القمة الحدث

القمة الفرنكوفونية التاسعة في خدمة السلام والديموقراطية وحقوق الإنسان

حوار الثقافات والحضارات ينطلق من لبنان

بعد ستة اشهر على انعقاد القمة العربية في بيروت في آذار الماضي, كان لبنان في الثامن عشر من تشرين الأول 2002 على موعد مع تظاهرة دولية جديدة, تمثلت في افتتاح زعماء عشرات الدول القمة الفرنكوفونية التاسعة في مركز بييل للمؤتمرات الدولية الذي غص بـ43 رئيس دولة ورئيس حكومة من اصل 54 دولة عضواً في المنظمة, و278 مدعواً من الشخصيات اللبنانية تقدمهم رئيسا المجلس والحكومة ورؤساء الجمهورية والحكومــة السابقون ورؤساء الطوائف, وبحضــور الوزراء والنـواب وقائد الجيش العماد ميشال سليمان وعدد كبير من السفراء العرب والأجانب والقضاة والمديرين العامين, وجميع موظفي الفئة الأولى ورؤساء نقابات المهن الحرة, ونقيبي الصحافة والمحررين.
فإلى جانب فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود والرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي حضر للمرة الاولى قمة فرنكوفونية بدعوة شخصية من الرئيس لحود, حضر الجلسة الإفتتاحية للقمة الفرنكوفونية كل من:
رئيس جمهــورية السنغال عبدو لاي مراد, رئيس جمهورية بوروندي بيار بويويــا, رئيس بوركينا فاســو بلايز كومبادري, رئيس التشاد ادريـش ديبي, رئيس الكونغو ادريس ساسو غاسو, رئيس التوغو اغناسيب اياديما, رئيس النيجر مامادو هنجا, رئيس جيبوتي عمر غليلي, رئيس مدغشقر مارك رافالو مانانا, رئيس غينيا الاستوائية اوبيان غيمامياسو, رئيس سان تومي ربرنسيــت فراديك بانديرا ميلو دمو مونوز, رئيس مولدافــيا فلاديمير فورونين, رئيس افريقيا الوسطى انج فيليكس باتاسي, رئيس بنين ماتيو كيريكــو, امير موناكو الامير البر, رئيس مقدونيا بوريــس ترايكوفوسكي, رئيس سلوفاكيا رودولف شوستر, رئــيس رومــانيا ايون الياسكــو, رئيــس فيتنام تران دول اوانــغ, رئيس مالي امادو توماني توريه, رئيس جزر القمر عثمان الغزالي ورئيس جيبوتي اسماعيل عمر.
اما رؤساء الحكومات فهم: رئيس الوزراء الكندي جان كريتيان, رئيس وزراء مقاطعة برونزويك الجديدة برنارد لورد, رئيس وزراء مقاطعة كيبـيك الكندية برنارد لاندري, رئيس وزراء موريتانيا الشيخ عافية ولد محمد خوما, رئيس حكومة المجموعة الفرنسية في بلجيكا ايرفيه هاسكان, رئيس حكومة البانيا فاتوس نانو, رئيس وزراء موريشيوس سور اندود ماغات, رئيس وزراء غينيا لامين سيديمي, ممثل رئيس دولة غينيا باسو مالان مانيه, رئيس حكومة البانيا فاتوس نانو, رئيس وزراء بلغاريا سيمون ساكس كدبورغ.
وحضر وزير الخارجية المصري احمد ماهر ممثلاً الرئيس المصري حسني مبارك, فيما اوفد العاهل المغربي محمد السادس شقيقه مولاي رشيد.
اما الشخصيات التي وجهت اليها دعوات خاصة للمشاركة فهي: الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة, رئيس جمهورية سلوفاكيا رودولف شوستر, الرئيس السابق للسنغال عبدو ضيوف, نائب الامين العام للامم المتحدة السيدة لويز فريشيت, المدير العام للاونيسكو كوشيرو ماتسورا, الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى, الامين العام للكومنولث دون ماك كينون, الامين العام لمنظمة الدول اللاتينية فرنسيسكو بينون, الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي عبد لواد بكيزيز, الامين العام للاتحاد العربي للتربية والثقافة والعلوم مونغي بوسيننا, المدير العام للفاو جاك ديوف, الامين العام للاتحاد اللاتيني برناردينو اوزيو.
في خلاصة الكلمات التي افتتحت بها القمة, بدا واضحاً طغيان ثلاث قضايا على اهتمامات المؤتمرين ومداخلات زعمائهم, وهي العراق والسلام في الشرق الاوسط وحوار الثقافات والحضارات كسبيل امثل لمكافحة الارهاب واسبابه. وبرزت في هذا السياق كلمات فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود والرئيس الفرنسي جاك شيراك والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى, باعتبار ان القضايا الثلاث اخذت حيزاً مهماً من كلماتهم وشكلت الاطار الأساسي للقمة, فيما غلبت على الكلمات الاخرى قضايا الحوار وحماية التنوع الثقافي والحضاري واحترام الهويات الخاصة للشعوب ضمن هذا التنوع.
وفي نهاية المؤتمر الذي امتدت أعماله على مدى ثلاثة أيام متتالية, انتخبت القمة الفرنكوفونية التاسعة في جلستها الختامية الرئيس السنغالي السابق عبده ضيوف اميناً عاماً جديداً لها خلفاً للدكتور بطرس بطرس غالي, وقررت عقد القمة المقبلة في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو سنة 2004.
ولاحظ رئيس الجمهورية العماد اميل لحود في كلمته الختامية للقمة, ان اعلان بيروت ركز على محاور ثلاثة هي: وضع حوار الثقافات في خدمة السلام والديموقراطية وحقوق الانسان, والمفهوم الديموقراطي للممتلكات الفردية, والتأكيد ان الفرنكوفونية والتضامن مفردتان مترادفتان. كما لفت الى رفض المؤتمر كل اشكال الاحتلال كما هو الحال في بعض اجزاء الجنوب اللبناني وفي الجولان السوري المحتل.

 

