- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
الصيادون اعترضوا السفن الأجنبية دفاعاً عن لقمة عيشهم وأمراء الحرب حموهم وقاسموهم المغانم
على مدى عقود كانت الصومال مسرحاً لسلسلة من الحروب التي جعلت الشعب الصومالي من أفقر شعوب العالم. وعلى خلفية الفقر والصراعات القبلية والأزمات السياسية المتشابكة مع المصالح الدولية، نشأت ظاهرة القرصنة التي بدأت مع اعتراض الصيادين القدماء سفناً أجنبية أتت تقاسمهم «لقمة البحر».
«ستبقى أعمال القرصنة على شواطئ الصومال البحرية مشكلة، طالما بقي العنف والفوضى على أراضيها البرية».
مسؤول في الأمم المتحدة المكتب الدولي البحري
موقع الصومال وأهميته الاستراتيجية
تقع الصومال في القسم الشرقي من قارة أفريقيا، وتتربّع فوق ما يُعرف بـ«القرن الأفريقي»، المطلّ على خليج عدن والمحيط الهندي، والقريب من «باب المندب»، المعبر الاستراتيجي المهم ما بين هذا المحيط والبحر الأحمر، حيث يعبر أكثر من 30٪ من التجارة العالمية البحرية، وسفن نقل النفط باتجاه قناة السويس.
المساحة والحدود
تبلغ مساحة الصومال حوالى 638 ألف كلم2. تحدها من الشمال دجيبوتي (58 كلم)، وإثيوبيا من الغرب (حوالى 1600 كلم)، كينيا من الجنوب (682 كلم)، وتطل شرقاً على المحيط الهندي بشريط طويل من السواحل (3025 كلم)، وهي تملك أطول ساحل لدولة أفريقية تطل على البحر.
الموارد الطبيعية
تمتاز طبيعة الصومال بأراضيها الجرداء والصحراوية في مناطق الوسط والداخل، وقلة الأمطار، ومناخها الإستوائي الموسمي في الوسط والجنوب، والمعتدل في الشمال.
وقد دلّت دراسات أجريت أخيراً على وجود كميات ضخمة من النفط خصوصاً في مناطق الشمال. وكذلك كميات كبرى من اليورانيوم والفولاذ والرصاص والملح والغاز الطبيعي.
السكان ووسائل العيش
يبلغ عدد سكان الدولة الصومالية الحالية وفق التقديرات الأخيرة (2008) حوالى 10 ملايين، أما الشعب الصومالي (كإثنية مستقلة موزعة على عدد من الدول المجاورة أو في العالم، خصوصاً بعد سلسلة الحروب المستمرة منذ عقود) فيبلغ تعداده حوالى 16 مليون.
المجتمع الصومالي، قبلي، عشائري، متدين، يمتاز بسيطرة عدد من القبائل الكبيرة على الحياة السياسية والإجتماعية يتبعها عدد من القبائل الأصغر وفروعها وبطونها وأفخاذها. وتعيش هذه القبائل على تربية الماشية والرعي والزراعة، في الأرياف (40٪ من الدخل) وتتنافس في ما بينها للحصول على الموارد وأسباب المعاش الى حد الإقتتال.
أما على السواحل فيعيش الناس من عملية صيد الأسماك، وزراعة الموز وتصديرها مع الجلود والفحم والحديد الخام (65٪ من الصادرات) ويبلغ معدل دخل الفرد السنوي حوالى 600 دولار (تقديرات 2008) أما الدخل القومي فقدر بمبلغ 5.7 مليار دولار العام 2008.
يتكلم سكان الصومال اللغة الصومالية، وهي اللغة الرسمية، كذلك اللغة العربية وهي لغة الدين (كلهم مسلمون سنّة، على المذهب الشافعي). و85٪ من الشعب، صومالي الإثنية، و15٪ من باقي الإثنيات ومن ضمنها العرب (30 ألفاً). والصومال دولة أفريقية تنتمي الى الإتحاد الأفريقي وهي كذلك إحدى دول «جامعة الدول العربية».
