عبارة

الفرصة في قلب الأزمة

كثيرًا ما تَحْمِل الأزمات معها فُرَصًا لا يراها إلا أصحاب الهمم ذوو النظرة الثاقبة والرؤية البعيدة. وفي حين أنّ بعض الأشخاص يقع فريسة اليأس ويفقد عزيمته متى اشتدّت الظروف وضاقت به السبل، نَجِدُ آخرين يستمدّون قوّتهم من الواقع الجديد مبتكرين الحلول ومكتشفين لديهم قدرات لم يعهدوها سابقًا. ينطبق كل ذلك على المؤسّسات أيضًا، فهي التي تملك عادةً مجموعةً متنوّعةً من المواهب المنسجمة في إطار عملٍ موحّدٍ، ما يتيح غالبًا تنسيق الجهود وتخطّي الصعوبات.

لقد قدّم الجيش مثالًا ملموسًا على ما ذكرناه في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الخانقة التي يمرّ بها لبنان. صحيح أنّ تداعيات الانهيار المالي قاسيةٌ على العسكريّين كأفرادٍ وعلى المؤسّسة العسكريّة ككلّ، وأنها اضطرت إلى التقشّف في الكثير من نفقاتها المعتادة، لكنّ هذا الوضع الاستثنائيّ خلق لديها الحافز للإبداع وتحقيق الإنجازات.

الأمثلة هنا عديدة ولا مجال لتفصيلها جميعًا، لكنْ نذكر من بينها نجاح اللواء اللوجستي في صناعة مواد تنظيف وتعقيم، وصناعة مواد للوقاية الطبيّة مثل الكمامات في الطبابة العسكرية، وإنتاج أدوات مختلفة الأحجام للتعقيم في عدّة وحدات عملانيّة أثناء الانتشار الواسع لجائحة كورونا. كذلك توصَّلَ فوج الأشغال المستقل إلى صناعة أنواعٍ من موادّ البناء، وكُلّفت مديرية الشؤون الجغرافية إنجاز مطبوعات لمصلحة وزارات الدولة، إلى جانب كميّة كبيرة من الطوابع المالية.

على صعيد آخر، تَمَكّن الجيش من استثمار أراضٍ زراعيّة بفاعلية ومهارة، كما في قطاعات لواءَي المشاة الخامس والسادس والفوج المجوقل، إذ حقّقت هذه الوحدات اكتفاءً ذاتيًّا بأنواع معيّنة من الخضار، وأنتجت أحيانًا فائضًا منها، فاستفادت منه مطابخ المؤسّسة في أكثر من منطقة.

لا شك في أن آثار الأزمة قائمة، وهي تثقل كاهل الشعب بأكمله وتعيق سير العمل الطبيعي في معظم القطاعات. لكنّ الخطوات التي قام بها الجيش ولا يزال ماضيًا فيها بهدف التكيّف مع الواقع، إضافة إلى صموده واستمراره في تحمُّل مسؤوليّاته الوطنيّة، تثبت كلّها أن الإرادة نابضة في قلوب عناصره، وهم بذلك يقدّمون المثال أمام اللبنانيّين ويُحْيون الأمل في نفوسهم بأنّ وطنهم قادرٌ على تجاوز محنته.

العميد علي قانصو

مدير التوجيه