مواسم وخيرات

الـجوز: منجم من الفوائد الصحية والطبية
إعداد: د. حسين حمود
كلية الزراعة - الجامعة اللبنانية

 

ثمارًا وقشرًا وأوراقًا
الجوز مضاد قوي للأكسدة وهو غني بالأوميغا 3 المفيدة للخلايا وتقوية المناعة وتحسين المزاج. وبفضل احتوائه على الدهون الأحاديّة غير المشبعة، يساعد في رفع مستوى الكولستيرول الجيّد وخفض الكولستيرول السيئ، ويحمي من أمراض القلب والشرايين. هذه بعض فوائد ثمرة الجوز التي تقطف في الخريف، وتحتل مكانة مميزة بين أصناف «المونة» اللبنانية.

 

مميزات شجرة الجوز
تتميز شجرة الجوز عن غيرها من الأشجار كونها تتمتّع بالخصائص التي تجعل منها في الوقت نفسه شجرةً حرجيّة يستفاد من أخشابها، وشجرة مثمرة لثمارها فوائد عظيمة. قيمة شجرة الجوز كشجرة حرجيّة تنبع من طبيعة خشبها القاسي والثقيل والسهل الاشتعال، والذي يحتوي على عروق جميلة وملوّنة، تميّزه بالمتانة وبالقدرة على مقاومة الأمراض والحشرات الزراعية، ما يجعله مرغوبًا في صناعة الموبيليا والمفروشات والأبواب، وكوقود أيضًا. أما الجوز كشجرة مثمرة، فهو ذو أهميّة كبرى في الغذاء والدواء والصناعة. فثماره ذات قيمة غذائية عالية لما تحتويه من فيتامينات ومواد دهنيّة وبروتينيّة وأملاح معدنيّة، كذلك لقشر ثماره ولأوراقه فوائد واستعمالات طبّية مهمة.

 

القيمة الغذائية للجوز واستعمالاته الطبية
يصنّف الجوز بين النباتات الغنيّة بالمواد المغذّية، حيث تحتوي ثماره على المواد الآتي ذكرها: كربوهيدرات، نشاء، سكّر، ألياف غذائية، بروتيين، ماء، دهون مشبعة، دهون غير مشبعة وفيتامينات A-B1-B2-B3-B5-B6-B12-C-D-E-K. ومن المعادن والأملاح يحتوي الجوز على: الكالسيوم والحديد والمغنيزيوم والمنغنيز والفوسفور والبوتاسيوم والصوديوم والزنك. ويحتوي كل 100 غرام من الجوز على 15 غرامًا بروتين و65 غرامًا دهون و7 غرامات ألياف غذائية، ويتكوّن البروتيين الموجود في الجوز من الكثير من الأحماض الأمينية الضرورية لصحة الإنسان.
ولقد نشرت مجلة «Science daily» في عددها الصادر في 11 تشرين الأول 2006 تقريرًا جاء فيه أن الأبحاث العلمية أظهرت أن تناول ثمار الجوز غير الناضجة إلى جانب الوجبات التي ترتفع فيها نسبة الدهون المشبعة يحدّ من قدرة الدهون الضارّة على تدمير الأوعية الدموية.
أما بالنسبة الى أجزاء الجوز الأخرى فأوراقه أيضًا ذات استعمالات طبية واسعة، فهي مقويّة ومنشّطة ومهضّمة وقابضة ومنقّية للدم ومضادّة للسكّري والسل وتساعد في خفض السكّر في الدم وتستخدم في علاج النزيف المهبلي. وكذلك قشرة الثمرة الخضراء فهي بدورها توصف للسلّ والتهاب الرحم والأمراض الجلديّة، كما توصف في حالات الإسهال وتطهير القروح لمنع تعفّنها وتقيّحها، كذلك يستعمل زيت الجوز في حالات تسكين المغص وطرد الغازات والتخلّص من الدودة الوحيدة. إن نسبة حمض الأوميغا 3 المرتفعة في الجوز تجعل منه دواءً ضد أمراض القلب والشرايين. كذلك يحتوي الجوز على حمض الأرجينين الذي يسهم في ارتخاء الأوعية الدموية من خلال ترطيبها من الخارج، الأمر الذي يجعلها قابلة للتمدّد وبالتالي يمنع تصلّبها.

 

فاكهة المخ والفوائد العديدة
يطلق على الجوز إسم «فاكهة المخ» لأنه ينشط الذاكرة ويقوّيها، كما يزيد الذكاء وقوة الاحتمال عند الأشخاص الذين يركّزون لمدة طويلة. ويسهم الجوز في تنشيط خلايا الدماغ، ويعود الفضل في ذلك إلى احتوائه نسبة عالية من حمض الأوميغا 3 الذي يسهم في إحلال التوازن في الأنسجة العصبية التي تمثل الدهون أكثر من 60% من بنيتها، كما يقوم هذا الحمض بتليين أو تشحيم جدران الخلايا العصبية. من هنا تتّضح أهميّة الجوز كمادة غذائية وطبية مفيدة للأطفال والمسنين لأنه يقوّي الذاكرة والبنية الجسدية.
ويحتوي الجوز على مادة الميلاتونين وهو هرمون تفرزه الغدّة الصنوبريّة (Pineal gland) حيث يقوم بضبط النوم وتوازنه، وبما أن مادة الميلاتونين تنخفض مع التقدم في العمر فإن الجوز يعوّض هذا الانخفاض، كما يقي أيضًا من أمراض الألزهايمر وباركينسون ومن التشنّج العضلي.