قبائل الصومال
- مجموعة قبائل «أرر بن سالمة» أو أرر صومالي (أبو الصومال). وهذه المجموعة تضم حوالى 70٪ من شعب الصومال.
- قبائل «الهوّي» والدر والمرجان وتعني صباغة الجلود والصيد البري. وتمتد قبيلة «الهوّي» خارج حدود الصومال الى كينيا وأثيوبيا.
«الجودا بورسي» وتساكن مجموعة الهواشم الذين ينسبون أنفسهم الى بني قريش، ويساكنون قبائل العيسى ومرجان والجبويي في زيلع.
- قبائل اسحاق وهم من العرب وكذلك قبائل الدارود.
الوضع السياسي الإجتماعي في الصومال
تعيش الدولة الصومالية أزمة سياسية منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق محمد سياد بري العام 1991، فهي دولة ممزّقة منذ 18 عاماً، إذ أعلن عدد من مقاطعاتها استقلاله عن الحكومة المركزية كجمهورية أرض الصومال في الشمال (Somali land). كما أعلن إقليم البونطلاند (Pont Land) الواقع على القرن الأفريقي حكماً ذاتياً مع ولائه السياسي للحكومة المركزية في العاصمة مقديشو. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة التي قامت بها الحكومة المركزية لإعادة توحيد البلاد، إلا أن الصراع على السلطة بين التيارات والقبائل حال دون التوصل الى حلول للأزمة. واندلعت حروب دامية أدت الى مقتل عشرات الآلاف من السكان، وهجرة مئات الآلاف عن ديارهم، ولم تستطع محاولات الأمم المتحدة، أو الإتحاد الأفريقي منع هذه المنازعات الدامية حتى اليوم، كما أن الأحداث جعلت الشعب الصومالي من أفقر شعوب العالم إذ أن هناك حوالى 73٪ من الشعب اليوم يعيش بأقل من دولارين في اليوم، ومعظمهم يعيش من المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة عبر حملات منظمة ومستمرة لمكافحة المجاعة والأمراض.
جذور ظاهرة القرصنة الصومالية
عمل الرئيس سياد بري في أثناء فترة حكمه على تنمية صناعة صيد الأسماك وتطويرها من خلال مساعدات دولية مهمة قدّمت للصومال أسطولاً للصيد البحري وتصديره الى الخارج، وقد عمل الكثير من الصوماليين في هذه الصناعة.
وبعد سقوط حكم بري واندلاع الحرب الأهلية في الصومال تدهورت هذه الصناعة، واشتدت الأزمة مع قيام السفن الأجنبية بأعمال الصيد في سواحل الصومال، ما دفع بعض الصوماليين الصيادين القدماء للقيام باعتراض هذه السفن وأحياناً مصادرة ما تحمله، واستخدام القوة لمنع التعدي على شواطئهم البحرية. من هنا نجد أن الجذور الأولى للقراصنة الصوماليين تعود الى بعض هؤلاء الصيادين الذين احتجزوا هذه السفن وطلبوا فدية لإطلاقها، ولما جرى دفع الفدية من قبل الدول أو الشركات صاحبة هذه السفن انتبه أمراء الحرب الصوماليون «على البر» الى أهمية هذا العمل وأرباحه الكبيرة، فبدأوا بتسهيل أعمال القرصنة، وحماية القراصنة، واقتسام الغنائم معهم.
واللافت أن القراصنة لا يؤذون الرهائن الذين يسيّرون السفن المخطوفة، بل يعاملونهم معاملة حسنة طمعاً في الحصول على الفدية بأسرع وقت.
وقد حاولت الحكومة الفدرالية الإنتقالية التي تولّت السلطة العام 2004 محاربة ظاهرة القرصنة، وسمحت للأساطيل الأجنبية بملاحقة القراصنة حتى في مياه الصومال الإقليمية (200 كلم)، كذلك فعلت حكومة بونطلاند. وقد وجّهت الحكومتان طلباً الى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للمساعدة في مكافحة عمليات القرصنة في شواطئ الصومال بعد تزايد هذه الأعمال خصوصاً خلال العام 2008.
