ستراتيجيا وتسلّح

القدرات النوويــــة الإيرانية والمخاوف الأميركية الإسرائيلية
إعداد: كمال مساعد

أعادت الدوائر الديبلوماسية والإستخباراتية الأميركية ­ الإسرائيلية, التركيز على الخطر الإيراني وتداولت معلومات مذهلة حول القدرات التسلحية غير التقليدية الإيرانية, والتي تنطوي على امتلاك تكنولوجيا الصواريخ البعيدة المدى, الى جانب التحكم في المواد الإنشطارية التي يستلزمها إنتاج القنبلة النووية التي حددت إسرائيل إمكانية امتلاكها في العام 2005, مما استوجب احتواء خطرها الآن.

مرحلة التصنيع الأولى
سجلت طهران بداية خطواتها في هذا المجال بالحصول على كميات من “سكاد ­ ب” من كوريا الشمالية, والصين, إضافة الى “فروغ ­ 7” بمدى 70 كلم. وشرعت في وضع النواة الأولى لبرامج تطوير وإنتاج صاروخي, بالتعاون مع كوريا الشمالية والصين.
وتمثلت الثمرات الأولى لهذا البرنامج, بداية, في نماذج لصواريخ بالستية قصيرة المدى, كانت في معظمها طرازات مشتقة من “فروغ ­ 7” مثل “شاهين ­ 1” و”عقاب” و”نازيات” والتي يتراوح مداها بين 60 كلم و150 كلم. وخلال المرحلة التي تلت إنتهاء الحرب العراقية ­ الإيرانية, اجتهدت ايران في تصنيع صواريخ بمستويات تكنولوجية أكثر تقدماً على صعيد القوة الدافعة, والوقود الصاروخي والحمولة الحربية, وأجهزة التهديف والتصويب الحسابية, الى المسافات التي باتت تتجاوز الـ1000 كلم. وعملت طهران من خلال تطوير برنامجها الصاروخي على تجاوز الإطار الإقليمي الى مستويات أوسع ومسافات أبعد تتخطى الـ2000 كلم.
وكانت إيران في مطلع التسعينات, حصلت على “سكاد ­ سي” من كوريا الشمالية وعلى “سي. س. س 80” من الصين. وتعتقد مصادر استخباراتية أن إيران تعمدت تنفيذ خططها بشكل منفصل, كي لا تثير قلق الأوساط الأميركية والأطلسية وخصوصاً الإسرائيلية, وهي استعانت بكوريا وروسيا فكانت النتيجة “شهاب ­ 3” و”شهاب ­ 4”, الى تطوير صاروخ “نودونغ ­ 1” بتمويل إيراني وتقنيات كورية, وإنتاج “زلزال”, مع ما تبع ذلك من إطالة المدى وتحسين الحمولة الحربية وزيادة دقة التصويب. وجدير بالذكر أن “شهاب ­ 3” أصبح عملانياً وجاهزاً بدءاً من العام 1988.
وفي الواقع, أجرت إيران بنجاح في 15/7/2000 اختبارها الثاني للصاروخ البالستي “شهاب ­ 3” الذي بلغ مداه نحو 1300 كلم, وتصل سرعته الى نحو 7000 كلم في الساعة, وطوله 17 متراً, ويمكنه حمل رأس حربي.

إنتاج الصواريخ وتطويرها
كانت إيران قد طوّرت عائلة من الصواريخ غير الموجهة "نازيب" ذات الوقود الصلب, إلا أنها منذ 1991 بدأت بتصنيع “سكاد ­ سي” الذي يصل مداه الى 550 كلم. وهناك تقارير تتحدث عن قيام إيران بتطوير صاروخين باليستيين جديدين يعملان بالوقود الجاف هما اشتقاقان للصاروخين الصينيــين “م ­ 11” (CSS-7 / DF-11) و”م ­ 9” (CSS-6 / DF-15) بحمولات مخففة وبمدى يبلغ 400 كلم للصاروخ الأول و800 كلم للصاروخ الثاني. وقد أجري اختبار على اشتقاق الصاروخ “م ­ 9” في أيار 1996, كما أشارت التقارير, ويعتقد أن هذين الصاروخين دخلا الخدمة في صفوف القوات المسلحة الإيرانية.
في 1992 بدأت إيران بتطوير صاروخ من مرحلة واحدة, يعمل بالوقود السائل أطلق عليه اسم “شهاب ­ 3”, وفي تموز 1998 أجريت أولى التجارب عليه. ويشبه شهاب ­ 3 الصاروخ الكوري الشمالي “نودنغ ­ 1”, ومن المحتمل أنه يستخدم بعض تقنيات الصاروخ “سكاد ­ ب” إنما بمحرك أكثر تقدماً, كما يشبه الصاروخ الباكستاني “غوري” أو “هاتف ­ 5”.
يتراوح مدى “شهاب ­ 3” بين 1300 و1500 كلم, وأشارت تقارير الى أن برنامج التطوير لا يزال قائماً ومستمراً وأن الهدف التالي هو صنع “شهاب ­4” الذي يبلغ مداه 2000 كلم. كما تحدثت تقارير أخرى عن أن كوريا الشمالية تساعد إيران في برنامج جديد يهدف الى صنع الصاروخ “شهاب ­ 5” الذي يرتكز على تصميم الصاروخ الكوري الشمالي “تايب دونغ ­ 1” وهو الصاروخ الذي اختبرته كوريا الشمالية في آب 1998 وكاد يسبب أزمة حادة مع اليابان, ويبلغ مدى الصاروخ بين 3500 و5000 كلم.