كلمة فخامة الرئيس العماد إميل لحود

فخامة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود افتتح القمة الفرنكوفونية بالكلمة الآتية:
يسعدني القول, فيما انا ارحب بكم, انّ باختياركم لبنان, لعقد القمة التاسعة للفرنكوفونية, وباعتمادكم حوار الثقافات كعنوان لهذه القمة, قد قمتم بخيار واحد لا خيارين. فمبادرتكم هذه تعكس اقتناعكم بأنّ وطني هو ارض نموذجية لحوار الثقافات.
ولبنان هو كذلك من خلال تاريخه: فعلى هذه الارض التقت ثقافات وحضارات متعاقبة كونت رواسبها قاعدة هويتنا منذ آلاف السنين. وهو ايضاً كذلك, بالاستناد الى التركيبة المتميزة لشعبه. فانتشار جالياتنا على اتساع العالم, اعطى التنوع التقليدي لعائلاتنا الروحية بعداً جديداً وجعلنا ننفتح على كل القارات ونعتمد لغاتها. فنحن اولاً ناطقون باللغة العربية, ونحن ايضاً ناطقون بالانكليزية والاسبانية والبرتغالية. وتشكل اللغة الفرنسية, التي اعتمدناها منذ قرون, جزءاً من تراثنا. حضوركم بيننا لدليل على ذلك. وهذا مدعاة شرف لنا وحبور.
الا ان قلقاً يعتري فرحتنا باستقبالكم وهو يعود الى ان هذه القمة تنعقد في الواقع, في منطقة من العالم ترتكب فيها, منذ نحو قرن, احدى كبرى المظالم في التاريخ, وانتم لمدركون مراحلها الدموية. الا فتذكروا انه, ومنذ نحو مئة سنة كان عدد سكان فلسطين من غير العرب لا يتجاوز بضعة آلاف, وقد بلغ اليوم نحو اربعة ملايين, في دولة خلقت من اجلهم بالاستيطان وبالاستيلاء على الاراضي بالقوة.
ولقد تخطى هذا الاحتلال حدود فلسطين وصولاً الى عاصمتنا, محولاً الى رماد الامكنة التي ارحب بكم فيها, اليوم.
الا اننا منذ ذلك الوقت تمكنا من تحرير الجزء الاكبر من ارضنا, بفضل مقاومة شعبنا, ومساعدة اخواننا العرب, وما توافر لنا من دعم دولي. لكن الاحتلال الاسرائيلي ما زال قائماً في جزء من جنوب لبنان, كما في الجولان وفي تلك الاراضي الفلسطينية حيث غدا الكلام على سلطة فلسطينية مجرد تمويه لواقع الاحتلال.
في مطلع القرن الحادي والعشرين حيث تجهد الامم المتحضرة لاجتثاث الارهاب, يواصل الاحتلال الاسرائيلي احتراف الارهاب باحدى أبشع صوره واكثرها خبثاً: ألا وهي ارهاب الدولة. هذا الارهاب بشع وخبيث من ثلاثة اوجه: من خلال المجازر المثيرة للاشمئزاز التي يمارسها بحق السكان الاصليين, وكذلك من خلال ردات الفعل اليائسة التي يدفع هؤلاء السكان دفعاً للقيام بها, واذا كنا ندين العنف بحق المدنيين, فإنه يتوجب علينا ان نسلّم ان العنف الذي يطاول السكان الاسرائيليين انما هو وليد الهول الذي تنهك به الدولة الاسرائيلية المدنيين العرب. وهذا الارهاب يتصف بالخبث أخيراً لأنه في محاولته تبرير التوسع والاستعمار انما يتنكر بما هو عكسه تماماً.
فاسرائيل تحاول, غالباً بنجاح, ويا للاسف, استغلال مشاعر التأثر الذي ولدته في العالم احداث 11 ايلول 2001, التي حصلت في الولايات المتحدة. وهي تسعى لتصوير قمعها للمقاومة العربية كأنه تطبيق على المستوى الاقليمي للمسعى الدولي القائم لمكافحة الارهاب. وبمعنى آخر يرتدي ارهاب الدولة هذا, بعضاً من برادع الحملة المزعومة ضد الارهاب محولاً لمصلحته نظرية ما سمي صراع الحضارات, مع ادعائه انه يشكل احد تجلياته في الشرق الاوسط.
ان هذه النظرية تقوم في الاساس على تناقض في المفاهيم, كلما ارتقى مجتمع في سلم الحضارة وازداد انسانية, انفتح على التبادل السلمي مع سائر الحضارات واعرض عن الصراع والعنف. لذا, فإن محاولة وضع الحضارات بعضها في مواجهة بعض في الحرب, يعني انكارها في الجوهر لما لكلمة حضارة من دلالة ذاتية ومفهوم.
ان اهمية انعقاد قمة بيروت تكمن في التأكيد, انطلاقاً من لبنان ارض التمازج الثقافي منذ آلاف السنين, ان حوار الثقافات هو اقوى من تصادم البربريات المتنكرة بصراع الحضارات.
علمتنا الديانات السموية ان الانسانية واحدة. إلا انه, وان كانت القيم التي تجمع البشر ببعضهم البعض هي كونية جامعة, فإن البيئة التي يولد فيها الانسان ويعيش ويموت هي خصوصيته. فنحن في الواقع ننتمي الى وطن ومتجذرون في ارض. هذا التجذر وهذه الخصوصية يحددان الثقافة, او بالاحرى الثقافات, اي الاوجه المختلفة التي تحيا فيها المجتمعات البشرية انتماءها الى القيم الانسانية الجامعة.
إن حوار الثقافات يسعى الى التوفيق بين هذا التوق الى الكونية من جهة والخصوصيات من جهة ثانية. فالاختلاف لا يعني الرفض, بل إنه التهيئة والشرط المسبق للحوار, كما ان الثقافة لا تعيش الا عبر التبادل, بحيث ان الكلام على حوار الثقافات او ثقافة الحوار انما يقصد به مفهوماً واحداً.
واذا كان يخشى من العولمة التي تتميز بتطوير التقنيات الحديثة ان تؤدي الى فرض نمط حضاري واحد على العالم بأسره, فإنه من الممكن أيضاً اذا احسن استعمال هذه التقنيات بالذات ان تكون مبعثاً للتنوع الكبير للحضارات وانتعاشها.
ان اللغة الانكليزية هي لغة التبادل الدولي الاولى, ولكن من يمكنه القول بأن لغات أخرى لن تعرف يوماً نهضة يصعب تصورها منذ الآن, وذلك بفضل افادتها من التقنيات الحديثة. فعلى صعيد التراث الثقافي, يمنح الانترنت الجميع اليوم امكان الدخول الى ذلك المتحف الافتراضي الذي كان بالامس حكراً على اقلية مميزة, متخطياً بذلك اللغة, كما ان التطور المتسارع لوسائل النقل من شأنه ان يجعل السياحة الصناعة الاولى للقرن الحادي والعشرين. بفضل ذلك, لم يعد الغنى العائد لمختلف ثقافات العالم من نصيب بعض اثرياء السفر, بل يغدو في متناول العدد الاكبر من الناس, وملكاً للجميع.
أيها السيدات والسادة, لموضوع حوار الثقافات بعد سياسي يقتضي الاعتراف به, ذلك ان التمسك بالخصوصيات الثقافية انما هو وجه من وجوه الوفاء للهويات الوطنية والقومية في وجه العولمة.
