تحقيق عسكري

القتال في المرتفعات فن واحتراف مدرسة التزلج تدريبات حامية في حضرة «جلالة» الصقيع
إعداد: ريما سليم ضومط
تصوير:روبير مرقص

المقاتل المحترف هو من يملك القدرة على القتال في مختلف الظروف المناخية والبيئية.

مدرسة التزلج الرابضة في أعلى الاعالي تؤدي دوراً أساسياً في إعداد مقاتلين محترفين قادرين على مواجهة صقيع الثلج وقساوة الجبال والمرتفعات، وذلك من خلال تدريب مكثّف تتولاه نخبة من المدربين المتمرسين في المدرسة المذكورة.

عن هذا التدريب وعن دور مدرسة التزلج في تعليم فن القتال على الثلج، تحدث قائد المدرسة العقيد الركن محمد خير إلى مجلة «الجيش» التي زارت المدرسة، وعاينت نماذج من تدريبات العسكريين وكيفية تعايشهم مع الظروف المناخية والطبيعية القاسية.

 

تأسيس مدرسة التزلج وتطورها

- العام 1934 أنشأ الجيش الفرنسي فريقاً من المتزلجين من الجيش اللبناني والجيش الفرنسي. تمركز هذا الفريق في بلدة بشري، ومارس تدريباته على الثلج في الأرز. والعام 1935 انتقل الفريق إلى اوتيل الارز الكبير بجانب الثكنة التي كانت قيد الانشاء، وتم الانتقال اليها العام 1937.

- العام 1940 تسلّم الجيش اللبناني ثكنة الارز من الفرنسيين وسميت بمدرسة التزلج، وكانت ترتبط بالمركز العالي للرياضة العسكرية حتى تاريخ 1/5/1986 حين اصبحت مستقلة ادارياً.

- تتمركز مدرسة التزلج بشكل ثابت منذ استقلالها الاداري في منطقة الارز - ثكنة يوسف رحمة، وثمة حضيرة تتمركز في المصعد الكهربائي في  الارز.

 

• مهمات ومحطات:

- القيام بمهمات القتال في الجبال على الثلج في مختلف الظروف.

- التدريب على فن التزلج والقتال في الجبال لألوية الجيش وقطعه.

- تنفيذ عمليات الانقاذ والاغاثة في اثناء العواصف الثلجية.

- المشاركة في اعداد وتنظيم مخيم ابناء الجيش.

- العام 1957 استقبلت المدرسة فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون يرافقه شاه ايران وعقيلته.

- العام 1962 قام عناصر المدرسة بمهمة عملانية وتم القاء القبض على بعض الفارين من وجه العدالة في جرود تنورين وبظروف ثلجية قاسية.

- العام 1963 وحتى العام 1975 كانت مدرسة التزلج تقوم بتنظيم البطولة الدولية العسكرية للتزلج بالاضافة إلى تنظيم بطولة لبنان.

- العام 1969 نفذت مدرسة التزلج مهمة التفتيش عن مفقودين في جبل الشيخ في فصل الشتاء.

- شاركت المدرسة في السباقات الدولية للتزلج في كل من ايران والنروج (1974) وفنلندا (1982) والنروج (1999) والنمسا (2000).

- المدرسة ما تزال تقوم بإنقاذ المحتجزين سنوياً من جراء العواصف الثلجية.

- تشارك مدرسة التزلج في جميع بطولات لبنان للتزلج التي ينظمها الاتحاد، وكذلك البطولات العسكرية.

 

اهمية التدريب والدورات

 

• ما هو تحديداً التدريب الذي تتولاه مدرسة التزلج وما أهميته بالنسبة إلى العسكريين؟

- تقوم مدرسة التزلج بتدريب العسكريين على فن القتال في الجبال حيث تزوّدهم التقنيات اللازمة لاجتياز الجبال والمنحدرات المغطاة بالثلوج، وتخطي الحواجز والعوائق الثلجية والعوامل المناخية القاسية التي يمكن ان تعترضهم في أثناء تنفيذ مهام أو عمليات عسكرية.

 

• من هم تلامذة مدرسة التزلج، وهل من شروط معينة للإلتحاق بالدورات التدريبية؟

- تستقبل المدرسة في كل عام تلامذة السنة الثالثة في المدرسة الحربية وتلامذة السنة الثالثة في مدرسة الرتباء، إضافة إلى عناصر من الوحدات الخاصة ومن المخابرات ومن مختلف القطع والألوية.

وتقضي شروط الإلتحاق بألاّ يتجاوز عمر طالب الإنتساب الخامسة والعشرين، وبأن يتمتع بلياقة بدنية عالية، علماً أنه لا يتم قبول المرشحين ما لم ينجحوا في الإختبار الرياضي الذي تعدّه مدرسة التزلج بغية تحديد مدى قدرتهم على الإحتمال.

