دراسات وأبحاث

الفضاء أحدث ميادين القتال!
إعداد: العميد المتقاعد د. أحمد علو

في ١٨ حزيران من العام ٢٠١٨، وفي اجتماع لمجلس الفضاء الوطني الأميركي، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلبًا إلى وزارة الدفاع (البنتاغون) لتأسيس «القوة الفضائية الأميركية» كفرع مستقل عن سلاح الجو، «منفصل ولكن مساوٍ Separate But Equal». هكذا، وبعد أن كان هذا المشروع قد قوبل في البداية بمقاومة شديدة داخل البنتاغون، تمكن الرئيس ترامب من إقرار إنشاء «قوة الفضاء» التي تمثل الفرع السادس للقوات المسلحة الأميركية، بعد القوات البرية، وسلاح الجو الأميركي والبحرية وقوة مشاة البحرية وخفر السواحل.


في ٢١ كانون الأول ٢٠١٩ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميًا إطلاق العمل بإنشاء القوات الفضائية الأميركية بعد الموافقة على الموازنة المخصصة لها والتي كانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد اقترحتها وطلبتها، وذلك ضمن الموازنة السنوية العامة لوزارة الدفاع والتي قُدّرت بنحو ٧٣٨ مليار دولار. وقد خُصصت هذه القوة بميزانية ٤٠ مليون دولار كبداية لإطلاقها في عامها الأول، وأبلغ ترامب مجموعة من العسكريين في أثناء توقيع قرار إنشائها أنّ «الفضاء هو أحدث ساحة قتال في العالم».


موجبات إنشاء هذه القوة الفضائية
حذّرت وكالة الاستخبارات الأميركية في تقارير سابقة من أنّ الصين وروسيا قد طورتا قدرات عسكرية قتالية فضائية «قوية وقادرة» على القيام بأنشطة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وجاء في التقرير أنّ «الصين وروسيا، على وجه الخصوص، تطوران مجموعة متنوعة من الوسائل لتحدي التفوق الأميركي في الفضاء». في المقابل أعلن الرئيس ترامب أنّ هذا التفوق الأميركي يجب أن يستمر من خلال إنشاء القوة الفضائية الجديدة.


المشروع الأميركي للقوة الفضائية
صرّحت الإدارة العسكرية الأميركية أنّها لا تخطط لوضع قوات حماية عسكرية في الفضاء الخارجي أو في المدار، ولكنّها تقول إنّها تريد حماية بعض منشآتها ومرافقها المتمثلة بمئات الأقمار الاصطناعية التي تستخدم في الاتصالات والمراقبة والإنذار المبكر، وبخاصة بعد أن رأى القادة العسكريون الأميركيون أنّ الروس والصينيين قد حققوا تقدمًا في هذا الموضوع واستطاعوا اختراق حدود التفوق العسكري الأميركي في مجال الفضاء. هذه الحدود التي يراها الرئيس ترامب حيوية لدرجة أنّه يجب ألّا تُمس من قبل أحد آخر American Superiority Is Absolutely Vital.
نائب الرئيس الأميركي مايك بانس كان قد صرح أيضًا بأنّ روسيا والصين تملكان وسائل ومراكز Airborne Lasers «لايزر مجوقلة» وصواريخ مضادة للأقمار الاصطناعية الأميركية Anti-Satellite missiles، وهذا ما يفرض على الولايات المتحدة أن تواجهه للحفاظ على أمنها ولضمان هيمنتها وتفوقها في الفضاء.
كما أعلنت وزيرة القوات الجوية الأميركية باربرا باريت «أنّ القوة الفضائية ستضم في البداية نحو ١٦ ألفًا من العسكريين والمدنيين المسؤولين بالفعل عن العمليات المتعلقة بالفضاء داخل سلاح الجو الأميركي».


الأخطار
تواجه الهيمنة الأميركية في الفضاء تهديدًا فعليًا من جانب روسيا والصين اللتين طورتا قدراتهما التكنولوجية. وتراوح هذه التهديدات بين التشويش على الاتصالات والأقمار الاصطناعية لنظام تحديد المواقع GPS، أواستهداف الأقمار الاصطناعية بصواريخ أرض- جو، وهو ما اختبرته الصين بنجاح في العام ٢٠٠٧، و كل ذلك وفق تقارير البنتاغون.
كذلك، قامت الصين في السنوات الأخيرة باستثمارات كبيرة في الفضاء، وهي تموّل برنامجها الفضائي الذي يديره الجيش، وتدعمه بمليارات الدولارات، وذلك ليكون لديها بحلول العام ٢٠٢٢ محطة فضائية تضم طواقم بشرية. وقد أنجزت الصين في تشرين الثاني، من العام ٢٠١٩ اختبارًا لمركبة استكشاف لكوكب المريخ، وذلك قبل تنفيذ أول مهمة لها إلى الكوكب الأحمر في العام ٢٠٢٠.