واذا كان البحث في حوار الثقافات محاولة لتأمين تعايش متناغم بين الثقافات, الا انه في الدرجة الاولى هو سعي الى تأمين تعايش سلمي بين الامم, الواحدة مع الاخرى وكلها معاً مع القوة الدولية التي تحاول السيطرة بحجة العولمة. إن هذه المسألة تتعلق في آن معاً بالامم الكلاسيكية التي تأسست منذ القدم والمجتمعات السياسية التي لم تنجز بعد بناءها الوطني.
في قلب المجموعة الاولى, تم تحقيق سابقتين شجعتا قيام تناغم بين الجماعات الثقافية والاجتماعية والسياسية: الاولى تتلخص بقيام تراث مديد من الاندماج الوطني, والثانية هي ازدهار اقتصادي يعتبر ثمرة قرنين من التطور الصناعي. إن غياب هاتين السابقتين في بلداننا الاقل تقدماً يظهر مدى الصعوبات التي يتوجب مواجهتها للحفاظ على تماسكها الثقافي وتالياً على هويتها السياسية من جهة, ومواجهة احتمال فقدانها لشخصيتها نتيجة مخاطر العولمة من جهة ثانية.
إن شرخاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً عميقاً يمزق العالم ويؤكد بضراوة ان العولمة, عوض تحويلها الكرة الارضية الى مجموعة متناسقة, قد جعلت الهوة القائمة بين اقلية متمتعة بامتيازات واغلبية هي في حالة تقارب اليأس. هذا الامر يظهر مدى التحدي, لا بل المفارقات التي يطالعنا بها حوار الثقافات. في عصر العولمة, فلكي يكون مثمراً او بكل بساطة ممكناً, فلا بد لأي حوار ان ينشأ بين شريكين متعادلين او على الاقل متقاربين. اننا وان لم نشارك الذين يئسوا من امكان التوصل يوماً الى ردم الهوة بين مختلف مناطق العالم في تشاؤمهم, إلا اننا نعترف بأن الجهود التي بذلت في هذا الاتجاه كانت مخيبة للآمال.
واذا كانت الدول الفقيرة اليوم أقل فقراً مما كانت عليه قبل خمسين عاماً, فإن الهوة بينها وبين الدول الغنية لا تزال بالمقارنة تزداد عمقاً, وخصوصاً في هذه المرحلة الاخيرة من الليبرالية المطلقة الجموح.
ذلك ان الاقتصاد العالمي, المستسلم لمنطق الليبرالية الاقتصادية المطلقة, قد زاد الدول الغنية غنى, الى حد ان الدول الفقيرة ظهرت افقر أيضاً.
وبمعنى آخر, ان العولمة كما هي مطبقة اليوم لا يمكن إلا ان تولّد المزيد من عدم المساواة معمقة بذلك الهوة بين الشمال والجنوب.
إن هذه الهوة تذكر بتلك التي كانت تفصل بين الطبقات الاجتماعية, جاعلة اياها في مواجهة بعضها البعض في بدايات الثورة الصناعية وضمن حدود الدول القومية. ذلك ان حدود الدولة وحدود السوق كانت متطابقة, مما كان يجعل التناقضات الاقتصادية والاجتماعية بين الطبقات تنحصر بين حدود الدولة.
إذ ذاك كان من الطبيعي ان تأتي المعالجة الاقتصادية والاجتماعية لتصالح المبادرة الفردية والادارة المرنة للاقتصاد من الدولة عينها, كحصيلة تجمع بين الاشتراكية والرأسمالية, من خلال اندماج مطالبة الاولى بالعدالة, والثانية بالتزام مبدأ الحرية, ضمن اطار تضامن اجتماعي تمت استعادته.
ولقد كانت هذه الحصيلة الجارية في كنف الدولة ممكنة, لأنها تمت في محيط تلازمت فيه المساحة الاقتصادية مع تلك السياسية, وان واقع العولمة اليوم يفتقد هذا الانسجام, فاذا ما تم, ذات يوم, ضبط الليبرالية الاقتصادية المفرطة, وتصحيح تجاوزاتها ضمن النطاق الوطني, فذلك لأنه وجد اطاراً لسلطة سياسية كانت تمتلك القدرة على ذلك, وان مثل هذه السلطة غير موجودة في الاطار الدولي المعاصر, وما من قوة دولية, مهما بلغت عظمتها, يمكن ان تحل محلها بصورة احادية.
أيها السيدات والسادة, إن رفض مبدأ الآحادية هذا يملي علينا, نحن اللبنانيين, التزام مسلّمة دائمة في ديبلوماسيتنا الا وهي التعلق بمنظمة الامم المتحدة, كسلطة عليا مسؤولة عن حل النزاعات الدولية.
وهذا يفرض علينا تالياً رفض اي التفاف على هذه المنظمة الدولية في النزاعات التي يعود اليها صلاحية النظر بها, كالازمة العراقية الحالية.
اننا نلتزم في هذا الاطار, القرار المتخذ بالاجماع في قمة بيروت العربية التي انعقدت في شهر آذار الماضي, والذي يدين اي عمل عسكري اجنبي ضد اي بلد عربي وتحديداً ضد العراق.
إن الحجتين اللتين يتم الاعتداد بهما لتبرير العمل العسكري, وهما عدم التزام العراق بعض المقررات الصادرة عن الامم المتحدة وانتاجه اسلحة الدمار الشامل, تبقيان غير مقنعتين ما دامت اسرائيل, وهي التي تزودت السلاح النووي, مستمرة في تجاهل عدد كبير من قرارات الامم المتحدة منذ عام 1948 ومن دون أية محاسبة.
ولعل احد اخطر الانتهاكات الاسرائيلية للشرعية الدولية يتمثل باصرار الدولة العبرية على اعتبار القدس عاصمة لها. ومصادقة الرئيس الاميركي على القانون الذي يسمح بنقل سفارة بلاده الى المدينة المقدسة يعتبر بمثابة موافقة على انتهاك غير مقبول للقانون الدولي. فتشدد تجاه البعض, وتهاون مع البعض الآخر, ومثالاً على سياسة الكيل بمكيالين هذه, المشروع المسمى قانون محاسبة سوريا, الذي يناقشه الكونغرس الاميركي, في الوقت الذي ينتظر فيه الضمير العالمي, قانوناً لمحاسبة اسرائيل. ان هذا المشروع غير المبرر, يمكن فهمه, ويا للاسف, من خلال الضعف الاميركي التقليدي تجاه جماعات الضغط المؤيدة لاسرائيل. واننا لآملون في اي حال الا يتجسد هذا الضعف مرة جديدة, في ظل النزاع المفتعل الذي تحاول جرنا اليه اسرائيل في قضية مياه نهر الوزاني في جنوب لبنان. واننا نكرر اصرارنا على استغلال هذه المياه من اجل تأمين حاجات شعبنا الحيوية, وفقاً لاحكام القانون الدولي.
كل ذلك يؤكد, ايها السيدات, والسادة, المعاني الكبيرة التي يتضمنها مفهوم حوار الثقافات الذي اخترتموه لقمتكم في بيروت. إن خياركم هذا, بتشعباته المتعددة, السياسية والاقتصادية والثقافية والاخلاقية هو ملزم لنا. يلزمنا النضال من اجل مزيد من العدالة بين الشعوب, ومن اجل مزيد من الكرامة. تلك العدالة وتلك الكرامة اللتان من دونهما يغدو الحوار كلمة فرغت من معناها, وكذلك الثقافة. وإني اشكركم.