والجدير بالذكر أننا نستقبل في كل عام حوالى الألف عسكري، يتم توزيعهم على دورات تدريبية تستوعب كل منها سبعين عنصراً، وتستمر لمدة خمسة عشر يوماً.

 

• ممن يتألف طاقم التدريب؟

- يساهم جميع عناصر المدرسة في عملية التدريب باستثناء الإداريين منهم. ويفصل لكل دورة عشرون مدرباً من الرتباء والأفراد يترأسهم ضابط (مدير الدورة)، مع الإشارة إلى أن معظم المدربين هم من أبطال الجيش وأبطال لبنان في رياضة التزلج.

 

القتال في الجبال

• فن القتال في الجبال هو العنوان الرئيس للدورات التدريبية، فهل يمكن معرفة تفاصيل هذا النوع من التدريب؟

- يشمل برنامج التدريب عدة مراحل ويتدرّج بالصعوبة شيئاً فشيئاً، بدءاً من التعرّف على العتاد وكيفية ضبط الزلاجات وترتيبها، وارتدائها ونزعها والسير فيها على أرض مسطحة، فاستخدامها في النظام المرصوص، إلى التزلج على الجبال والمنحدرات، وتمارين الهبوط البطيء والإنعطاف والإنزلاق بوضعيات مختلفة (جانبي، منحرف، ومستقيم)، وصولاً إلى القتال على الثلج ومواجهة العواصف في الجبال، والتعايش مع الثلج في أثناء الطقس العاصف من خلال بناء كهوف ثلجية. وتختتم كل دورة بامتحان تطبيقي، يليه جولة سياحية في المنطقة.

 

• هل ينجح جميع العناصر في اجتياز مختلف مراحل الدورة؟

- التعامل مع الثلج مسألة دقيقة للغاية، فهناك أخطار مختلفة تواجه المبتدئين كمثل عدم الحفاظ على التوازن في أثناء استخدام الزلاجات، مما يمكن أن يؤدي إلى الوقوع والإصابة بكسور. كذلك يمكن التعرض لوعكات صحية من جراء الطقس البارد والعاصف، وهي أمور تمنع المصاب من متابعة التدريب.

 

• علام يتم التركيز في الدورات التدريبية؟

- يشدّد المدربـون بشكـل خاص على تنمية الروح الرياضية في نفوس المتدربين. كما يحرصون على تمتّع المشاركين بالاخلاق الحسنة، مع التركيز على التعامل بحس المسؤولية، لأنه من دون هذه العوامل يمكن للمشترك أن يعرّض نفسه والآخرين للخطر.

 

رياضة وبطولات

• ما هي الإمتيازات التي يحصل عليها الناجحون في الدورات التدريبية في مدرسة التزلج؟

- يحظى العسكريون الذين يجتازون امتحان نهاية الدورة بنجاح بفرص أوفر للفوز في البطولة العسكرية التي تنظمها مدرسة التزلج، وذلك لاكتسابهم التقنيات الخاصة بهذه الرياضة. والجدير بالذكر أن بطولة الجيش هي المدخل الرئيس إلى البطولات المحلية والعالمية. فالأوائل في هذه البطولة يؤلفون الفريق العسكري الذي يشارك في مختلف السباقات المحلية والدولية. ويذكر في هذا الإطار أن فريق الجيش شارك في العام 2004 في البطولة العالمية العسكرية التي جرت في رومانيا، وشملت سباقي الألبي (Alpin) والعمق، وقد صنّف الثامن على صعيد جيوش العالم. كما شارك مع فريق مدرسة التزلج في البطولة العسكرية العالمية في سويسرا العام 2006 وحلّ في المرتبة الرابعة. وسيشارك الفريقان في العام الجاري في البطولة نفسها التي ستقام هذه المرة في جمهورية إستونيا، وسيدخلان في مباريات جديدة لم يسبق لفريق الجيش أن شارك فيها ومن بينها سباق «البياتلون» وسباق «الدورية». أما على الصعيد المحلي، فيشارك لاعبون فرديون من فريق الجيش في بطولة لبنان في التزلج التي ينظمها الاتحاد اللبناني للتزلج، والتي تقام في فاريا أو الأرز بدعم من المدرسة ومساندتها وذلك وفقاً لتعليمات العماد قائد الجيش.

كما يشارك في سباقات الأسبوع الدولي التي ينظمها الإتحاد أيضاً بمشاركة مدرسة التزلج ومساندتها. ويشارك في هذه السباقات أفراد من دول أوروبية مختلفة.