ماهية القوة الفضائية الأميركية
إنّها السلاح العسكري الأميركي الأول والأكثر حداثة الذي ينشأ منذ ٧٠ سنة وهو يرتبط بالقوات الجوية الأميركية US Air Force، تمامًا كما ترتبط قوات المارينز (مشاة البحرية) بالبحرية الأميركية (Space Force will still be housed within the).
شبَّه وزير الدفاع الأميركي ولادة هذه القوة الأميركية الجديدة بإنشاء القوات الجوية الأميركية التي انفصلت عن الجيش في العام ١٩٤٧. وستكمل القوة الفضائية العمل الذي بدأته «قيادة قوة الفضاء» Space Force Command التي أُنشئت في آب الماضي (٢٠١٩) للتعامل مع العمليات الفضائية للجيش الأميركي.


قيادة القوة الفضائية
ستكون هذه القوة تحت القيادة العملياتية لرئيس العمليات الفضائية الذي يخضع للسلطة المباشرة لوزير الدفاع. وسيكون هذا القائد برتبة جنرال (٤ نجوم) وسيكون عضوًا في هيئة الأركان المشتركة لقوات الولايات المتحدة العسكرية.
وقال القائد في القوات الجوية الجنرال راي رايموند، الذي تسلم قيادة هذه القوة: «إنّ الولايات المتحدة هي الأفضل حاليًا في الفضاء. وباتت اليوم حتى أفضل من ذلك... وتماشيًا مع استراتيجيتنا للدفاع الوطني، ستكون القوة المتمركزة في الولايات المتحدة قادرة على المنافسة والردع والانتصار بفضل موقعنا القوي، وستضمن أسلوب حياتنا وأمننا القومي، وستوحّد القيادة الجديدة، إمكانات منظومة الإنذار المبكر من إطلاق الصواريخ، ونشاطات الأقمار الاصطناعية، ومراقبة العمليات الفضائية ودعمها».


مهمات القوة ودورها
إنّ أولى مهمات هذه القوة هي:
- تأمين حرية العمليات للولايات المتحدة الأميركية في الفضاء الخارجي ومنه وإليه.
- تأمين سرعة العمليات العسكرية الأميركية وديمومتها.
أما واجباتها فتقضي بـ:
- حماية مصالح الولايات المتحدة في الفضاء الخارجي.
- ردع العدوان من الفضاء الخارجي وإليه وفيه.
- القيام بالعمليات العسكرية.
وكذلك يقع على عاتق هذه القوة تطوير المعارف العسكرية الفضائية وتأمين احترافيين لها، وتحقيق أنظمة وأساليب عسكرية فضائية جديدة وإغناء العقيدة العسكرية لمصلحة القوة الفضائية.
أما بالنسبة إلى قيادتها فهي مسؤولة عن:
- تنظيم وتدريب وتجهيز القوة الفضائية بهدف حماية مصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الفضاء الخارجي، وتأمين الإمكانات الفضائية اللازمة للقوى المشتركة كافة.
- توحيد إمكانات منظومة الإنذار المبكر من إطلاق الصواريخ ونشاطات الأقمار الاصطناعية، ومراقبة العمليات الفضائية ودعمها.


ردود الأفعال الدولية
حذّرت بكين (في٢٣ كانون الأول ٢٠١٩) من أنّ الولايات المتحدة تحوّل الكون إلى «ساحة معركة»، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ إنّ «هذه التصرفات الأميركية تنتهك بقوة الإجماع الدولي بشأن الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي... وتشكل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلام في الفضاء الخارجي»، ودعا المجتمع الدولي إلى «تبني نهج مسؤول وحكيم لمنع تحوّل الفضاء الخارجي إلى ساحة معركة جديدة»...
كذلك أعلنت روسيا، أنّ الولايات المتحدة، تقوم من خلال إنشاء هذه القوة، بتشكيل المقدمات اللازمة لعسكرة الفضاء الكوني بهدف استخدامه في تحقيق أغراضها العسكرية. وشددت موسكو، على أنّها ستضطر إلى الرّد على التهديدات المحتملة، بتدابير وإجراءات متطابقة وغير متماثلة.

 

مئات الأقمار
مع نهاية العام 2018، كانت الولايات المتحدة تمتلك رسميًا في الفضاء نحو 167 قمرًا اصطناعيًا عاملًا ومخصصًا للشؤون العسكرية، ونحو 170 قمرًا آخر تعمل لمصلحة الحكومة الأميركية في مجالات مختلفة.
 

مراجع:


- https://en.wikipedia.org
- https://www.theguardian.com
- https://www.bbc.com
- https://spacenews.com
- https://www.alhurra.com
- https://www.theverge.com