 

كلمة الرئيس الفرنسي جاك شيراك

الرئيس الفرنسي جاك شيراك ألقى في الجلسة الافتتاحية الكلمة التالي نصها:
في هذا العالم المشغول بالعنف والحرب, الذي تتواصل فيه الآلام الجماعية, وحيث الغنى الفاحش يتضاعف بوتيرة لا سابق لها, وفي هذا العالم حيث الانسان يشوه الطبيعة التي لا يمكنه العيش من دونها, وحيث تتضاعف عمليات التبادل والمعرفة بوتيرة مذهلة, في هذا العالم الباحث عن معنى له وعن ثوابت, تفرض الثقافة نفسها كباعث على الرجاء.
ان الثقافة هي الحركة التي يقرر من خلالها الانسان ان يقول لا للقدر, فيسيطر على غرائزه ويتفهم طريقة عيشه مانحاً لهذه الطريقة معنى. وهي دليل قوة العقل, وسلاح المعرفة ضد القوة العمياء والحواجز التي تظهر وكأنه ما من قدرة للتغلب عليها. فالثقافة تزيد الوجود نبلاً لأنها ثمرة تجارب قديمة وتوق الى الفرح.
في هذه الظروف حيث الانسانية تجهد في سبيل ابتكار قدر موحد, في هذه الظروف الغنية بالآمال والتهديدات, لدينا رسالة نحن الفرنكوفونيين. فنحن مختلفون, من حيث المصدر والعرق والدين, الا اننا مجتمعون حول مصادفات التاريخ ومخاطره, نريد ان نحيي مثالاً انسانياً يشدنا بعضنا الى بعض, ونتقاسمه.
فأي مكان افضل من بيروت, في هذا الوطن الذي تمتد جذوره لآلاف السنين وقد توالت عليه شعوب وحضارات, لنحتفل بحوار الحضارات؟ هنا, يمكننا ان نتأمل هذه الخبرة المديدة للشعب اللبناني. انه شعب عرف كيف يزاوج تأثيرات الشرق والغرب, انه شعب منذور لعبقرية التجارة, وكان سبّاقاً في اكتشاف العالم. وهو شعب اختبر مراراً التجربة القاسية للنزاعات والغزوات والاختلافات الداخلية, الا انه عرف كيف ينهض دائماً ويحافظ على مكانته بين الدول البارزة, من خلال حسه الخاص باختبار العالم وقدرته على التأقلم.
هنا في بيروت, اتمنى, من اجل تطور شعوبنا ومن اجل عالم افضل, ان نخدم قضية حوار الثقافات, وقضية السلام والديموقراطية, وقضية التطور والنمو المستدام.
ان رسالة الفرنكوفونية تكمن في خدمة الحوار والتنوع بين الثقافات. فالعولمة تتيح للانسان مزيداً من الحرية والتقدم. ونجد فيها ايضاً خطر الاحادية وتهديداً لهوياتنا. الا ان الانطواء على الذات يقود الى نوع من الانكفاء يوازي حد نكران الذات. ان احد تحديات العالم حيث نعيش, قد اصبح اتقان كيفية ان نكون ذاتنا من اجل ان نتمكن من احتضان الآخر. وهكذا نزيل خطر ما سماه امين معلوف الهويات القاتلة.
ان علاج مشكلاتنا المعاصرة, يمر هو ايضاً من خلال حوار الثقافات, لأنه يدعو الى خلاصة تجمع بين بحث فاعل في العصر الصناعي, وبحث آخر متناسق لمجتمعاتنا التقليدية. فلنسهر كي تترافق الاهمية المتصاعدة للتبادل التجاري في حياتنا مع مضاعفة مماثلة لتبادل الافكار. لهذا السبب يجب المحافظة على التنوع في العالم, كضمان لمستقبل الانسانية. ولهذا السبب ايضاً, تطلب فرنسا من الفرنكوفونيين ان يعملوا على جمع الدول المدركة لهذه الضرورة, من اجل دعم شرعة التنوع الثقافي الصادرة عن منظمة الاونيسكو. ولهذا السبب اخيراً, علينا ان ندافع بحيوية اكبر عن اللغة الفرنسية والتنوع اللغوي, وتحديداً في المحافل الدولية حيث يخالج بعضاً منا شعور لا يطاق بأنه اصم وابكم.
ما نريده للعالم نريده ايضاً للفرنكوفونية. نحن في بيروت نعطي مثالا ًحياً لحوار الثقافات, فلنتعلم كيف يكتشف بعضنا بعضاً بشكل افضل, وكيف نقدّر عطايا كل منا. ان فرنسا تريد ان تأخذ حصتها من هذا الجهد. لذلك, اتمنى ان يفتتح في متحف اللوفر, جناح جديد مخصص للفنون الاسلامية, يعمل على دعم الرسالة الدولية لهذه المؤسسة العريقة, مذكراً الفرنسيين بما قدمته حضارات الاسلام للثقافة الفرنسية.
في المقابل, اقترح ان تستضيف باريس سنة 2006 مهرجان ثقافات العالم الفرنكوفوني. هذه الفرصة الفريدة ستكون مناسبة لجمع الفنانين والسينمائيين واختصاصيي العلوم والشعراء من دولنا ودليلاً بارزاً على حيويتنا, وعيداً تتمكن شعوبنا من خلاله, من نسج علاقات أوثق وسيكون ذلك فرصة نفتتح خلالها بيت الفرنكوفونية الذي سيكون مقراً فاخراً لاستضافة من يرغب, كما للعمل.
الا انه ليس هناك حوار صادق بين الثقافات من دون حرية وديموقراطية ومن دون التشديد على القيم العالمية لشرعة عام 1948. لقد آن الاوان لنضع اعلان باماكو موضع التنفيذ من خلال مراقبة شجاعة وواعية لوضع حقوق الانسان في دولنا, ولاعتماد الآليات التي اسسناها. ان طريق الديموقراطية طويل, الا اننا نسير في شكل اسرع اذا ما سرنا معاً, وما من احد يمكنه ان يدعي انتماءه الى عائلتنا اذا كان رافضاً هذا الاساس لتراثنا المشترك. كما انه ليس هناك حوار للثقافات, لا يبلغ المجال العالمي للتربية, سواء للفتيات والفتيان, لأنه يوجد الكثير من بلداننا بين الدول الاكثر تأخراً في تطبيق اهداف مؤتمر دكار, واعني التربية المدرسية للجميع بحلول سنة 2015, لذلك, التزم جعل التربية اولوية في مجال مضاعفة المساعدات العامة للتطور في فرنسا. وارغب في ان يخصص جزء كبير من الارصدة التي تمنحها فرنسا للفرنكوفونية, للوكالة الجامعية, وادعو الوكالة الحكومية كي تعد استراتيجيا جديدة في هذا الاطار.
ان رسالة الفرنكوفونية هي جعل السلام يتقدم أكثر فأكثر, وحوار الثقافات الذي يسهل تقاسم الخبرات الانسانية هو افضل مؤثر حيوي لمواجهة صراع الحضارات, فهو يساعدنا في وضع اسس سلام دائم, الا انه يتوجب علينا ان نعمل ايضاً من اجل وضع حد للنزاعات المعاصرة.
هنا في بيروت, نكرر تأكيد ايماننا العميق, بأن اللجوء الى القوة في العالم المعاصر لا يمكن ان يكون الا الملاذ الاخير, ولا يمكن القبول به الا من خلال حق الدفاع عن النفس المشروع او من خلال قرار صادر عن المراجع الدولية الصالحة. فسواء كان ذلك يعني فرض احترام العراق لواجباته او اعادة اطلاق مسيرة السلام الاسرائيلية ­ الفلسطينية, او معالجة النزاعات في افريقيا, فإنه يجب على منطق الحق ان يوحي لنا طريقة عملنا, لأن هذا المنطق وحده, يؤمن لنا ضماناً دائماً ضد المحاولات المغامرة.