 

مطاردة وانقاذ وحماية

• الدورات التدريبية وسباقات التزلج هي جزء من المهام التي تتولاها مدرسة التزلج، فماذا عن باقي المهام والنشاطات؟

- تضطلع مدرسة التزلج، كأي وحدة قتالية، بمهمة الدفاع عن الثكنة، إضافة إلى المهام القتالية في الجبال، وتنفيذ عمليات الإنقاذ والإغاثة في أثناء العواصف الثلجية. ومن ضمن نشاطات المدرسة الدائمة مطاردة الهاربين من وجه العدالة اللاجئين إلى الجبال، والتفتيش عن المفقودين ليلاً ونهاراً في مختلف الظروف المناخية، وإنقاذ المدنيين المحاصرين من جراء الإنهيارات الثلجية وإسعافهم وإخلاء المرضى والجرحى، إضافة إلى حماية غابة الأرز من التعديات، وزرع الشتول في غابة الجيش وريّها. كذلك تقوم المدرسة بإعداد فريق الجيش للتزلج، وتشارك في بطولة لبنان والبطولات العسكرية والعالمية في التزلج.

 

فصيلة للتدخل السريع

وحضائر لمهام متنوعة

• كيف يتم توزيع المهام في المدرسة؟

- هناك عدد من المشاغل داخل المدرسة يتولى كل منها عدداً من المهام المحددة، وهي موزعة على الشكل الآتي:

- حضيرة التزلج الألبي، ومهمتهـا الأساسية الإشتراك في السباقات العسكرية والعالمية والمحلية، وإعداد أبطال تزلج لصالح الجيش، إضافة إلى القتال الجبلي السريع، والمساهمة في أعمال الإنقاذ والإغاثة في أعالي الجبال.

- حضيرة التزلج العسكري، مهمتها الأساسية تسلّق القمم والقتال في الجبال من دون اللجوء إلى المصعد الكهربائي أو إلى أي وسيلة نقل، إضافة إلى أعمال الإنقاذ والإغاثة والتفتيش عن المفقودين.

- حضيرة التزلج في العمق، من ميزاتها قطع مسافات طويلة على الثلج للإلتحام مع العدو، إضافة إلى اشتراكها في السباقات العسكرية العالمية والمحلية، وتدريب العناصر المؤهلين لإعداد ابطال لصالح الجيش، والمساهمة في اعمال الإغاثة والإنقاذ.

- حضيرة سباقات البياتلون، مهمتها الإشتراك في السباقات العسكرية العالمية.

- حضيرة سباق الدورية، تتولى أيضاً الإشتراك في السباقات العسكرية العالمية.

- حضيرة دراجة الثلج للإنقاذ، مهمتها تدخّل سريع وحفظ أمن، إضافة إلى أعمال الإنقاذ والإغاثة، وتتميّز بشكل خاص بنقل الجنود إلى الخطوط الأمامية.

- حضيرة ناقلة الجند على الثلج، مهمتها نقل الجند إلى النقطة المرجوّة مع العتاد والمعدات اللوجستية المطلوبة لتنفيذ مهمة معينة إضافة إلى مهمة الإنقاذ والإغاثة وإخلاء المرضى والجرحى في حال التعرض لعاصفة ثلجية.

- فصيلة القتال الجبلي في الثلوج، مهمتها التدخل السريع والقتال في الجبال والإلتحام مع العدو بغية الإطباق عليه وتدميره، إضافة إلى مهمة حفظ الأمن والإنقاذ والإغاثة، وإخلاء المرضى والجرحى في حال تعرّضهم لعاصفة ثلجية. ومن ميزات هذه الفصيلة إمكان البقاء عدة أيام في الثلوج داخل الكهوف الثلجية من دون اللجوء إلى أماكن مجهّزة.

 

على صقيع المرتفعات

من الشرح النظري الذي زوّدنا إياه العقيد الركن خير، إنطلقنا للإطلاع على التطبيق العلمي من خلال جولة ميدانية في مرتفعات بشري، حيث كان فريق من تلامذة السنة الثالثة في مدرسة الرتباء ينفذ تمارين عملية في القتال على الثلج بإشراف مدربين محترفين من مدرسة التزلج.

بدأت جولتنا بالإنتقال في آلية عسكريـــة مخصــصـــة للطرقات الثلجية إلى ساحة التدريب حيث قُسِّم المتدربون إلى مجموعات تنفذ كل منها التمرين المحدد لها.