الترسانة النووية الإيرانية
رافق الحملة الأميركية ­ الإسرائيلية على إيران إيقاع محموم في موازاة إعلان وزير الدفاع الإيراني الأدميرال علي شمخاني أن بلاده تجري مفاوضات جدية مع روسيا لشراء أنظمة دفاع جوي من طراز “ اس ­ 300” (S-300) متخصصة لحماية مفاعل يوشهي النووي, بعدما قطعت إيران شوطاً بعيداً في تطوير قدراتها البالستية المتوسطة والبعيدة المدى, مما أقلق الثنائي المعادي الذي يدرج إيران على “حافة دولة الرعب” وفقاً للمعلومات التي حددت ترسانتها الصاروخية وبرنامجها النووي على النحو الذي يظهره الجدول.    ويشمل البرنامج النووي الإيراني في وجهيه السلمي والعسكري ما يأتي:

 

  1. مفاعل بوشهر على الخليج, يتم بناؤه وتجهيزه على يد شركات روسية, وهو يعمل بالماء المضغوط, ولا يتوقع الإيرانيون أن يكون ناجزاً قبل العام 2005 وهو مخصص لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه.
  2. تمضي إيران في سلسلة أبحاث نووية بهدف امتلاك تكنولوجيا التحكم في اليورانيوم الذي تمتلك منه كميات في مناجم تشرف عليها المنظمة الإيرانية للطاقة النووية (OIEA) .
  3. مختبر انيراباد, أسسه الشاه عام 1967 وأعاد الأميركيون تحديثه وتجهيزه عام 1974, ويجري طلاب العلوم الفيزيائية في جامعة طهران أبحاثاً فيه. والمثير أن واشنطن هي التي زوّدت المركز بأول مفاعل حراري بقوة 5 ميغاوات, ثم بآخر بقوة 12 ميغاوات, وحصلت طهران على اليورانيوم المخصب من الجزائر والأرجنتين.
  4. بنية كرج: تقع غرب طهران, وهي مزودة بمفاعل للأبحاث يعمل باليورانيوم الخصب, حصلت إيران عليه من الصين.
  5. مشروع أصفهان, وهو الأهم والأبرز في إطار الخطة الكبرى لحيازة التكنولوجيا النووية. ويحاول المسؤولون في المنظمة الإيرانية للطاقة النووية تزويده بمفاعل من 40 ميغاوات, وما فوق, لتدريب طلبة الإختصاص, ويستفيد هذا المشروع من خبرات صينية وروسية.
  6. معلم كلايه, يقع بالقرب من مدينة قزوين (شمال غرب طهران), مفاعله النووي الصيني المصدر, يعمل بقوة 40 ميغاوات, وأحيطت منشآته بوحدات صناعية. ولعله الأكثر تكاملاً في البرنامج النووي الإيراني على مستوى التجهيزات والإنشاءات.
  7. مشروع جرجان الكبير, يقع شمال ­ شرق مدينة جرجان, يشرف عليه المساعد السابق لرئيس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية (OIEA) منصور حاج عظيم, وهو من الاختصاصيين في علوم الذرة. ويسعى الى جعله حلقة مركزية في البرنامج النووي الإيراني.
     