منذ قمة هانوي, بدأ الفرنكوفونيون يعملون معاً من اجل تفادي النزاعات او اعادة تركيز السلام في مساحاتهم المشتركة. واني أحيي جهود الامين العام وموفديه. ويجب علينا ان نلتزم اكثر هذا الاتجاه. واننا اذ نستوحي سابقة مؤتمر باماكو للديموقراطية ولحقوق الانسان, اقترح على منظمة الفرنكوفونية ان تطلب من الامين العام تقديم اقتراحات من اجل قيام مؤتمر وزاري هدفه اقامة وسائل حوار وعمل في خدمة السلام.
لقد عانى العالم الرعب الناجم عن عمليات 11 ايلول, وقد ترددت اصداء هذا الصدام حتى اليوم. ان العالم متضامن مع الشعب الاميركي ومجتمع على مناهضة الارهاب ضمن اطار منظمة الامم المتحدة. ويجب علينا ان نناضل ضد فقدان العدالة كما ضد حجج الارهابيين كي لا يواصلوا جرائمهم. ومن اجل ذلك علينا ان نعمل في شكل اضافي لحل النزاعات, من اجل تحقيق الاهداف التي يتطلبها النمو المستدام. وعلينا ان نناضل ضد السيدا, وننتصر على الفقر, ونعيد التوازن البيئي ونتفادى الازمات المالية. لأجل كل ذلك, ثمة حاجة واحدة يجب تلبيتها: كيف يمكننا تنظيم المدينة الكونية كي يصبح الاقل ضعفاً فيها, محمياً, وكي يصبح الامن فيها مؤمناً, والتنوع والمساواة في الفرص أمراً محققاً؟ يجب علينا ان ننفح العولمة روح الانسانية من اجل السيطرة عليها, وهذا يتم عبر ابتكار طريقة ادارة دولية, ديموقراطية كونية.
ان الفرنكوفونيين يريدون المساهمة في توجيه النقاشات الدولية والمفاوضات الى حيث يتم رسم جزء من مستقبلنا. فسواء كان الامر يتعلق بالامور المالية او التجارة او المساعدة على التطور او حماية البيئة, فإنه يتوجب علينا ان نتشاور اكثر كي ندافع بطريقة فضلى عن مصالحنا ونسمع صوت تنوعنا.
ان العائلة الفرنكوفونية تعني ايضاً التضامن, وهذا يدفعنا الى العمل متضامنين من اجل تحقيق الاهداف التي وضعها العالم نصب عينيه لدى قمة الالفية في جوهانسبورغ. وقد التزمنا بحدود سنة 2015 خفض نسبة الذين يعيشون في فقر مدقع. كما التزمنا خفضها الى النصف, نسبة الذين ليس بمقدورهم الحصول على المياه, والعمل على فتح آفاق التجارة الدولية لمنتجات الجنوب, مضاعفين المساعدة من اجل التطور بنسبة 0.7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للدول الصناعية. لا شك ان طموحنا كبير في هذا الاطار, الا انه يتوجب علينا تنفيذه باسم مواطنينا, فهذه الطموحات هي بمستطاعنا شرط ان نعبئ قوانا في هذا الاتجاه.
واني أحيي المبادرة المتجددة التي تشكلها النيباد. ان افريقيا قد أخذت مصيرها بيديها مقررة التزام طريق الديموقراطية والادارة الجيدة والتطور, والمجتمع الدولي يدعم هذا المشروع المثالي. لقد عبرنا من منطق المساعدة الذي أظهر قصوراً, الى منطق الشراكة والمسؤولية المتبادلة, وهو منطق واعد في شكل اكبر. ومن اجل اظهار تضامن الفرنكوفونيين, اقترح ان يكون موضوع قمتنا المقبلة هو النمو المستدام, على أن ننظر من خلاله ايضاً الى اين وصلنا في تحقيق مشاريع الالفية التي اتفقنا عليها, وفي تطبيق مقررات قمة جوهانسبورغ.
من اجل ذلك, فلنقم معاً بصوغ كتاب مشترك من التطور الانساني, ولنطلب من القيمين عليه تنظيم النتائج التي بلغناها وتقويمها من اجل مساعدتنا للحصول على التمويل الدولي المطلوب.
هناك رجل يجسد التنظيم الفرنكوفوني. انه بطرس بطرس غالي, ابن مصر, ووريث احدى أعرق الحضارات في العالم, المؤتمن على تراث لا بديل منه, ابن افريقيا والعالم العربي واوروبا في آن واحد. انه من خلال رسالته, رجل سلام, تحمّل مسؤوليات الديبلوماسية المصرية وعمل بشجاعة واقتناع من خلالها. وقد دافع عن طموح متعدد الأوجه, خلال ترؤسه منظمة الامم المتحدة, عبر مبادئ ثلاثة: السلام والنمو والديموقراطية. وهو ما ان اصبح وجه الفرنكوفونية وصوتها, حتى فتح امامها الآفاق الواسعة جاعلاً اياها تلتقي الثقافات العربية والبرتغالية والاسبانية ونافخاً فيها قوته وطموحه والتزامه.
انني أحييه وأعبر له هنا, عن تقديري كاملاً, واي تقدير له افضل من ان نثبت الانطلاقة التي بدأها, من خلال تعميق الاصلاح وتدعيم دور القيمين على المؤسسة الفرنكوفونية, كما من خلال تقريب أطر العمل بين كل المؤسسات التابعة لها والمجموعات المحلية, واسماع صوتنا في شكل أكبر في العالم وتدعيم حضورنا السمعي والبصري؟ لأجل ذلك, نحن مستمرون في هذا الاتجاه.
ان الفرنكوفونية تريد ان تكون قوة للمستقبل, ولكي تؤثر في العالم عليها ان تكون على قدر طموحاتها الاساسية والاكثر ضرورة لعالمنا, وهي: ابتكار اخلاقيات دولية للتعاطي تقوم على مبادئ ثلاثة تختصر بسيادة الذات واحترام الآخر والتضامن.
ففي الوقت الذي اصبح فيه الانسان يشكل قوة كافية لتدمير الحياة, يتطلب منه مستقبله ان يسيطر على غرائزه ويتعلم كيف يؤثر على نتائج قراراته في شكل افضل, وهذا يعني سيادة ذاته.
اما بالنسبة الى الاحترام, ففي الوقت الذي تتحدى فيه التقنيات الحديثة, المسافات والزمن, ملزمة التجمعات البشرية الأبعد بعضها عن البعض, ان تعيش معاً, وفي الوقت الذي بات العلم يسمح بتعديل الطبيعة البشرية, وهو أمر نؤمن انه لا يمكن المساس به, فإنه من الضروري ان ننطبع بالخصائص المقدسة للحياة والآخرة.
وهناك أخيراً, التضامن. ان قدرنا جميعاً مترابط, فما من أمة او دولة في امكانها الادعاء انها قادرة وحدها على تحمل التحديات المعاصرة, فعالمنا لا يمكنه ان يأمل متابعة مسيرته من دون الاجابة عن حاجات مليارات النساء والرجال الموضوعين خارج اطار التطور. هذا يعني ان عولمة الاقتصاد تفترض عولمة التضامن.
هذه هي المبادئ الاساسية الثلاثة التي تجعلنا الثقافة الفرنكوفونية اقرباء لها. يبقى ان نعمل على تجسيدها وتقاسمها. هذه هي رسالتنا, وهذه هي دعوتنا, لا بل, هذا هو نبل عملنا. انه طموح هذه القمة من اجل الوصول الى انسانية خالصة وكاملة, وفق رؤية الرئيس سينغور لمستقبل العالم.