 

المتطلّبات البيئية لزراعة الجوز
تنتشر زراعة الجوز في معظم المناطق اللبنانية نظرًا الى توافر العوامل البيئية الملائمة لزراعته، وتتّسم أشجار الجوز بالقدرة العالية على التأقلم مع البيئات المختلفة، ولا تخشى هذه الشجرة سوى موجات الحرارة المنخفضة في أثناء فترة الإزهار والعقد. فزراعة الجوز تنجح بدءًا من المناطق الساحلية وتمتد حتى المناطق المرتفعة 1500 متر عن سطح البحر وأكثر. إن توافر الحرارة المعتدلة في أثناء الإزهار والعقد خلال أشهر آذار ونيسان وأيار وتوافر المياه الضرورية لري الأشجار خلال أشهرحزيران وتموز وآب، هما الشرطان الأساسيان لنجاح زراعة الجوز. لكن ثمة شروط أخرى لنجاح هذه الزراعة تتمثل بما يلي:
- اختيار تربة ذات معدل ملوحة منخفض، والحرص على حراثتها وتسميدها.
- زرع الأشجار على مسافة 10×10 متر على الأقل.
- زرع عدّة أصناف من أشجار الجوز لضمان التلقيح الخلطي ومن ثم قصّ الغرّاس على ارتفاع 80 سم، وبعد الانتهاء من عملية الزرع توضع بالقرب من كل غرسة دعّامة خشبية لضمان استقامة الساق وعدم انكساره بسبب الرياح، وأخيرًا يجب ري الغرّاس وبكمية وافرة، مباشرة بعد الزراعة.

 

العمليات الزراعية الضرورية في مراحل الإنتاج
خلال السنوات الخمس الأولى من عمرها، أي قبل البدء بإنتاج الثمار، يتم تقليم الشجرة بالطريقة نفسها المعتمدة لتقليم أشجار التفّاح لتكوين الهيكل الأساسي للشجرة. وتحتاج شجرة الجوز من حيث المبدأ إلى تقليم خفيف يقتصر على إزالة الأغصان المتشابكة لتأمين الإضاءة والتهوئة الجيدة وإزالة الأغصان المريضة والمصابة بحفّار الساق والحشرات الأخرى. كذلك تحتاج شجرة الجوز إلى رطوبة عالية خلال فصل النمو، لذلك تنجح زراعتها بشكل خاص على أطراف الأنهار وقرب السواقي، كما تنجح في المناطق الجبلية علمًا أن الري ضروري خلال فصل الصيف وخصوصًا في فترات الجفاف.
ومن الضروري تنظيم برنامج لمكافحة الأمراض والحشرات التي تصيب الجوز بشكل وقائي خلال الشتاء وقبل موسم تفتّح الأزهار ومرحلة عقد الثمار وحتى مرحلة ما قبل تمام النضج.
في ما خص التسميد، هو ضروري وكمياته تختلف باختلاف الزراعة (سقي أو بعل).أما في ما خص الفلاحة فبساتين الجوز يجب أن تحرث في ثلاثة مواعيد (الشتاء، الربيع والصيف).

 

مستقبل الجوز كزراعة بديلة في لبنان
ساعد ارتفاع كلفة إنتاج الأشجار المثمرة الأخرى في تحسين موقع زراعة أشجار الجوز، فعامًا بعد عام تتوسّع هذه الزراعة كزراعة بديلة عن زراعات أخرى أغرقت المزارعين في الخسائر المتكرّرة. فشجرة الجوز في الأساس لا تحتل مساحات واسعة بل هي في معظم الحالات موجودة على شكل منفرد على ضفاف الأنهار وقرب السواقي وكمصدّات للرياح وفي البساتين وحدائق البيوت، غير أن هناك مساحات من الأشجار المثمرة الأخرى باتت تتحول بشكل كامل إلى بساتين من الجوز. هذه الغزوة لم تأت من العبث بل كانت نتيجة للخسائر المتلاحقة والمواسم التي لا تغطي ثمن المبيدات وتكاليف زراعتها. حول ذلك يقول الدكتور سمير مدوّر رئيس قسم الإقتصاد الزراعي في الجامعة اللبنانية، إن هذه الزراعة متدنية الكلفة وتلائم المناطق الجبلية التي ترتفع 1500 متر وما فوق عن سطح البحر. ويشير مدوّر إلى أن لبنان أصبح بحاجة ماسة إلى تطوير هذه الزراعة لأن السوق المحلية تستهلك سنويًا أكثر من 15 ألف طن من الجوز نستورد منها نسبة 75% من الخارج، مشدّدًا على ضرورة قيام الدولة بواجبها في هذا الإطار، وذلك من خلال استيراد نصوب مؤصّلة وتوزيعها على المزارعين بأسعار مدروسة، لأن الغرسات الأجنبية المهجّنة يمكنها أن تنتج في السنة السادسة من عمرها وقد يصل محصول الواحدة منها إلى ما بين 50 و100 كلغ وهو ما يميّزها عن الأصناف المحلّية المعروفة التي تحتاج إلى ما بين 10 و15 سنة ليكتمل نموها وتبدأ بالإنتاج.

 

قشر الجوز وقود جيد لتوليد الطاقة الكهربائية
اكتشف خبراء أستراليون مصدرًا جديدًا لتوليد الطاقة من قشر الجوز الأخضر، وأعلن أخيرًا عن إنشاء معمل لتوليد الطاقة يعمل بقشر الجوز السميك، وهو يولّد 9.5 ميغاوات كهرباء في الساعة ويوفر الطاقة لأكثر من 1200 منزل في إحدى المناطق الأسترالية.