من هم القراصنة؟
يمكن ملاحظة أن معظم القراصنة ينتمي الى منطقة البونطلاند في القرن الأفريقي (شمال الصومال الشرقي)، ويقدّر بعض المصادر أن هناك حوالى خمس عصابات كبيرة يقدر عديدها بأكثر من 1000 شخص تقوم بالقرصنة، وتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 سنة.
وقدر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أنه يمكن تقسيم القراصنة الى ثلاث فئات هي:
1- الصيادون المحليون ويعتبرون كعقل لعمليات القرصنة نظراً الى مهاراتهم وخبرتهم الطويلة في البحر.
2- أفراد الميليشيات السابقون، والذين عملوا في خدمة أمراء الحرب المحليين، وهؤلاء يشكّلون عضلات القراصنة.
3- خبراء تقنيون وهؤلاء يمكنهم إدارة وتشغيل التجهيزات المتطورة من أجهزة إتصال وكمبيوتر ونظام تحديد المواقع العالمي GPS.
أسلحة القراصنة وعملهم
يقول بعض المصادر أن القراصنة يحصلون على سلاحهم من خلال وسطاء. وهؤلاء يشترونه من اليمن، ومن مقديشو العاصمة، ويرسلونه الى القراصنة في الشمال وهناك يقبضون ثمنه نقداً.
وهذه الأسلحة تراوح ما بين رشاشات «كلاشينكوف» (AK47) و«آر. بي. جي» (RPG - 7)، وصواريخ مضادة للدروع (Rocket Launcher) ومسدسات نصف أوتوماتيكية مثل «TT - 30»، وكذلك قنابل يدوية مثل «RGD - 5 أو F1».
ينطلق هؤلاء القراصنة في البحر داخل سفينة صيد متوسطة تدعى السفينة الأم (Mothership) وفيها بعض الزوارق السريعة (Zodiac)، والوسائل اللوجستية الضرورية كافة للبقاء في البحر أياماً. وعندما يحدّدون هدفهم المناسب ينطلقون بعدة مجموعات مسلحة في قواربهم السريعة نحو السفينة المقصودة ويحيطون بها ويهدّدونها بأسلحتهم المختلفة، ولما كانت السفن التجارية غير مسلحة فإنهم يصعدون الى ظهر السفينة المخطوفة بواسطة الحبال أو السلالم التي يتزوّدونها، وهناك يتم حجز الطاقم ومن ثم يقومون بتوجيه السفينة الرهينة باتجاه برّ الأمان المحدد باستخدام أنظمة التوجيه المتطورة التي بحوزتهم، ويعتبر مرفأ إيل أحد المرافئ المهمة التي يلجأ اليها القراصنة في منطقة بلاد البونط.
كيف يتم دفع الفدية؟
يتم دفع الفدية للقراصنة بالدولار (في أكثر الحالات) ويجري ذلك بالطرق الآتية: بواسطة أكياس أو صناديق خاصة لمنع تلفها بالماء وترمى بواسطة طائرة هليكوبتر أو زوارق صغيرة، كذلك يمكن رميها للقراصنة بواسطة المظلة (Parachute) كما حدث في دفع فدية ناقلة النفط السعودية العملاقة «سيريوس ستار» (MV Sirius star)، فقد أسقط صندوق برتقالي بواسطة المظلة فوق سطح هذه السفينة، يحتوي 3 ملايين دولار، وتمّ ذلك في شهر كانون الثاني 2009، وأطلقت السفينة وطاقمها بعد أن جرى عدّ أوراق النقود بواسطة آلات عدّ متطورة جداً تماماً كتلك الموجودة في أي مكتب عملات حول العالم.
ويزعم البعض أن القراصنة الصوماليين يتلقون دعماً مالياً، وتجهيزات ومعلومات من صوماليي «الدياسبورا» الموزعين في عدد من دول العالم الغربي، وخصوصاً في كندا حيث ينتشر حوالى 200 ألف صومالي. ووفقاً للمكتب الدولي للملاحة فإن قراصنة الصومال قاموا بحوالى 111 عملية قرصنة العام 2008، نجح منها 40 عملية، ويحتجزون حتى الآن 14 سفينة عليها 200 رهينة، وقد جنى القراصنة أرباحاً قدّرت بما بين 60 و70 مليون دولار من الفدية التي تمّ دفعها من قبل أصحاب السفن أو الدول.