على أرض شاسعة منبسطة، كانت المجموعة الأولى تقوم برماية بالبندقية ضمن تدريب يعرف بـ «سباق البياتلون» (Biathlon), وهو سباق أولمبي شتوي يتضمّن التزلج الحر مع رمايات بالبندقية، ويراوح طوله بين 10و20 كلم، وذلك كما أوضح لنا مدير الدورات النقيب إدمون كعدو. وأضاف أن هذا السباق يتطلب قدرة بالغة على التحمّل، ويمكن أن ينفذ على مدار يراوح طوله ما بين 2و4 كلم، مشيراً إلى أنه بعد كل دورة على المدار، ينبغي على المتسابق أن يقوم برمي خمس طلقات بالبندقية إنبطاحاً أو وقوفاً من على مسافة خمسين متراً من الهدف.

من سباق «البياتلون» إلى سباق «العمق» حيث كان عناصر المجموعة الثانية ينفذون مناورة في التدخل السريع وملاحقة العدو، بخطوات مدروسة ونشاط واندفاع واضحين، وفقاً لتعليمات المدربين وإرشاداتهم.

المجموعة الثالثة قدمت عرضاً مميزاً في أثناء تنفيذ دورية حفظ أمن ومواكبة آلية عسكرية على الثلج، حيث كان عناصرها يلهبون الثلج بدراجاتهم ومزلاجاتهم ودورانهم السريع حول الهدف.

 

.. وفي دفء الكهوف

 المجموعة الرابعة كانت تتربع على قمة جبل ناصع البياض لتنفيذ تمرين حول التعايش في الثلج من خلال بناء كهف ثلجي. وفيما كان عدد من العناصر يحفر الثلج بكدٍ لإنجاز المهمة، راح آخرون ممن أنجزوا مهمتهم يستمتعون بالدفء داخل كهوفهم البيضـاء الصغيـرة، مزودين كل ما يلزم من ألبسـة ومعدات خاصة بهذا التمرين.

بعد إطلاعنا على نوعية التدريب الخاص بفن القتال على الثلج، راحت كاميرا التصوير تنتقل بين المجموعات الأربع، ورحنا نراقب معها بدهشة التمارين التي امتزجت فيها براعة المدربين المتمرسين مع اندفاع وحماس المتدربين المبتدئين فأثمرت أداءً رائعاً يدعو إلى الإعجاب الشديد... والتصفيق الحاد!

 

ابطال ومتدربون

قبل سلوك طريق العودة كانت لنا دردشة قصيرة مع عدد من المدربين والمتدربين حول سير التدريب وصعوباته، جمعنا خلالها الآراء الآتية:

• الرقيب الأول إدوار جعجع (بطل الجيش ومن أبطال لبنان في السباق الألبي)، تحدث عن الصعوبات التي تواجه المبتدئين وأبرزها الرياح والعواصف الثلجية التي تعيق تمارين القتال على الثلج، مؤكداً أن المدربين يسعون دوماً إلى تذليل هذه الصعوبات ويلاقون في معظم الوقت تجاوباً ملموساً مردّه إلى حسن المسؤولية وروح الإنضباط لدى العسكريين المتدربين.

• الرقيب الأول سيمون جعجع (رتيب الدورات)، أكد أنه في جميع الدورات التدريبية يتم التركيز على أهمية الإنضباط والروح الرياضية والتنافس الشريف وحسن المسؤولية، كما يشدد المدربون على تمرين العناصر الجدد على عمليات الإنقاذ والإغاثة في أثناء العواصف الثلجية.

• العريف أحمد بطيخ (بطل الجيش ومن أبطال لبنان في سباق العمق)، أكد أهمية التدريب المتواصل الذي يسمح لصاحبه بأن يحصد نتائج هائلة على صعيد البطولات المحلية والدولية.

• التلميذ الرتيب وسيم الحاج، أكد أن القيادة أتاحت للتلاميذ الرتباء فرصة فريدة للتعرّف إلى اسلوب قتالي مميز جداً، مشيراً إلى أهمية التدريب الذي يشمل حركات القتال على الثلج والإغارة على العدو وعمليات الإسعاف والإنقاذ. وتوجّه بالشكر إلى مدربي المدرسة الذين تمكّنوا بفضل كفاءتهم أن يجعلوا من التدريب أمراً ممتعاً ومفيداً في الوقت نفسه.

• التلميذ الرتيب جان أبو خير، أشار أيضاً إلى أهمية الدروس والتدريبات التي يتلقاها العسكريون في مدرسة التزلج والى الجديد الذي تقدمه لهم كإنشاء كهف الثلج، أو إنتقال الحضيرة في أثناء العاصفة، وإستخدام الشمعة الصغيرة للتدفئة داخل الكهف الثلجي.

وختم مؤكداً أن هذه الدورة مميزة بالفعل، فهي تعليمية ومسلية في آن واحد.