهودًا جبارة لإنجاحه[24].

 

العلاقة مع الخصوم أو المنافسين

يمتلك الرئيس الروسي بوتين العديد من التكتيكات التي استعملها في مقاربته لمقارعة خصومه. ويتطلب طموح بوتين أن يستخدم بمهارةٍ مجموعة متغيرة من الأدوات بهدف إضعاف المعارضة الأجنبية وإفقادها الفعالية، وبخاصةٍ المعارضة الصادرة من الغرب أو الخصوم. وبالإضافة إلى الاستهداف النشط لمصداقية الحكومات، المقاربات الإيديولوجية وتطبيق الضغوط الاقتصادية، لجأت موسكو أيضًا إلى أنواع جديدة من الوسائل التي تتضمن الحروب المرتبطة بالطاقة والوسائط الحديثة للدعاية. كذلك اختبرت أداة الحرب الإلكترونية. وعند دراسة الأدوات المختلفة التي تستخدمها القيادة الروسية، يمكن ملاحظة تطورها التكتي، مستوى تنسيقها العالي الفعالية، تزامنها، وامتدادها الزمني الطويل نسبيًا، الأمر الذي يدل على كونها جزءًا من عملية واحدة، متكاملة ومنسقة على أعلى المستويات في الحكومة الروسية. كما أظهر الكرملين براعته في استخدام الأدوات الدبلوماسية التقليدية، وفي دمجها مع التجارة والاستثمارات. كذلك تعطي موسكو أهمية لدور حروب المعلومات ووسائل الإعلام، بالتزامن مع استمرار العمل السري في الخارج، دعم مجموعات التأثير المحلية في الدول المستهدفة، الحرب الاقتصادية والتدخل في الصراعات الإثنية[25].

تعمل روسيا على عرقلة جهود الولايات المتحدة لتوسيع هيمنتها في الشرق الأوسط، وإعادة هيكلة النظام الإقليمي بما يناسب مصالحها. في الواقع، لا تختلف استراتيجية روسيا في الشرق الأوسط عن مقاربتها لتقويض نفوذ الناتو والاتحاد الأوروبي في أوروبا الشرقية[26]. ولا يمكن إغفال الانخراط الروسي الواسع والمتنامي في العديد من دول الشرق الأوسط ومن بينها لبنان. وتسعى روسيا من خلال هذا الانخراط إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والأمنية ومكافحة الإرهاب الشاملة وتقوية مكانتها العالمية. ويرى صانعو السياسة الأميركيون أن روسيا تسعى إلى قلب الشراكات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، والتي استمرت لعقودٍ مع الأميركيين. وتندرج الدينامية الروسية الجديدة بالتوازي مع تجديد الترسانة النووية والقوة الصاروخية الروسية، ضمن التنافس الاستراتيجي بين البلدَين. وتخشى الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية برنامج موسكو في أوروبا الشرقية وفي الشرق الأوسط. وهي تعمل على تجفيف أحد مصادر قوتها الاقتصادية المتمثلة بصادرات الغاز الروسي إلى أوروبا أو خنقها[27]. لكن روسيا والولايات المتحدة تتفقان على أمن الكيان الإسرائيلي، حيث يوجد العديد من المؤشرات عن وجود نوع من التفاهم الروسي الإسرائيلي، بينها الزيارات المتبادلة المتكررة، التجاهل أو غض النظر الروسي عن النشاط العسكري الإسرائيلي في المنطقة الذي يتجاوز أحيانًا العديد من الحدود المرسومة[28].

تعتبر روسيا الأوروبية حاليًا في وضع جيوسياسي صعب، بخاصةٍ بعد توسع حلف الناتو شرقًا. وما لم تلعب روسيا أوراق قوتها للمحافظة على منطقة نفوذها الحالية ومنع أي تآكل إضافي فيها لصالح المحور الغربي، يمكن للاتحاد الروسي نفسه أن يتفتت[29]. ترى موسكو على نحو متزايد أن الاتحاد الأوروبي ليس قادرًا على الحصول على استقلالية حقيقية تجاه سياسة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. ولذلك تتمسك بورقة أسعار الغاز التنافسية في السوق الأوروبي التي تدعم الشراكة الروسية معه. وتسعى روسيا للحفاظ على حد أدنى من تقاطع المصالح مع الغرب لجهة تقاسم أسواق الغاز في شرقي المتوسط بحيث تحافظ على هيمنتها على سوق الغاز الأوروبي حيث وصلت صادراتها إلى أرقام قياسية في نهاية العام 2018.[30] إضافة إلى ترقّب ارتفاع عائداتها المالية بالتزامن مع ارتفاع أسعار الغاز خلال النصف الثاني من العام ١٢٠٢ [31].

 

تكمن المعضلة الجيوستراتيجية الروسية بموقع تركيا، في تحكم الأخيرة بممر روسيا الوحيد من البحر الأسود إلى المياه الدافئة، في قربها من مجنبة ممر روسيا البري إلى الشرق الأوسط، كما في طموحات تركيا في منطقة البلقان، وعبرها إلى أوروبا، إضافة إلى القواعد الأميركية المتقدمة الموجودة على الأراضي التركية، والتي يمكنها تغطية عمق الأراضي الروسية، إضافة إلى الاهتمام الروسي المستجد في غاز شرق المتوسط، أحد أهم المنافسين المحتملين للغاز الروسي[32]. من جهة أخرى، تحاول تركيا خرق الحصار الغربي عليها، عبر ديناميتها المستجدة في ليبيا وشرق المتوسط، التي تطمح من خلالها، بالتكامل مع مشاريعها لنقل الغاز الروسي عبر أراضيها ومجالها الحيوي، إلى تحقيق مكاسب في سوق الطاقة الحيوي في المنطقة، والذي تفتقر إلى موارد خاصة بها منه[33]. كذلك، تلعب روسيا لعبة متعددة المعايير، فهي اعترفت وقبلت بحكم الأمر الواقع، بما اعتبرته مصالح الأمن القومي المشروعة لحلفائها المفترضين في المنطقة، واتفقت مع تركيا على تقاسم الأدوار في سوريا، مع المحافظة على توازن علاقاتها مع اللاعبين المحليين في الساحة السورية[34]. في الوقت ذاته لا تنسى افتعال إشكالات قانونية حول أحقيتها في بحر قزوين من جهة أولى، ولاحتكار حصتها الحالية وتوسيعها في تركيا وأوروبا من خلال شراكة استراتيجية اقتصادية مربحة للطرفَين من جهة ثانية، لوأد طموحات أذربيجان في تصدير غازها إلى أوروبا عبر خط نابوكو المقترح مروره في الأراضي التركية.

تتقاطع العلاقات الحالية بين روسيا والكيان الإسرائيلي في العديد من المجالات الاقتصادية والثقافية، مع نوع من الإدارة الخاصة للتناقضات في بعض الخيارات الاستراتيجية. ولا تدل أي نظرة قريبة إلى واقع العلاقات الروسية الإسرائيلية على وجود خصومة بالمعنى التقليدي لأسبابٍ ليس أقلها هجرة أكثر من مليون يهودي من روسيا إلى الكيان الإسرائيلي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبغض النظر عن التدخل العسكري الروسي في سوريا، يقال إن أهم تطور في سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب الباردة هو تقاربها مع العدو الإسرائيلي. أما الأخيرة فقد عملت على منع روسيا أو الحد من عمليات نقل التكنولوجيا الخطيرة إلى إيران، العراق وأعدائها الآخرين، إضافة إلى توسيع دائرة علاقاتها الدولية عمومًا، بهدف كسر التهديد الدائم بعزلتها الدولية[35]. وتبحث موسكو، من خلال تغاضيها عن الانتشار الإيراني في سوريا وعن الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة، عن توازن بين ما تعتبره المصالح الأمنية المشروعة لحليفتها الظرفية طهران وشريكتها القيمة الكيان الإسرائيلي[36].

