وجهة نظر

الفاتيكان والأزهر.. ومسيرة بناء الإنسان
إعداد: جورج علم

وثيقة «الأخوة الإنسانيّة» في أبو ظبي... جذورها لبنانية


يروي الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو الآتي: «كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكفّ عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة من الجريدة تحوي خريطة العالم، ومزّقها إلى قطع صغيرة، وقدّمها إلى إبنه، وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد لقراءة الجريدة ظانًّا بأنّ الطفل سيبقى مشغولًا بقية اليوم، إلّا أنّه لم تمرّ خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه، وقد أعاد ترتيب الخريطة، فتساءل الأب مذهولًا: هل كانت أمّك تعلّمك الجغرافيا؟!. ردّ الطفل قائلًا: لا، لكن كانت هناك صورة الإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم؟!».
كان لبنان السبّاق في محاولات بناء الإنسان، أقلّه في هذه البقعة الحساسة من العالم التي اسمها الشرق الأوسط، ففي 15 نيسان 1970، اتخذ مجلس الوزراء اللبناني، برئاسة الرئيس شارل حلو، قرارًا بالموافقة على المشروع الذي أعدّته منظمة اليونيسكو لإقامة «مركز دولي لعلوم الإنسان في مدينة جبيل الدهرية»، كما أخذ العلم بالعرض المقدّم من الدكتور مانويل يونس لتوفير الأراضي اللازمة لإقامة المشروع، من دون مقابل.  
           
لبنان.. وبناء الإنسان
أما يونس أستاذ الفلسفة الرؤيوي، العائد من المهجر، فكان يرافع عن تحقيق حلم راوده منذ شبابه، وشغل وجدانه طوال حياته، وقد وجد في موريس الجميّل حليفًا وشريكًا في الرؤى والطموحات، وتمكّنا بجهد مشترك من إقناع منظمة اليونيسكو بأهمية المشروع، فاتخذت قرارها، وأسندته بأسباب موجبة، منها: «نظرا لخصوصيّة لبنان الثقافية، ولموقعه المميّز بين آسيا وأفريقيا وأوروبا الذي جعل منه ملتقى لحضارات الشرق والغرب، ولرمزية مدينة جبيل التاريخية، أم الأبجدية، ومدينة الكتاب، بالإضافة إلى تثمين موقف الحكومة اللبنانية التي عبّرت في عدة مناسبات عن التزامها المحافظة على التراث الثقافي الفريد للبنان، وعلى خصوصياته، ووجوده الحضاري العالمي»، اتُخذ القرار بإقامة مركز دولي لبناء الإنسان في مدينة جبيل...

 

لبنان الرسالة
أمّا المحاولة الثانية التي انطوت على دلالات قويّة حول قدرة لبنان على المساهمة في بناء الإنسان، فتلك التي صدرت عن البابا القديس يوحنّا بولس الثاني في 7 أيلول 1989، في رسالة عامة وجّهها إلى جميع أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة حول الوضع في لبنان، وقد وردت فيها جملته الشهيرة: « لبنان هو أكثر من بلد، هو رسالة حريّة، ومثل تعدديّة للشرق كما للغرب».
وفي 20 حزيران 1992، قال قداسة البابا أمام السينودس الخاص لأجل لبنان: «لبناننا هو أكثر من بلد، إنّه، بدعوته التاريخية، رسالة أخوّة، حرية، وحوار».

 

محاولة الرئيس عون
مع انتخابه رئيسًا للجمهورية، أكدّ العماد ميشال عون في خطاب القسم تصميمه على أن يكون لبنان مركز حوار الحضارات والأديان، والثقافات، وبادر في 26 أيلول 2018، وخلال ترؤسه وفد لبنان إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، إلى تسليم الأمين العام للمنظمة الدوليّة أنطونيو غوتيريس دراسة مفصّلة لتطوير مبادرة المركز الدولي لحوار الحضارات والثقافات والأديان، وإنشاء أكاديمية للتلاقي، والحوار الدائم، وتعزيز روح التعايش بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة، متمنّيًا أن تدعم المنظمة نشوء هذه الأكاديمية.
رحب غوتيريس بـ«المبادرة اللبنانية»، واعدًا «بتقديم كل الدعم اللازم لها»، معلنًا أنّ «الأمم المتحدة في صدد تفعيل تحرّكها من أجل الحوار بين الأديان والحضارات، ومن خلال تعيين ممثل شخصي للأمين العام لهذه المهمة».