 

كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية

الامين العام لجماعة الدول العربية عمرو موسى ألقى الكلمة الآتية:
يسرني في البداية ان اتوجه بتهانيّ الخالصة الى الرئيس اميل لحود على رئاسته للقمة التاسعة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية, وأحيي بهذه المناسبة لبنان حكومة وشعباً على احتضانه لهذا الحدث المهم الذي يأتي بعد ستة أشهر من استضافته للقمة العربية, الامر الذي يبرز المكانة المرموقة التي يتبوأها لبنان الشقيق, والدور المهم الذي يضطلع به على الساحات العربية والاقليمية والدولية.
إن اختيار لبنان لعقد هذه القمة تحت شعار: حوار الثقافات له دلالات عميقة المغزى بالغة الاثر, فهو تعبير عن مدى التقدير للدور الريادي الذي يمارسه لبنان هذا البلد العربي في مجال ترقية الثقافة والفكر الانساني, حيث ظل عبر تاريخه العريق منارة للفكر, وملتقى للتفاعل الحضاري, ونموذجاً للتآلف بين الاديان والمذاهب, ومثالاً للانفتاح العربي على الثقافات والحضارات الاخرى اخذاً وعطاءً.
أودّ في هذه المناسبة التاريخية ان اعبّر باسم جامعة الدول العربية عن التقدير الخاص للدور الكبير الذي اداه الامين العام للفرنكوفونية الدكتور بطرس بطرس غالي بطرح المنظمة الفرنكوفونية كمنظمة عالمية متعددة في توجهاتها الايجابية, ومنبراً للتفاهم بين الثقافات والحضارات, في وقت تعالت فيه الاصوات السلبية المنادية بصراع الحضارات العالمية, والمتهجمة على المعتقدات الانسانية السامية, وهو ما سمم الموقف العالمي تسميماً ادى الى ما نراه اليوم من شكوك متبادلة واعصاب مشدودة واعطى لسياسات الصدام زخماً لا تستحقه.
من هذا المنطلق فإن الجامعة العربية ­ في تقديرها للمنظمة الفرنكوفونية التي لم تقع في الفخ المنصوب للقطيعة بين الثقافات او لدعاوى التحيز والتفرقة ­ عازمة على تعزيز التعاون معها والتفاعل مع منطلقاتها. ان العربية صديقة للفرنسية والحوار بينهما يشكل سياسة رصينة, كما ان تعاونهما المشترك يمكن ان يشكل سداً منيعاً ضد دعاوى السلبية والكراهية.
ليست الفرنسية مجرد لغة, ولكنها ثقافة عالمية, كما ان العربية ليست مجرد لغة وانما ثقافة قومية, ورابطة حضارية. وان بينهما الكثير من التفاعل الحضاري, والتعاطف الفكري, رغم كل ما كان عبر التاريخ من نقاط خلاف, واليوم فإن مساحة اللقاء ارحب واوسع.
نعم علينا ان نعي عبر التاريخ, وواجبنا هو ان نقف معاً حتى لا يقع العالم في ورطة تاريخية, وتنهزم الحضارة الانسانية في لحظة كم املنا ان تكون لحظة انتصار وانطلاق.
ومما يُيسر عملنا هذا, تلاقي اهداف الجامعة العربية مع الرؤية الجديدة لمنظمتكم الموقرة, بعد التحولات الجذرية التي شهدتها أخيراً, والمتمثلة خاصة في اقرار ميثاقها الذي نص في مادته الاولى على المبادئ نفسها التي تؤمن بها الجامعة العربية, والاهداف التي تسعى الى تحقيقها, وخصوصاً في مجال التنمية الاقتصادية والانسانية, ودعم النهج الديموقراطي في مجتمعاتنا, وفض النزاعات سلمياً, وارساء دعائم الامن والاستقرار في العالم, وتشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات, وهو المحور المهم الذي أود ان اتوقف عنده قليلاً لأنه لم يعد في زمننا ترفاً فكرياً او جدلاً اكاديمياً, وانما اصبح عنصراً حيوياً مؤثراً في توجهات السياسة الدولية, وفي حركية التفاعل بين الدول والشعوب.
إن حوار الثقافات يشكل في تصوّري, دعامة اساسية لاضفاء البُعد الانساني على ظاهرة العولمة, ويساعد على الحد من افرازاتها السلبية, وهو يشجع على التعددية والتنوع الثقافي الذي ظل عبر مسيرة التاريخ مصدراً رئيسياً لاثراء الحضارة الانسانية, ومنهجاً لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تغذي نزعات التطرف والغلو تجاه اي ثقافة اجنبية, ونمط الحياة التي ينظمها والمعتقدات التي تؤمن بها, خصوصاً بعد الصدمة المروعة التي اصابت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من فوضى فكرية واتهامات وتداعيات لا تزال تفاعلاتها تتردد عبر العالم.
ان المعالجة الناجعة للارهاب الدولي لا تكون باطلاق الارهاب الفكري, وانما تتم بالتعاون بين الجميع, من منطلق اننا جميعاً في قارب واحد. ان الثقافة والحضارة الغربية لا تشكلان وحدهما قارباً يبحر في بحار الظلمات. اننا جميعاً معاً نبحر في محيط هادر من الاحباط والغضب العالمي, ولا نجاة لنا جميعاً إلا باعمال العقل والحكمة ومعالجة جذور الغضب ومسببات الاحباط وعلى رأسها الفقر والظلم والاحساس بالعجز وانعدام العدالة والكيل بمكيالين, وهنا يأتي دور الامم المتحدة والفرنكوفونية والجامعة العربية والاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي والمؤتمر الاسلامي ومنظمة الدول الاميركية وعدم الانحياز. هنا يأتي دور القادة الحكماء, والمثقفين الواعين ورجال الدين الحقيقيين ليس المزوَّرين او المزوِّرين. هنا يأتي دور الجماعة والمجتمع المدني والفرد والانسان.
تجتمعون اليوم في منطقة ملتهبة, بسبب تصاعد حدة العدوان واعمال العنف التي تنتهجها السياسة الاسرائيلية التي ردت على مبادرة السلام العربية الجريئة التي أقرها القادة العرب هنا في بيروت في آذار الماضي بشن حرب شاملة ومفتوحة على الشعب الفلسطيني ومكوناته وقيادته, وباطلاق التهديدات بالعدوان على سوريا ولبنان, واجهاض كل مبادرات السلام العربية والدولية, وذلك في تحد صارخ واستخفاف مهين بقواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة وحقوق الانسان. وكما صعّدت اسرائيل من اعتداءاتها على فلسطين والفلسطينيين, صعدت من تهديداتها ضد لبنان عقب اعلانه استغلاله المحق والقانوني لجزء من مياهه في نهر الوزاني واعادة الحياة الى منطقة عانت الاحتلال الاسرائيلي وتعاني اليوم الجفاف, وهو تهديد اضافي بأسلوب ابتزاز شجعها عليه صمت المجتمع الدولي.
لقد ترك الحبل على الغارب لأن تعمل السياسة الاسرائيلية على اساس انها صاحبة الحق الاوحد او الحق الاول في كل ما يتعلق بالامن او المياه, بل في صوغ السلام نفسه وهو أمر خطير جداً, لقد كان هذا هو السبب الحقيقي في فشل عملية السلام في التسعينات والتي بُنيت على مقررات مؤتمر مدريد وصيغه. ان انعدام التوازن والانحياز للدعاوى الاسرائيلية قضى على عملية السلام في اطوارها السابقة, وسوف يقضي على عملية السلام في اي طور قادم اذا استمر الوضع على ما هو عليه, ولم تجنح القوى العالمية نحو اداء دور الوسيط النزيه في هذا النزاع الخطير.
وأقول هنا: لن يجدي في ذلك تحركات مسرحية, او اجتماعات ومؤتمرات تستهدف شغل الوقت واعطاء الانطباع أن عملاً ما يتم انجازه. ان الطريق واضح, خطة طريق, وضوء واضح في نهاية النفق, واطار زمني, وضمانات لتنفيذ كل ذلك. وارجو ان تؤيد منظمة الفرنكوفونية هذا التوجه, وخصوصاً ان الدول العربية اكدت استعدادها للسلام عبر مبادرتها التي صدرت في هذا المكان بالذات قبل اشهر.
لقد زاد من تفاقم الاضطراب في المنطقة, ما نسمعه من طبول الحرب الموجهة الى العراق. في الوقت نفسه, نرى فيه الخراب والدمار واليأس في فلسطين, والاضواء الخضر او الصفر المعطاة للسياسة الاسرائيلية لتحتفظ بأسلحة دمار شامل وبممارسة الحرب ضد الشعب الفلسطيني والاحتلال ضد الاراضي العربية.
اننا نأمل في ان يسود منطق العقل والحكمة في معالجة الازمة العراقية, بتسهيل عودة المفتشين عن اسلحة الدمار الشامل الى العراق بأسرع ما يمكن, وذلك لتسوية كل التداعيات المتصلة بهذه الازمة في اطار التزام احترام سيادة العراق ووحدته الاقليمية وتنفيذ قرارات مجلس الامن, تمهيداً لرفع العقوبات عن شعبه وانهاء معاناته. ان الموقف الفرنسي والكندي المصر على اعطاء الحلول السلمية فرصتها, مع عدم التفريط في دور مجلس الامن وقراراته وضرورة تنفيذها واحترامها, هو موقف جدير بالتنويه والتقدير.
إن المسار الديموقراطي في الشرق الاوسط يجب ان يتدعم ويتجذر, ولقد بدأت مسيرته, ولكنه لن يفرض عن طريق الغزو العسكري, بل ربما سوف يجهض.
ان الحرص على دعم النهج الديموقراطي في كل دول العالم, يتطلب ايضاً تنظيم العلاقات الدولية على اسس ديموقراطية, ودعم سلطات الامم المتحدة, والتزام تنفيذ قراراتها وعدم تهميشها وان يطبق ذلك على الجميع, وبذلك نتمكن من بلورة عالم ينتعش فيه الامل بحياة افضل, ويسود فيه العدل ويعم السلام ويحقق الرفاه لجميع الشعوب والامم.

