باختصار

القبضة الحديد
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

تحرص القيادة في برامجها التدريبية على أن يغطي التلميذ الضابط يديه بقفازين أبيضين في بعض الحالات والأوقات، بعد أن كان قبل ذلك بفترة وجيزة، يمرّ بهما على الأشواك وكأنها الحرير الناعم، ويعالج جزئيات العتاد العسكري بالزيوت والشحوم.
نستعيد هذا الوصف ونحن نستمع إلى بعض وسائل الإعلام يعلن أن الجيش يحكم قبضته الحديد على بعض الأحياء التي شهدت تجاوزات أمنية خطيرة في المدينتين: بيروت وطرابلس، غداة مأساة الانفجار الكبير في الأشرفية. نعم، لن يتراجع الجيش عن وثبته المسؤولة هذه. أمن المواطنين هو الهدف، واستقرار البلاد هو الغاية، فالأوضاع لا تسمح بأي تردد أو تأخير. لقد اكتفت القيادة في البداية بالشرح والتحذير والتوجيه، لكن الأحوال ساءت، وكادت الفتنة تطل برأسها من وكرٍ هنا ووكرٍ هناك.
لا، لا يمكن ترك البلاد تهوي في هذا الجحيم، خصوصًا وأن الجيش هو المؤتمن على المصير. خط أحمر وأكثر، مرسوم في مواجهة الإخلال بالأمن، وترجمة ذلك هي انتشار الوحدات في الأماكن التي تشهد اشتباكات وتعديات وأعمال قنص وقطع طرقات وفوضى، وهي آليات عسكرية تتقدم في الشوارع، ودوريات تجوب الأحياء، وخفراء يحرسون المداخل، ورماة يردون على النار بالنار، حمايةً للقانون، ودعمًا لهيبة الدولة، ومؤازرةً للمؤسسات الشرعية كافة.
هذه إذن القبضة الحديد التي اقتضى الواقع أن ترتفع متصدّية للأخطار. إنّ هذه القبضة لا تلغي أبدًا السواعد العسكرية التي تعمل في الإنماء عند اللزوم، والتي تتبادل الورود مع الناس، وتردّ على التحية بتحية أعمق تعبيرًا، وأشد وفاء. الجيش هنا يحمي حرية التعبير وينظّمها، ويمنع التجاوزات، ويقف في صف الديمقراطية، مع الحرص على تجنّب الدخول في تعاريج السياسة ودهاليزها. والقيادة تعرف أن لهذه الجهة أن تتولى الحكم، ولتلك أن تعارض اليوم، على أن تعود إلى السلطة غدًا أو بعد غد، وللمواطنين أن يتحلقوا هنا ويتجمعوا هناك، يرفعون الأصوات ويوالون التصريحات، لكن التعدّي على المجتمع غير مبرّر، والنيل من السّلامة العامة ممنوع ولا يتحمّل التأخر في المنع، ولا التّساهل في المعالجة، من هنا تحوّل القبضة الناعمة إلى قبضة حديد، فلكلّ مقام مقال، ولكلّ ساعة ملائكتها كما يقول مثلنا الشعبي، وفي التّعامل مع الحديد لا بدّ من شرطين: أن يحصل الضرب به حتى تتخطّى حرارة ناره الحدّ، وأن يتمّ الضرب بقبضة يحرّكها رأي صائب وإرادة صلبة، وإلّا ذهب الضرب سدى، في غير أوان، وغير زمان.