 

الأخوة الإنسانية في زيارة تاريخية
ويأتي البابا فرنسيس إلى أبو ظبي، ليبني الإنسان بالتعاون مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب، كمنطلق لبناء العالم: «باسم الله الذي خلق البشر جميعًا متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم كإخوة في ما بينهم ليعمّروا الأرض، وينشروا فيها قيم الخير والمحبة والسلام. وباسم النفس البشرية الطاهرة التي حرّم الله إزهاقها، وأخبر أنّه من جنى على نفس واحدة، فكأنّه جنى على البشرية جمعاء، ومن أحيا نفسًا واحدة فكأنّما أحيا الناس جميعًا. وباسم الفقراء والبؤساء والمحرومين والمهمّشين الذين أمر الله بالإحسان إليهم، ومدّ يد العون للتخفيف عنهم، فرضًا على كل إنسان لاسيما كلّ مقتدر وميسور. باسم الأيتام والأرامل، والمهجّرين والنازحين من ديارهم وأوطانهم، وكل ضحايا الحروب والاضطهاد والظلم، والمستضعفين والخائفين، والأسرى، والمعذّبين في الأرض، من دون إقصاء أو تمييز. وباسم الشعوب التي فقدت الأمن والسلام والتعايش، وحلّ بها الخراب والدمار والتناحر. وباسم الأخوة الإنسانية التي تجمع البشر جميعًا، وتوحّدهم، وتسوّي بينهم. وباسم تلك الأخوة التي أرهقتها سياسات التعصّب والتفرقة التي تعبث بمصائر الشعوب ومقدّراتهم، وأنظمة التربّح الأعمى، والتوجهات الأيدلوجية البغيضة، وباسم الحرية التي وهبها الله لكل البشر وفطرهم عليها، وميّزهم بها، وباسم العدل والرحمة أساس الملك، وجوهر الصلاح، وباسم كل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة في كل بقاع المسكونة. وباسم الله، وبإسم كل ما سبق، يعلن الأزهر الشريف، ومن حوله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، والكنيسة الكاثوليكية، ومن حولها الكاثوليك في الشرق والغرب، تبنّي ثقافة الحوار دربًا، والتعاون المشترك سبيلًا، والتعارف المتبادل نهجًا وطريقًا».
إنّها المقدّمة لوثيقة «الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، التي وقّع عليها كلّ من بابا الفاتيكان، وشيخ الأزهر. لا بل إنّها القاعدة والمنطلق لزيارة التاريخ، والمستقبل، والتطلّع نحو واقع الإنسانية كافة، لإعادة صياغة قواعد مختلفة لتنظيم العلاقات بين أتباع مختلف الديانات والعقائد، تحكمها ثقافة الحوار مع الآخر، واحترام الآخر، والتعاون معًا لبناء ثقافة السلام.

 

انحدار تاريخي نحو ثقافة التوحّش
يتوافق هذا الحدث التاريخي الإنساني الكبير الذي جرت وقائعه على أرض أبو ظبي، وبدعوة من دولة الإمارات العربية المتحدة، مع دعوات متكررة صدرت عن كبار المفكّرين والمثقفين، والأئمة من العرب والمسلمين إلى ضرورة تصحيح الإنحدار المريع نحو ثقافة التوحّش التي تتمدّد بجلبابها الأسود الحالك لتلفّ الكرة الأرضيّة، وشعوبها، انطلاقًا من خلفيات وأحداث ووقائع، من عناوينها البارزة:
1 - أحداث 11 أيلول 2001، مع انهيار البرجين في نيويورك.
2 – نبوءة هنري كيسنجر، حول الشرق الأوسط والحرب العالمية الثالثة.
3 – تحوّل إسرائيل إلى «دولة قومية للشعب اليهودي» في منطقة غنيّة بالمذاهب، والطوائف، والخصوصيات، والحساسيّات.