 

إعلان بيروت

بتاريخ 20 تشرين الأول 2002, تم إقرار نص إعلان بيروت الصادر عن القمة الفرنكوفونية التاسعة في جلستها الختامية.
هنا مقتطفات لأبرز ما جاء في إعلان بيروت:
نحن رؤساء الدول والحكومات في الدول التي تتشارك في اللغة الفرنسية, اذ اجتمعنا من 18 تشرين الاول 2002 الى 20 منه في بيروت, نحيي انعقاد قمة الفرنكوفونية للمرة الاولى في دولة عربية هي لبنان. ويدلّ وجودنا في الشرق الادنى على تضامننا مع اللغة والثقافة العربيتين, وهو تضامن يسمح لنا بأن نعيد توكيد البعد الشمولي للفرنكوفونية.
ولقد قررنا تكريس هذه القمة الفرنكوفونية التاسعة لموضوع حوار الثقافات.
اننا نعيد توكيد الدور الرئيسي الذي يؤديه حوار الثقافات في تعزيز السلام واحلال الديموقراطية في العلاقات الدولية. ويستتبع هذا الحوار احترام الهويات المختلفة والانفتاح على الآخرين والبحث عن قيم مشتركة ومتبادلة.
ونود منح انطلاقة جديدة لتكثيف حوار الثقافات والحضارات, كما للتقارب بين الشعوب عبر تعارفها, وهما هدفان يحتلان في الميثاق مرتبة الاولوية للفرنكوفونية...
وننوي تعميق ميادين التشاور والتعاون الفرنكوفونية بغية مكافحة الفقر والمساهمة في نشوء عولمة اكثر انصافاً تؤدي الى التقدم والسلام والديموقراطية وتعزيز حقوق الانسان, وتحترم التنوّع الثقافي واللغوي, وتكون في خدمة الشعوب الضعيفة ونموّ جميع البلدان على حد سواء...
­ نندد بشدة, ووفق قرارات الامم المتحدة ذات الصلة بالموضوع, بكل اساليب اللجوء الى الارهاب, ونشدد على ضرورة التعاون الوثيق بين جميع دولنا وحكوماتنا بهدف تدارك هذه الآفة ومكافحتها. ونحن نلتزم الانضمام في اقرب وقت الى كل الاتفاقات الدولية المكافحة للارهاب والى تطبيق موادها. وندعو الى عقد اتفاق عام وشامل حول الارهاب, ونصرّ في الوقت نفسه على ان تحترم التدابير المتخذة لمكافحة الارهاب المبادئ الاساسية لشرعة الامم المتحدة والوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والقانون الانساني وحقوق اللاجئين.
­ نندد بانتهاكات سيادة الدول الوطنية وسلامة اراضيها, واستخدام اراضي الدول المستقبلة للاجئين بهدف زعزعة بلدان المنشأ التي قدموا منها, والاعتداءات المسلحة, واوضاع الاحتلال, واعمال التدمير والنهب والاستغلال غير القانوني للمصادر الطبيعية وللثروات الاخرى, بالاضافة الى انتهاكات حقوق الانسان. ونلزم المسؤولين عن هذه الحالات احترام شرعة الامم المتحدة وندعم كل المبادرات او الخطوات القانونية والمطابقة لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة بالموضوع, وخصوصاً القرار 146/51 الصادر في 19 كانون الاول 1991, وتلك المطابقة كذلك للقانون الدولي, بغية وضع حد لهذه الانتهاكات...
­ نعيد توكيد تضامننا الكامل مع لبنان وشعبه في الجهود الهادفة الى مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي ما يتعلق بالوضع في الشرق الاوسط, ندعو الى الاستئناف الفوري لعملية السلام على اساس المبادئ التي اعتمدت في مؤتمر مدريد وقرارات الامم المتحدة ذات الصلة بالموضوع, ولا سيما منها القراران 242 و338 لمجلس الامن التابع للامم المتحدة.
وندعم على هذا المستوى, مبادرة السلام العربية التي اقرت بالاجماع خلال القمة العربية في بيروت في 27 آذار 2002 و28 منه والتي نعتبرها, بكل مقوماتها, وخصوصاً تلك المتعلقة بمقايضة الارض بالسلام, وتلك المتعلقة بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين, الاطار الافضل للتوصل الى حل عادل وشامل في المنطقة.
­ ندافع عن اولوية القانون الدولي والدور الاساسي للامم المتحدة. وندعو الى تأكيد المسؤولية الجماعية من اجل التوصل الى حل للازمة العراقية, كما ندعو العراق الى الاحترام الكامل للواجبات الملقاة على عاتقه ونعرب عن ارتياحنا الى القرار الصادر عن العراق في تاريخ 16 ايلول 2002 والقاضي بقبول العودة غير المشروطة لمفتشي الامم المتحدة.
­ نندد بمحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة وزعزعة النظام الدستوري في ساحل العاج. وندعو كل الطبقات السياسية وشعب ساحل العاج الى التحفظ والامتناع عن اللجوء الى العنف وحماية حياة الاشخاص والممتلكات...
­ نحيي ولادة الاتحاد الافريقي في 9 تموز 2002 في دوربان (جنوب افريقيا) وهي خطوة تجسد تصميم رؤساء الدول والحكومات في القارة الافريقية على تعزيز التعاون والتضامن بين دولهم...
ونرى ان الدول الافريقية يمكن ان تؤدي دوراً مميزاً في الوساطة والتحكيم الهادفة الى نزع فتيل التوتر والى احتواء النزاعات في افريقيا. وندعم على هذا الصعيد الآليات المبتكرة على مستوى القارة والمنطقة بهدف تجنب النزاعات وتسويتها وادارتها. وهي نزاعات تبعث فساداً مستمراً داخل الدول الافريقية وعلى حدودها...
واننا نلتزم النضال, على كل مستويات المجتمع, ضد افلات منتهكي حقوق الانسان من العقاب عبر تعزيز قدرات المؤسسات القضائية والادارية المختصة, ونبتهج لسريان مفعول تشريع روما حول محكمة الجزاء الدولية في الاول من تموز 2002, وهي خطوة سوف تساهم في وضع حدّ لافلات المجرمين من العقاب وسوف تتيح محاكمة مرتكبي جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب. وبغية تحقيق ذلك, ندعو الدول التي لم تصادق على هذا التشريع حتى الآن, الى المصادقة عليه او الانضمام اليه في اقرب وقت...
­ نعتبر ان الاعتراف بتنوع الثقافات وخصوصيتها, اذا كانت هذه تحترم القيم والمعايير والمبادىء التي ارستها شرعة الامم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الانسان, تؤمن ظروفاً مؤاتية لحوار الثقافات.
­ نشدد على اهمية الرهانات الاقتصادية المرتبطة بالثقافة وبالصناعات الثقافية, وهي قطاع يولد النمو وفرص العمل, واننا ننوي تعزيز تطوره وتأمين العوامل التي تساعد في ذلك ضمن اطار دينامي.
­ نذكر بأن الفرنسية التي نتشارك فيها تشكل الرابط المؤسس لتجمعنا. ونجدد تأكيد ارادتنا توحيد جهودنا, من اجل التشجيع على التعدد اللغوي وتأمين وضع الفرنسية واشعاعها والترويج لها كلغة اتصال كبير الشأن على المستوى الدولي...
­ نرحب باعتماد اعلان الاونيسكو حول التعددية الثقافية, ونشدد على مبدأ تكوين اطار تنظيمي عالمي, مصممين على المساهمة بنشاط في اعتماد اداة قانونية, دولية في شكل إلزامي, تكرّس حق الدول والحكومات في الحفاظ على سياسات دعم الثقافة والتعدد الثقافي ووضعها وتطويرها...
­ نحن مصممون على استخدام كل الوسائل الضرورية لتجنب ان يؤدي اللجوء المتزايد الى تكنولوجيات الاعلام والاتصال الى لا مساواة جديدة عبر توجيه الكفايات نحو الاقتصادات الاكثر حداثة, والى ازدياد الفوارق حتماً في مجتمعاتنا. وعليه, نلتزم دعم تطوير تكنولوجيات الاعلام, بغية تقليص الهوّة الرقمية في المساحة الفرنكوفونية...
­ تفرض علينا سيطرة العولمة ورهاناتها مسؤولية مشتركة. فحوار الثقافات الذي يشجع على الغنى المتبادل للعلوم والتجارب يساهم في الاجابة عن تحديات عصرنا وايجاد الشروط لتطوّر مستدام.
­ الفقر, الامية, الاوبئة, وخصوصاً السيدا, اختلال الامن, الجريمة المنظمة, كذلك الاختلالات البيئية هي مصائب تبقي الدول والشعوب الاضعف بعيدة من التطور. نلتزم النضال ضدها, عبر تقوية التعاون في قلب تجمعنا, وشدّ اواصر علاقاتنا ببقية الجهات المتعددة الجوانب القادرة.
­ انطلاقـاً من اقتناعنا بأن التربية والتدريب هما من الاسـس الرئيسية لتطوّر مستدام, نجدد تأكيد الاولوية المتعلقة بتشجيعهما ودعمهما.
لقد توافقنا مع مجموع المجتمع الدولي على اهداف التربية للجميع (EPT) التي حددت خلال المؤتمر الدولي عن التربية في داكار عام 2001, مما يسمح بالوصول الى التربية الاساس لكل الاولاد, وخصوصاً الفتيات, والتعليم الابتدائي الالزامي, المجاني والنوعي الذي يساهم في دمجهم الاجتماعي والمهني...
­ نحيي المسار الذي التزمه اعلان الالفية الصادر عن الأمم المتحدة, والذي استكمل في مؤتمر مونتري حول تمويل التنمية, وفي قمة جوهانسبورغ حول التنمية المستدامة, كذلك في الدورة الجديدة للمفاوضات التجارية المتعددة الجوانب في الدوحة.
سنواصل جهودنا لمكافحة الفقر, وسيتجه تضامننا بدايةً نحو الدول الاقل تطوراً والدول الصغيرة المعزولة, من أجل دمجها في المحيط العالمي لتبادل الموارد والخدمات...