يشكل دور مصر القيادي التاريخي في العالم العربي شريكًا جذابًا للروس. كما تتحدى التطورات الأخيرة في العلاقات المصرية - الروسية فكرة مرحليتها. على العكس من ذلك، تشير العديد من المؤشرات إلى أن العلاقات الثنائية تتجه نحو شراكة استراتيجية تتغذى على تآكل الشراكة القائمة منذ عقود مع واشنطن. تضم هذه المؤشرات وقائع مرتبطة بنمو التعاون العسكري، السياسي والاقتصادي الذي يشمل إجراء مناورات عسكرية مشتركة ومفاوضات مستمرة لضم مصر إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الذي ترعاه موسكو[37].

 

ثالثًا: العودة الجيوسياسية، خيار لا بديل منه

تمكنت روسيا من التأثير بشكل حاسم في الأزمة السورية عبر عكس مسار الأحداث وترسيخ وجودها العسكري في المنطقة. كما شكلت حملتها العسكرية في سوريا عرضًا للقوة العسكرية المكتسبة في السنوات السابقة، بما يوجه رسائل بالجملة وفي جميع الاتجاهات التي يعنيها الأمر. ومن بين هذه الرسائل، أظهر القادة الروس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنهم مستعدون للوفاء بالتزاماتهم كحليفٍ موثوق وتولي دور دبلوماسي رائد في المفاوضات اللاحقة. وأضاف التدخل الروسي المتزايد في الجغرافيا السياسية للمنطقة بُعدًا جغرافيًا جديدًا إلى العلاقات الأمنية بين روسيا والدول الغربية. ومع استمرار كون أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابق المضمارَين الرئيسَين لتفاعل العلاقات الروسية الغربية، حدث تفاعل كبير مستجد، بعد غياب نسبي، في شمال أفريقيا أيضًا[38].

خلق السياق الحالي للنزاعات المتشعبة في الشرق الأوسط حاجة منطقية لوجودٍ عسكري روسي وأميركي متزامن يؤمّن نوعًا من الاحتواء المتبادل. ولكن الوضع الحالي لا يستبعد إمكان حصول حوادث أو استفزازات قد ينتج عنها استخدام غير محسوب للقوة، بما ينتج مفاعيل متسارعة وخارج أي ضوابط. وترتبط التحديات الرئيسة التي تواجه روسيا في المستقبل القريب والمتوسط بكيفية تحويل المكاسب التي حققتها في سوريا إلى تأثير سياسي ثابت ومستدام في المنطقة الأوسع. فبمجرد انتهاء القتال، من المتوقع أن تجد موسكو صعوبة في الحفاظ على مستوى تأثيرها الحالي في المنطقة، وبخاصةٍ في حال عدم مبادرتها بالحد الأدنى، إلى استكمال عناصر القوة الوطنية عبر القوة الدبلوماسية، المعلومات، القوة العسكرية والوسائل الاقتصادية (Diplomatic, Informational, Military & Economic)[39]. ويتطلب الحفاظ على صورة القوة العظمى في الشرق الأوسط من روسيا أن تستثمر دبلوماسيًا وماليًا في حل الأزمات. لذلك فهي ستحتاج إلى وضع مسار طويل الأمد للمنطقة، على أن يكون مختلفًا عن الاستراتيجية الحالية المعتمدة والتي يغلب عليها توصيف قصيرة المدى والتي كانت معظم عملياتها رجعية، أتت كردات فعل على أحداث سبقتها[40].

يرجح أن تقوم موسكو، في السنوات القليلة المقبلة، بإعادة ضبط موقعها العسكري في المنطقة الأوسع، لتثبيت وحماية المكاسب التي حققتها في سوريا. تتمثل أهم المكاسب بإنشاء قواعد عسكرية دائمة في سوريا، الأمر الذي يتيح لها التغلب على أوجه القصور في التجربة السوفياتية في البحر الأبيض المتوسط عندما كان على السفن الحربية في بعض الأحيان استخدام خطوط إمداد مخصصة للتزود بالوقود وإعادة تخزين الطعام والمياه. وقد تستخدم روسيا هذه السفن الحربية للعمليات في المحيطَين الأطلسي والهندي، إذا ظهرت مثل هذه الحاجة، مع العلم أنه ليس لديها القدرة أو الطموح لمنافسة الهيمنة البحرية الأميركية حول العالم[41]. وتسعى روسيا لتوسيع نطاق تأثيرها في المنطقة من خلال التمدد بطريقةٍ أو بأخرى في شمال أفريقيا والضفة الأفريقية للبحر الأحمر حيث أرسلت سفنها الحربية إلى هناك في العام 2013، لإجراء تدريبات عسكرية وكذلك لإظهار القوة[42].

 

يروّج بوتين باستمرارٍ لصورة روسيا كداعمٍ للقانون الدولي الذي يعارض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لدولٍ ثالثة. وعلى الرغم من تزامن العمل العسكري للعديد من الدول في الداخل السوري، إلا أن روسيا وحدها امتلكت «تفويضًا قانونيًا» للتدخل بعد تلقّي دعوة من الحكومة السورية. وقد تدخلت روسيا فعلًا في حرب بالوكالة مستمرة بين إيران والمملكة العربية السعودية، قطبَي الصراع الإقليمي، وحلفائهما الإقليميين والدوليين. ومن الواضح أن انتصار المعسكر الذي تدعمه يساعد على توطيد نفوذها في المنطقة التي تحتوي على معظم الاحتياطيات العالمية من النفط. وبالتالي ستتمكن من توسيع نفوذها وتكبير دورها في منطقة مدرجة تقليديًا ضمن نطاق نفوذ الولايات المتحدة. ويشير هذا الأمر إلى حيوية روسيا في الاستثمار والانخراط في جميع الشؤون الدولية وعدم اقتصار الدور على محيطها القريب[43].

لم تهمل موسكو الأداة الدبلوماسية في أثناء انخراطها في صراعات المنطقة. فهي حجزت لها، منذ البداية، مقعدًا على طاولة التفاوض، وأدت غالبًا دور ضابط الإيقاع في معظم المسارات التي تدرجت من جنيف 1 في حزيران 2012، مرورًا بديناميات مجلس الأمن الدولي الذي أصدر القرار 2118 في 27 أيلول 2013 والذي طالب بتدمير المخزون الكيميائي السوري أو إزالته خلال النصف الأول للعام 2014. كما دعا إلى عقد مؤتمر دولي حول سوريا، في أقرب وقت ممكن، لتنفيذ مقررات بيان جنيف، ومشاركة جميع الأطراف السورية بجديةٍ وإيجابية والالتزام بـتحقيق الاستقرار والمصالحة[44]. كذلك شاركت موسكو في الجولة الثانية من مفاوضات جنيف في 22 كانون الثاني 2014، والتي لم تفضِ إلى أي نتائج جديدة، بسبب الاختلاف على أولويات التفاوض بين المتخاصمين. ولاحقًا شاركت مع مجموعة العمل الدولية الخاصة بسوريا، في فيينا برئاسة الولايات المتحدة وروسيا ما بين نهاية تشرين الأول ومنتصف تشرين الثاني في العام 2015، في محاولة «لضمان انتقال سياسي بقيادةٍ ومشاركة سوريَتين على أساس بيان جنيف بالكامل»[45]. على أثرها صدر اتفاق فيينا الذي نص على أن توصل المفاوضات بين الأطراف السورية المتصارعة إلى تشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، تضع جدولًا زمنيًا لصياغة دستور جديد، إضافة إلى إجراء انتخابات حرة وعادلة بإشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهرًا من انتهاء المؤتمر. وبتاريخ 18/12/2015، صدر بالإجماع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، ما حوّل اتفاق فيينا إلى قرار أممي. وتلاحقت المؤتمرات وجولات المفاوضات في جنيف حتى شهر آذار 2017، لكنها فشلت أيضًا بسبب رفض وفد الحكومة السورية مناقشة سلة الحكم والانتقال السياسي.