 

«فوعة» الإرهاب
وفي عودة إلى التاريخ الأسود، شكّل يوم الثلاثاء 11 أيلول 2001، محطة مفصلية لانتشار ثقافة التوحّش بصورة مخيفة ومهينة للإنسانية جمعاء، عندما ضرب الإرهاب ضربته الموجعة في قلب نيويورك، وأدّى إلى انهيار البرجَين، وأودى بحياة الآلاف من الأبرياء، لينتقل بعد ذلك إلى الشرق الأوسط، ويتنقّل بين عواصم دوله، وساحاتها المشتعلة، من أفغانستان، إلى العراق، وتونس، ومصر، وسوريا، وليبيا، واليمن، قبل أن يلفّ العالم أجمع بوشمه المخيف!

 

نبوءة كيسنجر
في الوقت الذي كان يتلظّى فيه الشرق الأوسط على نار العمليات الإرهابية من جهة، وثورات «الربيع العربي» من جهة أخرى، أطلّ وزير الخارجية الأميركي الأسبق الشهير هنري كيسنجر يوم 16 تشرين الأول 2015 في مقال كتبه في صحيفة «وول ستريت جورنال»، تحت عنوان «السبيل لتجنّب إنهيار الشرق الأوسط»، وقد لقي هذا المقال – الذي أشار إليه البعض بـ«نبوءة كيسنجر للعام 2015» - صدى واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، العربية والعالمية. ويرى كيسنجر أنّ هذه المنطقة مشتعلة بسبب ما فيها من طائفية ومذهبية واستبداد وإرهاب. وأنّ هناك الآن أربعة مصادر تهديد خطرة لغالبية بلدان الشرق الأوسط، هي: السياسة التوسعيّة الإيرانية، الحركات الإرهابية والمتطرّفة، الصراعات العرقية، الطائفية، ونوعية معظم حكومات الدول المضطربة.
وأشار إلى أنّ الحرب العالمية الثالثة ستندلع في منطقة الشرق الأوسط وطرفاها، أميركا وحلفاؤها من جهة، والائتلاف الروسي – الصيني وحلفاؤه من الجهة الأخرى. وقال: «إنّ طبول هذه الحرب تدقّ، ومن لم يسمعها فهو أصمّ». وأقحم إسرائيل في تحليله طالبًا من الكيان الصهيوني المصطنع أن «يقاتل العرب بكل ما لدى إسرائيل من إمكانات... وأن تقتل من العرب أكبر عدد ممكن... وعندما يسير المخطط الغربي – الصهيوني على ما يرام، يصبح نصف الشرق الأوسط إسرائيليًّا؟!».
وتوقّع كيسنجر انتصار أميركا في هذه الحرب، إذ قال: «عندما ننهض من رماد الحرب نحن الأميركيين، سوف نبني مجتمعًا جديدًا، ونؤسس لنظام عالمي جديد نكون فيه القوّة العظمى الوحيدة المتفرّدة بالعالم؟!».

 

الدولة القومية الأولى في الشرق الأوسط
بمعزل عن تنبؤّات كيسنجر، ومرئيّاته، حمل يوم الخميس 19 تموز 2018 حدثًا له دلالاتٌ خطرة في الشرق الأوسط، عندما أقرّ البرلمان الإسرائيلي قانونًا ينصّ على أنّ إسرائيل هي «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وأنّ «حق تقرير المصير فيها حصري للشعب اليهودي فقط»، ما أثار جدلًا واتهامات بأنّ هذا القانون عنصري تجاه الأقليّة العربية التي تعيش داخل إسرائيل.
إنّ قيام دولة عنصرية في رحم الشرق الأوسط الغني بالفئويات والمعتقدات والحساسيات والخصوصيات، خطر للغاية، ويؤشّر إلى انزلاق نحو التفسّخ والتشرذم والتفكّك عن طريق حروب مذهبيّة، فئوية لا تنتهي...

