- En
- Fr
- عربي
الجيش والمجتمع
معًا نحو اختصاصات ومشاريع جويّة متطوّرة
خلال الآونة الأخيرة، تابع ثلاثة من تلامذة معهد الطيران في جامعة البلمند دورة تدريبيّة في قاعدة القليعات الجوية. هؤلاء سبقهم آخرون من الجامعة نفسها التي استقبلت بدورها العديد من الضباط الذين تابعوا لديها دورات اختصاص.
والاتفاقيات التي عقدها الجيش مع العديد من الجامعات والمؤسسات الأكاديميّة، أثمرت تعاونًا ومزيدًا من التفاعل بين الجيش والمجتمع.
اتفاق وتعاون
العام 2004 أبدت جامعة البلمند - وهي الجامعة الوحيدة في لبنان التي تضمّ معهدًا للطيران - رغبةً في التعاون مع قيادة الجيش التي تجاوبت، فكان اتفاق بين الطرفَين حدّد المبادئ التي تتيح لكلٍّ من الطرفَين الإستفادة من خبرات الآخر في مجال اختصاص الطيران.
في مجال الخبرات والأبحاث، اتفق الفريقان على تبادل المعلومات العلمية والتقنية والإدارية في: المناهج التعليميّة الأكاديميّة والتطبيقيّة، الدراسات والأبحاث العلمية والفنيّة، المحاضرات، الندوات وورش العمل التقنية.
في ما خصّ التدريب، يتابع تلامذة ضباط (اختصاص قوى جوّ) الدراسة لدى جامعة البلمند ضمن البرامج المعتمدة، حيث ينالون الشهادة الجامعية المناسبة (ملازم اختصاص فني طيران) في نهاية الفترة التعليميّة (سنة جامعيّة تتضمّن دروسًا مكثّفة). وحتى اليوم تابع حوالى 30 ضابطًا من القوات الجويّة الدراسة في الجامعة ونالوا الشهادة المذكورة آنفًا. في المقابل، تستقبل قواعد القوات الجوية سنويًا عددًا من تلامذة قسم هندسة الطيران في البلمند، ضمن فترة تمرّس عملي في مشاغل الطائرات، وتُقام محاضرات تدريبيّة لدى الفريقَين.
إلى جانب تبادل التلامذة والتدريبات، يشمل التعاون بين القوات الجوية وجامعة البلمند عدّة مشاريع عمليّة إذ تشارك الجامعة في إعادة تجهيز عدد من الطائرات المكبسيّة أو الخفيفة التابعة للقوات الجوية مثل طائرات Chipmunk وDove وBulldog. كما أن التعاون مستمرّ في الكثير من الأبحاث العلمية والهندسية المتعلّقة بالطائرات، إضافة إلى الندوات والمؤتمرات والمعارض المشتركة.
برنامج TEMPUS
استنادًا إلى اتفاق التعاون المذكور بين جامعة البلمند والجيش اللبناني، وبفضل العلاقات الوثيقة التي تربط كلية الهندسة في الجامعة بالقوات الجوية، أرسلت الجامعة العام 2009 كتابًا إلى قيادة الجيش موضوعه مشروع شراكة أكاديمية تدخل ضمن برنامج TEMPUS التابع للإتحاد الأوروبي، والهادف إلى تعزيز عناصر التعليم العالي من خلال برامج طموحة لإعداد كوادر فنيّة ذات مستوى جامعي تتولّى صيانة الطائرات، بما يتناسق مع المعايير المعتمدة من قبل هيئة سلامة الطيران الأوروبية (EASA).
يرسي هذا المشروع شراكة بين مؤسسات التعليم العالي في الإتحاد الأوروبي ومؤسسات في عدّة دول من بينها لبنان بهدف تبادل العلوم والمعارف. وبما أن لصيانة الطائرات أهمية كبرى بالنسبة إلى القوات الجوية ومدرستها في رياق، ردّت قيادة الجيش بالموافقة بعد استشارة القوات الجويّة، حيث عيّنت العميد الركن الطيار ماجد كرامة منسّقًا بين الجيش والأطراف المدنية المعنيّة (إشارة إلى أن مدرسة القوات الجويّة سُمِيَت في هذا المشروع LAFA أي Lebanese Air force Academy).