دعت روسيا وتركيا وإيران إلى جلسات تفاوضية في العاصمة الكازاخية أستانة، بالتزامن مع سيطرة الجيش السوري على مدينة حلب نهاية العام 2016. وقد عقد العديد من جولات المفاوضات، التي نتجت عنها اتفاقات خفض التصعيد في مناطق سيطرة المعارضة السورية، بظل استمرار الخروقات للاتفاقات من الجانبَين اللذين كانا يتبادلان التهم حول الموضوع. علاوة على ذلك، حاولت موسكو تجنب الانجرار بشكلٍ دائم إلى مستنقع في الشرق الأوسط، من خلال تحديد استراتيجية للخروج توصل إلى تفاهم أساسي مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وكذلك مع القسم البراغماتي من المعارضة المسلحة[46]. ومنذ العام 2017 تقاطع مسار أستانة مع مسار مؤتمرات مدينة سوشي الروسية، بمشاركة روسيا، تركيا وإيران قبل ترسخ شبه ستاتيكو جغرافي محكوم بالوجود والدعم الأميركيَين شرق الفرات، حيث تسيطر وحدات الحماية الكردية، على الرغم من معارضة تركيا والحكومة المركزية. وتفاهمت روسيا مع تركيا التي أخذت على عاتقها التعامل مع هيئة تحرير الشام وبسطت سيطرتها على شريط حدودي، داخل الأراضي السورية، بواسطة عملية عسكرية أطلقت عليها اسم غصن الزيتون، على الرغم من التحفظات الروسية والإيرانية على هذه الخطوة[47]. وتعمل روسيا على تصفية ملف القضية السورية على المستوى السياسي بمحاولةٍ لقطف ثمار نصرها العسكري سياسيًا، من خلال توصّل السوريين لاتفاق سلام تتم من خلاله إعادة تعويم النظام السوري سياسيًا بمشاركة معارضة سورية توافق عليها موسكو. كما تقوم بدور ضابط الإيقاع على الأرض حيث دعمت الجيش السوري باستعادة المبادرة، كما تسيطر على الأجواء السورية وتغض الطرف عن الهجمات الجوية الإسرائيلية على القوات الإيرانية وحلفائها وعلى منشآت تطوير الأسلحة السورية التي من الممكن أن تخدم برنامج المحور الإيراني في المنطقة وتصنيعها، بما يضمن لها الدور الأجنبي الريادي في سوريا على حساب بقية الحلفاء الإقليميين[48]، وبخاصةٍ بعد التجديد للرئيس الأسد في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرًا.

 

الاستثمار الاقتصادي: الآفاق الممكنة

لم يؤد التدخل الروسي في سياق الأزمة السورية إلى تدهور تراجيدي في العلاقات بين روسيا ودول الخليج على الرغم من التوقعات التي رافقت هذا التدخل. وعلى العكس من ذلك وسعت روسيا بالفعل نطاق جدول أعمالها الثنائي مع الدول العربية منذ العام 2015. خلال الأعوام الأخيرة، قام جميع القادة العرب تقريبًا من الخليج بزيارةٍ واحدة على الأقل إلى موسكو، حيث وعدوا باستثماراتٍ كبيرة في الاقتصاد الروسي وبالمشاركة في مشاريع الطاقة الروسية، كما فعّلوا الاتصالات في السياق المزدوج للصراع السوري وانكماش أسعار النفط[49]. وقد استفادت التجارة الثنائية بينهما من هذا الزخم الجديد، على الرغم من الروابط الجغرافية الضعيفة وعدم التوافق النسبي لاقتصادات الجانبَين، الموجهة بشكلٍ رئيس نحو صادرات الطاقة. وفي الشرق الأوسط، اجتذبت دول مجلس التعاون الخليجي اهتمام روسيا بشكلٍ خاص، كذلك أقلقها تطور استكشاف النفط في شرق المتوسط واستخراجه، حيث عملت من فوق وتحت الطاولة على حجز مقعد لها ضمن هذا الإطار. ومع ذلك، كان على موسكو أن تتغلب على سلسلة من التحديات: فقد كان عليها أن تطور نهجًا تجاريًا في محيط معادٍ حيث تقع معظم مناطق الاهتمام ضمن مجالات نفوذ الولايات المتحدة المهيمنة على الاقتصادات الخليجية[50]. وفي الشرق الأوسط، حيث كانت قد بنت سياساتها السابقة حول محاور محددة مثل مصر وسوريا والعراق وإيران واليمن، اكتشفت عدم كفاءة هذه المقاربة، وعززت حضورها الفعلي في المنطقة، وذلك ضمن قدراتها المتواضعة قياسًا إلى قدرات الولايات المتحدة، بالتوازي مع تعزيز معرفتها بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي[51].

لا يمكن فصل التدخل الأجنبي في سوريا عن المصالح النفطية حيث يدفع المدنيون السوريون، من طرفَي النزاع، ثمن منافسة جيوسياسية ضيقة للسيطرة على نفط الشرق الأوسط وخطوط أنابيب الغاز. وقد صرح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في معرض الكلام عن انسحاب أو إعادة انتشار القوات الأميركية في سوريا، «سنحتفظ بالنفط، تذكروا هذا الأمر...»[52]. ويظهر هذا الأمر النوايا الحقيقية وراء إبقاء القوات الأميركية هناك، بغض النظر عن بقية الأسباب المعلنة. وتتقاطع بعض المراجع إلى كون القرار الأميركي بتنظيم حملة ضد الرئيس الأسد لم يبدأ بالاحتجاجات السلمية للربيع العربي في العام 2011، ولكن في العام 2009، عندما عرضت قطر بناء خط أنابيب عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا بكلفةٍ إجمالية قدرها عشر مليارات دولار. كما ادعى وزير الخارجية الفرنسي السابق رولان دوماس قبل ذلك أن الإنكليز كانوا يستعدون للحرب في سوريا قبل عامَين من المظاهرات في العام 2011 [53]. وتشير هذه الوقائع إلى أن نظرية حرب النفط في سوريا مبنية على جزء من الحقيقة، لكنها شوّهتها وحوّلتها إلى صراع متعدد الأبعاد. وعندما اقترحت قطر فعليًا بناء خط أنابيب الغاز المذكور أعلاه من أجل نقل الغاز من حقول منطقة الخليج الشمالية إلى أوروبا، رفضت دمشق المشروع القطري. وفي العام 2011 وقّعت اتفاقية مع طهران لبناء خط أنابيب غاز يربط إيران بسوريا عبر العراق. ومن المرجح أن رفض الرئيس السوري للعرض القطري كان مرتبطًا بحماية مصالح حليفته روسيا، أكبر مورد للغاز في أوروبا[54]. وتعد جميع الأطراف الخارجية في الصراع السوري، أي إيران وروسيا وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والولايات المتحدة، قوى ذات موارد طاقة كبيرة، أو لديها مصالح استراتيجية مرتبطة بموارد الطاقة ومساراتها، حيث تحتل الأراضي السورية موقعًا استراتيجيًا يصعب اكتنافه، لنقل الغاز من الدول العربية أو إيران إلى أوروبا[55].

