قضايا إقليمية

الفلسطينيون وتجربة الحمــايــة الــدوليــة
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

يتضمّن القانون الدولي العديد من القواعد القانونية التي تنص على إلزام الدول المنخرطة في منظومة الأمم المتحدة بتوفير الحماية للناس، سواء منهم المشتركون في القتال أو المدنيون الموجودون ضمن دوائر النزاعات المسلحة. ويمكن تلخيص أهم القواعد الأساسية الواردة في هذا القانون وتلك الواردة ايضاً في اتفاقيات جنيف الأربع واتفاقيات لاهاي ناهيك عن ميثاق الأمم المتحدة، بالنقاط الآتي ذكرها:
1- يتمتع الأشخاص العاجزون عن القتال وغير المشتركين بشكل مباشر في الأعمال العدائية، بحق احترام حياتهم وسلامتهم البدنية والروحية، وبحق معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال من دون تمييز أو إجحاف.
2- يُحظّر قتل أو جرح عدو يستسلم أو يصبح عاجزاً عن القتال.
3- يتم جمع الجرحى والمرضى وتحييدهم، ويتولى الطرف الذي يخضعون لسلطته الإعتناء بهم. وتشمل الحماية ايضاً عناصر الخدمات الطبية والمنشآت الطبية ووسائط النقل العائدة لها.
4- للمقاتلين المأسورين والمدنيين الذين يقعون تحت سيطرة الطرف الخصم احترام حياتهم وكراماتهم وحقوقهم الشخصية ومعتقداتهم، كما ولهم حق الحماية من أي عمل من أعمال العنف أو الأعمال الإنتقامية.
5- يتمتع جميع هؤلاء الأشخاص بالضمانات القضائية الأساسية. ولا يعد أي شخص مسؤولاً عن عمل لم يقترفه. ولا ينبغي تعريض أحد للتعذيب الجسدي أو العقلي أو النفسي.
6- يتعيّن على أطراف النزاع في جميع الأوقات، التمييز بين السكان المدنيين والأعيان (الممتلكات) المدنية. ولا يجوز أن يكون السكان المدنيون، بوضعهم هذا، محلاً للهجوم أو التنكيل.
إذا تأملنا مجمل هذه النقاط والمبادئ نجد أنها لا تطبق في الأغلبية الساحقة من حيثياتها وتفاصيلها من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني بالذات وعلى سائر الشعوب العربية بوجه عام. فمثل هذه القواعد تعطي الشعب الفلسطيني في أرضه الحق في تقرير مصيره وفي امتلاك دولة مستقلة ذات سيادة وفي عودة المشرّدين منه الى ديارهم وممتلكاتهم وتعويضهم ما فقدوه من هذه الممتلكات والأرزاق، وعما قاسوه وعانوه من سنوات الألم والمهانة والتشرد بسبب الإحتلال. هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فالتجربة تثبت بأن الأمم المتحدة والقوات الدولية ومجلس الأمن، لم يكن لها في سياق النزاع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي سوى دور شكلي ومنحاز عموماً الى الطرف الأقوى وهو الطرف الإسرائيلي، على قاعدة الكيل بمكيالين ومجافاة العدالة الدولية.