 

محاولات تصحيح المسار
شكّل مؤتمر «الأخوّة الإنسانية» محاولة لإنقاذ الإنسانية جمعاء من ثقافة التوحّش، ولوقف هذا الإنحدار الخطر.
والمبادرة، على عظمتها وأهميتها، لا تُعدّ الأولى، إذ تقتضي الموضوعية تسليط الضوء على محاولتين عربيتين – بمعزل عن محاولات لبنان الاستشرافيّة – الأولى: ما قام ويقوم به الأزهر الشريف من مبادرات، ونشاطات دؤوبة لتحرير الدّين من الإرهاب، والتأكيد على «أنّ الإرهاب لا دين له». ثم تلك التي قام بها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز عندما أسس في العام 2012 مركزًا يحمل اسمه، «للدراسات الإسلامية المعاصرة، وحوار الحضارات»، بالتعاون مع النمسا، وإسبانيا، الى جانب الفاتيكان بصفته عضوًا مؤسسًا مراقبًا. يقع هذا المركز في فيينا، ويسعى «لدفع مسيرة الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المتعددة، والعمل على تعزيز الثقافة واحترام التنوّع، وإرساء قواعد العدل والسلام بين الأمم والشعوب».
ويرى المركز «أنّ الدين قوّة فاعلة لتعزيز ثقافة الحوار والتعاون لتحقيق الخير للبشرية، إذ يعمل على معالجة التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمعات بما في ذلك التصدّي لتبرير الاضطهاد والعنف والصراع بإسم الدين، وتعزيز ثقافة الحوار، والعيش معًا». ويتألّف مجلس إدارة المركز من قيادات دينية من المسلمين، والمسيحيين، واليهود، والبوذيين، والهندوس.

 