تقلصت الحصة الروسية من صادرات الأسلحة على الصعيد العالمي حيث انخفضت خلال العقد الماضي من 27% إلى 21%، بينما زادت حصة الولايات المتحدة من 30% إلى 36%[56]. ولعكس هذا الانخفاض، تركز روسيا على الشرق الأوسط، ثاني أكبر سوق للأسلحة في العالم وأسرعها نموًا، كوسيلةٍ لتعزيز صادراتها. ويُتوقع أن ينمو الطلب على الأسلحة فقط في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مدفوعًا بالصراعات والحروب الجارية، الوضع الأمني الهش، والتهديدات المستمرة بالمواجهات العسكرية بين العديد من الجهات الدولية أو الأطراف المتصارعة ومن بينها المجموعات المسلحة غير النظامية. والواقع أن الشرق الأوسط، باعتباره سوق الأسلحة الأكثر جاذبية والأكثر ربحًا، يجذب جميع مصدّري الأسلحة الرئيسيين الذين يتنافسون على استثمار الفرص الناتجة عن الصراعات الدائمة في هذه المنطقة. في الوقت الحاضر، تستورد دول الشرق الأوسط 10٪ من أسلحتها من روسيا فقط، بينما تأتي 54٪ من هذه الأسلحة من الولايات المتحدة الأميركية و9٪ من فرنسا. لذلك، يعد وجود روسيا في السوق محدودًا للغاية، على الرغم من نموه المرتقب بفضل التواصل المستمر للكرملين مع مستوردي الأسلحة الإقليميين[57].

 

الحاصل الإجمالي: نجاح، خيبة أو براغماتية؟

استفاد الطيران الروسي، في أثناء دعم القوات المهاجمة للجيش السوري، من خبراته المكتسبة خلال حصار غروزني في الحرب الشيشانية الثانية. كذلك استفاد الروس من التجربة التي خاضتها روسيا في القرم حيث تعلمت أن قوة صغيرة مرنة يمكن أن تحقق نتائج مهمة على الأرض عندما يتم دمجها بذكاءٍ مع متعاونين محليين. وشكل وجود القوات المحلية الموالية للرئيس الأسد وقدرتها على الصمود على الأرض التي تخلى عنها المتمردون، العنصر المهم في نجاح المشروع الروسي في سوريا. كما أقامت روسيا تعاونًا وخلقت علاقات مباشرة مع عناصر وقيادات المخابرات وأمراء الحرب ورجال الأعمال المؤثرين وبالتالي خلقت لوبيًا فاعلًا مواليًا لها داخل سوريا.

تتشارك روسيا الأرض في سوريا مع عدد لا يستهان به من اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين تتعارض مصالحهم مع مصالحها. فمن جهة، أرادت كل من تركيا ودول الخليج العربي، الإطاحة بالرئيس الأسد ودعموا بقوةٍ الميليشيات المعارضة ضد النظام. كما أراد العدو الإسرائيلي استغلال الوضع الناشئ في سوريا، لكسر المحور الذي يجري العمل عليه لربط طهران ببيروت، عبر بغداد ودمشق، حيث استشرفت فرصة لتعطيله وللتخفيف من التهديد على حدودها الشمالية. ويؤدي الكيان الإسرائيلي لعبة حافة الهاوية في سوريا، بموافقةٍ أو غض نظر ضمنيَين من روسيا التي اشترطت، في ما يبدو، ألا تؤدي الضربات الجوية إلى تعريض استقرار النظام السوري للخطر. ويستمر الصراع الإسرائيلي الإيراني على الأراضي السورية، تحت أنظار الروس الذين يخشون الاصطدام الإسرائيلي السوري المباشر والواسع بما يضع مصالحها ومصالح العدو الإسرائيلي في خندقَين متقابلَين.

أحدث التدخل العسكري الروسي تدهورًا خطيرًا في العلاقات مع أنقرة، على الرغم من تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة التي توّجت بتوقيع اتفاقية السيل الجنوبي في العام 2019. وبعد فترات من المد والجزر، أنشأت موسكو وأنقرة آلية مشتركة تراعي المصالح الحيوية لكل من الطرفَين. كما اعترفت روسيا بمخاوف أنقرة الأمنية في شمال وشمال شرق سوريا من الوجود الكردي هناك. من جهة أخرى، اقتربت أنقرة من التحالف الروسي الإيراني في سوريا، داعمة وحدة أراضي سوريا وخفضت من مواقفها المناهضة للنظام السوري. فالعمليات التركية في شمال سوريا لم يكن من الممكن أن تتم من دون موافقة أو غض نظر روسيَين. كما تتشارك أنقرة مع موسكو الجهود التي منعت محصلتها قوات الجيش السوري من السيطرة الكاملة على محافظة إدلب، حيث تمثل قوات المعارضة السورية المتبقية آخر ورقة تركية رابحة لتأدية دور في سوريا الجديدة بعد نهاية الحرب.

عارضت دول الخليج التدخل الروسي في سوريا، لكن الاصطدام الدبلوماسي في العديد من المحطات لم يتطور إلى الاحتكاك العسكري المباشر مع موسكو. وبقيت هذه الدول ممانعة لفتح مجالات التعاون الاقتصادي مع موسكو على مصراعيها، متوغلة في تطوير هذه العلاقات، عبر التزامات وتوافقات جديدة مع واشنطن، بعكس رغبة موسكو وجهودها المتواصلة لتوسيع أفق التعاون، من دون الخضوع لشروط المغريات الخليجية التي عرضت عليها. ويبطن موقف روسيا ذات الصلة خوفًا من التأثير السلبي الحتمي لمتطلبات دول الخليج في المدى البعيد، بعد فتح طرق الطاقة الخليجية المرشحة للعبور إلى أوروبا، عبر سوريا.

 

تتميز علاقة روسيا وإيران في سوريا بقدرٍ كبير من التعقيد، حيث يحسب الطرفان خطواتهما بدقةٍ. وتشكل علاقاتهما المشتركة مع النظام السوري تفاعلًا معقدًا بين الأهداف النسبية لكل منهما وتوازن القوى في ما بينهما ومع الخصوم، الأمر الذي يتطور مع تغير الوضع على الأرض. يحد هذا الترابط الهش من فعالية تحالف المثلث، لكنه يجعله مرنًا ضد الضغوط الغربية. وعلى الرغم من مصلحة روسيا وإيران المشتركة في بقاء النظام الحالي، لكنهما تختلفان على مدى نفوذ كل منهما لدى الأخير. كما تختلف مصالحهما في مسعى إيران للحفاظ على المحور الجغرافي الممتد من طهران إلى بيروت. وتتشارك روسيا مع الكيان الإسرائيلي نوعًا من المصلحة والتفاهم حول الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وبالتالي في لبنان، ما يفسر سلبيتها مقابل حرية الحركة للطيران الإسرائيلي وهجماته المتكررة في سوريا، تحت مظلة الدفاع الجوي الروسية. لكن روسيا تقيم مع إيران تعاونًا مفيدًا للطرفَين خارج سوريا، في القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان. وبالتالي تكمن مصلحة الروس في الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتهم مع إيران من دون الانحياز إلى أي من الخصومات الإقليمية السعودية الإيرانية أو الإسرائيلية الإيرانية. ويبقي الروس أعينهم على مصلحة إيران في فتح الطريق أمام غازها إلى أوروبا، بعد تسوية الخلافات الحالية مع الأخيرة. كما يخشون أن تؤدي عملية إعادة الإعمار في سوريا إلى زيادة نفوذ دول الخليج العربي في البلاد على حساب المصالح الروسية، حيث يرون في الوجود الإيراني ثقلًا موازنًا جادًا لهذا النفوذ.