لقد مارست سلطات الإحتلال ضد الفلسطينيين، على امتداد الأرض الفلسطينية الوطنية من البحر الى النهر، ما لا يحصى من الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، مثل قتل المدنيين العزّل، ومن بينهم شيوخ وأطفال ونساء، والشواهد على ذلك لا تحصى في جنين وغزة (عملية الرصاص المسكوب واستخدام الفوسفور الأبيض) بالإضافة الى زج الآلاف في السجون والمعتقلات، ثم هدم المنازل على رؤوس أصحابها وتجريف الأراضي الزراعية وبناء جدران الفصل العنصري، وحظر التجوّل ومنع الناس من الذهاب الى أعمالهم والتلامذة الى مدارسهم، وما الى ذلك من أعمال تعسفية أخرى. في المقابل فإن السلطة الفلسطينية وسائر الدول العربية والإسلامية والدول التي تدّعي محبتها السلام والعدل الدوليين، لم تتمكن جميعاً من الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي على إرسال مراقبين دوليين تابعين له يكونون بمثابة قوة غير مسلحة تفرض حمايتها للفلسطينيين مع متابعة ومراقبة الأوضاع المزرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خصوصاً في الضفة والقطاع. وهذا العجز يعود كما هو معلوم للجميع الى الڤيتو الأميركي المحكوم بالنفوذ الصهيوني المتمثّل في جماعات الضغط اليهودية وفي مقدّمتها منظمة الإيباك. وعلى هذا الأساس لا تكتفي سلطات الإحتلال الإسرائيلي بفرض الحصار الجائر على الشعب الفلسطيني والعمل على خنقه مادياً ومعنوياً وسياسياً ونفسياً، بل تعمد الى قصف هذا الشعب بالدبابات والصواريخ والطائرات الحديثة المتطورة رداً على بعض العمليات البسيطة التي يضمنها القانون الإنساني لجهة الدفاع عن النفس والأرض والعرض والمال. وقد تضمّن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في روما العام 1998، ضرورة أن تقبل الدول الأعضاء في هذا النظام، إختصاص المحكمة بالنسبة الى الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجريمة العدوان. كما أن النظام الأساسي للمحكمة اعتبر ضمّ أراضي الآخرين بالقوة من ضمن جرائم الحرب.
ثمة أمر آخر في هذا السياق وهو أن الأمم المتحدة فكّرت في أعقاب العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب العام 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء وقسم من الأراضي اللبنانية في كفرشوبا وشبعا، بتقديم شيء من الحماية للسكان المدنيين الواقعين تحت الإحتلال، فصدر القرار الرقم 237 الذي كلّف بموجبه الأمين العام للأمم المتحدة مكتب الأونروا في اليونان بمتابعة التنفيذ الفعّال للقرار الذي أوصى الحكومات المعنية بالاحترام الدقيق للمبادئ الإنسانية بشأن معاملة الأسرى وحماية المدنيين، ولكن إسرائيل أفشلت المهمة بسبب إدخالها اليهود العرب ضمن دائرة القرار. والعام 1986 صدر قرار آخر يطالب بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني لكن إسرائيل وحماتها قاوموا تنفيذه، بل وساهموا جميعاً في تعطيل تدويل الصراع فسقط مؤتمر جنيف الدولي وكذلك مؤتمر مدريد وسقط ايضاً اقتراح تشكيل لجنة تحقيق دولية، في وقت أيدت الولايات المتحدة تشكيل لجنة من قبلها برئاسة جورج ميتشيل، وإسرائيل من جهتها عارضت وتعارض باستمرار تطبيق القرارات الدولية المتصدية لاحتلالها وعدوانها. والمرة الوحيدة التي وافقت فيها على حضور دولي فوق أراضٍ واقعة تحت سيطرتها كانت قبولها قوات المراقبين الدوليين المؤقتين في الخليل إثر المذبحة التي ارتكبها أحد المستوطنين هناك العام 1994 ضد المصلين الفلسطينيين. وقد جاءت تلك الموافقة بهدف التهرّب من احتمال إرسال قوة حماية دولية تحت إشراف الأمم المتحدة في أعقاب إصدار مجلس الأمن القرار 904 الذي أكد على «الحاجة لتوفير الحماية والأمن للشعب الفلسطيني». وقد اكتفت القوة المذكورة بكتابة التقارير ورفعها للدول المانحة وللجنة الإرتباط الفلسطينية الإسرائيلية من دون تدخل الأمم المتحدة.
إن قمة السخرية في انتهاك الإسرائيليين حقوق الفلسطينيين تكمن في إعلانهم تشكيل لجنة جماهيرية لمساندة نضال أهالي التيبت ضد الإحتلال الصيني. وقد قامت هذه اللجنة بأنشطة إحتجاجية أمام السفارة الصينية بتل أبيب، في حين أن هؤلاء أنفسهم إما يشاركون في المجازر ضد الفلسطينيين أو أنهم يسكتون عنها.
وقد وصف الكاتب جدعون ليفي هذا النفاق بأنه نوع من النزق الذي لا يطيقه العقل ولا يقبل به الضمير.