العولمة: ما لها وما عليها

العولمة: ما لها وما عليها
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

بعيد انتهاء حرب الخليج عام 1991 ,اعلن الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش, قيام النــظام العالمي الجديد منهياً بذلك نظاماً ثنائي القطبية, وحقبه حرب باردة امتدت منذ نهاية الحرب العالمية عام 1945.
النظام العالمي الجديد هذا, احادي القطبية. بدأ عقده الثاني دون ان يحدث تغيرات اساسية في العالم. فبدلاً من الحروب التي كانت تجري في الهند الصينية والشرق الاوسط, اشتعلت حروب في البـلقان, على مقربة من قلب اوروبا, مما ادى الى فك عقد الشعوب في يوغوسلافيا. وتمرد فقراء اسيا على الاحتكار النووي, ففجرت كل من الهند والباكستان قنابلها النووية . كما ازداد الفقر في افريقيا, واشتدت القيود على انتقال الاشخاص الى اوروبا واميركا حتى اصبحت سمـة الدخول اليهما نعمة يحسد عليها من يحملها.
من ناحية اخرى تركت افغانستان في طي  النسيان  والاهمال, وبدأت  روسيا  تلتقط  انفاسها  بعد خروجها من صدمة التفكك. وتصاعدت اصوات الاستقلال في الاتحاد الاوروبي.
في هذه الاجواء برز مصطلح العولمة وتصاعدت تحدياتها, كل هذا في ظل هيمنة النظام العالمـي الجديد. لكن الشعوب لم تستسلم, بل راحت تتقي اخطار الهيمنة بالمحافظة على تراثها الوطـني وقيمـها الاجتماعية, في وقت شنت فيه الحضارة الغربية, هجوماً قاسياً عبر وسائـل الاتصال المتطورة من محطات تلفزة واقمار اصطناعية وانترنيت لترويج ثقافتها في العالم.
لقد نقلت تلك الوسائل مفاهيم وقيماً وأزياء وعادات اجتماعية غربية, ونظماً اقتصادية جديدة الى الشعوب الضعيفة في ظل منافسة غير متكافئة, تهدد بإلغاء الشخصية الوطنية لتلك الشعوب.
لكن الغاء الحضارات ليس بتلك السهولة.  فإذا كان البنطلون  الغربي  قد  انتصر  على السروال والقفطان الشرقيين, وان كانت وجبة الطعام السريعة قد غزت بطونهم... الا ان هناك قيماً عميقة الجذور ما تزال راسخة لدى الكثير من الشعوب, ويصعب الاخلال بها, وهناك مشاعر وطنية يستحيل الغاءوها او القضاء عليها.
ان الغزو الثقافي حاصل فعلاً, لكنه يجابه بقوة. واذا كانت العولمة واقع لا مفر منه, فالضرورة تحتم التعامل معها بوعي ومعرفة مع تغليب المصالح الوطنية على ما عداها. علينا معرفة ما للعولمة وما عليها, واكتشاف السبيل الذي يؤدي الى نبذ اضرارها ونهل فوائدها. كما ان سرعة متغيراتها تستدعي سرعة مقابلة في البحث عن سبل مواجهة شرها, ووسائل تلقي خيرها.
وفي هذا العدد ملف خاص عن هذا الموضوع. انها اوراق عمل في سبيل مواجهة صحيحة.