 

شاهدة عبر الأجيال

خلال إقامته في لبنان, زار الرئيس الفرنسي جاك شيراك القصر الجمهوري والمجلس النيابي والسراي الكبير حيث التقى رئيس الجمهورية العماد إميل لحود, ورئيس مجلس النواب نبيه بري, ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري.
وألقى الرئيس شيراك كلمة سياسية شاملة في المجلس النيابي ورعى إحتفال تدشين المبنى الجديد للمعهد الوطني للإدارة, وشارك أيضاً في الجلسة الختامية لمؤتمر رؤساء البلديات الفرانكوفونيين في قصر الأونيسكو.
وأعلن الرئيس لحود خلال لقائه الرئيس شيراك أن العلاقات اللبنانية ­ الفرنسية, ازدادت وثوقاً ومتانة من خلال المبادرات التي اتخذها (...), وعبّر عن امتنان لبنان لما يبذله الرئيس الفرنسي من جهود لانعقاد مؤتمر “باريس ­ 2”.
ودعا الرئيس لحود الى تفعيل الدور الأوروبي لا سيما الدور الفرنسي, للخروج من الحالة الدامية التي أوجدتها السياسات الإسرائيلية, ولتغليب التوجهات الداعية الى السلام الشامل والدائم, مشيراً الى ضرورة إعطاء فرصة للمبادرة العربية للسلام.
أما الرئيس شيراك فأعلن في خطابه في المجلس النيابي عن استمرار دعم فرنسا للبنان, مشيراً الى الجهود التي بذلت من أجل عقد إجتماع دولي في الأسابيع المقبلة لاتخاذ التدابير التي تساعد لبنان على مواجهة صعوباته الإقتصادية والمالية, وأشاد بالجهود التي بذلتها الحكومة في تطبيق السياسة الجريئة والضرورية.
من جهته, حذّر الرئيس بري في كلمته أمام المجلس النيابي بحضور الرئيس شيراك, من وجود مسعى للنيل من إستقرار النظام العام, وخلق شقوق حول طبيعة ودور الدول, مشدداً على أن أكثرية اللبنانيين تنحاز الى القيم الديموقراطية واحترام الحريات العامة.
وفي حديقة القصر الرئاسي, زرع الرئيس شيراك شجرة أرز عربوناً للصداقة بين البلدين, وتسلم من الرئيس لحود براءة زرع الشجرة الى جانب شجيرات أرز تحمل أسماء رؤساء الدول العربية والأجنبية الذين زاروا لبنان خلال ولاية الرئيس لحود سواء في زيارات رسمية, أم من خلال مشاركتهم في أعمال القمة العربية التي عقدت في آذار الماضي في العاصمة اللبنانية. وهذا التقليد الجديد المعتمد في قصر بعبدا يؤرخ لزيارات قادة الدول الى لبنان.
ودوّن الرئيس شيراك في سجل الشرف في القصر الجمهوري العبارة الآتية: “عسى أن تكون الأرزة التي زرعناها معاً, في حدائق قصر بعبدا, شاهدة, عبر الأجيال على النمو الثابت لعلاقات الصداقة والأخوّة التي تربط بين لبنان وفرنسا جاك شيراك”.