وُضع هذا المشروع قيد التنفيذ في تشرين الأول 2009 على أن ينتهي في تشرين الثاني 2012. وبحسب تصميمه وآلياته، فإن مدرسة القوات الجوية كما باقي أطراف المشروع، ستستفيد من تجهيز مركز للتدريب بواسطة الكمبيوتر (Computer based training) ضمن نظام التعليم الإلكتروني (e-learning). وقد زُوِّد المركز مكتبة إلكترونية تشمل كل المواد التي تتعلّق بالتدريب على صيانة الطائرات، حيث يستطيع الطالب أن يتابع دروسه بشكل تفاعلي عن بعد والحصول على الشهادة الأكاديميّة نفسها التي تمنحها الجامعات الأوروبية مع إذن مزاولة المهنة من الإتحاد الأوروبي للمهندسين. تتولّى القوات الجويّة ضمن هذه الشراكة وضع برنامج التعليم وتحضير بطاقاته المتعلّقة بميكانيك الطوافات العسكرية نظرًا إلى ما تتمتّع به من خبرات في هذا المجال، وهي خبرات غير متوافرة في المؤسسات التعليميّة المدنية.
معهد الطيران - البلمند
تهتمّ جامعة البلمند كمؤسسة تربوية، بكل ما يساهم في تطوير مجال الطيران وتكنولوجياته. في هذا الإطار، يشير البروفسور أوسامة جدايل رئيس معهد الطيران في الجامعة، إلى التعاون المستمرّ القائم بين المعهد ومختلف مؤسسات الطيران المدنية، ويركّز على تبادل الخبرات مع الجيش، وسط أجواء ايجابيّة تسودها الثقة.
استفاد من هذا التعاون حوالى 15 طالبًا لغاية هذا التاريخ، حيث يعود المتدرّب من فترة التمرّس التي يتابعها في القواعد العسكرية، مزوّدًا المعلومات التطبيقيّة اللازمة ومحمّلاً بصفات الإنضباط والمسؤولية واحترام القطع والعتاد التي يتميّز بها العسكريون. التلامذة الضباط من جهتهم يتابعون برنامجًا دراسيًا مكثفًا في الجامعة، يتضمّن العديد من مواد الإختصاص بما في ذلك: الرياضيات، الفيزياء، الكهرباء، الإلكترونيك، الهوائيات (Aerodynamics)، الطائرات ذات المحركات التوربينيّة، الطوافات، علوم المواد (أساليب الصيانة وآلات الطائرات)، وقوانين الطيران وغيرها...
أمّا الجزء المخصّص للطيران من مشروع TEMPUS فهو بعنوان «برنامج لتطوير القدرات في تكنولوجيات الطيران» SF - HEAT (إختصارًا لـSustainable Framework for Higher Education in Aeronautical Technologies) وفق ما يوضح البروفسور جدايل، مبديًا امتنانه وفخره للتعامل مع الجيش اللبناني حامي الوطن ومتمنيًا دوام هذا التعاون واستمراريّته.
في قاعدة القليعات
يتوزّع طلاب الجامعة على مختلف القواعد الجويّة لمتابعة فترات التمرّس ضمن التعاون بين معهد الطيران والقوات الجوية. وقد تابع في الآونة الأخيرة ثلاثة تلامذة من قسم الهندسة الميكانيكيّة فترة تدريب لمدة أسبوعَين في قاعدة القليعات الجوية، واعتُبرت هذه الدورة استثنائية حيث يتابعها الطلاب عادةً لمدة شهر تقريبًا خلال الصيف. أشرف على تدريبهم قائد الجناح الفني في القاعدة النقيب عبدو صفير وساعده الملازم الأول بيارو بو نعمة آمر مشاغل الطائرات فيها.
يتعرّف الطلاب في هذه الدورة إلى: أقسام الجناح الفني، المحركات، الهياكل، الكهرباء، الإلكترونيك، الأدوات الدقيقة، المراقبة الفنيّة والتمويل الفنّي، حيث يشرح كل ضابط آلية عمل القسم المسؤول عنه. يراقب المتدرّبون كيفيّة الإهتمام بالمعدات وقطع الطوافة وسجلاتها، ويتعرّفون إلى آلية الخزن وساعات الطيران، فيتزوّدون فكرة عامة عن الموضوع إلى جانب مواد اختصاصهم.
لحظة وصولهم إلى القاعدة، قدّم النقيب صفير بعض التوجيهات للطلاب الذين هم بنظره على مستوى علمي مرموق يؤهّلهم للتعاون وفهم طريقة العمل ضمن الأطر الإنضباطيّة اللازمة. ويشرح في هذا المجال: «هم مدنيون، لذا لا يمكننا اعتماد الأسلوب العسكري الصارم معهم، حاولنا التعامل معهم بسلاسة وشدّدنا على توجيهات الحيطة والتزام القوانين والجديّة».