يظهر المثلث الروسي التركي الإيراني، من جهة أخرى، نوعًا جديدًا من الشراكة حيث لا توافق في تحقيق هدف مشترك. مع ذلك، يدرك كل طرف أن الطرفَين الآخرَين يجعلان أهدافه الخاصة ممكنة التحقيق. وتستخدم روسيا في سوريا نوعًا من دبلوماسية متشعبة، ترتكز على الشراكات المباشرة مع مختلف الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، المحلية، الإقليمية والدولية، من دون التشكيك في أيديولوجية هؤلاء الفاعلين أو وجهات نظرهم أو سياساتهم، طالما أنها لا تتعارض مع المصالح الروسية. أتاح هذا النوع الجديد من التعددية لروسيا، النجاح على الأرض السورية وتطوير علاقات وثيقة مع مصر. كما أتاح لها التفاهم مع الولايات المتحدة، لإبقاء نفط شرق الفرات خارج نطاق السيطرة السورية، بما يتعارض مع مصلحة كل من سوريا وتركيا ويثبت، في المديَين القصير والمتوسط على الأقل، الواقع الحالي لعدم إمكانية أي تكامل لنفط وغاز الخليج، عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا، الأمر الذي يحفظ الاحتكارات الروسية لسوق الغاز الأوروبي.

يمثل لبنان أضعف الحلقات في المنطقة. وعلى الرغم من محاولات موسكو المتعددة لاستمالته إلى جانبها، أو تقريبه إليها بالحد الأدنى، عبر فتح الاعتمادات لتأمين التسليح، أو عرض تقديم المساعدات العسكرية إليه، أو الاستثمارات الروسية في البنى التحتية وبخاصةٍ بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام 2020. اصطدمت جهودها بعدم وجود قرار سياسي لبناني بقبول العروض المغرية الروسية، خوفًا من ردات الفعل الغربية التي قد تتجاوز مفاعيلها حسنات التقارب مع روسيا. كما تعثرت جهود موسكو بالتقرب مع بيروت، التي تحتفظ معها بعلاقات مودة وعلاقات دبلوماسية منتظمة، بعدم رغبة موسكو بالاصطدام مع الولايات المتحدة في لبنان. ويعود هذا التردد أيضًا إلى عدم قدرة موسكو على ضخ الاستثمارات الكفيلة بدفع لبنان ذي الاقتصاد المنهار للانحياز إلى جانبها. لكن هذا لم يمنع موسكو من الانخراط، عبر الشركات الروسية، في عمليات استكشاف احتياطات الغاز والطاقة الواعدة في لبنان واستثمارها، عبر عقود تشغيل مصفاة طرابلس واستثمارها، وعمليات التنقيب عن الغاز في البلوك الرقم أربعة في البحر اللبناني.

لا تسهّل كل هذه التعقيدات مهمة أو طموحات روسيا في الشرق الأوسط، فكل استحقاق أو حل لمعضلة، مهما كانت، ينشئ استحقاقًا أو مشكلة جديدة. وكل إجابة على سؤال مطروح في قضايا المنطقة، يفتح أبوابًا متعددة لأسئلةٍ أكثر صعوبة. على سبيل المثال، تصطدم محاولات روسيا المتعددة لإطلاق ديناميات العودة للاجئين السوريين، بتحفظات دمشق على هويات العائدين، مع تحفظات غربية حول التنازل عن ورقة ضاغطة على النظام السوري، في حلبة الساحة الدولية، على الرغم من الأعباء والمخاطر التي يشكلها هؤلاء في أوروبا. كذلك تصطدم هذه المحاولات بعدم القدرة على تمويل العودة من موسكو وعدم استعداد الغرب ودول الخليج للانخراط في رؤيتها حول توازي العودة مع التمويل، المعاد تحويل معظمه من مساعدات اللاجئين في مكان وجودهم ومن مصاريف العمليات العسكرية، الأمر الذي يحقق حصوله لموسكو العديد من الفوائد لجهة تحقيق الاستقرار للنظام وتثبيت وجودها بالحد الأدنى من التكاليف. لكن هذا الاستقرار مرتبط أيضًا بتحقيق مصالح الغرب الذي يُبقي أعينه مفتوحة على غاز شرق المتوسط الذي يقلق تطويره وإطلاق إنتاجه بالطاقة القصوى موسكو.

 

الخاتمة

في المحصلة، زجت روسيا بكامل قدراتها العسكرية والدبلوماسية في الخارج لدعم مطالبتها بمكانة القوة العظمى. وهي تواصل استخدام قواتها العسكرية بحكمةٍ، من خلال الاقتصاد وتركيز القوة حيث يلزم. وتسترشد روسيا بنهجٍ سياسي براغماتي واقعي للعلاقات الدولية، يعمل بشكلٍ مناسب لها في الشرق الأوسط، الأمر الذي حقق لها ممارسة ردع مقبول على الولايات المتحدة وعلى السياسات الغربية بشكلٍ عام، مع ممارسة ضبط النفس الخاص بها. وفي الوقت الذي لم ترحم فيه خصومها في ساحة المعركة، واجهت الكثير من الصعوبات في إدارة حلفائها أو شركائها المفترضين. لكنها تمكنت من اللعب على التناقضات المعقدة في الشرق الأوسط.

يطرح التوازن الراهن تساؤلات حول قدرة روسيا على المحافظة عليه أو حتى تحمّل فاتورة استدامته على المدى الطويل. فروسيا ليست القوة المهيمنة في المنطقة وليست القوة التي لا شريك لها فيها. وفي حال ارتفاع مستوى التوتر ووصول الأمر إلى حالة حرب مباشرة بين الكيان الإسرائيلي وإيران، فمن المرجح أن تضطر روسيا إلى التنحي أو النأي بالنفس، مقابل كلفة باهظة على علاقاتها مع الجانبَين. وتتلخص القواعد الحالية بعدم منع روسيا للعدو الإسرائيلي من توجيه ضربات موضعية إلى إيران وحلفائها في سوريا، لكنها لن تسمح لهم بالسيطرة الجوية في السماء السورية، أو بضرب مراكز أو منشآت تهدد النظام. كذلك تتفهم روسيا أي رد فعل يقوم به الإيرانيون أو حلفاؤهم. لكنها تعرف أن الجهتَين لن تبادرا إلى أعمال من شأنها تهديد مصالح النظام الاستراتيجية. فالمهم، أن روسيا لن تمنع الكيان الإسرائيلي من الهجوم، ولن تقدر على منع إيران وحلفائها من الرد. ولذلك، يمكن فهم خلفية جهود موسكو الحالية التي تهدف للمحافظة على حالة الردع المتبادل بين الأطراف المتنازعة، بما يوفر عليها فاتورة الانسحاب أو النأي بالنفس التي قد تُفقدها الوضع الذي تنشده كقوةٍ عظمى.