المسيحيّون في الخليج
وفي عودة إلى خصوصية المبادرة الفاتيكانية – الأزهرية التي استضافتها عاصمة دولة الإمارت، لتحرير الدين من الإرهاب، وتعميم ثقافة الحوار بديلًا لثقافة التوحش، كان لا بدّ من تسليط الضوء – ولو سريعًا – على التنوّع الديني، الثقافي، والحضاري في دول الخليج. وفي هذا المجال، يقول محمد الرميحي، وهو المؤلف والباحث والأستاذ في علم الاجتماع بجامعة الكويت «إنّ للوجود المسيحي في الخليج قصّة تُروى، تبدأ بما عُرف بنشاط الإرسالية الأميركية البروتستانتية في الخليج، والتي شُكّلت في الهزيع الأخير من سنوات القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة بغرض التبشير في الجزيرة العربية، والتي التحقت بعد ذلك بكنيسة الإصلاح في العام 1849، هذه الكنيسة التبشيرية والطبية والتعليمية بدأت بإنشاء مراكز لها في مدن الخليج الساحلية، بدءًا من البصرة في العام 1891، وبعد ذلك في مسقط (سلطنة عمان)، ثم في البحرين، وأخيرا في الكويت، وكل ذلك قد تمّ في العقد الأول من القرن العشرين، وكان الهدف كما ظهر في أدبيات تلك الكنيسة هو التبشير مصحوبًا بالتطبيب، وأيضًا التعليم. ما يعني هنا الإشارة إلى أنّ ذلك المجتمع في دول الخليج كان مجتمعًا منفتحًا وقابلًا للآخر بدليل السماح من دون مقاومة لهذه الإرسالية بأن تبني مقرّاتها، وتمارس عملها بحريّة».
وكان رحّالة ذلك العصر، الأديب أمين الريحاني قد أشار في كتابه «ملوك العرب» إلى تلك الإرساليات حيث قال: «أنصح إخواني المبشّرين بأن يركّزوا في عملهم على التطبيب والتعليم، أمّا التبشير فإن هؤلاء البدو لن يتركوا دينهم قط». وهو قول له منطقه، ومبرّراته الموضوعية، ذلك لأنّ الدين ملتصق بالمجتمع، والثقافة العامة، والأسرة، والتراث، والتربية.
ويضيف الرميحي: على مدى ثلاثة أرباع القرن العشرين، كان لهذه المواقع الإرسالية أثرها وبخاصةٍ في التطبيب، والتوثيق، وما لبث أن ضُعف هذا الدور بسبب التطوّر، حتى تمّ حلها في العام 1973. وقد ترك العاملون فيها أثرًا معرفيًّا وتوثيقيًّا مهمًا، خصوصًا في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، وتحديدًا في توصيف مظاهر المجتمعات، وأنظمتها في ذلك الوقت، حيث كان التعليم للمواطنين ضعيفًا، أو منعدمًا في هذه المنطقة العربية، وكذلك التوثيق. وقد ترك الأطباء العاملون الكثير من الكتب التي حملت تجربتهم، كما كتب المنتسبون إلى تلك الإرساليات مقالات نشرتها مجلة مهمة كانت تصدر في أميركا، وتسمى «العربية المنسية» Neglected Arabia. شكّلت هذه الكتب والمقالات في ما بعد، ثروة كبيرة للباحثين على صعيد معرفة الواقع الاجتماعي والاقتصادي لدول الخليج الحالية، وعاد إليها بعض الباحثين من أبناء الخليج لإثراء نشاطاتهم.
ويتابع: «في ثلاثينيات القرن الماضي أو حولها، استقبلت دول الخليج مسيحيين ويهودًا هاجروا إليها من الدول المجاورة، وقد استوعبهم المجتمع، وأصبح بعض أبنائهم وبناتهم في مراكز مرموقة مثل مناصب السفراء، وعضوية المجالس التشريعية. سردت كل تلك النقاط الموجزة من التاريخ، لأصلٍ إلى القول إنّ المجتمع في الخليج كان وما زال منفتحًا وقابلًا للآخر. أمّا في ما يفرضه الواقع اليوم من تدفّق كبير لليد العاملة، فلم تفرّق القوانين ولا المواقف الاجتماعية بين القادمين للمساهمة في التنمية، بسبب دينهم أو لونهم. في الخليج اليوم جمع من البشر المتساوين في الحقوق تحت القانون القائم، وهم جماعات كبيرة من ديانات مختلفة، سواء كانوا طوائف مسيحية، أو من غيرهم، ولم يعد الفكر «التسطيحي» قابلًا للبيع في مجتمعات الخليج، والذي يفرّق بين الناس بسبب ملّتهم، ويتاجر باسم الدين في مقايضة سياسية. فالمواطنة العالمية أصبحت حقيقة مقيمة، والدليل هو القداس الذي أقامه البابا فرنسيس في أبو ظبي، وحضره الآلاف من القاطنين في الإمارات وحولها، ظاهرة تكمّل المسيرة. كما أنّ عدد الكنائس المنتشرة في دول الخليج اليوم، بل دور العبادة في بعض دولنا لغير المسيحييّن والمسلمين، ظاهرة طبيعية، ومقبولة، وهي امتداد لذلك التاريخ الطويل من الاحترام الذي ترجو له وثيقة أبو ظبي أن يكون متبادلًا، وكفى متاجرة بالأديان، أو استخدامها كمخلب قطّ لمصالح سياسية».
وآخر الكلام – يضيف الرميحي – «يولد جميع الناس أحرارًا، ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الآخاء». هذا ما تقوله المادة الأولى، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، (10 كانون الأول 1948)، بعد أن شهد العالم أكبر مجزرة في التاريخ، قام بها الإنسان، ضدّ أخيه الإنسان؟!.