ويشرف على هذا البرنامج الطموح, رئيس "OIEAس غلام رضا أغازده, الذي كان وزيراً للنفط, بين 1988 و1999 وهو يحظى بثقة مرشد الجمهورية الإسلامية, السيد علي خامنئي, لكن نائبه رضى آمر اللهي هو الإختصاصي النووي الأول في إيران. والأخير كان وراء مبادرة استدعاء الخبراء النوويين المهاجرين, وإغرائهم بشتى التقديمات, عبر تسطير مذكرات, تسلمتها السفارات وعملت في ضوئها. ويقدر عدد هؤلاء الإختصاصيين في الذرة بنحو مائة عنصر.

التخوف الإسرائيلي من الخطر الإيراني
تقول تقارير إستخباراتية أن صواريخ شهاب 3­4 تستهدف أيضاً قاعدة زاخاريا جنوب ­ شرق تل أبيب, وهي تضم صواريخ بعيدة المدى, قادرة على حمل رؤوس نووية. وأظهرت صور لأقمار اصطناعية أن الصواريخ في هذه القاعدة ليست مخزنة في ملاجئ تحميها في حال تعرضها لهجوم. والصاروخ الصيني من طراز “أم”, الدقيق في إصابة الأهداف, قادر على إلحاق أضرار خطرة بها. وفي التقارير أيضاً أن الكهوف والسراديب الإيرانية, وخلافاً لمثيلاتها الإسرائيلية, محصنة, ولا تنفذ إليها الموجات الإشعاعية أو القنابل الفراغية المسماة قنابل الأعماق.
وأمام هذا التحول الكبير, أكدت الدوائر الإستخباراتية السرية أن طيارين إسرائيليين يتدربون في منطقة الأناضول الوسطي التركية, على خطط تستهدف التحضير لقصف مفاعلات ذرية إيرانية. وأشارت هذه الدوائر في الكواليس الإسرائيلية الى عدم السماح لإيران, مهما كانت الظروف, ببناء مفاعل ذري أو إمتلاك سلاح نووي. وأكدت أن الطيارين الإسرائيليين يكثرون, في إطار التدريبات في تركيا, من التحليق فوق الحدود الإيرانية, ضمن تحضيرات قد تمهد لعمليات قصف, أو إنزالات عسكرية, بهدف توجيه ضربات محتملة لأهداف إيرانية.
وتبعاً لمعلومات غربية متطابقة, فإن عملية “بابل ­ 2” لتدمير المفاعلات النووية, ومصانع الصواريخ الإيرانية, دخلت حيز التطبيق, في حال فشل جهود الردع الديبلوماسي الأميركي, لمنع طهران من تحقيق المنظومة الستراتيجية التي تحلم بها.
ويبدو أن خبراء عسكريين إسرائيليين يتفحصون حالياً, خيارين اثنين: الأول شمل عملية قصف جوي لمصانع الصواريخ في شيراز, وخورم أباد, وفراحين, وشهمان, والثاني: عمليات تستهدف الخبراء أو العلماء الأجانب الذين يعملون في برامج تطوير الصواريخ والأسلحة النووية.
وحصول إسرائيل على 45 طائرة حربية, من طراز “أف ­ 15” الأميركية, والتي تتميز بقدرة على قطع مسافات تزيد على 1500 كلم, والعودة الى قواعدها, من دون التزود بالوقود في الجو, هو في إطار التحضير لشن هجوم وقائي, على غرار الغارات ضد المفاعل النووي العراقي, منذ إحدى وعشرين سنة. فما الذي ينتظر المنطقة؟

 

نوع الصاروخ المدى الوقود بلد المنشأ
Scud-B 200 كلم سائل كوريا الشمالية
Scud-C 600 كلم سائل كوريا الشمالية
عقاب 40 كلم صلب الصين
نازيات 130 كلم صلب الصين
M-11 280 كلم صلب الصين
M-9 560 كلم صلب الصين
شهاب 3 1200 كلم صلب روسيا -الصين
شهاب 4 1600 كلم صلب روسيا -الصين

المراجع

  • ­تقرير CIA المعلوم والمجهول في الترسانة النووية الإيرانية, أ ­ ف ­ ب, 8/1/2002.
  • ­تقرير BBC ­ لندن, أول شباط 2002.
  • ­الشرق الأوسط, خدمة لوس انجلس تايمز, 26/5/2001.
  • ­واشنطن غريغ ميلر, خدمة لوس أنجلس تايمز, 16/1/2002.
  • ­وكالة نوفوستي الروسية, 20/11/2001.