تتفوق روسيا على وزنها الاسمي، إذا ما قيس الموضوع بقدراتها الاقتصادية أو وزنها السياسي لجهة محدودية تأثيرها في الساحة العالمية من النواحي كافة قياسًا على قدرات خصومها أو شركائها الدوليين. لكنها تعوض عن هذا النقص بالنشاط الدبلوماسي والنجاحات العسكرية الميدانية، فضلًا عن موقعها القوي في سوقَي النفط والغاز. كذلك، فإن قدراتها الإعلامية متواضعة مقارنة مع قدرات الدول الغربية، من حيث القدرات التقنية، الانتشار والقدرة في التأثير، وبالتالي فهي غير قادرة فعليًا على منافسة حرب المعلومات الغربية التي تنشر عنها نظرة سلبية للغاية لسياساتها في العالم وفي الشرق الأوسط بشكلٍ خاص. كذلك، أدت المقاربات الجزئية والموضعية أو الواقعية والبراغماتية، التي ميزت التعامل الروسي مع قضايا المنطقة (معايير مزدوجة، تعاون متوازٍ مع الأعداء...)، إلى إعاقة تطوير نهج استراتيجي أكثر ثباتًا وإقدامًا تجاه دول الشرق الأوسط. سيتطلب مثل هذا النهج تطوير رؤية طويلة المدى لأهمية المنطقة ودورها في السياسة الخارجية العالمية لروسيا في المستقبل، وصولًا إلى تطوير مجموعة من الاستراتيجيات الفرعية تجاه دول المنطقة، ومواءمة هذه بشكلٍ أكثر وضوحًا وقابلية للتعايش مع تناقضات المنطقة.

لا يعني الواقع الحالي أن الدعم الروسي للرئيس السوري أمر مفروغ منه. فقد يتغير هذا الموقف إذا اعتبرت موسكو أن مصالحها في سوريا يمكن أن تتحقق من خلال تكوين سياسي مختلف في حقبة ما بعد الرئيس الأسد. لكن إذا تراجعت موسكو عن دعمها، فلن يعني ذلك بالضرورة انهيار النظام، بالنظر إلى أن العديد من القوى الإقليمية، ستستمر في دعمه. وتدرك موسكو أن تدخّلها العسكري الطويل الأمد في سوريا من شأنه أن يقوّض علاقاتها مع جميع الدول الفاعلة في المنطقة وسيؤدي إلى إلحاق ضرر جسيم بمصالحها على المديَين المتوسط والطويل. يطرح هذا الأمر عدة تساؤلات منها: ما هو الشكل النهائي للتسوية التي سترسو عليها المنطقة؟ ما هي حصة روسيا من ثمنها؟ كذلك، ما هي قدرة موسكو على دفع الثمن أو على التكيف مع الواقع النهائي؟

 

قائمة المراجع

 

الوثائق.

قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2118، سنة 2013.

قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، سنة 2015.

 

Periodicals, studies and articles

a- Keep (John), The Origins of Russian Militarism, Cahier du monde Russe et Soviétique, Ecole des Hautes Etudes en Sciences Sociales, Paris, Janvier-Mars, 1985.

b- Kozhanov (Nikolay), Russian Policy Across the Middle East Motivations and Methods, Chatham House, Russia and Eurasia Programme, London, UK, February 2018.

c- Kumar Rahul (Abhishek), Russian Strategic Culture, International Journal of Current Research, Vol 8, Issue 03, France, March, 2016.

d- Mühlberger (Wolfgang), Astana’s Syria Conference: Musical chairs on Moscow’s terms, The Finnish Institute of International Affairs, February 2017.

e- Starr (Frederic) and Cornell (Svante E.), Putin’s Grand Strategy: The Eurasian Union and its Discontents, Central Asia – Caucasus Institute, Silk Road Studies Program, Washington DC, 2014.

f- Trinin (Dmitri), What drives Russia’s policy in the Middle East?, Russia’s return to the Middle East, Building sand castles, Chaillot Paper, European Union Institute for Security Studies, Paris, France, Number 146, July 2018.

 

Websites.

a-  https://www.albayan.ae.

b-  https://www.almodon.com.

c-  https://www.usnews.com/news/best-countries/power-rankings

d-  https://arabic.rt.com.

e-  https://ahvalnews.com.

f-  https://www.al-monitor.com.

g-  https://www.arabnews.com.

h-  https://www.bbc.com.

i-  https://www.businessinsider.de.

j-  https://carnegieendowment.org.

k-  https://www.ecowatch.com.

l-  http://en.kremlin.ru.

m-  https://www.europarl.europa.eu.

n-  https://foreignpolicy.com.

o-  https://www.hudson.org.

p-  http://www.iai.it.

q-  https://www.ibtimes.com.

r-  https://www.lecho.be.

s-  https://www.lorientlejour.com.

t-  https://www.mei.edu.

u-  https://nationalinterest.org.

v-  https://www.rand.org.

w-  https://www.researchgate.net.

x-  http://www.russiafoundation.org.

y-  https://www.skynewsarabia.com.

z-  https://www.thelightningpress.com/the-instruments-of-national-power.

aa- https://thenewturkey.org/what-does-russia-want-from-syria.

bb- http://valdaiclub.com/a/reports/.

cc- https://www.washingtoninstitute.org.

dd- https://www.whitehouse.gov.

ee- https://worldview.stratfor.com.

ff- http://www.znn-lb.com/?p=316419.

 

 

 

[1]- Becca Wasser, The limits of Russian strategy in the Middle East, Rand, November 2019, page 5, available from: https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/perspectives/PE300/PE340/RAND_PE340.pdf

[2]- Margot Light, Russia, Syria and the Return of Putin: Where Now for Russia’s Foreign Policy? The Russia Foundation, 30/7/2012, available at: http://www.russiafoundation.org/blog/blog/russia-syria-and-return-putin-

where-now-russia%E2%80%99s-foreign-policy

[3]- Muhammad Elahi, Heartland and Rimland Doctrines in CPEC Perspective: Strategic Interplay in 21st Century,10/12/2015, available from: https://www.researchgate.net/publication/311064162_Heartland_and_

.Rimland_Doctrines_in_CPEC_Perspective_Strategic_Interplay_in_21st_Century

[4]- Frederic Starr and Svante E. Cornell, Putin’s grand strategy: The Eurasian Union and its discontents, Central

.Asia – Caucasus Institute, Silk Road Studies Program, John Hopkins University, Washington, 2014, p.p. 5-13

[5]- (Laszlo Poti, Russian politics toward the MENA Region, Institute for Foreign Affairs and Trade (KKI

.Budapest 2018, available from: http://www.iai.it/sites/default/files/menara_wp_9.pdf

[6]- .Russia, overview, Stratfor, available from: https://worldview.stratfor.com/region/eurasia/russia

[7]- John Keep, The Origins of Russian militarism, Cahier du monde Russe et Sovietique, Ecole des Hautes Etudes

.en Sciences Sociales, Janvier-Mars, Paris,1985, pp 7-8

[8]-    Abhishek Kumar Rahul, Russian Strategic Culture, International Journal of Current Research, Vol. 8, Issue 03

.France, March, 2016, pp.27858-27862

[9]-   Alexander Golts and Michael Kofman, Russia’s military: Assessment, strategy, and threat, Center on Global

.Interests, Washington DC, June 2016, page 8

[10]-       Andrey Movchan, Decline not collapse: The bleak prospects of the Russian economy, Carnegie Moscow

.Center, February 2017, available from: https://carnegieendowment.org/files/CP_Movchan_2017_web_Eng_2.pdf

[11]-     Ivan Timofeev & Elena Alekseenkova, Eurasia in Russian foreign policy: Interest opportunities and

.constraints, IFRI, Russia center, Paris, France, December 2015

[12]-  من آسيا إلى أوروبا: روسيا وافقت على طريق يغير خريطة العالم، موقع سكاي نيوز عربية، ،10/7/2019، متوافر من الموقع:

 https://www.skynewsarabia.com/world/1266678

 [13]-  علي عبدالله سيد، روسيا والبراغماتية، شبكة الزهراني الإخبارية، 21/5/2019 متوافر من الموقع

http://www.znn-lb.com/?p=316419

[14]-  أنا بورشفسكايا، روسيا في الشرق الأوسط: هل هناك مرحلة نهائية؟ معهد واشنطن، كانون الثاني 2019متوافر من الموقع:

 https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/russia-in-the-middle-east-is-there-an-endgame

[15]-  خضر حسان، الوزير أبي خليل يساعد روسيا بعقود غامضة... وسفيرها يرح ب، المدن، 29/1/2019، متوافر من الموقع:

 https://www.almodon.com/economy/2019/1/29

[16]-    أنا بورشفسكايا، مرجع سابق.