ويتابع النقيب صفير موضحًا: نحن حريصون جدًا على التأكد من تلقّيهم المعلومات بالشكل الصحيح، لذلك اعتمدنا أسلوب التقويم اليومي، ونظرًا إلى صعوبة الدورة ودقّتها، وضعنا برنامج عمل دقيق.
الطلاب
غسان فواز سليمان، نيكول رياض الحايك ووائل حبيب أنوس هم الطلاب الذين تابعوا هذه الدورة في قاعدة القليعات الجوية. وقد أبدوا حماستهم للعمل في رحاب المؤسسة العسكرية، وبخاصة في ما يتعلّق بتطبيق الدروس النظرية والأرقام التي تعلّموها في الصف والتي كان يشوبها الغموض قبل رؤيتها بالعين المجرّدة على الأرض.
نيكول لم تتوقّع الدخول في تفاصيل الأمور إلى هذا الحدّ الذي اختبرته، وإذ عبّرت عن اندهاشها بالتنظيم والدقة اللذَين يميّزان الجيش، أبدت حماستها للإنضمام إلى السلك العسكري إذا أتيح لها ذلك.
غسان، نجل أحد ضباط القاعدة، اعتاد الأجواء العسكرية، فلم يجد صعوبة في التأقلم خلال الدورة، وهو يشيد بطريقة الشرح الواضحة والدقيقة.
بدوره يقول وائل إن فترة التدريب هذه كانت نقلة نوعيّة في ما خصّ طريقة تلقّي المعلومات وتطبيقها في مجال آلية عمل القطع، التي تختلف كثيرًا عن التعلّم النظري للأمور في الصف.
ختامًا يرى الطلاب أن هذه الدورة كانت «فرصة لا تُعوَّض»، وإذ يشجّعون زملائهم على متابعتها، يؤكّدون أنها جعلتهم يدركون حقيقة ما يبذله العسكريون يوميًا من مجهود وتعب... كما أنهم لمسوا خلالها الروح العائلية التي تطغى على علاقاتهم بعضهم ببعض.
تعاون مع المديرية العامة للتعليم المهني والتقني
يوضح العميد الركن الطيار ماجد كرامة، معاون قائد القوات الجوية للعديد، ورئيس لجنة دراسة مشروع التعاون الأكاديمي بين الجيش اللبناني وجامعات محلية وأجنبية، أنه بالإضافة إلى التعاون مع جامعة البلمند سبق أن عقدت القوات الجوية العام 2006 اتفاقية مع المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، تنصّ على متابعة حوالى 30 تلميذًا رتيبًا من القوات الجوية الدراسة في مدرسة الصنائع ضمن اختصاصات الطيران، من ميكانيك وهياكل طائرات ومحركات والكترونيك طائرات. نجحت هذه التجربة وما زالت مستمرّة حيث يُرسَل سنويًا مثل هذا العدد من التلامذة الرتباء، يتابعون دورة مكثّفة لمدّة سنة تختصر برنامج ثلاث سنوات. فالتلميذ الرتيب وبعد أوّل سنة له في مدرسة الرتباء، يخضع لامتحانات تؤهّله لمتابعة السنة الثانية في المهنيّة يتخرّج منها حاملاً إفادة، يتابع من بعدها السنة الثالثة في مدرسة القوات الجوية (تطبيق عملي للدروس النظرية التي اكتسبها في المدرسة المهنية) يتخرّج في نهايتها رتيب اختصاص فنّي جوّ.
بروتوكول تعاون
في إطار تعاونها مع الجامعات والمؤسسات العسكرية, عقدت قيادة الجيش اتفاقية مع الجامعة اللبنانية - الكندية، وثمة بروتوكول تعاون يعمل على إنجازه حاليًا، وبموجبه يتمّ منح الضباط المجـازين في الأركان شهـادة ماستر2 في اختصـاص العلاقـات الدوليـة.
الجامعات المشاركة
إلى جانب جامعة البلمند ومدرسة القوات الجوية، يشترك في مشروع SF- HEAT التابع للإتحاد الأوروبي كل من الجامعة اللبنانية، جامعة العلوم والتكنولوجيا في لبنان، الخطوط الجوية عبر المتوسط، الإتحاد العربي للنقل الجوي، مركز سلامة الطيران المدني، جامعة بولونيا، جامعة المتوسّط، الجامعة البلغارية الحديثة، Université de Pau et Pays Adour, Beirut Wings، Wallonie Aerotraining Network، Guy Andre Boy Consulting وURDIN.