الموقف الدولي
لقد وحّد عمل القراصنة في الصومال جهد عدد من الدول الكبرى، وبعض دول المنطقة ضدها، وعدد من هذه الدول تعتبر في حالة عداء في ما بينها، أو على الأقل غير متعاونة، مثل الولايات المتحدة وإيران والناتو وروسيا، والصين والهند واليابان؛ وقد أنشأت قوة مهمة خاصة (Task Force 150) مؤلفة من عدد من سفنها الحربية وباشرت أعمال الدورية والمطاردة في المحيط الهندي وخليج عدن. كذلك عمدت جامعة الدول العربية ودولها المشاطئة للبحر الأحمر والمطلة على باب المندب الى تعزيز إجراءات الأمن والحماية للسفن العابرة للمضيق وقناة السويس، خصوصاً أن قناة السويس تأثرت بنسبة كبيرة نتيجة تحوّل السفن عن عبورها وتوجّهها نحو رأس الرجاء الصالح، وقدّرت خسائر مصر بأكثر من مليار دولار من عائدات القناة نتيجة لذلك.
وفي مطلع كانون الثاني 2009 تشكّلت قوة جديدة مشتركة من عدد أكبر من دول العالم أطلق عليها إسم «CTF - 151» (Combined Task Force 151) وأعدت وجهّزت بعدد أكبر من السفن الحربية للعمل في منطقة سواحل الصومال وخليج عدن، لحماية عملية إنتقال السفن التجارية بأمان وحرية، ولمحاربة القراصنة العاملين في هذه المنطقة ومطاردتهم.
موقف الأمم المتحدة
في 7 تشرين الأول 2008 تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً رقمه 1838، دعا فيه الدول التي لديها أساطيل في المنطقة الى استخدام القوة لمنع أعمال القرصنة، كما أن الهند دعت لإقامة قوة حفظ للسلام لمعالجة قضية القرصنة في سواحل الصومال.
كذلك تبنّى مجلس الأمن في 20 تشرين الثاني 2008 قراراً اقترحته بريطانيا بفرض عقوبات على الصومال لتقصيرها في منع أعمال القرصنة.
وفي 17 كانون الأول 2008 تبنّى مجلس الأمن بالإجماع قراراً، يسمح لأول مرة بجواز احتلال البحر والبر لاستخدامهما في مطاردة القراصنة والقضاء عليهم.
صراع دائم
إذا كانت القرصنة جرماً دولياً بامتياز وعملاً لصوصياً من الدرجة الأولى وفق القوانين البشرية والدولية كافة يجب ردعه ومنعه بالقوة، إلا أن المشكلة في الصومال تكمن في البر الصومالي وفي الصراع الدائم على السلطة والمكاسب، والحل الأمثل لهذه المشكلة هناك (القرصنة) هو في إرساء نظام حكم مستقر وتوحيد أفرقاء التركيبة الإجتماعية ولو بالقوة، لأن إقامة دولة قوية وتنمية إجتماعية مستدامة وحدهما ما يكفل القضاء على هذه الظاهرة الخطرة، والى أن يتحقق ذلك ستبقى أرض الصومال وشواطئها سائبة للقراصنة وغيرهم وللتدخل الدولي.
المراجع
I- The New York Times: Pirates of the mediterranean by robert Harris, Sept 30-2006
II- Pirates - global security.org
III- Piracy - wikipedia Encyclopedia
IV- Image: China's critical sealines of communication - wikipedia
V- Somalia - wikipedia
VI- VOA News - 21 Jan 2009
VII- BBC News/Africa/Q & A: Somali Piracy
VIII- BBC News/Africa/ Life in Somalia's Pirates town
IX- CIA - The factbook-Somalia
- مجلة الحوادث: العدد 2717 - 28 تشرين الثاني - 4 كانون الأول 2008.
- بحث: الصومال أرض سائبة. إعداد سليم نجم - ص 16-21.