[17]-     /Power, available from: https://www.usnews.com/news/best-countries/power-rankings

[18]-     Walter Russel Mead & Sean Keely, The eight great powers of 2017, Hudson Institute, 24/1/2017, available

.from: https://www.hudson.org/research/13270-the-eight-great-powers-of-2017

[19]-  Statement by President Donald J. Trump on signing the “Countering America’s adversaries through sanctions act”, Foreign Policy, 2/8/2017, available from: https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/statement-president-donald-j-trump-signing-countering-americas-adversaries-sanctions-act

[20]-    .China : A new World Order (TV Serie), BBC, available from : https://www.bbc.co.uk/programmes/m0007zp0

[21]-    William Courtney & Donald Johnson, Russia’s great power future, The Rand Blog, 21/3/2016, available from: https://www.rand.org/blog/2016/03/russias-great-power-future.html

[22]-   موسكو: فقط الجيش السوري سينتشر على حدود الجولان والأولوية ضمان أمن الكيان الإسرائيلي، روسيا اليوم، 31/7/2018

 متوافر من الموقع: https://arabic.rt.com/world/960452-

[23]- Yuras Karmanau, Step inside Russia’s only naval base outside the former Soviet Union, Business Insider,26/9/2019, available from: https://www.businessinsider.de/base-in-syria-helps-russia-expand-presence-in-mediterranean-2019-9?r=US&IR=T

[24]-  Starodubtsev (Ivan), What does Russia want from Syria? 16/9/2019 .available from https://thenewturkey.org/what-does-russia-want-from-syria

[25]-  مرجع سابق، Starr (Frederic) & Cornell (Svante E) ص. 180-190.

[26]-   Ilan Goldenberg & Julie Smith, US – Russia Competition in the Middle East is back, Foreign Policy

7/3/2017, available from: https://foreignpolicy.com/2017/03/07/u-s-russia-competition-in-the-middle-east-is-back

[27]-  محمد خالد، أمريكا وروسيا «عدو قديم» يتحدى عودة الإمبراطورية، جريدة البيان، 9/1/2020، القاهرة متوافر من الموقع:

https://www.albayan.ae/one-world/political-issues/2019-02-26-1.3497919

[28]-  بوتين ونتانياهو يسعيان لنزع فتيل التوتر حول سقوط الطائرة الروسية في سوريا، 18/9/2018، متوافر من الموقع:

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-45558544

[29]- Russia’s national security strategy and military doctrine and their implications for the EU, European Parliament, Directorate-General For External Policies, available from: https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/IDAN/2017/578016/EXPO_IDA%282017%29578016_EN.pdf

[30]-   Francois Witvrow, L'Europe n'a jamais autant importé de gaz russe, 28/12/2018, available from: https://www.lecho.be/economie-politique/europe/general/l-europe-n-a-jamais-autant-importe-de-gaz-russe/10082878.html

[31]-    Short Term Energy Outlook, 7/12/2021, available from: Short-Term Energy Outlook - U.S. Energy Information

.(Administration (EIA

[32]-  Palash Ghosh, Why Is Turkey in NATO? available from: https://www.ibtimes.com/why-turkey-nato-704333

[33]-  موقع BBCعربي، متوافر من الموقع:

 https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/11/151124_russia_turkey_plane

[34]-  Dmitri Trinin, What drives Russia’s policy in the Middle East?, Russia’s return to the Middle East, Building sand castles, Chaillot Paper, European Union Institute for Security Studies, Paris, France, Number 146, July

.2018, p.p. 21-29

[35]-     Eugene Rumer, Russia in the Middle East: Jack of all trades, master of none, Carnegie Endowment for

:International Peace, 31/10/2019, available from
https://carnegieendowment.org/2019/10/31/russia-in-middle-east-jack-of-all-trades-masterof-none-pub-80233

[36]-     Dmitri Trinin، مرجع سابق.

[37]-     Mohamed Maher, How Russia challenges the United States’ investment in Egypt, The Washington Institute, 11/12/2018, available from: https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/how-russia-increasingly-challenges-the-united-states-investment-in-egypt.

[38]-Vasily Kuznetsov, Vitaly Naumkin, Irina Zvyagelskaya, Russia in the Middle East: The harmony of polyphony, The Foundation for Development and Support of the Valdai Discussion Club, Moscow, May 2018, p.p. 2-5, available from: http://valdaiclub.com/a/reports

[39]-     The Instruments of National Power, The Lightning Press, available from: https://www.thelightningpress.com/the-instruments-of-national-power

[40]-     Anton Mardasov, Russia re-examines relatiohip with Iran, 14/8/2017, available from: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/08/russia-relationship-iran-syria-military-situation-moscow.ht

[41]-     Micheal Peck, The Mediterranean: The Russian Navy’s new playground? (NATO Worried?), 2/10/2019, available from: https://nationalinterest.org/blog/buzz/mediterranean-russian-navy’s-new-playground-nato-worried-84966

[42]-     Meeting of the Valdai International Discussion Club, 27/10/2016, available from: http://en.kremlin.ru/events/president/news/53151

[43]-     Ghada Chehade, Evil Assad, evil Gaddafi, now evil Putin: How the West sells war (and makes a killing), Russia Insider, 21/2/2015, available from: https://russiainsider.com/en/opinion/evil-assad-evil-gaddafi-now-evil-putin-how-west-sells-war-andmakes-killing/ri3724

[44]- قرار مجلس الأمن الرقم 2118، سنة 2013، متوافر من الموقع: https://news.un.org/ar/tags/qrr-lmjls-rqm-2118.

[46]-     Wolfgang Mühlberger, Astana’s Syria Conference: Musical chairs on Moscow’s terms, The Finnish

.Institute of International Affairs, February 2017, pp 1-2

[47]-     Paul Iddon, Sochi talks highlight Russia’s upper hand in Syria, Ahval, 16/2/2019, available from:

 https://ahvalnews.com/sochi-agreement/sochi-talks-highlight-russias-upper-hand-syria

[48]-    Garrett Nada, Sarah Timreck, Lindsay Jodoin and Joud Monla-Hassan، مرجع سابق.

[49]-     Fadi Esber, Arab world’s relations with Russia will only grow stronger, Arab News, 8/5/2018, available from: https://www.arabnews.com/node/1299491

[50]-     Nikolay Kozhanov, Russian Policy Across the Middle East Motivations and Methods, Chatham House

.Russia and Eurasia Programme, London, UK, February 2018, p p 14-24

[51]-     Fuad Shahbazov, Lavrov’s Gulf trip highlights Russia’s growing regional role, Middle East Institute, 22/3/2019, available from : https://www.mei.edu/publications/lavrovs-gulf-trip-highlights-russias-growing-regional-role

[52]-     Syria war: Who benefits from its oil production? BBC News, 21/11/2019, available from: https://www.bbc.com/news/50464561

[53]-     Caroline Hayek, Quatre idées recues sur la guerre en Syrie, L’Orient- Le Jour, 15/3/2016, available from: https://www.lorientlejour.com/article/975508/quatre-idees-recues-sur-la-guerre-en-syrie.html

[54]-    المرجع السابق.

[55]-    :Robert F. Kennedy Jr, Syria: Another pipeline war, Ecowatch, 25/2/2016, available from

 https://www.ecowatch.com/syria-another-pipeline-war-1882180532.html, last accessed: 31/5/2020

[56]-    Alexey Khlebnikov, Russia looks to the Middle East to boost arms exports, Middle 2 East Institute, 2018, available from: https://www.mei.edu/publications/russia-looks-middleeast-boost-arms-exports

 [57]-    المرجع السابق.

The Russian return to the Middle East

 

After a long withdrawal, the Russian return to the Middle East showed great determination which manifested itself in the military and diplomatic intervention in the Syrian crisis. The Russian intention was to put in place a strategy that would launch its official return to the international arena with its partners, breaking the American unipolarity that had prevailed for some time.

The revival of the Russian relations with the related countries is based on two main factors: national security and the fight against US influence. Therefore, what’s the Russian strategy in the Middle East and what’s the extent of the Russian involvement in the region?

The Russian president seeks to reverse the outcome of the Cold War. He wants to rebuild Russia by creating a revised, more realistic version of the Soviet Union on new basis. The latter therefore believes that it is necessary to follow a strategic plan that leads to the replacement of American hegemony by multipolarity, in a manner more compatible with the trends of the new world. Restoring Russia's reputation as a constructive partner is one of the most important elements of this policy.

Russia's primary interest in the Eurasia region is to organize Russian resources and capabilities, and lead regional alliances, in an attempt to compensate for the link between Russia's limited economic and human resources with external factors which are not under Russian control. Preventing Eurasia from descending into chaos is also an unequivocal Russian interest. The third interest is to adopt a policy based on joint development. In this context, containing extremism is a Russian objective that Russian foreign policy is striving to consolidate.

The military intervention in Syria called into question the Russian military tool. Its decisive influence turned the tide of events and was also a demonstration of the acquired military power, sending messages “en masse” and in all relevant directions. The current context of divergent conflicts in the Middle East has created a logical need for a simultaneous Russian and US military presence that would provide some form of mutual containment. The pragmatic Russian approach allowed a delicate management of their relations with all the stakeholders in the region. However, the current situation does not exclude the possibility of accidents or provocations that could lead to the use of force, leading to accelerated and out of control effects.

Simultaneously, Russia has had to develop an economic approach in a "hostile environment" where most of the interests of the Gulf economies lie within the dominant spheres of influence of the United States.

Foreign intervention in Syria cannot be separated from oil interests, nor from interests linked to arms sales markets. The demand for weapons is only expected to increase across the Middle East, due to ongoing conflicts and wars. All these complications do not facilitate the Russian mission or ambitions in the region.

In short, Russia has deployed all its military and diplomatic capabilities abroad to support its claim to the status of a great power. It continues to use its military forces wisely, by economy and the concentration of forces if necessary. The Russians are guided by a pragmatic and realistic political approach to international relations that works appropriately for them in the Middle East, and that has enabled them to exercise an acceptable deterrence to the United States and Western policies in general. While showing restraint, the current balance raises questions about Russia's ability to maintain it or even sustain it at the long-term.

Moscow is aware that its long-term military intervention in Syria would undermine its relations with all active states in the region and seriously harm its medium and long-term interests. This raises several questions, including: What will be the final form of the settlement in the region? What is Russia's share of its price? And will Moscow's be able to pay it or adapt to the ultimate situation?

Le retour russe au Moyen-Orient

 

Après un long retrait, le retour de la Russie au Moyen-Orient a montré une grande détermination qui s'est manifestée par l'intervention militaire et diplomatique dans la crise syrienne. L'intention russe était de mettre en place une stratégie qui lancerait son retour officiel sur la scène internationale avec ses partenaires, rompant l'unipolarité américaine qui prévalait depuis un certain temps.

La relance des relations russes avec les pays voisins repose sur deux facteurs principaux: la sécurité nationale et la lutte contre l'influence américaine. Par conséquent, quelle est la stratégie russe au Moyen-Orient et quelle est l'étendue de l'implication russe dans la région ?

Le président russe cherche à inverser l'issue de la guerre froide. Il veut reconstruire la Russie en créant une version révisée et plus réaliste de l'Union Soviétique sur de nouvelles bases. Ce dernier estime donc qu'il faut suivre un plan stratégique qui conduirait au remplacement de l'hégémonie américaine par la multipolarité, d'une manière plus compatible avec les tendances du nouveau monde. Restaurer la réputation de la Russie en tant que partenaire constructif est l'un des éléments les plus importants de cette politique.

L'intérêt principal de la Russie dans la région Eurasique est d'organiser ses ressources et ses capacités en dirigeant des alliances régionales, dans le but de compenser le lien entre les ressources économiques et humaines limitées de la Russie avec des facteurs externes dont elle n’est pas capable de controler. Empêcher l'Eurasie de sombrer dans le chaos est aussi un intérêt russe sans équivoque. Un troisième intérêt est d'adopter une politique fondée sur le développement mutuel. Dans ce contexte, contenir l'extrémisme est un objectif russe que la politique étrangère russe s'efforce de consolider.

L'intervention militaire en Syrie a remis en cause l'outil militaire russe. Son influence décisive renversa le cours des événements et fut aussi une démonstration de la puissance militaire acquise, envoyant des messages «en masse» et dans toutes les directions pertinentes. Le contexte actuel de conflits divergents au Moyen-Orient a créé un besoin logique d'une présence militaire russe et américaine simultanée qui fournirait une certaine forme d’endiguement mutuel. L’approche pragmatique russe lui a permis de gérer avec délicatesse les relations avec tous les acteurs de la région. Cependant, la situation actuelle n'exclut pas la possibilité d'accidents ou de provocations pouvant conduire à l'usage de la force, entraînant des effets accélérés et incontrôlables.

Simultanément, la Russie a dû développer une approche economique dans un «environnement hostile» où la plupart des intérêts des économies du Golfe se trouvent dans les sphères d'influence dominantes des États-Unis.

L'intervention étrangère en Syrie ne peut pas être séparée des intérêts pétroliers, ni des intérêts liés aux marchés de vente d'armes. La demande d'armes ne devrait qu'augmenter au Moyen-Orient, en raison des conflits et des guerres en cours. Toutes ces complications ne facilitent pas la mission ou les ambitions russes dans la région.

En somme, la Russie a déployé toutes ses capacités militaires et diplomatiques à l'étranger pour soutenir sa revendication du statut de grande puissance. Elle  continue à utiliser ses forces militaires à bon escient, par économie et concentration de forces si nécessaire. Les Russes sont guidés par une approche politique pragmatique et réaliste des relations internationales qui leur convient au Moyen-Orient et qui leur a permis d'exercer une dissuasion acceptable contre les États-Unis et les politiques occidentales en général. Tout en faisant preuve de retenue, l'équilibre actuel pose des questions sur la capacité de la Russie à le soutenir, voire à le maintenir sur le long terme.

Moscou est consciente que son intervention militaire à long terme en Syrie saperait ses relations avec tous les États actifs de la région et nuirait gravement à ses intérêts à moyen et long terme. Cela soulève plusieurs questions, notamment: Quelle sera la forme finale de la solution dans la région? Quelle est la part russe à payer du prix? Et Moscou sera-t-elle capable de le régler ou de s'adapter à la situation finale ?